الموضوع: { وليالٍ عشر } ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-19, 08:20 AM   #3
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (08:08 AM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي الليلة الثالثة ..



{ وليالٍ عشر } ..

الليلة الثالثة ..

أسألُ رمالَ مكّة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك كي لا تلحق بإبراهيم !
يقولون يا هاجر .. إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل .!
فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ و إبراهيمُ يرحلُ عنكِ و عن الرّضيع !؟
لا شيء يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا المكان ..
هَرعَت إليه .. يا إبراهيمُ كيف تجمعُ عَلينا غِيابان .. غيابكَ أنت و غياب الشّمس .؟
هل نَذرتَنا للفَناء ؟! صدّقني لا شيء يوحي بغيرِ ذلك ..
آاللهُ َأمرَكَ بذلك يا إبراهيم .. فأجابَ نعم !
كان اللهُ في عَليائِه يَشهدُ تِلكَ اللّحظة ..
لحظة اختيارٍ بين خطوتَين .. نَحو ابراهيم أو نحوَ الله ..
لحظة سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المرأةُ مكان الشّمس ..
تسامَت على ضَعفِها حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ !
أيُّ دينٍ هذا الذي يوقِظُ النِّساءَ كي يَصّعَدنَ من السَّفحِ ؛ الى حيثُ تُقيمُ النُّسور !
كي يُصبحنَ أيقونةَ الفِداء ،، كي يملأَنَ الصُّخورَ المتشقِّقة من الجَفافِ بماءٍ لا ينقَطِع ..
كانت الدُّروبُ الصّامتةَ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرحيل { ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بوادٍ غيرِ ذي زَرع } ..
كم مرةٍ تهدَّجَ صوتُك أو تقطَّعَ أو تحشّرَجَ يا خليلَ الله بين الكلماتِ .!
مشهدٌ تئنُّ لهُ السّماواتُ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر !
كان الرّعب في إنتظار العَتمَة الآتية و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء فتُلقي بأثقالِها في وجهِ الجارية ..
تنحني هاجرُ لتبدو أمامها الحقيقة عاريةً لا شيء الا صُراخ الرّضيع ،،
تتشبّث باليقينِ ( أنَّ اللهَ لن يُضيّعَنا ) ! تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله ؛ مثلِ لِبؤةٍ مَفزوعة تَهرعُ بين الجَبَليَن ،،
ثمَّةَ ما يستَحِقُّ الحَّياة .. ثَمَّةَ ما يستحِقُّ السَّعي .. ثَمَّةَ حِكمة وراءَ كلِّ هذا الهَول .!
كانت الأنفاسُ المُتلاحقة في هَروَلةٍ تَستبيحُ الصَّدرَ المُضطَّرب بالخوفِ المُشتَعِل ..
الوِحدة و الوَحشة .. و موتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ .. و رَملٌ ينتَثِرُ في عَينَيها كأنَّهُ اللَّهَيب .. و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق !
هل بَكَت ،، لم تُسجِّل ذاكرةَ الصَّحراء الا ارتفاعاً في اليَقين ..
هل كَتمَت صرخَتها .. لم تَشهد السَّماءُ الا صمتَ المُوقِنين ..
هل شَكَت ،، لا .. اذ عَلَّمَها إبراهيمُ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعد اكتمالِ اللَّيل !
كانت زمزم تنتظرُ ضَربَةَ قَدَم الصَّغير .. و كانَ لا بُدَّ من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية و تقديمِ كلِّ القَرَابين !
تسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة .. على خُطى جاريةٍ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة !
" هاجَرُ " لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ تَمَّت للهِ وَحدَهُ ..


أيا سَيِّدَةَ المَعاني الكبيرة ..
[ مِنكِ تَستَلهِمُ المُرابطاتُ اليومَ في حَرَمِ الأقصى حكايَةَ النَّصرِ القَريب ] !


د . كفاح أبوهنود