عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-16, 08:34 AM   #1
ساحر القلوب

آخر زيارة »  09-11-17 (09:32 AM)
المكان »  السعودية
بتسم وأضحك وخل الهم يتكدر وأرسم على خدك ورود لا تقول ما اقدر

 الأوسمة و جوائز

Icon N25 ما واجبنا نحو الوالدين





سؤال أجد أنه من الغريب أن يقوم أي شخصٍ بطرحه، فمن ذا الذي يريدُ أن يعرف مقدار ما يجبُ عليه تجاه والديه؟ الوالِدين الذين قال فيهما ربُّ العزَّة والجلالة (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، قرن الخالق عزَّ وجلَّ عبادته بالإحسان إلى الوالدين، فلا شيء أهم عندك من بِرِّك بوالديك، ولين الكلام معهما شيء أساسي في التعامل، النهر والزجرُ منهيٌّ عنهما أمام الوالدين أو احدهما، فيكفيك أنهما ربَّياك صغيراً، لا تعرف شيئاً ولا تقوى على شيء، فكانا لك العون والمؤونة. عن أضعف المخلوقات هي بني البشر، فلا يستطيع أحدٌ مِنا أن يأكل وحده خلال ساعاتٍ من ولادته مثل الحيوانات، ولا يستطيع أن يعتمد على نفسه بعد أشهرٍ قليلة كغيرنا من المخلوقات، فالله سبحانه وتعالى زرع محبَّة الطفل في والِديه قبل حتى أن تلده أمه.

الصغير لا يعرف شيئاً من أمور الدنيا، ولكنه يجدُ كل ما يريده وقتما يحلو له، فمتى أراد الطعام وجدَ من يُطعِمه، ومتى أراد الاغتسال وجد من يقوم له بذلك، ومتى أراد اللعب وجد من يلعب معه. فأبسط واجباتك تجاه والِدَيك أن تعطيهما في كبرهما وحاجتهما؛ كما أعطياك في صغرك وأنتَ في أمسِّ الحاجة. اخفض لهما جناح الذلِّ من الرحمة، تذلَّل لهما وارحمهما، لا يعني هُنا أن تكون ذليلاً، ولكن التذلُّل رحمة بهما، تعينهما كما أعاناك في صغرك. فكِّر في الأمر على أنه دَيْنٌ، ويجب أن يأتي اليوم الذي تقوم فيه بسداد هذا الدَّين لصاحبه، ولكن صاحب الدَّين هذه المرة هما الوالدان، علماً بانك مهما فعلتَ لهما من إحسانٍ فلن تستطيع أن تردَّ لهما أو لأحدهما دينه. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزكى الأعمال وأعظمها فقال "الصلاة لوقتها"، قيل: ثم أي؟ فقال "برُّ الوالدين"، قيل: ثم أي؟ فقال "الجهاد في سبيل الله". جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم برَّ الوالدين أعظم من الجهاد في سبيل الله؛ لِما له من قيمةٍ عند الله سبحانه وتعالى. أقبلَ رَجُلٌ إِلَى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى. قَالَ: فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا. قَالَ: فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا، أفضل أجرٍ يبتغيه العبد من ربِّ العباد حُسن مصاحبة الوالدين. والأمر لا يتوقَّف عن هذا الحد، بل حتى لو كان أحد الوالدين مشرك، فالله سبحانه وتعالى أوجب عليك الاحسان له وذلك في قوله تعالى (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، عوَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ، الوصل واجبٌ حتى مع الأهل الذين ليسوا على مِلَّة الإسلام، الإحسان واجِبٌ حتى مع الوالدين المشركين، أبَعْدَ ذلك من سؤالٍ عن واجباتهما؟؟؟

وتقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت الى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقَّت التمرة التي كانت تريد ان تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله فقال: "إن الله قد أوجب لها الجنة - او أعتقها من النار" ، الإيثار من الأهل لا يُقابله شيء في الدنيا، وكما ورد في الأثر قد رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يحمل أمه على ظهره وهو يطوف بها حول الكعبة فقال: "يا ابن عمر أتراني وفيتها حقها ، قال: ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ، ولكن قد أحسنت والله يثيبك على القليل كثيرا".

أخي وأختي، تذكَّروا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام (البِرُّ دين)، فما تُقدِّمه اليوم لوالديك ستجني ثماره غداً من أبنائك، حقوق والديك عليك لا تُعدُّ ولا تُحصى، عندما قدَّما لك لم يسألا عن حدٍّ لعطائهما، فلا تسأل عن حدٍّ لردِّ دينهما عليك. ومن أجمل ما قرأت؛ أنه لو أن أحد والديك طلب منك أمراً، فهي عبادة اختصك الله بها وحدك، اليوم أنت ابن أو ابنة، وغداً أنت أبٌ أو أم، ستحتاج مثل ما يحتاج والديك الآن، ستحتاج الحب والحنان والاحترام من ولدك، ستحتاج ان تجدهم بجانبك، أن تحس بهم، تراهم وتجالسهم، كن معهم ولهم كما كانوا معك ولك، وإن سمعتهم يدعون بقول الله تعالى (رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) فاعلم أنك قصَّرت، فعد إليهم وقبِّل أيديهم واطلب رضاهم، فهم آخر أبواب الرحمة لك، فاستغله بما يرضي الله قبل أن يُغلق وتقعد مذموماَ مدحوراً.

تحياتي