الموضوع: { وليالٍ عشر } ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-19, 08:26 AM   #5
عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (05:52 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي وليالٍ عشر } ..



وليالٍ عشر } ..


الليلة الخامسة


{ ربّنا إنّي أسكنتُ من ذُريتي بِوادٍ غَير ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرّم
ربّنا لِيقيموا الصلّاة } ..
كانَ السّاكنُ ولداً واحداً .. و كانَ الدُّعاء لِيقيموا " بواو " الجَماعة ؛ فكيفَ يتَّسِق ذلك ؟!
كيفَ يَصِحّ أن يودِع إبراهيمُ طِفلاً ثُمَّ يَنوي بِه فِعلَ الجماعة ؟!
الحقيقةُ أَّنهُ لم يَكن لإبراهيم ساحِلَ في ُطموحه .. إذ رأى في الرّضيع فِعلَ أمّة !
{ لِيقيموا الصلّاة } .. تُرى هل كانت تُؤرِقُكَ إقامةُ الصّلاة يا إبراهيم
في هذا الفراغ الهائل من الصّحراء الصامتة .! بِمن سيُقيمُ إسماعيلُ الصّلاةَ .! و على أيِّ قِبلةٍ سيتّجه ؟!
كان إبراهيمُ في دُعائِه يَنسَكبُ أنهاراً من الفَهم .. كان يُخبّىءُ مكنونَ أُمنية أن يصطَفي اللهُ إسماعيلَ لِبناءِ البَيت !
و يُحّيي به مَواتَ الحَياة ؛ فتولدُ بِميلادِه خَيرَ أُمّة ..
ما أبدعَ القُرآن إذ تصطَفُ الحَقائق فيه لِتُنهي عصراً كانت الأُمنياتُ فيه ضَئيلة !
إنّهُ يقولُ لك .. ما أوهنَ الذُّريّة وما أسرع ذُبولها يومَ تكونُ { زينَةُ الحَياة الدُّنيا } .. و للزّينة مَواسم ؛ و المواسمُ لا تَدوم !
هاهو يَقلِبُ التّاريخ و يصنع زمناً فيه معنى { إنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحرراً } و مُهمّة جَليلة { ليُقيموا الصّلاة } ..
و مَقاماً في الحَياةِ رَفيعاً { وإذ يرفعُ إبراهيمُ القَواعدَ مِن البَيتِ وإسماعيلُ } !
{ وإذ يرفعُ } بِيَدٍ تَختَزِنُ دُعاء الأبِ الصّالح ، و تتّسع لِقدرٍ إختاره اللهُ لهُ .. " وبياءِ " المُضارع حتّى كأنَّ الفِعلَ لا زالَ حيّاً ..
سُبحان الله .. أيّ حياةٍ هذه التي لا تَموت ..!
حتّى كأنَّ دُعاءَ إبراهيم { رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصّلاة و من ذُريتي } .. حَفرَ في مَسامِعِ السّماء .. فَلَم يَبقى الا أن تَنهمرُ لهُ السّماء إجابةً و عَطاء !
من يَقدِرُ أن يَنوي في الطِّفل غَير فَرح نَفسه ؟!
من يَقدِرُ ذلك يَجمع اللهُ له في الطّفل مَدائنَ الأَفراح !
مالِحة هي النِيّات إن لَم تَكُن للغاياتِ الجَليلة .. نَتَجرّعها و لا نكادُ نُسيغُها .!
و ربّما نَقطِفها مَثل عُمرِ الوَردِ القَصير !
ربّما لم يَلمس إبراهيم يَدَ الصّغير و لم يُناغِيها .. لكنَّ اللهَ خَبَّأها لهُ ساعداً شَديداً ؛ ترفعُ مَعَهُ أَعمِدةَ البَيت ..
و يا للمُفارقةِ في التَّعبيرِ القُرآنيّ .. اذ يَصِفُ اللهُ سَريرةَ إبراهيم في إسماعيل بِقولهِ { ليقيموا الصّلاة } و في الإقامةِ مَعنى رفع البنيانِ حتّى يكتمل !
ثُمَّ يَصفُ فِعلَ إسماعيل إذ كبر بِقوله { يرفعُ } {القَواعدَ} فَيظلُّ بِذلك { عندَ رَبِّهِ مَرضيّاً } ..
لَكَأنَّ إبراهيمُ أرادَ من رَبّه طِفلاً لِكلّ العُصور و كلّ الدّهور .. طفلاً يَكبرُ فَتكبُرُ مَعَهُ سَنابلُ القَّمحِ و يعرِفُ كيفَ يَنشُر العَبير !
يا إبراهيم .. في سَريرتِكَ كُنتَ تصّنعُ لَنا إيقاعاً جَديداً لا نَعرِفُ عزفَه .. و كنتَ تُعلّمنا أنّ البُطولةَ أن تتفَردَ في إيقاعِك !
قيلَ يوماً ( عُلوّ في الحَياةِ و عُلوّ في المَمَات ) .. وانا أقولُ إنَّ عُلوَّ النِّياتِ يَنفي عن صاحِبِها المَمَات !
ألَا تَسمعُ صَوت زَمزم كَيفَ ظَلُّ يفور.!
ألَا تَرى البَيتَ و هُوَ يَكّتَظُّ بِالحَجيج !
أَلا تُبصِرُ نَسلَ إسماعيل يَنساحُونَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق !


مَن أرادَ صَهيلَ الخُلود في الملإ الأعلى ؛ فَليَعتلي خَيلَ { كانَ أُمَّةً } .


د.كفاح أبو هنود