عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-19, 08:20 PM   #1
قيثارة

آخر زيارة »  01-23-22 (02:39 PM)
المكان »  كوردستان

 الأوسمة و جوائز

افتراضي جراحات اللسان .. ورعاية المشاعر



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مراعاة المشاعر خلق كريم، وعمل فاضل نبيل، وسلوك حضاري، ومطلب اجتماعي..
وهو كذلك مقصد شرعي أمر به القرآن العظيم، وتخلق به النبي المصطفى الكريم.

إن الله لما خلق الإنسان ركب فيه أحاسيس ومشاعر، وهذه الأحاسيس والمشاعر
تتأثر بتعاملات الآخرين فتؤثر في نفسية صاحبها إما فرحا وسرورا وسعادة
وإما حزنا وغما وكآبة.. ولهذا كان لابد لهذه الأحاسيس أن تحترم ولتلك المشاعر أن تراعى.

والإسلام هو دين الجمال والكمال، ودين الرحمة، ودين التحضر والرقي والسمو..
سمو في عقائده وشرائعه، ورقي وتحضر في أخلاقه ومعاملاته..
فما كان ليهمل هذا الجانب الهائل في تأثيره على نفسية المسلم خاصة والإنسان عامة.

إن هذا الدين العظيم كما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور
ومن العقائد الباطلة إلى العقائد الصحيحة، كذلك جاء ليخرجهم من كل خلق
سيء قبيح إلى كل خلق طيب نبيل.. فعالج أخلاق الجلافة والبداوة والقساوة
والغلظة وحولها إلى أخلاق الرحمة والسماحة والرقة حتى بلغ بأتباعه أن ينتقي
أحدهم ألفاظه وكلماته وعباراته لا يجرح بها مشاعر الآخرين.

يقول تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم }(الإسراء:53)
فأمرنا سبحانه إذا أراد أحدنا أن يتكلم أن يتخير أحسن الكلمات، وأجمل العبارات، وأرق الألفاظ، وأوضح المعاني
حتى لا يترك فرصة للشيطان لينزغ بين قلوب المؤمنين..
فلابد أن تنتقي كلماتك وألفاظك حتى لا تدع كلاما أحسن ولا أروع ولا ألطف
من هذا الكلام الذي سيخرج من فمك.
وليس هذا بين المسلمين وبعضهم فقط، وإنما قيم الإسلام تحرص على مشاعر القريب والبعيد
والمسلم والكافر، والطائع والعاصي قال تعالى: {وقولوا للناس حسنا}
للناس كل الناس.

وفي قصة يوسف قال: {وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن} ولم يذكر الجب
لئلا يذكر إخوانه بقبيح فعلهم وسالف إساءتهم، وذكر السجن لأنهم لا يد لهم ولا عمل في دخوله فيه..
فأي خلق وأي جمال وأي أدب وأي مراعة للشعور هذا؟!

وقال الله لنبيه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}(آل عمران:159)
أي لو كنت سيء الكلام، قاسي القلب عليهم لتركوك وانفضوا عنك ولما تجمعوا حولك
ولكنه كان أرحم بهم من أنفسهم، أكثر مراعاة لشعورهم حتى في دعوتهم وعند تصحيح أخطائهم
تقول عائشة رضي الله عنها:
[كان صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد من أصحابه شيء لم يقل ما بال فلان
وإنما يقول ما بال أقوام يفعلون كذا]
فلا يذكر اسمه؛ لئلا تنكسر نفسه ويفضح بين الناس

وكان صلى الله عليه سلم يراعي مشاعر الصغار أيضا، فكان يسلم عليهم إذا مر بهم
وإذا استقبلوه مسح على رؤوسهم ودعا لهم، وكان يردفهم خلفه على الركوبة، ويداعبهم

وحتى الخدم والعبيد كان نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام يأمر برعاية مشاعرهم
واحترام أحاسيسهم، فهم بشر ولكن ابتلوا بالرق أو بالحاجة فهم أحاسيس
ومشاعر لابد أن تراعى وتحترم.
جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:
[لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ
غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي].


هذا هو الذوق الرفيع الذي يعلمنا إياه الإسلام ونبيه لتكون حياة الناس
حياة مفعمة بالرقة واللطف وطيب المعشر.