عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-17, 09:54 AM   #5
أعيشك

الصورة الرمزية أعيشك
غيّمُ السّلام.

آخر زيارة »  اليوم (03:35 AM)
المكان »  عاصِمة النساء.

 الأوسمة و جوائز

افتراضي






انتهى رولند من حزمِ حقيبته الصغيرة المهترئة , قامَ بحملها إلى الخارج فلا بد من أن يأتي أحدٌ ليقومَ بأخذِهم هنا .
أخذَ يجولُ بعينه باحثاً عن الطفلان فعليهما أن يستعدا للرحيل شاهدهما من بعيد يمرحان معاً في حديقة القصر فجلسَ على الأرض ليرتاح قليلاً , وضعِ يديه على العشبِ الرطب النديّ وأخَذ يتأملُ ملامح القصر التي تحيطُ به , كانت أياماً هادئة بالنسبة له عندما كان يعملُ لخدمة العجوز ليبريت .. شعرَ بالملل وهو يتذكرُ ذلك فأدخل يده داخل سترته التي تحمل اللون السكري وأخرجَ سلسلة مزخرفة بألوان داكنة متعددة كانتْ دائماً ما تكونُ حولَ عنقه نظرَ إليها فمرت على مخيلته صورتها وهي تبتسمُ له أغمضَ عينيه وابتسم ثمّ تساءل في قرارة نفسه عمّا تفعله الآن ! , وهل أمورها على ما يرام فهو لم يزورها منذُ مدة , أدخلها لتبقى محفوظة فهي أثمنُ شيء عندها فهي من أمرته أن يحتفظَ بها وستحطمه لو أضاعها .
تذكر شخصاً آخر فطأطأ رأسه بابتسامة حزينة وخاطبه وكأنما يريدُ أن يسمعه .
ـ .... ايفان أينَ أنتَ الآن ؟! .... هل أنتَ بخير ! ... لم أشاهدك منذُ آخر مرة افترقنا .
رفعَ رأسه للسماء وابتسمَ بطيبة ليجعل التفاؤل يدخل إلى نفسه .
ـ لا بد من أنّك كبرتَ الآن وأصبحت شخصاً رائعاً ..
مرت بعض الرياح الخفيفة وكأنها تقولُ له أنها ستحملُ هذه الحروف إلى من يقصده وربما هبت لأنّها لم تتحمل رؤية شخصِ كسير يتذكر رفاقه و يتساءل عنهم .
شعرَ بأحدهم فالتفت ليرى من يقفُ بجانبه فوجدَ شخصاً ينظرُ له ببلاهة رفعَ نفسه ووقف بتهذيب ووجه الخطاب له.
ـ أعتذر .. يبدوا أنني لم أسمعك ؟! هل كنتَ تناديني ! .
ابتسمَ من أمامه فقد أُعجب بشخصية من أمامه وطريقته المهذبة , ارتبك قليلاً وقال له وهو يطأطأ رأسه باحترام .
ـ أدعى شيمون كبيرُ خدم قصر مالينا , وقد كلفت بأن أُحضر من يعمل عند السيد الراحل ليبريت .
ابتسمَ رولند ووضعَ يده على كتفه فهو لا يريدُ لأحد أن ينزل من شأنه أو أن يخاطبه بهذه الرسمية خاصة من شخصِ أكبر منه .
رفعَ العجوز رأسه ليرى ابتسامه الشاب الصافية التي تدخل الراحة على قلبِ كل من يراها .
ـ لا داعي لهذه الرسمية فأنا أيضاَ خادمٌ مثلك , لا بأس سأقوم بإحضارهم .
أومأ شيمون موافقاً وأخذَ ينظرُ إليه وهو يبتعد فمن خاطبه الآن شخصية مبهمة فرغمَ لطفه وابتسامته الصافية إلا أنّه كمن يحمل شيئاً ثقيلاً فوق عاتقه كما أنه لا يزال شاباً صغيراً مثلَ سيده لكنه يبدو ضعيفاً بجسده ذاك كما أنّ لون عينيه أسرت ناظره .
