عرض مشاركة واحدة
قديم 07-25-19, 09:03 AM   #1
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:38 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي { و إنَّ لكَ لأجراً غيرَ مَمنون }



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كان العقلُ المسلم الأول يَنفعِل بهذا المَعنى الهائِل .. بالحَقَيقةِ الجَديدة .. بالإعلانِ الإلهيّ { وإنَّ لك لأجراً غير ممنون } !

ما مَعنى ؛ أن تُصبح حَفنةَ العُمر الضَّيئلة دهراً مُمتدّاً ..!

ما مَعنى ؛ أن تَنصِت فإذا للسَّعيِ المَحدود على الأرضِ صدىً في عُمق الوُجود !

ما مَعنى ؛ أن تُنقش أسماؤُنا في لَوحةِ الكَونِ فلا تَغيب !

ما مَعنى ؛ أن نُوَقّع حُروفنا على وَرقةٍ لا تَذبُل .. على زيتونَةٍ نَتَنفّس فيها فَتظلّ تَلِدنا زَيتوناً أبديّاً في طعام الفقراءَ وأفراح الشّتاء .!

ما مَعنى ؛ أن نَظَلَّ نَتدفّق فلا يَمَسُّنا الجَفاف .. أن نُصبح خَبراً بِلا انتهاء!
كان ذلك كُلّه من معنى { و إنَّ لك لأجراً غير مَمنون } !

هذه الآية ..
تَنقُلك من الإزدحامِ الضَيّقِ في المَكان ؛ الى المَدى المُتَّسَع .. الى حيثُ يظلُّ النّوار في روحِك لا يَنطَفِيء !

أنَّ لكَ لأجراً غير مَقطوع ..
فأنت َعلى خُطى هذا المَفهوم سَتَظلُّ حاضراً في صميمِ الكَون َ!

تَلَقَّفَ العقلُ المُسلم حينها الخبَرَ ؛ ثُمَّ طارَ يُصيغه على تواقيعٍ ابتَكَرَها و سَمَّاها ( وقفاً لله ) .!

و كانت تِلك قَفزةً حضاريَّةً لم تَسبِق اليها البَشريّة ..
اذ يُقرر القُرآن أنَّ الحياةَ يُمكن أن لا تَمُرّ بإنعطافَةِ الموت .. بمحطَّة التَّوقُّف .. بلحظَةِ الصَّمت !

وَقفٌ أو صَدَقة جارِية أو عملٍ لا يَنقَطِع .. مُسمَّياتٌ لِفَلسفةٍ جَديدة تَزَيَّنت بِها الحياةُ التي صُنٍعت على إيقاعِ القُرآن ؛ حيثُ يتجذّر فلان ( كشجرةٍ طيّبة أصلُها ثابت تُؤتي أكُلَها كل حين ) إلى قيامِ السّاعة !

{ وإنَّ لك لأجراً غيرَ مَمنون} رأيناها تَتَجلّى في الأوقافِ التي بذلت لِطلُاّب العِلم و المُعتَكِفين على حِراسةِ الثُّغور !

رأيناها في القِباب التي عَكَف تَحتها العلماء يُعلِّمون النّاس لله و يَرفعون صوتَهم فوق السّحاب ، و يُنقِذون أعمارهم من الدَّفن تحتَ التُّراب !

رأيناها في مُحسنٍ يُوقف ماله للفَتيات القاصِرات عن إتمام تكاليف زواجِهنّ ؛ فيُقدِّم لهُنَّ الحِليّ و الزّينة جَبراً للخواطر .. و تظلُّ لهُ حَسَنةً تتمَدّد في جَنباتِ الكَونِ الى قِيام النّاس !

رأيناها في وَقف الحُجّاج لمن يَشتهي الحجّ و لا يَملِك ماله ؛ ليظلَّ صَدى السّعي و الطّوافِ مكتوباً له في سَمع الملَأ الأعلى .. يُدندِنُ باسمه حَولَ العَرش !

رأيناها في وَقف الزّبادي ؛ حيث يَضعُ مُحسنٌ صُحون اللَّبن المَملؤة يُعطيها لكلِّ طفلٍ يَشتري لأمّه لَبَناً فإذا عَثَر في الطّريق وانكسر صَحنه أعطاهُ بديلاً مُمتلِئاً فلا تَسقُط له دَمعة ، و تُسجّلَ له المَلائكةُ أنَّهُ أشاعَ الفَرحَ في الطّرقات !

رأيناها في وقفِ دارِ الثّقة في المَغرب ؛ حيثُ هَيَّئَت داراً لِمن غَضِبَت من زَوجِها .. فتُستَقبَل و يُطيَّبَ خاطِرُها و يُصلَح بَينهما ، ثم تعودُ مُكرَّمةً بِهديّة يُسمونها " تَسكينُ الخَواطر " !

رأيناها في المُستشفيات ؛ حيثُ تُوقَفُ الأموالُ لِمَن مَرِضَ من الغُرباء.. فَيُعالَج ثُم يُعطى تكاليفَ سَفَرِه خمسة قِطَع ذهبيّة ، و ثياباً و طَعاماً ودواءً لبقيّة الطّريق .. فَيَأمَن .. و تُسَجّل تِلك حالة أمنٍ لِمن أنفَقَ يَلقاها يومَ تَفزَعُ العِباد في العَرَصات !

رأيناها في نُسوةٍ يكتُبن المَخطوطاتَ ثُمّ يوقِفنَ أثمانَهُنَّ على فَكِّ أسرى المُسلمين ..!

رأيناها في وَقف أراضٍ من دِمشقَ تُسمّى " بالمَرجِ الأَخضر " للقِططِ الضَّالة و الخُيول التي أُرهقت من كثرَةِ الجِهاد !

رأيناها في شبابٍ يَتسامرون بالضَّحِكِ و النُّكات تَحتَ شبابيكِ المَشافي حتى يَجتَمِعُ عليهم المَرضى فَيضحكون و لا يُغادِرون الا بَعد أن يَنامَ المُتعَبون من كثرةِ الفَرَح .!

رأيناها في الوَقفِ على طعامِ الطَّلبة ؛فيتفرَّغ الآلاف للعِلمِ و البَحثِ في عواصِمِ الحَضارةِ الاسلامية ،و زادهَم يأتِيهم من كلِّ حدب وَ صَوب !

رأيناها في وَقف عُمرَ للأراملِ و المُطلَّقات ؛ حتى لا يَحتَجنَ رجُلاً لا حقَّ له فِيهِنّ !

رأيناها في وَقفِ نُقطة الحَليب .. حيث يُوزَّعُ على المُرضِعاتِ حليباً و سُكَّرَ كَي يَتَدفَقُّ الحَليبُ في الصُّدور و لا يَنضَب !

رأيناها في صَوتِ عَبد الحَميدِ الثّاني ؛ يومَ أعلَنَ أنَّ الأقصى وقفُ للمُسلمين لا يَجوزُ بَيعُه .. و ظَلَّ أجرُ الكّلمة لَه إلى قيامِ السّاعة !

رأيناها في أُمّةٍ أرادَت حَياةً لا تَنطَفِىء .. و امتِداداً لا يَنقطِع .. و { أجراً غيرَ مَمنون } .

د.كفاح أبو هنود