عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-12, 03:07 PM   #1
شهاب حسن

آخر زيارة »  06-25-12 (11:31 AM)

 الأوسمة و جوائز

الشطارة والفهلوة



المؤمن الكامل الإيمان الذي يسمع عن الله كلامه في القرآن وسمع الله يقول{إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} يرعى سمعه هذا الخطاب فلم يقل الله إن الله يحب التائبين لأنه لو قال إن الله يحب التائبين كانت التوبة لمرة واحدة في العمر فإذا تاب ثم رجع إلى المعاصي وتاب لم يقبل الله منه لكن الله فتح الباب للأحباب وقال التوابين أي بصيغة المبالغة يعنى كثيري التوبة المداومين على التوبة كلما أذنبوا ذنباً علموا أن هناك رباً يغفر الذنوب فرجعوا إليه تائبين فيغفر لهم هذا الذنب فإذا ضاقت بهم نفوسهم وساقتهم جوارحهم بعد التوبة للذنوب رجعوا مرة أخرى إلى الله وتابوا وأنابوا فيمن عليهم بالتوبة إلى ما شاء الله قال الحبيب قال الله في حديثه القدسي{لَوْلاَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ مَا خَلَّيْتُ بَيْنَ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ وَبَيْنَ الذَّنْب}[1] يعنى لولا أن الذنب يأخذ المؤمن من الغرور والإعجاب بنفسه فالذنب له خاصية فريدة وميزة عجيبة فإن المرء عندما يكرمه الله ويحافظ على الطاعة قد يغتر بنفسه ويظن أنه أصبح له شيئاً عند الله وأصبح له عمل يرجو نظيره من الثواب والرحمة من عند الله فيأتي الذنب فيعرفه بنفسه وأنه خطاء مذنب وأنه لولا أن يتداركه الله بعنايته ويغفر له خطيئته لغطت ذنوبه على حسناته إن الذنوب يفعلها المرء عامداً أو يفعلها المرء جاهلاً فالذي يفعله المرء جاهلاً لا يحاسبه عليه الله لقول النبي { رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأُ والسهو وَالنسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ}[2]فلو فعل الذنب ساهياً أو جاهلاً فإن الله يتوب عليه من قريب لا يحتاج منه أن يندم على ما فعل إذا علم أنه أذنب ويقر في نفسه بالخطأ ويعترف بين يدي مولاه بهذه الغلطة والجناية فيتوب الله عليه أما الذي فعل الذنب عامداً متعمداً يعني يفعله ويعلم عند فعله أنه يرتكب ذنباً فلابد له من توبة نصوح هذه التوبة حتى ولو كان قضى عمره كله في طاعة الله فإن عمله الصالح طول عمره لا يعادل هذا الذنب ولا يستوجب بحسناته هذه غفران الله وتوبة الله فقد جاء في الأثر إن إبليس عبد الله اثنين وسبعين ألف سنة حتى ورد في الأثر { ما من موضع شبر في السموات السبع إلا ولإبليس فيه سجدة لله } ثم عصى الله بذنب واحد مرة واحدة عندما أمره بالسجود لآدم فأبى ورفض السجود أبى واستكبر ولهذا قال الله {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ}من ذنب واحد تركه الله لأنه عمله متعمداً ويعلم أنه يرتكب الذنب وأن هذا إثم كبير لم تشفع له طاعاته الطويلة ولا عباداته الكثيرة لله فالذنب الذي يحرص المؤمن على عدم الوقوع فيه هو الذنب الذي يعلم مقدماً أنه مخطئ عند الوقوع فيه وأنه يقابل الله بالعصيان فيه والخطأ الأكبر من ذلك إذا تباهى بتلك المعصية وجاهر بها بين المؤمنين يجاهر بالفواحش والمنكرات ويظن أنه بذلك له شرف بينهم وسيصير له مكانة من الفتوة أو ما شابهها مثلهم وكل هذا يقول فيه النبي { كُلُّ أُمَّتِي مُعَافىً إِلاَّ المُجَاهِرُونَ}[3] والمجاهر هو الذي يتباهى ويفتخر بالذنب ويقول للناس مثلاً إني ضحكت على فلان وأخذت منه في هذه البيعة ألفين جنيه أو ضحكت على فلان وجعلته يكتب لي عقد على قطعة الأرض بمبلغ زهيد ومش عارف قيمتها أو ضحكت على فلان وأخذت منه المكان الفلاني وأعطيته بدلاً منه آخر لا ينفع ولا يشفع ويعتقد أن ذلك من باب الشطارة والمهارة والفهلوة أو يقول أنا كتفت فلان زوج ابنتي بمبلغ مائة ألف جنيه ووقع ولم يأخذ باله كل هذه الأشياء وأمثالها التي باهى المرء بفعلها لا مغفرة لها إلا إذا تاب توبة نصوحاً وأخذ يضرع إلى الله فيها ويبكى بكاءاً شديداً من أجل محوها ويعاهد الله على تركها وعدم العود ما عاش إلى مثلها ويطلب منه بذلة وخشوع وانكسار أن يمحوها على أن لا يعود إلى مثلها أبداً فإذا عرف الله صدقه وصحة عزمه وصفاء إرادته وصدق قوله تقبل الله توبته ومحا الله حوبته بل ربما يدخله في قوله {فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} لكن الله جعل التوبة لجميع المؤمنين من ماذا؟ من الأشياء التي نقع فيها ولا نفطن لها فإن الذي ذكرناه يحتاج إلى التوبة في الحال ولا يجوز للمرء أن يسوف ويؤخر لأنه لا يعلم عاقبته أما التوبة فمن الذنوب التي لا يفطن إليها المرء ولا يعتبرها ذنباً ونأخذ منها على سبيل المثال كل لحظة تمر عليك وأنت غافل فيها عن ذكر الله فالغفلة عن ذكر الله ذنب لا نعتبره ولا نحاسب أنفسنا عليه في هذه الحياة وهى تحتاج إلى توبة صحيحة ومن لم يتب منها يقول يوم القيامة كما أنبأ الله { يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} كل نفس مر عليك في لهو ولعب وفي جلوسك غافلاً متغافلاً في غير ذكر الله فهو ذنب يستحق من المرء أن يتوب إلى الله منه لا ندرى بهذا الذنب على أننا لا نعلم عن الذنب إلا أنه تعدى ما حرم الله لكن نسينا أن الغفلة ذنب يقول فيه الله {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الذي يغفل عن ذكر الله يجعل الله له شيطاناً قريناً يوسوس له ويخنس له فالغفلة عن الله وعن ذكر الله ذنب يستوجب التوبة منا جميعاً الطاعة التي نحن فيها الآن كالصلاة تحتاج منا إلى خشوع قلب وحضور نفس من أولها إلى آخرها فإذا غفل الإنسان فيها ولابد أن ذلك يحدث كأن يتذكر البيت وما فيه أو الشارع وما به أو حوار حدث بينه وبين إنسان أو مشكلة بينه وبين الجيران فيجد نفسه وقد انتهى من الفاتحة أو التشهد لأنه انتهى من قرأتها ولا يدري ما دار وقد قال النبي { إِنَّما يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلاتِهِ ما عَقَلَ مِنْهَا} فاللحظات التي يسهو فيها المرء عن الله تحتاج إلى توبة حتى يتقبلها الله ولذلك كان من سنة رسول الله مع صحبه الكرام أن يستغفروا الله عقب كل صلاة لم يستغفرون وقد خرجوا من الطاعة؟ من التقصير والغفلة والسهو الذي حدث لهم أثناء الصلاة مثال آخر: نحن والحمد لله أكرمنا الله بالصلاة لكن إذا سمعت الآذان وأنا في بيتي أو في عملي وقد انتهيت من أدائه وجالس على المكتب أتحدث مع رفاقي أو في الطريق أو في السوق علي أن أترك كل ما في يدي لألبي نداء الله في الوقت والحال فإذا فعلت - كما يحدث من أغلبنا أؤخر الظهر حتى يقترب العصر بدون عذر شرعي أو أؤخر المغرب إلى مقربة من العشاء بدون عذر شرعي والأعذار بينتها شريعة الواحد القهار وفصلها لنا المختار صلى الله عليه وسلم هذا الذي ذكرنا هو ذنب ولكننا لا نحاسب أنفسنا عليه وإن الله عاتب قوماً فيه فقال {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها والذين يجملون الصلاة مع الصلاة والذي يؤخر الصبح إلى أن تطلع الشمس ويصليه قضاء ولا يندم ولا يحس بأسى على ما فعل ولا على أنه فعل شيئاً قبيحاً في نظر الله مع أنه ذنب كبير سيعلم عاقبته يوم لقاء الله لماذا؟ لأنه قال لنا أجمعين {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } الوقت الذي حدده الله لابد أن نقيم الصلاة فيه إلا إذا كان هناك مانع شرعي من مرض قاهر أو سفر أو حادث في الحال كحريق أو غريق أو ما شابهه ولابد من الإسراع في علاجه لكن ما دمت جالساً أتحدث ما عذري؟ لماذا لا أتوقف وأقول له تعالَ نصلي ثم نرجع نكمل حديثنا؟ لماذا لا أقول للمسلم إذا زارني هيا بنا نؤدي الصلاة ثم نرجع نكمل ما كنا نخوض فيه؟ وأن الصلاة لا عذر للمرء في تأجيلها أو تأخيرها إلا إذا وافق العذر ما بينه رسوله مثال آخر: نصوم في شهر رمضان عن الأكل والشرب والجماع ولكننا لا نصوم عن اللغو وقد لا نصوم عن النظرة المحرمة وقد لا نصوم عن الكذب وقد لا نصوم عن الغيبة والنميمة ونظن أن صومنا صحيحاً وقد قال النبي {خَمْسُ خِصَالٍ يُفَطرْنَ الصَّائِمَ: الْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالنَّظَرُ بِشَهْوَةٍ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ}[4] مثال آخر: أرسل الله إلينا خير كتاب وأمرنا بتلاوته ولم يشق علينا في قراءته بل قال لنا أجمعين { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} وإذا كنا لا نتذكره إلا في