أسرعَ رولند ليصل إلى الطفلان اللذان لا يزالان يمرحان معاً وقفَ أمام الحديقة ونادهما بصوتِ عال .
ـ ليــر , ليــن .. لقد حانَ موعد الرحيل .
ما إن سمعا صوته حتى تسابقا إليه بحماسه وكلُ منهما يتحدّىَ الآخر في من يصلُ أولاً وسطَ ضحكتاهما .
أسرعا باتجاهه وكلٌ منهما ينظرُ للآخر وكأنما التحدي لا زالَ قائماً .
شعرَ رولند بالقلق وهو يراهما يتجهان بسرعة شديدة نحوه مما يجعله يقول بابتسامة وكأنما يتوقع النهاية التي ستحصل له .
ـ لا تركضا سوفَ تقعان إذا استمريتما على ذلك .
لم يستمعا له بل فردا ذراعيهما باتجاه ودفعاه بحماسة طفولية ليسقطَ رولند على الارض بطريقةِ قوية ويحلّ الصمت لبعض الوقت .
.. نهضَ بثقل منهما وأخذَ يتحسس ظهره وهو يشعرُ بالألم فيه بينما الصغيران لم يكفا من الضحك مما جرى مما جعله يضربُ جبهتهما بأصبعه في وقت واحد .
ـ استمعا لكلامي في المرة القادمة .
نفضَ ملابسه وتحدثَ لهما .
ـ لقد جاء الشخص الذي سيأخذنا من هنا , هل قمتم بتوديع المكان ؟! .
أومأ برأسيهما بحزن ونهضا من حجر الشاب الذي لم يشعرا بألمِ سقطته تلك .
نظرت لين إلى السماء فوجدتها قد بدأت تتدرج نحو اللون البرتقالي فركت عيناها بتعب وأمسكت ببنطال رولند الأسود وبصوتِ متعب قالت له .
ـ أخي ,, احملني .. لا أستطيع المشي أكثر فقدمايّ متعبة .
ابتسمَ لجملتها فهو كانَ يعلم أنّ هذا ما سيحصل حملها بخفه ووضعها على إحدى ذراعيه لتَسعد بذلك وتشعر بفرحة غامرة مما جعلها تتشبث برقبته , نظرَ الشاب نحو توأمها ورأى ملامح التعب من كثرة اللعب قد ظهرت عليه هو الآخر فيكفي أنهما توأمان ليعلم بحالة كليهما .
ضحكَ بخفة وهو يراه يحاول تجنب النظرِ إليه فلا بد أنّه يريد هو الآخر ولكنه خجل من ذلك .
نزلّ للأرض ببطء وحمله هو الآخر بذراعه الأخرى دون أن يعلم مما جعله يخاف ويتشبث بملابسه .
همسَ الشاب بلطف في أذنه وقال له .
ـ إذا أردتَ ذلك فلا تتردد في أن تخبرني فقد تعاهدنا ألا نخفي شيئاً أليسَ كذلك ؟! .
ظهرت علامات الخجل على لير ولكنه في نفس الوقت سعيد فها هوَ يحمله مع أخته .
هدأ الطفلان ما إن بدأ من يحملهما بالمشي .... لاحَ لـ رولند شيمون الذي ينتظره من بعيد فنظرَ إلى الطفلان فوجدهما قد أغمضهما أعينهما ليأخذا غفوة على كتفه , ظهرت تقاسيم الألم على وجهه وتوقفَ قليلاً ليأخذَ بعضَ أنفاسه ففي بعضِ اللحظات يشعرُ بألم ينتشر في جسده بطريقةِ مفاجئة .
فتحتْ لين عيناها لتتفاجأ من نظره الألم على وجه من تعتبره أخاها , وضعت يدها الصغيرة على خدّه وهمست بصوتها الطفولي :
ـ هل أنتَ بخير أخي !؟
أبعد تقاسيم الألم من وجهه بسرعة ونظرَ لها بلطف مع ابتسامة رسمها على شفتيه .
ـ أجل أنا بخير , أعتذر إن كنتُ أيقظتك .
