الموضوع: { وليالٍ عشر } ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-19, 08:19 AM   #2
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:08 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي { وليالٍ عشر } ..



{ وليالٍ عشر } ..

الليلة الثانية..

حين تتّجهُ الى الكعبةِ تلتقي عيناكَ بِقدَمِ ابراهيم هادئةً في المقام ..
ضاربةً جُذورها في عُمقِ التّاريخ ،، تقتربُ منها ،، تحاولُ ان تَفهَمَ خَبايا أسرارِها !
تراها صامدةً كلحظتِها يوم تَقَدَّمَت نحوَ النّار دون تَلَكُّؤ ؛ فقد كانت قدمَ صِدق .!
كانت الجِهات في حسّ القومِ كُلّها منهارةً الا ابراهيم .. فقد كان يُردّد { أني وجّهتُ وجهيَ للذي فَطَرَ السّماوات و الارضَ حنيفاً } ..
كانت المسافاتُ للغاية الجليلة يومَها طويلة ،، فانطَلَقَ ابراهيمُ وحدهُ خارجاً من حُدوده كي يبلُغ الحُلم !
من العراق الى فلسطين ؛ حتى يبلُغ الكعبة ... هل تَعني لك هذه الخارطة شيئاً ..!
هل تمتلكُ هذه الرّحلة سِرّاً أو رمزاً أو رسالةً لك أيّها المسلم .؟
ماذا كان يحمِلُ هذا المُهاجرُ في حَقيبةِ سَفَرِه ،، في سرِّ صدره ،، في خُطاهُ المرسومة بحكمةِ الأقدار !!
و في كلّ حِواراتِه مع الشمس و القمر و النّجوم ؛ فقد كان ابراهيمُ لا يُتقِنُ النّظر الا الى النّجوم !
كان قلبُه هناك حيثُ العرش .. و كان كثيرَ التأوّه و الدّعاء ؛ اذ كان يوقنُ
أن الرّياح التي تأتيكَ بعد الدّعاء لا تَدعك حيث ُوجَدَتكَ !
كان في تِرحاله يَنزِفُ كثيراً كي يَمنحنا الكثير ..
كلّ رِحلاته كانت غارقةً في التّضحية ..
كانت قدمهُ تَسعى من فلسطينَ الى مكّةَ كي تودع الصغير للصحراء ..
مع كلّ خطوة كان ابراهيمُ يقترِبُ من مَقام الخَليل ..
كلّما تقدّمتّ يا ابراهيم الى مكّة كان الدّرب يفرغ .. فَوحدَكَ انت الزُّحامُ .. و وحدَكَ انت بكلِّ الأنام .!
كلّ خُطوة كانت تعدِل أمةً .. كلّ خطوة كانت ترفَعُكَ الى حيثُ البيت المعمور في السماء السابعة !
مَن غَيرَكَ يا ابراهيمُ يُطيقُ ان يودع طفلهُ للمجهول ..!
طفلُ السّنوات التي أجدَبَت دون صوتٍ تشتاقُه فِطرَتُك العميقة !
طفلُ السّنوات التي اشتَهَت ضمّةَ الصّغير و احدّودّبّ الظّهرُ دونها !
يحمِلهُ دون ان يَتعثّرَ .. فَقَدَمُ ابراهيمُ لا يليقُ بها الا الثّبات ؛ لذا ظلَّ الّنور يمضي حيث تمضي يا ابراهيم !
كانت لِخطوَتِه على الرّمل المُنساح في الصّحراء دويٍّ في السّماء ؛ فقد كانت تُمهّد الطّريق بين القبلتين !
يا ابراهيم .. عيدُ أمّة بأكملها سيبدأ من خُطوَتِكَ تلك نحوَ مكة !
لقد سطَّرتَ بِقَدَمِكَ ميلادَ فِكرةٍ فحُقَّ لِقدمك ان ترتاحَ في ظلّ البيتِ أبداً ..
وحُقَّ لك ان يجعل الله لك { لسانَ صِدقٍ في الآخرين } يَقتدى بك .. فبقيتَ حيّاً يا أبراهيم و قد مات القومُ و جَفّوا .!
يالِرَهبةِ الأقدار .. يُولدُ الصّغير من عطشِ الشّوق اليه .. ثم يُحمل الى عَطَشِ الصّحراء .. فيبكي شوقاُ لِقطرة الحياة .. فتنهمِرُ زمزَمَ فوّارة أبد الدّهر .. و يُبنى البيت ؛ ليُعلّمنا اللهُ انّك إن صَدَقتَ فَستَختَبِئُ لك المُعجزات في الأسباب المُستحيلة !


{ ليالٍ عشر } .. هي مدرسةُ إبراهيم فتأمّل !


د. كفاح أبو هنود