رمضان فهذا ذنب في حق أنفسنا يحاسبنا عليه الديان كيف لا نسوي على الأقل - وهذا لا يجوز - بين تلاوة القرآن وتصفحه وتصفح الصحف والمجلات التي فيها كذا وكذا من شرور هذه الحياة فمثل هذا ذنب لا يشعر به الإنسان وهذه القائمة طويلة لا نستطيع عدها كلها وحسبنا ما أشرنا إليه من بعضها من الذنوب التي لا يفطن إليها المرء ويقع فيها ولا يحسبها ذنوباً إن هذه كلها تحتاج منا أن نتوب منها أجمعين إلى يا أخي المؤمن لا تغفل عن التوبة إلى الله في كل نفس فليس كل ذنب عملته عرفته فربما تكون هناك ذنوب عند علام الغيوب ولم تعلم بها ولم تحاسب نفسك على فعلها ولذا قال الله لنا أجمعين{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}كلكم تتوبون وبين هذه الحقيقة النبي الأمين فقال{ كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ}ولم يستثنِ . .ماذا نفعل؟بيَّن فقال {وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ}[5] يعني الذي يديمون على التوبة فيشعر المرء في كل وقت وحين وهذه هي حقيقة التوبة ليست التوبة أن تقول استغفر الله فهذا ذكر يعطيك الله نصيبك من الحسنات مقابل قولك بل إن التوبة أن تشعر في داخلك بأنك قصرت وأنك أخطأت وأنك أجرمت وأنك خالفت الله ومن منا بلغ مبلغ الكمال فلا يخالف ذي الجلال والإكرام في لحظة واحدة في هذه الحياة؟في الحقيقة كلنا مقصرون لأننا لم نبلغ المقام العظيم من منا يصلي الصلاة من أولها إلى آخرها في حضور وخشوع مع مولاه؟ أين هذا يا عباد الله من منا يحفظ لسانه من الزلل فلا يقول كلمة نابية أو جائرة إلى هذا أو ذاك ولا يتركه يسكت لحظة عن ذكر المليك الخلاق؟مَنْ منَّا يحفظ قلبه من الخواطر السيئة فلا يدخل فيه بغض ولا كرب ولاحقد ولاغش ولاغل لأحد من المسلمين أو الناس أجمعين؟ هذا شئ لا نستطيعه أجمعون فالعبد التائب إلى الله والذي يستشعر أو يشعر في كل وقت و حين - مهما فعل من الصالحات ومهما قدم من الخيرات - أنه مقصر في حق الله وإذا كان الملائكة المطهرين الذي يقول فيهم الله {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} ومنذ خلقهم وهم في طاعته لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يسهون ولا يغفلون ومع ذلك يقولون يوم القيامة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وإذا كان الحبيب بعد أن نال أعظم وسام في المغفرة من الله وقال فيه الله في محكم آياته {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ومع ذلك كان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليمات {إِذَا صَلَّىٰ قَامَ حَتَّىٰ تَفَطَّرَ (تتورم) رِجْلاَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها : يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَصْنَعُ هذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً}[6] وحتى الذي حفظه الله وعصمه يشكر الله على عصمة الله ويشكر الله على حفظ الله فما أحوجنا إلى مغفرة الله استغفروا الله آناء الليل وأطراف النهار واستغفروه بقلوب منكسرة وأجسام خاشعة ورءوس خاضعة حتى يتقبل الله منا أجمعين ويصلح شأننا وينقلنا إلى أحسن حال الله فقولوا جميعاً: تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا وعلى ما قلنا وعزمنا على أن لا نعود إلى ذنب أبداً تبنا إلى الله من كل ذنب صغير أو كبير علمناه أو جهلناه فيما مضى أو فيما بقى لنا من عمرنا
[1] جامع الأحاديث والمراسيل ورواه الشيخ عن كليب الجهنى.

[2] عن ثوبان في الفتح الكبير، وابن ماجة وابن حبان والحاكم في الدرر المنتثرة.
[3] عن أبي قتادة الأنصاري رواه الطبراني في الصغير والأوسط
[4] فى تخريج أحاديث الإحياء العراقي: أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث عمار بن ياسر بنحوه.
[5] عن أنس بن مالك في منتخب بن حميد ورواه الترمذي وابن ماجة والدرامي وفي مسند الإمام أحمد.
[6] عن قتادة عن أنس وفي رواية عن المغيرة بن شعبة حديث حسن ورواه الترمذي في الشمائل من حديث جابر وفي الباب عن عبد الله بن جحش، وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم.

الخطب الإلهامية ج3 شهر رجب والإسراء والمعراج