عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-21, 09:58 PM   #2
نجمة

الصورة الرمزية نجمة

آخر زيارة »  01-20-24 (04:38 AM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي اضغاث أحلام



إنتصف النهار ، الحرارة على أشدها هذا اليوم ، قدماه تحترقان ، لم يعد الحذاء يقيه من اشتعال الأرض تحته ، يمسك بكتاب يستظل به ، وجده مرمي على أبواب مكتبة مهجورة ، يبدو أن البشر ليسوا الوحيدين الذين يعانون في هذه البلاد !
توقفت الإشارة بلونها الأحمر ليبدأ جولة عمله من جديد ، يدور بعلب المناديل على نوافذ السيارات ، إن حالفه الحظ سيبيع بعضا منها هذااليوم .
على الجهة المقابلة يرى سيف وهو يبيع علب الماء الواحدة تلو الأخرى ، ذلك المحظوظ ، ينزل يده بيأس حين بدأت السيارات بالتحرك .
تحت مظلة المقهى القديمة كان سيف يَعُدّ ما جناه بسعادة ، بينما خالد ينظر للنادل الذي يقدم كل ما لذ وطاب لرواد هذا المكان بغبط !
- لماذا لسنا مثلهم ؟
- الن تملّ من هذا السؤال يوماً ؟
- لا تلمني يا صاحب الوجه البريئ ، لولا وجهك هذا لما بعت شيئا في حياتك ؟
- لا تقل هذا، أمي تقول أنه رزق من الله يؤتيه من يشاء ، على كلاً لقد عرفت معنى قسورة من أمي هل تريد أن تعرفه ؟

استمع خالد لثرثرته على مضض ، يعلم أنه يحاول هدم تلك الأسوار التي يبنيها بينهم ، لكنه لا يستطيع ، أفكار كثيرة تتصارع في باله ، أنهار من الحزن تغرقه ، لن يفهمه سيف أبداً ، فبرغم من حالهم الإقتصادي المتشابه الأ أن سيف يملك أما حنونة ومتعلمة وأبا يعمل بجد لا يتكل عليه بالكامل ، عكس والده الذي يظل نائما طوال النهار .
يريد الهرب من هذا كله ، لكن إلى أين ؟
- سأسبقك .
قالها بصوت خافت ، روحه خاوية ، لم يعد في حياته هذه أي حافز للبقاء ، كل التفاصيل مؤلمة ، كالبيدق يحركونه كيف يشاؤن ، لقد سئم من ارتداء قناع الرضى الزائف هذا أمام سيف .
لن يعود للمنزل الآن ، يكفيه كل الحوارات " الصاخبة " التي كانت بينه وبين والديه في الأيام الماضية ، لماذا لا يتركانه ليعيش حياته كمثل من هم في سنه ؟
سدت طريقه قامة يعرفها جيداً ،" أمير " زعيم عصابة النشالين ، اغمض عينيه ، هذا ما كان ينقصه !
-سأقولها للمرة المليون لن أعمل معك ، لذلك أغرب عن وجهي !
- ليس هذه المرة، وجدت لك عملاً شريفاً كما تريد ، سيدرّ عليك المال الكثير .
رفع حاجبيه في إشارة لكمية المال ،
- وما طبيعة هذا العمل ؟
- هناك مجموعة من المتطوعين ، يعيلون الأطفال اليتامى ويحتاجون لأشخاص لحراسة الدار ، تضييع الوقت بالتفكير سيضيع عليك هذه الفرصة ، فكثيرون غيرك يريدونها ، ماذا تقول ؟
- حسناً ، سأعمل لشهر واحد فقط ، إن كان ما تقوله صحيحاً فساستمر !
- اتفقنا ، هذا هو العنوان ، لا تنسى " حلاوتي " .
يقلّب الورقة يمينا ويساراً ، ماذا ؟ هل سيثق بأمير بهذه السهولة ؟
- " اغتنم جميع فُرصك " !
صوت مذياع إحدى السيارات المارّة ألقى بهذه الكلمات ، ربما هي إشارة للمضي في هذا !
كان العنوان لبيت شعبي كبير تحيطه الأشجار الكبيرة المخضرة ببهاء، في أول أيام العمل تعرف على كل المشرفين الطيبين ، الأطفال في هذا المكان مهذبين ولطفاء ، من بينهم تلك الطفلة وفاء التي اخذت قلبه ببرائتها ، لم تكمل العامين بعد لكنها تتحدث كالبلبل بلغة خاصة لا يفهمها أحد سواها .
مرّ شهر وهو يعمل هنا ، تحسنت حياته بشكل كبير ، فأصحاب المكان كرماء جدا ، امه أصحبت راضية عنه و والده يدعوا له دائما ، لم يعد يزعجهم بتذمره الذي لا ينتهي ولم يعد هناك ما يعكر صفو حياتهم .
تحسس جيبه ليخرج النقود ، لقد نسي محفظته في الدار ، عاد أدراجه بسرعة قبل أن يُقفل ، كان الوضع غريبا أمام البوابة ، الأنوار مطفأة والبوابة مغلقة قبل أوانها بنصف ساعة .
تسلق البوابة الخارجية ، و قبل أن يقرع الباب سمع بكاء خافت ، كانت وفاء خلف أحد الأشجار
- ماذا هناك ، أين الجميع ؟
هزت رأسها " لا " وهي ترتجف ، عرف أن هناك شيء ما ، أراد أن يتأكد ماهو ، وبالرغم من الخوف الذي دبّ في أوصاله الأ انه لم يتراجع ، القى نظرة على فتحة صغيرة في الباب ، كان الأطفال الأكبر سناً مقيدون وأحدهم نائم بينما احد المشرفين يقطع قدمه !!
اخذ وفاء يجري بها مهطعاً ، كيف يمكن للبشر أن يتحولوا لوحوش هكذا ، تنتزع من قلوبهم الرحمة ؟
لقد سمع قصصاً كثيرة عن هذه العصابات ، تأخذ الأطفال المشردين او تختطف ضحاياها ، ثم تقوم بإصابتهم بأي إعاقة وتجعلهم يعملون في الشوارع ك " متسولين " .

لا شرطة في هذا البلد ولا أمان، الضعيف هنا يؤكل حقه ، أين يذهب بهذه الطفلة ؟
سآخذك معي ، سأحميك بكل ما استطيع ، كل تلك الأصوات تتزاحم في عقله !
حين وصل للمنزل ، بكى في حضن والدته كالطفل الصغير ، يشرح لها ما رآه بكلمات لا تفهم اغلبها ، تنظر إليه بصمت ، و عينيها تنطق بكلمات غير مسموعة :
لم ترى من الدنيا شيء بعد يا ولدي ، لم ترى الأ القليل ...