عرض مشاركة واحدة
قديم 05-31-15, 02:54 PM   #2
شُعَيْبٌ
!! القـيد الطليـق !!

آخر زيارة »  03-11-24 (05:05 PM)
المكان »  طنجة / المغرب

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



... تتمية


وفي المقابل فإن بعض الدول الإسلامية تأخذ باختلاف المطالع، ولا تقبل رؤية الهلال إلا من داخل أراضيها، ومثال ذلك السعودية؛ فعند تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1420هـ أعلنت اليمن ثبوت رؤية الهلال يوم 07-12-1999م، وعليه كان يوم 08-12-1999م أول أيام شهر رمضان في اليمن. وقد ذكر البيان الرسمي اليمني أسماء ووظائف الأشخاص الذين شهدوا برؤية الهلال، وكان من بينهم أئمة مساجد، إلا أن السعودية أهملت بيان ثبوت رؤية الهلال من جارتها اليمن، وبدأت الصيام يوم 09-12-1999م.



ومثال ذلك أيضا ما حدث في تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1424هـ؛ حيث أعلنت كل من اليمن والأردن وفلسطين ومصر ثبوت رؤية الهلال يوم 25-10-2003م، وعليه بدأت هذه الدول صيامها يوم 26-10-2003م، إلا أن السعودية أهملت جميع هذه البيانات الرسمية، وبدأت صيامها يوم 27-10-2003م.



التصورات الفقهية



ما سلف ذكره هو بعض من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى اختلاف الدول الإسلامية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، ويعزى بعض هذه الأسباب إلى الاختلافات الفقهية لكل جهة؛ ففي كل عام يتكرر السؤال نفسه وهو: “هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟”. وقد نوقشت هذه المسألة من قبل العديد من الفقهاء وعلماء الفلك، ولكنها في أغلب الأحيان لم تناقَش بشكل واضح يبرز للقارئ بعض الحقائق الفلكية أو الفقهية المتعلقة برؤية الهلال. فقد رأى بعض الفقهاء جواز الاعتماد على الحسابات الفلكية، ولكن كان لكل فقيه تصور معين لهذا الجواز، ونلخص ذلك بالآتي:



1- أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي فقط؛ بمعنى أنه إذا جاء من يشهد برؤية الهلال، ودلت الحسابات الفلكية على أن رؤية الهلال مستحيلة أو غير ممكنة؛ فإن هذه الشهادة ترد. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي تقي الدين السبكي وهو من كبار الفقهاء الشافعية في النصف الأول من القرن الثامن الهجري؛ فقد ذكر السبكي في فتاواه أن الحساب إذا نفى إمكانية الرؤية البصرية؛ فالواجب على القاضي أن يرد شهادة الشهود، قال: “لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظني لا يعارض القطعي، فضلا عن أن يُقَدم عليه”. وذكر أن من شأن القاضي أن ينظر في شهادة الشاهد عنده، في أي قضـية من القضــايا؛ فإن رأى الحـس أو العـيان يكذبها ردهـا ولا كـرامة.




2- أجاز بعض الفقهاء اعتماد الحساب الفلكي في النفي والإثبات؛ فقد زاد مؤيدو هذا الرأي عن أصحاب الرأي السابق أنه إذا دلت الحسابات الفلكية على وجود القمر بعد غروب الشمس بوضع يسمح برؤيته كهلال؛ فإنه يؤخذ بالحسابات الفلكية، ويكون اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري دون اشتراط رؤيته بالعين المجردة. ومن أشهر القائلين بهذا الرأي قديما مُطرِّف بن عبد الله من كبار التابعين، وأبو العباس بن سريج من كبار الشافعية في القرن الثالث الهجري، وابن قتيبة الدينوري. ومن أشهر من قال به في عصرنا الشيخ أحمد شاكر، والشيخ مصطفى الزرقا، والدكتور يوسف القرضاوي (القضاة 1999).



3- الفريق الآخر من الفقهاء لم يُجز استخدام الحساب الفلكي لا في النفي ولا في الإثبات؛ فإذا ما جاء من يشهد برؤية الهلال قبلت شهادته، حتى إذا وجدت حسابات فلكية تدل على أن القمر لم يكن موجودا في السماء في ذلك الوقت. ومن القائلين بهذا الرأي الشيخ ابن باز، وقد يكون ذلك لاعتقاد أصحاب هذا الرأي أن الحسابات الفلكية غير دقيقة أو غير قطعية، أو لعدم التفريق بين الفلكي والمنجم، أو لكلا السببين.



إن بعض الفلكيين يقومون بإجراء الحسابات الفلكية؛ فإذا ما وجدوا أن القمر يغيب بعد الشمس ولو بدقيقة، وأن الاقتران (المحاق) قد حدث قبل غروب الشمس ولو بدقيقة اعتبروا اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد. واحتجوا بذلك بقول الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحساب الفلكي في الإثبات والنفي، ولكن في الحقيقية إن هذا الاحتجاج لا يصلح أبدا؛ لأن الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحسابات الفلكية للإثبات أجازوها عندما تدل الحسابات الفلكية على أن القمر قد أصبح في طور الهلال، وليس والقمر في طور المحاق! فحدوث الاقتران (المحاق أو ما يسميه البعض تولد الهلال) لا يعني أن القمر قد أصبح في طور الهلال! بل على العكس تماما فالاقتران (المحاق أو تولد الهلال) هو وصول القمر لذروة طور المحاق!



