الموضوع: { وليالٍ عشر } ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-19, 09:59 PM   #4
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (07:52 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي { وليالٍ عشر } ..



{ وليالٍ عشر } ..

الليلة الرابعة

{ وإذ يرفعُ إبراهيم القواعدَ مِن البيت }
كم هوَ عُمرك يا إبراهيم .؟
هِجراتٌ ثلاث .. و سنواتٌ ممتلِئَة بالتّضحيات .. و بناءِ بيت للهٍ .. و مشاهدَ لا تُحصى من مواقفِ الثَّبات !
بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي .. بِعُمقها و ليس بِطولها .!
تسكنُ قاماتَ النّخيل العراقيُّ في عُمرك .. و تتجذَّر أفعالك كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة.. و يتسع عمرك كأنه صحراء الجزيرة التي بنيتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل !
ما أطولَ عُمرك يا سيّدي .. فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ ، و أمطرت غيماته الى قيام الساعة ..
رَفَعتَ بيتاً لله فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ و رفَعَ مَقامك ؛ فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ -عليه السَّلام -الا في السّماء السّابعة مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور .. و وَحدكَ دُون الخلائِقِ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل ..
مِن عُمرك انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يا سيّدي ..فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات ، و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً !
كانت آمالُكَ كُلَّ مساء تَتَبخّر الى السماء .. تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مواعيدك مع غيثٍ سترتوي منه البشريّة .!
كم هي المسافةُ بيننا و بينك !
كما هي المسافة بين أصواتِنا و صوتك إذ تُؤذّن {في النّاس بالحج} ؛ فتخلو الآفاق الا من صَدَى كلِماتِك !
كم هي المسافة بين أعمارِنا و عُمرك الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ و يسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن !
كم كان عُمرك يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً لم تُغيّره الدُّهور !
لم يكن ابراهيم يشيخُ .. ولم يكن لديه وقت للنّهاياتَ الذابلة؛ فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه من نورِ السّماوات و الأرض !
كان ابراهيمُ موطناً لـ { رحمةَ الله و بركاته عليكُم أهلَ البيت } ..
كان إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة !
وكان وحدَه من يستحقّ أن يُقال له ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) .!
يا إبراهيم .. على قدرِ نِيّتك اتَّسَعت لك الأرض فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة و في مناسِكِها و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق !
لِخيرِ هذه الأمّة و خيرنا أنتَ رَحلت . و اعتَلَيتَ الصَّخرَ و بَنَيت .. و كَتمتَ الدَّمعَ و مَضَيت .. و غادَرتَ العٍراق و ما جَزِعتَ !
و تركتَ للهِ جارية و طفلاً و ما انحَنَيتَ !
لِخيرِنا تطاوَلَت كَفّكُ حتى اغتالَت كلّ أوثانِ الضّلال .. و رَسَمَت لنا بعدَها ميلادَ أمّةَ الهِلال ..!
و لِخيرنا لم تنكسرَ نِصفين أمام هولِ النّار !
لِخيرنا لم تتمزّق أمام جَفاف الخَريف .. و كنتَ كبيراً في حُزنك و في سُؤلِك و في انتظارِ الرَّبيع!
و لِخيرِنا يا موطِنَ الخَليل .. يا بَقيَّةَ الخَليل .. ابقَوا على الرِّباط .. أبقَوا على الطّريق !

د. كفاح أبو هنود