عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-18, 02:09 PM   #1
Maher-94

الصورة الرمزية Maher-94

آخر زيارة »  10-23-22 (12:27 PM)
المكان »  الشرق الأوسط
الهوايه »  قارئ ومتابع للمنتديات العربية لأكثر من عشر سنوات
MMS ~

 الأوسمة و جوائز

Domain 7dca28173e سمات المترفين ///



ومن سماتهم:-
التبذير والإسراف وإنفاق الأموال الطائلة في بناء المنازل والدور، والتباهي في إعدادها وتصاميمها البديعة في الشكل الخارجي والداخلي، مع الحرص على تعدد مواقعها فبعضها للشتاء والآخر للصيف، وبعضها للسكن وبعضها للنزهة، ومع الحرص على سعتها وكثرة غرفها ووجود ملحقات لها ووفرة وسائل الترفيه فيها، وحسب ابن آدم من كل هذا الشيء القليل. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أطيِّن حائطاً لي أنا وأمي فقال: «ما هذا يا عبد الله؟» فقلت: يا رسول الله شيء أصلحه، فقال: «الأمر أسرع من ذلك» [رواه أبو داود وصححه الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند 1 / 535].

ومنهم من يبالغ في العناية بنعومة جسده وطراوته وترهُّل الأطراف ويستكثر من الكماليات ووسائل العناية بالنفس، والإفراط في التدهن والتطيُّب وترجيل الشعر. عن عبد الله ابن مغفل رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غباً" [رواه أبو داود وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة. قال السندي معنى غِبَّاً: أي أن يسرح شعره يوماً ويترك يوماً، والمراد كراهة المداومة على ذلك.
وعن عبد الله بن بريدة: أنَّ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له أي يسقيها مديداً من الماء، فقال: إني لم آتك زائراً، وإنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم، فرآه شعثاً، فقال له: ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد؟ فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه، ورآه حافياً فقال: مالي أراك حافياً؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أحياناً [أخرجه أحمد وأبو داوود وصححه الألباني في الصحيحة 2/4].
قال في النهاية: الإرفاه هو كثرة التدهن والتنعم، وقيل التوسع في المشرب والمطعم، أراد صلى الله عليه وسلم ترك التنعم والدعة ولين العيش؛ لأنه من زي العجم وأرباب الدنيا.

ومِنَ المترفين مَنْ يسرف في اقتناء الفرش الوثيرة والأواني الفاخرة والمتاع الراقي، أو يكثر من ذلك كثرة تقصر معها أيام العمر وتأبى أن تتسع للعبد لكي ينتفع بها ويستخدمها. لقد كان من هدي النبوة التقلل من ذلك قدر الإمكان فقد روى البخاري والنسائي عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه أنه قال: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سلاحه وبغلته وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة". وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُدْم" أي من جلد حشوه من ليف [رواه البخاري].

ومنهم مَنْ لا يقوم بحاجاته الذاتية والاجتماعية التي يمكنه القيام بها، ويلجأ بدلاً من ذلك إلى استقدام الخدم رجالاً ونساء من غير حاجة إليهم، وإنما رغبة في ترفيه النفس وحب التفاخر والتباهي والظهور بمظهر المتميز أمام الآخرين.

وغالبهم يكثر من استخدام وسائل الترويح عن النفس من مزاح وألعاب ونزهة وزيارات كثيرة تخرج بالترويح عن الحكمة التي شرع لأجلها، حتى تصبح في حياة كثير من الناس هي الأصل والطاعة والعبادة هو الفرع فلا يحرص على طاعة ولا يجتهد في قربة، ويتوانى عن القيام بما يقِّربه إلى الآخرة من صلاة النفل وصيام التطوع وكثرة الذكر ويضيع ساعات العمر وأيامه في أمور إن لم تكن من السيئات فلن تكون من الحسنات بحال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم محذراً من ذلك: «ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة [رواه أبو نعيم في الحلية وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع 2/997] ومما استحسن من كلام الحجاج قوله على المنبر: "إن امرءاً ذهب من عمره ساعة في غير ما خُلِق له، لخليقٌ أن تتطاول عليه حسراته" [أورده الماوردي في نصيحة الملوك 17].

كما أنَّ قلة العبادة والتكاسل عن الطاعة هي السمة الغالبة على معظمهم إلا من رحم الله منهم وقليل ما هم؛ وذلك لأن قلب ابن آدم إذا ملىء بشيء حتى فاض استحال ملؤه بغيره، وكل إناء بالذي فيه ينضح، فالمترف قد ملأ قلبه أو كاد بحب الدنيا وتحصيل متعها وشهواتها، فإذا لم تجد الطاعة مكاناً لما في قلبه فإنها ترحل عنه، قال أبو حازم رحمه الله: "يسير الدنيا يشغل عن كثير الآخرة" [ذم الدنيا لابن أبي الدنيا 135]. فإذا كان هذا حال اليسير من الدنيا فكيف بحال الكثير منها؟

ولم يقف حالهم عند ذلك بل إن الكثير منهم خرج عن الجادة وولغ في المعصية وانغمس في الرذيلة، لإكثاره من الملذات والشهوات المباحة أولاً، ثم توسع فيها حتى خرج عن دائرة المباح إلى دائرة المشتبه فيه، ومع الزمن وقع في المحرمات قليلاً قليلاً حتى وصل إلى مرحلة الفسق والمجاهرة بالمعصية، نسأل الله السلامة والعافية.

ومنهم من وقع في عبودية الهوى والشهوات وردَّ الحق وكذَّب به، وقد أبان الله تعالى في كتابه أن الترف سبب ذلك فقال: {واتَّبَعَ الَذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود: 116]، وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34].

ومن حال المترفين: قسوة القلب وغلظة الحس وثقل البدن مما يؤدي إلى نسيان العلم وزوال الفطنة والحرمان من متعة التطلع إلى ما وراء اللذة الآنية بالإضافة إلى حرمان النفس من لذة الاهتمامات الكبرى اللائقة بالدور العظيم للمسلم في حياته مع انشغال القلب عن التبصر بما يدور حوله واستلهام العبرة والعظة من ذلك، كل هذا نتيجة غرقه في لجة اللذائذ والشهوات، قال الشوكاني رحمه الله عند قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} قال: "وخصص المترفين تنبيهاً على أن التنعم هو سبب إهمال النظر" [فتح القدير 4/773].

ومن سيما هؤلاء: العجز والكسل والتواني عن أداء الأعمال النافعة بحيث ينجز الواحد منهم عمل اليوم في أسبوع، وعمل الأسبوع في شهر، ولقبح هاتين الخصلتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منهما بقوله: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل» [رواه مسلم 4/2079].[/fot1]

المصدر/// جزء من مقال (الترف) للشيخ سعد البري