عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-18, 07:37 AM   #3
السهم الأخير

الصورة الرمزية السهم الأخير
اترك أثر طيب

آخر زيارة »  يوم أمس (10:34 AM)
المكان »  صلالة - سلطنة عمان
الهوايه »  الخيول و الطبيعة
رحم الله إمرء عرف قدر نفسه
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أختي الكريمة يعلم الله أن الفقر ابتلاء وليس عيبا . وإن من البلاء العظيم أن يبتلى الإنسان بقسوة والديه أو أحدهما فتضيق عليه الدنيا .

أنا لا أريد أن أقف في صفك فبعض تصرفاتكِ مغلفة بعذر قسوة الأب وظلمه وهذا ليس مبررا كافيا.


أختي الكريمة لم تحدثينا عن أمك حفظها الله لأنها صاحبة الدور الأهم في القضية وهي من يمكنها التحدث معه كما يمكنكِ أنتِ التحدث إليها في هذا الموضوع لأن الأم تعرف مواطن الضعف في الأب .

رد الأخت ازدهار عبر كثيرا عما في خاطري فأنا عشت حياة مماثلة .


أختي الكريمة ما لا تعرفينه عني أنني أسمع بالفسحة والمقصف وأكتب واجبي في ذلك التوقيت لكي لا يحرجني مظهري أمام الطلبة وهم يأكلون ويشربون .

لم تتسخ ملابسي طوال فترة دراستي من عصير أو أكل .

ما لا تعرفينه عني أنني كنتُ الأول على المدرسة في المرحلة الإبتدائية والأول على المدرسة في المتوسطة .

ما لا تعرفينه عني أيضا أنني في الإبتدائية حصلت على جائزة الطالب المثالي وأثناء تصويري قال لي أحد المعلمين (كيف حطوك الطالب المثالي؟) كنتُ متسخا جدا لدرجة أن البقع تملأ ملابسي البيضاء.

نعم أحرجني ذلك المعلم بتلك العبارة . هذه الجملة قيلت منذ 26 سنة ولا زلت أذكرها .
وكان بصريح العبارة يقول سوي كذا وكذا وكذا وكان يقصد المظهر العام وأنا بصريح العبارة أقول له : ما عندنا فلوس.
وهو يقنعني بأبسط الأمور ولا يدري أنني حينما أعود للبيت كنتُ كثيرا ما آكل الرز مع اللبن لعدم توفر أي أكل آخر .
ومع ذلك كله يستطيع أن يبكي الإنسان حينما يعجز العالم عن فهمه كما أبكي الآن متذكرا ذلك الزمن الذي كان سببا في معرفتي لقدري وقدر الآخرين .


لا يجد مرارة الأذى إلا من كابد أحداث ذلك الأذى . وفي هذه الأرض بشر لا يعرفون شيئا عن الجوع والعطش .

أختي الكريمة سأحتاج زمنا طويلا لكي أقنعكم جميعا بمواقف وسنوات عشتها بين وعورة الجبال و طبيعة الأرياف بما فيها من حيوانات أليفة و كلاب مسعورة وأفاعي وذئاب تلمع أعينها من انعكاس ضوء المصابيح على أعينها.

مضت تلك السنين وشاخ جدي فلم يعد قادرا على العيش مع البقر في أعالي الجبال .

أختي الكريمة نحن لم تعرف الكهرباء إلا في المرحلة المتوسطة وكنتُ أذاكر دروسي على ضوء فانوس الغاز .

نعم ، تغير كل شيء وها أنا الآن أكتب هذا الرد من مكتبي لأنقل لكِ تجربة عشتها وكانت قاسية جدا وكانت فرصة الضياع كبيرة جدا ولكن رحمة الله وفضله ثم تلاحمنا الأسري رغم الظروف صنع مني إنسانا بسيطا جدا .

إنسان يحب اللغة والشعر والأرواح النقية بغض النظر عن كونهم أغنياء أو فقراء .

فاصبري يا أختي الكريمة فقد مضى الكثير ولم يبق إلا بر الأمان .

اصبري فالمال عارضة تجيء وترحلُ وكوني قنوعة لدرجة تمل القناعة من قناعتك.

رحم الله الخليل بن أحمد الفراهيدي فقد وجه إليه سليمان بن علي والي الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل لرسول سليمان خبزاً يابساً وقال: ما دمت أجده فلا حاجة بي إلى سليمان، فقال الرسول: فما أبلغه عنك؟ فقال:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة *** وفي غنى غير أني لست ذا مال

سخى بنفسي أني لا أرى أحدا *** يموت هزلا ولا يبقى على حال

وإن بين الغنى والفقر منزلة *** مخطومة بجديد ليس بالبالي

الرزق عن قدر لا الضعف ينقصه *** ولا يزيدك فيه حول محتال

إن كان ضن سليمان بنائله *** فالله أفضل مسؤول لسؤال

والفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

والمال يغشى أناسا لا خلاق لهم *** كالسيل يغشى أصول الدندن البالي

كل امرىء بسبيل الموت مرتهن *** فاعمل لنفسك إني شاغل بالي


وتمضي الحياة يا أختاه.

السهم كان هنا