ويحتاج القمر إلى 12-18 ساعة تقريبا بعد الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) لينتقل من طور المحاق إلى الهلال. ففي الحقيقة لا يوجد أي فقيه أجاز بدء الشهر الهجري بمجرد حدوث الاقتران؛ لأن ربط بداية الشهر الهجري بحدوث الاقتران هو ربط لمواقيت المسلمين بطور المحاق وليس الهلال! إلا أن الآية الكريمة قد صرحت بوضوح أن مواقيت المسلمين مرتبطة بالهلال وليس المحاق؛ فقال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} )البقرة 189).



هل نتبع الحساب أم الرؤية؟



مما سبق نستنتج أنه لا يمكن الإجابة على سؤال “هل نتبع الحسابات الفلكية أم رؤية الهلال؟” دون تحديد المقصود بالحسابات الفلكية والمقصود برؤية الهلال.



فهل المقصود باتباع رؤية الهلال هو قبول شهادة أي شاهد برؤية الهلال حتى لو توفر العلم اليقيني الذي يفيد خطأ هذه الشهادة؟ أو حتى قبولها في اليوم الثامن والعشرين من الشهر الهجري كما حدث في السعودية عام 1984م؟ يلاحظ المتمعن بهذا الرأي أنه في معظم الأحيان سيخالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُمّ عليكم فاقدروا له”؛ وذلك لأنه سيصوم ويفطر بناء على قول شخص إنه رأى الهلال مع وجود دليل قطعي يفيد أن الهلال لم يكن موجودا في السماء وقت ادعاء ذلك الشخص رؤيته! وعليه فقد صام المسلمون أو أفطروا بناء على رؤية كوكب الزهرة مثلا أو أي جرم سماوي أو غير سماوي آخر توهمه الشاهد على أنه الهلال!



وفي المقابل ماذا نقصد باعتماد الحسابات الفلكية؟ فبعض الفلكيين بالغوا بهذا الجانب لدرجة مطالبتهم ببدء الشهر بمجرد حدوث الاقتران (المحاق أو تولد الهلال) قبل غروب الشمس، وهذه مخالفة واضحة لأمر الله عز وجل الذي ربط مواقيت المسلمين بالهلال وليس بالمحاق (الاقتران أو تولد الهلال).



ومن هنا يبرز جليا أن التوفيق بين الرؤية والحسابات الفلكية ضرورة لا مفر منها؛ فكيف نقبل شهادة شخص برؤية الهلال ونحن نعلم أن القمر قد غاب قبل الشمس؟ وفي المقابل كيف نبدأ الشهر ولم يُر الهلال من أي منطقة في العالم الإسلامي كما يحدث في معظم الأحيان؟! ونحن نرى أن الاقتراحين التاليين قد يكون لهما الأثر الواضح في معالجة مشكلة تحديد بدايات الأشهر الهجرية في العالم الاسلامي :

1- أن تكون عملية تحري الهلال عملية رسمية جماعية كما يحدث في المملكة المغربية؛ فتعين الدولة مناطق مختلفة تصلح لتحري الهلال، وتدعو المواطنين الراغبين بتحري الهلال بالتوجه لهذه المناطق، على أن يوجد في كل منطقة شخص ذو دراية بتحري الأهلة. ففي هذه الحالة من المستحيل أن يتوهم جميع الأشخاص الموجودين في مكان التحري رؤية الهلال، خاصة مع وجود شخص ذي دراية بتحري الأهلة. ومن الجدير بالذكر أن تحري الهلال في جمهورية جنوب أفريقيا يتم بشكل جماعي يشارك به ما يقارب 3000 شخص؛ ولذلك نجد أنه من شبه المستحيل أن يبدأ المسلمون في جنوب أفريقيا أشهرهم الهجرية بشكل خاطئ!



2- في حالة شهادة أشخاص فرادى برؤية الهلال؛ فإنه يفترض توجيه بعض الأسئلة للشاهد للتأكد من أنه رأى الهلال وليس أي شيء آخر! كأن يسأل عن وقت ومكان رؤية الهلال، واتجاه فتحته، وارتفاعه عن الأفق، وكيف تحرك هذا الهلال أثناء مراقبته.. إنها أسئلة بسيطة ولكنها بالتأكيد ستنقح معظم الشهادات المغلوطة برؤية الهلال! قد يكون من غير المنطقي أن توجه هذه الأسئلة لشاهد برؤية الهلال وقت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعدم دراية المسلمين في ذلك الوقت بالعلوم المتعلقة برؤية الهلال، أمَا وقد أصبح علم الفلك الآن منتشرا ويقينيا؛ فما المانع إذن من الاستئناس به، إذا كان هذا الاستئناس سيحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غُم عليكم فاقدروا له”؟


مودتي