اقتربت لين منه وطبعت قبلة صغيرة على خدّه توردت وجنتيها عندما ابتعدت عنه وقالت بصوتِ أشبه بالباكي .
ـ لا تنسى وعدك أنت لن تتركنا .
أومأ رولند لها مما أدخل الطمأنينة لقلبها وعادت لتغمض عينيها , علم أنها خائفة من المصير الذي ينتظرهم في المكان الذي سينتقلون له فهو لن يخفي ذلك ولكنّه قد أقسم على حمايتهما ولن يكسر هذا الوعد أبداً فلا قلقَ عليه هوَ فما يهمه هو حياة هذان الطفلان , فهو من قرر بإرادته أخذهما معه .
اعتذر الشاب من العجوز الذي جعله ينتظر , بينما أخذَ شيمون ينظرُ بتعجب للطفلين النائمين على ذراعيه فدفعه ذلك ليقول.
ـ هل ستحضرهما معك !؟ .
ـ أجل , فنحن فقط هم من يعملٌ هنا .

لم يصدق شيمون ذلك فكيف بقصرِ بهذا الحجم لا يوجد فيه إلا شابٌ وطفلان فقط ؟! .
علم رولند بما يفكر فيه فأخبره بالحقيقة .
ـ لقد علم سيدي الراحل أنه سيغادر هذه الحياة فطلب من الجميع التخلي عن خدمته في الفترة الأخيرة فهو لن يستطيع أن يدفع لهم بسبب الديون الضخمة التي تحيط به خاصة من آل ماليان لذا جعل القرار لهم فاختاروا الرحيل .
استمعَ له بإمعان ثمّ اتجه نحو باب العربة وأدخل حقيبة الشاب المهترئة وهو يفكر في نفسه عن السبب الذي جعلهم يبقونَ معم ولم يختاروا الرحيل بل فضلوا البقاء , لم يرد الخوضَ أكثر فليس من الأدب إكثار الأسئلة على شخصِ لا يعلم عنه الكثير .
صعد رولند العربة المتصلة بخيولِ أصيلةِ بنية اللون وجلسَ على الأريكة التي فيها ثمّ وضع الطفلان في حجره ليدعهما ينامان تأمل تصاميم الحجرة الفخمة نقوشٌ ذهبية على السقف وستائر من الحرير الاحمر على نوافذها فقد كانت بحق مثلَ تلكَ التي توجد في الأساطير القديمة كما أنّ هذا الأمر غير مستغرب فصاحب قصر أل مليان يمتلكُ اسطبلاً من الخيول الاصيلة بالإضافة إلى مجموعات فارهة من السيارات الفخمة .
ثواني هي حتى انطلقت العربة مسرعة وحل صمتٌ مطبق على الجميع .
بدأت الشمس تدنو من الأرض وكأنما أرادت أن تودعَ من فيها بألوانها الخلابة التي رسمتها في السماء مرور بعض من الوقت جعلَ العجوز يختلسَ النظر للشاب التي بدأت تقاسيم الإرهاق بدايةً على وجهه وهو مغمضٌ عينيه وكأنما لم ينعم ببعض الراحة أبعدَ نظره عنه ليتأملَ الطفلان النائمان بطمأنينة واللذان يتنفسان ببطء وعلى وجهيها الراحة فعلى ما يبدو أن يديّ الشاب التي تربت على رأسيهما دافئة وكأنما دفعَ إليهما راحته بدلَ نفسه كما أنّهما يتمتعانِ بجمالِ آخذ فتلك الخصلات الذهبية والبشرة البيضاء الناصعة يشبهانِ بحدِ كبير جمال النبلاء .
ابتسمَ عندما تذكر أنّه لا يعرف اسمَ الشاب و نسي أن يسأله فأمسكَ زمام الخيل ليبطئ من سيرها فلا زالً هناكَ وقتٌ على غروب الشمس كما أنّه قلق فهو بالتأكيد لن يسلم من سيده فكيفَ لشابِ صغير بعمر الثامنةَ عشر ان يعملَ خادماً عند شخصِ يُقارِب عمره .
