عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-17, 01:33 PM   #1
NORAH

الصورة الرمزية NORAH

آخر زيارة »  12-25-18 (09:25 AM)
المكان »  المدينة المنورة
الهوايه »  ابحث عن الكلمة التي لم تكتب بعد
لا ترض على نفسك عدم الاحترام ..
ولا عدم التقدير لوجودك ..

 الأوسمة و جوائز

افتراضي عند الصدمة الأولى



كيف استقبل الشيخ سلمان العودة خبر وفاة زوجته وابنه في حادث سير ؟؟
عند الصدمة الأولى
بقلم عبدالوهاب بن ناصر الطريري .
هكذا جرى قدر الله أن أكون شاهداً الصدمة الأولى، بل ومبلغها، هكذا كان قدر الله أن أسافر إليه وحيداً وأن أرجع معه وحيداً، فقد كان عني في شغل بصلاته، مشهد الصدمة الأولى مشهد لا ينقضي منه العجب، عندما نرى كيف تتحول الوصايا إلى مواقف، وكيف تتمثل المثاليات في مشاهد، وكيف يتنزل مدد الله على القلوب المفجوعة الكلمى سكينةً ورضاً وإيماناً وبردَ يقين.
إن ردة الفعل عند الصدمة الأولى لا يمكن التصنع فيها ولا التكلف لها، إنها لحظة تنطلق فيها الانفعالات من مذخور اليقين في القلوب، ولذا جاء الدعاء النبوي: ومن اليقين ما تهون به علينا من مصائب الدنيا.
أما رحلتي إليه فهي من عجائب لطف الله في قدره إن ربي لطيف لما يشاء، فقد كنت أحاول ترتيب السفر أن أذهب صبيحة يوم الخميس لأنضم معه في مطار اسطنبول في رحلة مواصلة إلى هلسنكي للمشاركة في مؤتمر الأئمة في فلندا، ولكني وجدت ثقلاً في نفسي عن هذا الموعد وطلبتتقديمه لتكون الرحلة يوم الأربعاء لأبقى تلك الأمسية معه ثم ننطلق سويا من الغد، وبعد طول محاولة شغر مقعد واحد في الرحلة المغادرة صباح الأربعاء والتي تصل إلى اسطنبول عصرا.
وصلت مطار اسطنبول وقد كنت عادة أصلها نهاراً ثم أزوره ليلاً أو ألتقي معه من الغد، إلا هذه الرحلة فقط استقبلني في المطار لنذهب أنا وإياه سويا في مسير استغرق بقية يومنا، ثم دعاني أن أبيت عنده لننطلق من الغد سوية إلى المطار، هكذا كنا نقدر، ولله قدره النافذ، ومشيئته الغالبة، والله غالب على أمره.
دخلنا الشقة وجلسنا يسيراً وإذا بأخي خالد القفاري يتصل ويسأل: هل الشيخ قريب منك؟ أريد أن أتحدث إليك بعيداً عنه، وشعرت بأن غمامة سوداء توشك أن تغشانا،وأغلقت على أن أتصل به عندما يدخل الشيخ إلى داخل الشقة، ثم أتاني الإتصال بعد ذلك والشيخ قد انشغل بعيداً عني، فإذا بأبي هانئ الغماس يخبرني أنه قد حدث حادث لأبناء الشيخ وعليكم الرجوع فوراً وسنرتب حجزكم، وحاولت أن أعرف حجم الإصابات، أما الوفيات فلم تخطر مني ببال،فأخبرني أنه هناك إصابات، ولكن بعضها بالغ، ولما خرج الشيخ تلقيته أسابق وصوله إلى جوالاته حتى لا يجد فيها ما يفجعه، فقلت له: علينا أن نرجع فإن الأبناء قد حصل لهم حادث يستوجب رجوعنا فقال فوراً بإذن الله نرجع الآن، ولكنه سبقني إلى الهاتف ليتصل بابنه البراء ويسأله وكانت الفجيعة في الجواب .
رأيته وهو يتصل بالبراء فأخبره بالحادث، فسأل فوراً هل هناك وفيات، ثم سمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولما انتهت المكالمة قام وهو يحمد الله ويسترجع، فسألته عما حدث قال: أم البراء وهشام توفوا؛ إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله، الحمد لله، فتلبستني حالة الإنكار وفزعت بآمالي إلى الكذب، وقلت له: لا، لم يخبرني خالد بذلك، هذا ليس أكيداً، فقال لي: الظاهر انه أكيد، ثم أتصل خالد القفاري بعد قليل ليؤكد الخبر، وبقيت متشبثاًبحالة الإنكار، أما الشيخ فقد عبر مرحلة الإنكار سريعاً حتى لا أدري أعبرها أما قفزها، وبدأ يتعامل مع المصيبة وقد استحضرها تماماً بالحمد والاسترجاع، لا أحصي كم سمعت الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله بلهج لا ينقطع، وثباتلايتزلزل، لم أر عبرة ذارفة، ولم أسمع شهقة بكاء، وإنما استرجاع وحمد، يستجمع به عزيمة الصبر، وفضيلة الرضا، وكان يستعين على ذلك بتكرار الحمد؛ الحمد لله، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى، يالله هذه الكلمة كان ينبغي أن تقال له، وأن يُذَكَّر هو بها، لكنه الآن يَذْكرها ويذكرِّ بها نفسه، ليعبر الصدمة الأولى بالصبر الجميل والرضا عن الله بما قضى.
وتوجهنا للمطار فقد حجزنا على رحلة تعود إلى الرياض بعد ثلاث ساعات، وفي الطريق لم أستطع أن أعبر عما يعتلج في نفسي، فقد أُلجم لساني وتشتت الكلمات في ذهني، ولم أجد ما أعبر به إلا أن أشد بيدي على يد الشيخ فإذا به يلتفت إلي ويقول: أم البراء فقيدتي؛ هذه هي الكلمة الأولى التي ذكر فيها الفقيدة وكأنما يزفر بذكرها لوعته، ولم أجد ما أعبر به فقد تبخرت الكلمات وتبعثرت، ولا أزعم أن مصابي مثل مصاب الشيخ فضلاً عن أن يفوقه لكني كنت أعيش حالة الإنكار، وأقول له: أسأل الله أن يكون الخبر دون ما نتوقع أو نخشى، فقال لي: أما الخبر فأكيد، ثم حول فجأة مساق الحديث فقال: أما أنا فلا بد أن أرجع، ولكن أحب أن تذهب أنت إلى المؤتمر وتقدم ما يمكن تقديمه فقد انتظرونا جميعاً واجتمعوا لذلك فلا يحسن أن نتخلف عنهم جميعا، وعجبت: رباه حتى في هذا الكرب يحضرهم الدعوة والدعاة في قلبه، ويريد أن يؤثرهم ببعضه! لقد نسيت المؤتمر منذ سمعت الخبر، وها هو يتذكره باهتمام ويريد أن نتقاسم المهمة، فقلت: شيخي طريقي وإياك واحد.
دخلنا المطار لأشهد مشهداً مدهشاً فها نحن نسير في البهو، ونحن نغالب فجيعتنا، والشيخ يطوي جوانحه على ثكله فيتلقاه شباب يعرفونه ويحبونه ولكنهم لا يعرفون الخبر،


يتيع


 
مواضيع : NORAH