عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-20, 08:55 AM   #4
عطاء دائم

الصورة الرمزية عطاء دائم

آخر زيارة »  اليوم (01:56 PM)
المكان »  في بلدي الجميل
الهوايه »  القراءة بشكل عام وكتابة بعض الخواطر

 الأوسمة و جوائز

افتراضي





حكاية_العهد_الجديد

(٣/١٠)

عمرة الحج

في الفندق طلبوا منا تناول وجبة العشاء والاستراحة لمدة ساعتين قبل الانطلاق لأداء العمرة، لم تكن لي رغبة بالأكل، خشيت أن ترهقني معدتي أثناء الطواف، ولم تراودني رغبة بالنوم بسبب الخجل وتغيير المكان، وندمت لاحقاً على هذا..

ركبنا الحافلة نحو محطة الباصات، ومنها ركبنا حافلة أخرى تقلنا إلى الحرم.. لقد وقفنا ننتظرها طويلاً حتى تورمت أقدامنا، وجلسنا على الرصيف، ومن حولنا جموع الحجيج من مختلف البلدان، ينتظرون معنا، ويركبون قبلنا، كان هذا أول موقف لنا نلتمس فيه دروس الحج، هنا موقف يشعرك بفقرك، يعلمك التواضع، يقول لك هنا في الحج كل المسلمون سواسية، فقراء كانوا أم أغنياء.

وصلنا الحرم في منتصف الليل، العين ترقب المكان في ذهول، والقلب يهتف يا لسعادة الوصول، أخيراً أرى الكعبة بعد طول حنين وأعيش أجواء الحج الروحانية!
أتأمل المكان أحاول تسجيل اللحظات في ذاكرتي. لم تكن هذه أول عمرة لي، لكنها عمرة الحج..

بدأنا الطواف في الصحن، وما أن بدأنا حتى شعرت بشدة الزحام، وكثرة التدافع، فطلبت من زوجي أن نصعد لنطوف في المطاف العلوي، فخشوع القلب في هذه اللحظة أولى من أن نطوف في قطر صغير..

بدأت دعائي لمولاي في طوافي بالحمد الكثير والثناء والشكر وتلعثمت فيما دون ذلك..
أنهينا الطواف، وانتهت معه طاقتنا..وحاولنا قدر الإمكان أن نتقوى بماء زمزم، ونستعين بالله على استكمال السعي..

سعينا حتى الشوط الثالث، ثم صرنا نسحب قدما ونجر الأخرى وكأننا نقطع الصفا والمروة مسيرة مئة عام في الشوط الواحد،
لم يمر علي في حياتي قط أصعب من هذا المشي، وصرت أناشد نفسي: ايه نفسي، مالك؟ قد مشيت سابقاً في إحدى السفرات فوق جبل في طريق غير معبد مسافة التسع كيلومترات، ولكنكِ الآن عن هذه الخطوات تعجزين؟..
اضطررنا لأخذ استراحة و أغمضنا أعيننا دقائق معدودة ..غفا زوجي وسرحت أنا في عالمي..

“نعم لقد مشيت فوق الجبل في تلك الرحلة تسع كيلومترات مرغمة، لأنني علقت في المكان وكان حتماً علي أن أمشي كي أعود!
وأنا اليوم أمشي ما يجبرني على ذلك غير أن أكمل العمرة، لا لكي أسلك طريق عودة أو طمع في شيء من الدنيا..”

رباه، تربينا على الإخلاص و على ابتغاء وجهك الكريم..على أن نتحمل ما نلاقي لأجلك وحدك، لا لمتعة دنيا ولا لطلب راحة، إلا الراحة التي سنجدها من نعمتك في الجنة.

فتحت عيناي وأيقظت زوجي.. هيا بنا نكمل.
لا أستطيع وصف فرحتنا عند وصولنا المروة في آخر شوط، ولا أستطيع أن أصف حجم إحباطنا ونحن نتذكر أننا الآن يجب أن نمشي نحو محطة الحافلات، وهي ليست بالقريبة..

وصلنا المحطة وهنالك كان الزحام شديداً، ولم يكن عدد الحافلات يكفي الحجاج، والناس ينتظرون وصول حافلة ثم يتزاحمون على بابها تنافساً من يصعد ومن يبقى ينتظر.. أما نحن فلم نكن من المتنافسين، وبقينا ننتظر الفرج بهدوء عسى أن يكون لنا نصيب بالركوب، غفوت من غير أن أشعر ولم أستيقظ إلا على صوت زوجي وهو يقول:
-هل لك طاقة على المشي؟

-نعم نمشي..

مشينا في ممر تحت نفق، كانت الجاليات الآسيوية الفقيرة تسير ذهاباً وإياباً تمشي من فنادقها نحو الحرم سيراً على الأقدام.. كانت أرضية الممر متهالكة، والحاجز الحديدي الذي يفصل بين الممر والشارع مكسورة بعض أجزائه وبارزة لدرجة تكفي أن تخترق جسد من لم ينتبه لها. كنت أمشي بعيداً عن الرجال على الطرف قريباً من الحديد، حيث الحفر، والحديد المكسور ومن التعب ومع غطاء الوجه، كان سهلاً جداً أن يخترق الحديد بطني بغفلة صغيرة، ثم لفت نظري أن بعضاً من أجزاء الحديد المكسور لُبّست بعلب بلاستيكية حتى لا يؤذي الطرف الحاد جسم أحدٍ إذا لم ينتبه..

عمل تطوعي بسيط جداً، ولكنه خفض نسبة الخطر بشكل كبير.. فكم لاقى فاعل الخير الذي صنع هذا من الأجر؟

مشينا حتى وصلنا إلى أحد الفنادق، وسألنا عن كيفية الوصول إلى فندقنا. لقد ذهلوا منا، وشعروا بالشقفة على حالنا، ففندقنا بعيد لا نصله سيراً ولا مجال للوصول إلا من خلال محطة الحافلات..

ساعدونا بأن أوصلونا إلى شارع عام، وهنالك التمسنا لطف الله بنا فسرعان ما مرت بنا سيارة أجرة كانت هي الوحيدة التي تسير في الشارع فنقلتنا إلى فندقنا..
لقد كانت هذه المرحلة أول إشارة لنا نلتمس خلالها أن ما قدمنا إليه أمر عظيم لا يقبل إلا الإخلاص، وأن نيل مطلبنا من القبول والتطهر من الذنوب لن يكون مع طلب الراحة، والرفاهية التي اعتدنا عليها..

يتبع