ـــــــ


وفي قصر ماليان ,



تملل ميلان من حديثِ الرجل الثرثار الذي أمامه كما أنّ شكله يجلبُ التقزز لنفسه وكأنّ شيئاً يخنقُ الهواء عنده , نهضَ الثرثار كما أطلق عليه في نفسه ووضعَ كأس الشراب على الطاولة أمامَ الشاب وقال بنبرة خشنة فيها بعضُ من الخبث .
ـ سأغادر الآن ولا تنسى أن ترسل لي بعضاً من كلابِ ليبريت وسأكونُ محظوظاً لو كانت فتاة جميلة أو فتاتين .
أطلقَ ضحكاتِ شيطانية تناثرت فيها بعضُ من لعابه المقزز بينما نظراتِ الاشمئزاز تصدر من ميلان فهذا الرجل البدين الذي أمامه سيصيبه بالغثيان في أيّ لحظة تمالكَ نفسه وبنبلِ الأغنياء نهض وتحدثَ بطريقة لبقة فيها نوعٌ من السخرية .
ـ لا تقلق سأجلبُ لك ما تريد مقابل صفقةِ محترمة .
صمت الرجل على إثر كلامه ونظرَ بعدمِ رضا إلى الشاب الذي أمامه فلا بد من أنّه يريد أن يسخر منه فهو يعلم أنّ تجارته بدأت بالهبوط والتدني .
تقدمَ ميلان بابتسامه باتجاه نافذة القصر الزجاجية التي تعكس ضوء الشمس البرتقالي وكأنما ختمَ الحديث بجملته تلك وانتصر.
ظهرَ الانزعاج على الآخر فحركَ قدميه مغادراً المكان وقبل أن يخرج من الباب لوح بيده وبابتسامه ساخرة ليؤكد طلبه .
ـ سأقتلك لو كانت غير جميلة .
تنفسَ ميلان الصعداء عندما سمعَ صوتَ خطواته المغادرة أرخى ربطة عنقه وبنبرة ساخرة .
ـ رجل فاسد , لو أنه لم يترك اهتمامه بتجارته لما خسر فيها .
تهادى لسمعه صوت صهيل خيل فعلم أنّ شيمون قد عاد من مهمته التي أوكله بها وضعَ يديه على وجه بضيق فلا بدّ أنّ ذلك التاجر الفاسد لم يغادر قصره بعد .
ـــ
استيقظ الطفلان عندما شعرا بدفعِ بسيط بسببِ توقف العربة فتحا أعينهما الخضراء اللامعة فوجدا رولند ينزلُ من العربة
رفعت الطفلة نفسها وجلست كما فعلَ لير تماماً وبدأت تفركُ عيناها فلا بد من أنّهما وصلا شعرت بهزِ خفيف لتلتف نحو أخيها الذي بدا مدهوشاً بطريقة ما وهو يشير بإصبعه لشيء ما ويقول لها .
ـ أختي أنظري إليه ... إنّه ضخم .! .
نظرتْ إلى حيثُ يشير لتدهشَ كثيراً مما تراه ظهرت تعابير الفرحة على وجهها وأمسكت بيد أخيها وبنبرة حماسية أخذت تقول له .
ـ إنه أضخم من القصر الذي كنّا فيه لننزل ..
أخذت بيدِ لير وهي بأشدّ فرحتها فهذه أول مرة ترى قصراً بهذه الضخامة والجمال نزلا من العربة ومن شدّة حماستها اصطدمت بأحدهم لتسقط هيّ مع لير الذي كانَ معها .
ـ ماذا تفعلان ! .
رفعت لين رأسها بسعادة عندما سمعت صوت رولند فصرخت بفرحة وهي ترفعُ رأسها لتخبره .
ـ لم أرى مثله أبداً .... إنه جميل.
ضحكَ الشاب من فرحتها المفرطة فهكذا هم الاطفال نزلَ بمستواها ووضعَ يده على شعرها وقالَ بنبرة لطيفة .
ـ أنصتي .. نحنُ لا نزال جدد هنا ولا نعلم ماذا يحدث .. .
نظرً لكليهما وخاطبها بنبرةِ جادة .
ـ لا تقوما بعملِ ضجة هنا فنحنُ لم نقابل سيد القصر بعد .
