07-25-19, 09:03 AM
|
#1 |
| | | | | | | | | الهوايه » القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر | | | | |
{ و إنَّ لكَ لأجراً غيرَ مَمنون } السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان العقلُ المسلم الأول يَنفعِل بهذا المَعنى الهائِل .. بالحَقَيقةِ الجَديدة .. بالإعلانِ الإلهيّ { وإنَّ لك لأجراً غير ممنون } !
ما مَعنى ؛ أن تُصبح حَفنةَ العُمر الضَّيئلة دهراً مُمتدّاً ..!
ما مَعنى ؛ أن تَنصِت فإذا للسَّعيِ المَحدود على الأرضِ صدىً في عُمق الوُجود !
ما مَعنى ؛ أن تُنقش أسماؤُنا في لَوحةِ الكَونِ فلا تَغيب !
ما مَعنى ؛ أن نُوَقّع حُروفنا على وَرقةٍ لا تَذبُل .. على زيتونَةٍ نَتَنفّس فيها فَتظلّ تَلِدنا زَيتوناً أبديّاً في طعام الفقراءَ وأفراح الشّتاء .!
ما مَعنى ؛ أن نَظَلَّ نَتدفّق فلا يَمَسُّنا الجَفاف .. أن نُصبح خَبراً بِلا انتهاء!
كان ذلك كُلّه من معنى { و إنَّ لك لأجراً غير مَمنون } !
هذه الآية ..
تَنقُلك من الإزدحامِ الضَيّقِ في المَكان ؛ الى المَدى المُتَّسَع .. الى حيثُ يظلُّ النّوار في روحِك لا يَنطَفِيء !
أنَّ لكَ لأجراً غير مَقطوع ..
فأنت َعلى خُطى هذا المَفهوم سَتَظلُّ حاضراً في صميمِ الكَون َ!
تَلَقَّفَ العقلُ المُسلم حينها الخبَرَ ؛ ثُمَّ طارَ يُصيغه على تواقيعٍ ابتَكَرَها و سَمَّاها ( وقفاً لله ) .!
و كانت تِلك قَفزةً حضاريَّةً لم تَسبِق اليها البَشريّة ..
اذ يُقرر القُرآن أنَّ الحياةَ يُمكن أن لا تَمُرّ بإنعطافَةِ الموت .. بمحطَّة التَّوقُّف .. بلحظَةِ الصَّمت !
وَقفٌ أو صَدَقة جارِية أو عملٍ لا يَنقَطِع .. مُسمَّياتٌ لِفَلسفةٍ جَديدة تَزَيَّنت بِها الحياةُ التي صُنٍعت على إيقاعِ القُرآن ؛ حيثُ يتجذّر فلان ( كشجرةٍ طيّبة أصلُها ثابت تُؤتي أكُلَها كل حين ) إلى قيامِ السّاعة !
{ وإنَّ لك لأجراً غيرَ مَمنون} رأيناها تَتَجلّى في الأوقافِ التي بذلت لِطلُاّب العِلم و المُعتَكِفين على حِراسةِ الثُّغور !
رأيناها في القِباب التي عَكَف تَحتها العلماء يُعلِّمون النّاس لله و يَرفعون صوتَهم فوق السّحاب ، و يُنقِذون أعمارهم من الدَّفن تحتَ التُّراب !
رأيناها في مُحسنٍ يُوقف ماله للفَتيات القاصِرات عن إتمام تكاليف زواجِهنّ ؛ فيُقدِّم لهُنَّ الحِليّ و الزّينة جَبراً للخواطر .. و تظلُّ لهُ حَسَنةً تتمَدّد في جَنباتِ الكَونِ الى قِيام النّاس !
رأيناها في وَقف الحُجّاج لمن يَشتهي الحجّ و لا يَملِك ماله ؛ ليظلَّ صَدى السّعي و الطّوافِ مكتوباً له في سَمع الملَأ الأعلى .. يُدندِنُ باسمه حَولَ العَرش !
رأيناها في وَقف الزّبادي ؛ حيث يَضعُ مُحسنٌ صُحون اللَّبن المَملؤة يُعطيها لكلِّ طفلٍ يَشتري لأمّه لَبَناً فإذا عَثَر في الطّريق وانكسر صَحنه أعطاهُ بديلاً مُمتلِئاً فلا تَسقُط له دَمعة ، و تُسجّلَ له المَلائكةُ أنَّهُ أشاعَ الفَرحَ في الطّرقات !
رأيناها في وقفِ دارِ الثّقة في المَغرب ؛ حيثُ هَيَّئَت داراً لِمن غَضِبَت من زَوجِها .. فتُستَقبَل و يُطيَّبَ خاطِرُها و يُصلَح بَينهما ، ثم تعودُ مُكرَّمةً بِهديّة يُسمونها " تَسكينُ الخَواطر " !
رأيناها في المُستشفيات ؛ حيثُ تُوقَفُ الأموالُ لِمَن مَرِضَ من الغُرباء.. فَيُعالَج ثُم يُعطى تكاليفَ سَفَرِه خمسة قِطَع ذهبيّة ، و ثياباً و طَعاماً ودواءً لبقيّة الطّريق .. فَيَأمَن .. و تُسَجّل تِلك حالة أمنٍ لِمن أنفَقَ يَلقاها يومَ تَفزَعُ العِباد في العَرَصات !
رأيناها في نُسوةٍ يكتُبن المَخطوطاتَ ثُمّ يوقِفنَ أثمانَهُنَّ على فَكِّ أسرى المُسلمين ..!
رأيناها في وَقف أراضٍ من دِمشقَ تُسمّى " بالمَرجِ الأَخضر " للقِططِ الضَّالة و الخُيول التي أُرهقت من كثرَةِ الجِهاد !
رأيناها في شبابٍ يَتسامرون بالضَّحِكِ و النُّكات تَحتَ شبابيكِ المَشافي حتى يَجتَمِعُ عليهم المَرضى فَيضحكون و لا يُغادِرون الا بَعد أن يَنامَ المُتعَبون من كثرةِ الفَرَح .!
رأيناها في الوَقفِ على طعامِ الطَّلبة ؛فيتفرَّغ الآلاف للعِلمِ و البَحثِ في عواصِمِ الحَضارةِ الاسلامية ،و زادهَم يأتِيهم من كلِّ حدب وَ صَوب !
رأيناها في وَقف عُمرَ للأراملِ و المُطلَّقات ؛ حتى لا يَحتَجنَ رجُلاً لا حقَّ له فِيهِنّ !
رأيناها في وَقفِ نُقطة الحَليب .. حيث يُوزَّعُ على المُرضِعاتِ حليباً و سُكَّرَ كَي يَتَدفَقُّ الحَليبُ في الصُّدور و لا يَنضَب !
رأيناها في صَوتِ عَبد الحَميدِ الثّاني ؛ يومَ أعلَنَ أنَّ الأقصى وقفُ للمُسلمين لا يَجوزُ بَيعُه .. و ظَلَّ أجرُ الكّلمة لَه إلى قيامِ السّاعة !
رأيناها في أُمّةٍ أرادَت حَياةً لا تَنطَفِىء .. و امتِداداً لا يَنقطِع .. و { أجراً غيرَ مَمنون } .
د.كفاح أبو هنود |
| |