هدأت فرحه الصغيرة وشعرت ببعض الحزن فهو صادق في قوله , ابتسمَ عندما أوصلَ ما يريد قوله لهما , نظرَ إلى لير وأمسك يده ووضعها على يد أخته وقال له .
ـ كونا حذرين وانتبه لأختك .. تجولا قريباً من هنا على مدّ بصري .. اتفقنا !.
أومأ لير بابتسامه وشعر بفرحة غامرة فها هو رولند يعتمد عليه في حمايته أخته التوأم .
نهضا من الأرض وأمسكا بأيدهما ثمّ تقدما لينظرا للقصر من بعيد وللأشياء من حوله .
تنهد الشاب عندما ابتعدا عنه قليلاً فلا بدّ من أي يكونَ الأمر صعباً عليه ,شعرَ بأحدهم يربت على كتفه فالتفت بذعر .
ـ يبدو أنّكَ متعب ما رأيك لو تجلس هنا إلا أن يأتي سيد القصر .
ابتسمَ رولند ومسحَ العرقَ الخفيف عن جبينه فهذا لم يكن سوى شيمون .
ـ لا داعي لذلك .. لستُ متعباً .
تنهد شيمون فهذا الشاب الذي أمامه لن يعترف أبداً بأنه منهك بينما وجهه يفضحُ ذلك .
ـ انتظر هنا .. سأرجع العربة لمكانها وبعدها سأعود .. وسيأتي صاحب القصر بعد قليل .
طأطأ الشاب رأسه باحترام لمن أمامه وقالَ له بطريقة مهذبة .
ـ شكراً لكَ على الاعتناء بنا طولَ هذه المدة .. كما أنني أتطلع للعمل معك .
شعرَ العجوز ببعضِ الإحراج فكيف بشابِ مثله أن يبدي له هذا الاحترام والتهذيب المفرط , ضاعت الكلمات من فمه فقال له وهو يجر الخيول ليذهب لها .
ـ أخبرتك ..لا داعي لذلك ...
ـــــــ
مرت نسمة هواء باردة ابتعد فيها العجوز شيمون وبقي رولند وحده في ساحه القصر , التفت لعله يرى أين ذهب الطفلان فوجدهما يركضان بفزعِ نحوه وهما يصرخان باسمه .
فزعَ واقترب بسرعه منهما وعندما وصلا عنده اختبآ خلفَ ظهره وتشبثا بملابسه لم يعلم ما حصل لها فقال بنبرة خائفة بعضِ الشيء .
ـ ما الذي حصلَ لكما ؟! هل حدثَ شيء ؟! .
كانت لين تدفن وجهها في ملابسه ويدها ترتجف تحدثت بصوتِ مخنوق وخائف .
ـ إنه رجل شرير ... إنه يطاردنا .
تعجب لكلامه المبهم فسأل من جديد لعله يلقى جواباً واضحاً .
ـ لير أخبرني ما الذي حصل !؟ .
رفعَ الأخير رأسه وهو لا يزال يلتقط أنفاسه .
ـ إنه .. إنه ... لقد أخذَ بسؤالنا هل أنتم خدم السيد ليبريت ؟! وبعدما أجبناه ..
لم يكمل لير كلامه بل توقفَ وهو ينظرُ لشيء ما خلفَ رولند بخوفِ وصدمه .
تعجب رولند لذلك فكل ما عرفه هو شخص قامَ بسؤالهم ثمّ أخذَ يطاردهم .
تكلمَ ذلك الشخص بصوته الخشن وبسرعة البرق أمسك بيد لين وسحبها مما دعاها لتصرخ باسم رولند .
التفت الشاب بصدمه ليرى رجلاً أمامه بدين بعضُ الشيء وتظهر على وجهه ملامح الخبث كما أنّه يمسكُ بيد لين بل ومن أمامِ عينيه أخذها ! .
تغيرت ملامح وجهه للجدّية وتقدمَ نحو الرجل الذي لا زالَ يمسك بـ لين بقسوة , أخذها من عنده عنوةً واحتضنها بإحدى ذراعيه فقد كانت لين خائفة وجسدها يرتجف و قالَ لمن أمامه .
ـ من أنت ؟! وما الذي تريده من إفزاع طفلةِ صغيرة ؟! .
لا زال الرجل مصدوماً بل لا زالَ ينظرُ ليديه التي كانَ يمسك بها يد الطفلة والتي اختفت في غمضه عينِ وأصبحت محميّة من شابِ لم يرى وجهه إلى الآن .
أطلقَ ضحكاتِ خبيثة ورفعَ رأسه لينظرُ لمن يتحدث معه بطريقة غير مهذبة .
ـ أدعى جايد .. تاجر الأواني الفضية المزخرفة في هذه البلد .
قطب رولند حاجبيه فهو يشعرُ بأن هذا الجايد شخصُ سيء الطباع , فتحَ فمّه وقالَ له بنبرةِ فيها بعضُ الصرامة .
ـ إذاً أنتَ لستَ صاحب القصر ..
ابتسمَ جايد لجرأة هذا الشاب تقدمَ نحوه ثمّ أمسكَ بمقدمة ملابسه وجذّبه نحوه بقوة , بينما ظهرَ الخوفُ جلياً على لير الذي سارع باحتضان اخته ليحميها من الخطر .
تألمَ رولند وشعرَ بالاختناق فـ يدُ ذلك الشخص قوية بعضَ الشيء حاولَ التحرر منه ولكنّ جايد وضعَ أصابعه على ذقنه ورفعها بشدّة ليرتفعَ وجهه رولند ويصيرُ مقابلاً لوجهه... نظرَ جايد إلى ملامحه وأخذَ يتأملّها, سُحر بعينيه التي تحملُ لوناً أزرقاُ مائلاً للونِ الرصاص معَ لمعةِ جميلة تظهرُ فيها فقال له بخبث .
ـ أنتَ وسيم ! هل أنتَ حقاً فتى !؟ .
لم يعد باستطاعة الشاب رولند أن يقفَ وهو يرى الخوفَ في عيني التوأمان خلصَ نفسه من قبضته وتراجع للخلف حتى سقط على الأرض , أخذَ يلتقطُ أنفاسه بينما جلسَ التوأمان خلفَه يحتميان به رفعَ رأسه و نظرَ إلى جايد الذي أخذَ يوجه الكلام له بخبث .
ـ ربما أغيرُ رأيّ وأطلبُ من ميلان أن أخذكَ أنت .
صفقَ بيديه ثلاثَ مرات لينتبه الجميعُ لذلك الصوت ويلتفتونَ نحو مصدره .
ابتسمَ جايد عندما رأى القادم وقالَ له بحماسه .
ـ ميلان .. لقد غيرتُ رأيي .
توقفَ الشاب ميلان عن المشي عندما وصلَ إلى جايد و أخذَ يبعثرُ نظراته وينظرُ لثلاثة الذينَ يجلسونُ على الأرض , ابتسمَ عندما رأى شاباً بنفسِ عمره بملامح قلقةِ وهو ينظرُ بريبة , أخذَ نفساً عميقاً ثمّ التفت نحوَ جايد ليقولَ له بصرامة .
ـ ألا زلتَ هنا ! .
ابتسمَ جايد بارتباك واضح وأخذُ يُفركُ يديه مع ابتسامة بشعة ظهرت على شفتيه .
ـ لقد أردت المغادرة ولكنّي شاهدتُ بالصدفة خدمَ السيد ليبريت .
نظرَ إليه ميلان بعينِ حادة جعلته يتجمدُ في مكانه ويخفي ملامحه البشعة التي يظهرها كتفَ بذراعيه وقالَ له بنبرةِ غرور .
ـ لقد رأيتَ بعينك لا توجدُ فتاة بينهم لذا غادر قصري حالاً .
قالَ ذلك ثمَ نظرَ لـ لرولند بابتسامة واسعة تحملُ بعضَ السخرية وأتبعَ قائلاً .
ـ يبدو أنّ السيد ليبريت ذكيّ بعضَ الشيء فقد أخلى سبيلهم ولكن لا زال لدينا ثلاثةُ ضائعين هنا .
ظهرَ على وجهه جايد الامتعاض ولم يعجبه طريقة ميلان في الحديث معه مما يجعله يلتفُ بجسده مغادراً بغيرِ رضا منه وعينه على ذلك الشاب الذي رآه .
أخذّ ميلان يتابعُ جايد بعينيه حتى خرجَ من قصره , أخذّ نفساً عميقاً ثمّ رفعَ خصلاتِ شعره إلى الخلفِ بغرور وبقيّ يحدقُ بالطفلين الذي ينظرانِ له وهما يتشبثانِ بملابسِ الشاب الوسيم الذي أخذَ ينظرُ للأرض ولم يُكلف نفسه عناء النظرِ إليه .
جاءَ شيمون وهو يحملُ كرسي جلبه من حديقة القصر وضعه بجانبِ ميلان الذي جلسَ عليه سريعاً ووضعَاً ساقاً على ساق وأخذَ ينظرُ لهم بينما غادر شيمون ليؤديّ عمله ويترك سيد القصر يتحدثُ مع الثلاثة الجدد .
ابتسمَ ميلان بسخريه وهو لا زالَ يحدقُ بالطفلة لين , وجه كلامه للشاب الذي لم يرى ملامحه بعد وقال له .
ـ يبدوا أنّهما متعلقيّن فيكَ كثيراً أيها الشاب .
رفعَ رولند رأسه وظهرت على ملامحه الجديّة فقد تلمسّ في جملة ميلان بعض الشرّ .
تفاجأ ميلان بملامح الشاب الذي أخذُ ينظرُ له بنظراتِ حادة , أطلقَ صفيراً وقال بسخرية .
ـ يبدو أنّك تمتلكُ بعضَ النظراتِ السيئة ! ... أخبرني ما اسمك ؟! .
لم يطمئن رولند له فوقفَ ونفضَ بنطاله الأسود من التراب الذي علقَ به... وضعَ يديه على شعرِ الطفلان الذي لا زالا يتشبثانِ به وقال .
ـ أدعى رولند .. وهذا الطفل لير وهذه لين .
أُعجب ميلان بطريقته الهادئة التي يُعرفُ بها نفسه .. ابتسمَ بخبثِ وقالَ وهو يضعٌ يده على ذقنه مفكراً .
ـ أظنني لا أحتاجُ لثلاثتكم ... سأكتفي بكَ أنت .
قالَ جملته الأخيرة وهو يشيرُ إلى رولند باحتقار .
اتسعت عينُ الشاب بقلق وقالَ له بارتباك وهو يشعرُ بيديّ الطفلان اللتانِ تشّدان على ملابسه .
ـ ماذا تقصد ؟! .
وضعَ راحة يده على خده وبابتسامة كبيرة وهوُ يحدقُ بهم .
ـ كما قلت ... سوفَ أرسلُ هذه الطفلة مع ذلك الشخص جايد ... والآخر ...
توقفَ قليلاً ليُفكر أو ربما لأنّه يريدُ رؤية المزيد من القلق الذي يزدادُ في وجهه رولند والذي بدأ يتضحُ تدرجياً .
ـ ربما سأرسله لأحدَ أصدقائيّ ليعملَ تحت خدمته .
شدّ رولند قبضةَ يده وشعرَ بغصةِ في حلقه فهذا الشاب الذي أمامه .. يبدوا أنّه شخصٌ بلا ضمير فكيفَ يريدُ تفريقهم وهو يرى بعينيه أنّ هذان الطفلان توأمان عضَ على شفتيه فلا بدّ من أن يجدَ حلاً سريعاً لذلك , فيبدوا أنّ ميلان جادٌ فيما قاله ترددت في ذهنه محادثته مع الصغيران وكيفَ وعدهما بأنّه لن يتركهما أبداً أغمَضَ عينيه بشدّة وأخذَ يُفكر في طريقة ما لُيخرجَهما من هذه العقدة بينما أخذَ ميلان يستمتعُ برؤية ملامحِِ رولند المضطربة بابتسامة كبيرة .






انتهى الفصل الثاني ..