المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثبات الثوابت !!


عمـر
05-04-20, 09:52 PM
منذ أن بدأت بذرة التشكيك الخبيثة في الهجوم على السنة والقرآن وهي بين مدٍّ وجزر، وانتفاش وخمول، وفي كل مرة تنتفش فيه، يسقط في حبالها غِرٌّ، ويقع في شباكها صيدٌ، وأكثر ما تخرج فيه حملتهم في كل مرة موجةُ شكوكٍ تنتشر، فتأخذ في طريقها من كان على حرفٍ، أو من ظنَّ بعقله ذكاء وعُدِم الزكاء، أو مَن صدرُه يغلي بالشهوة، فوجد في شبههم جسرًا يمرُّ منه أو سياجًا يحتجب خلفه، أو من زادت ثقته بنفسه دون أساس إيمانيٍّ أو رصيد علمي، واقتحم المعركة؛ فضعفت قوته، وانبهر عقله بما عُرض عليه من شبهات؛ فكان فريسة سهلة.

وما هي إلا ساعات أو قُلْ أيام وتظهر حقيقة الحملة، لكن بعد أن سقط الفأس على عدد من الرؤوس، وأما الثوابت فإلى يوم الناس هذا وإلى أن يشاء الله تعالى باقيةٌ شامخة، لم يسقط منها حرفٌ فضلًا عن جملة أو سطر.

فقد قامت هجماتُ تشكيكٍ في فترات على امتداد التاريخ؛ منها ما كان مدعومًا بقوة، أو مؤيَّدًا بدعمٍ ماليٍّ، أو موافقًا لخمول أهل الحق، لكن الثوابت ثابتة، والمقدسات مقدسة منذ قيامها ووجودها بين الناس.

فما زال وسيظل القرآن الكريم يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، وتظهر بين كل حملة شكوك نحوه دراساتٌ وأبحاث ومراكز ومؤلفات تنتصر للقرآن، وتخرج كنوزه وتنشر نوره، فكم سقط أمام شموخ القرآن من واهمٍ إسقاطه، أو زاعمٍ إضعاف تأثيره!

وأما السٌّنَّة - وما أدراك ما السنة؟ - التي أنفقوا لإسقاطها، وأقاموا المؤتمرات والمؤامرات، وأحيوا المناسبات، ونشروا البحوث، وجمهروا الغوغاء، وكتبوا بلا توارٍ ولا حياء، وأرغوا وأزبدوا، وقاموا وقعدوا، وقالوا وألغَوا، وتناقلوا وتناولوا، وهاجوا وماجوا، ونفخوا وأشعلوا، وألمحوا وصرحوا، وصرخوا ونفخوا - فما نقصت السنة حرفًا ولا حكمًا؛ فها هي السنة محترمة معززة مكرمة، شامخة سامقة، سليمة مصونة، محفوظة بالإجلال محفوفة.

ها هو صحيح البخاري - غُصَّة في حلوقهم - بقيَ شامخًا في رفوف المكتبات، منشرحًا في حلقات العلم، متداولًا في أوساط العامة والخاصة، ممتلئة القلوب بتعظيمه وإجلاله، مقدمة له رافعة شأنه، طباعته تزداد وتزدان، ومبيعاته تفوق الحسبان، والمعارض شاهد عِيان.

وها هي أحكام الشريعة الغرَّاء تسوس حياة الناس رغبةً وامتثالًا يسأل عنها الناس، يُهِمُّهم معرفة الحلال والحرام، والجائز والممنوع، والواجب والمستحب، وما ينبغي فعله وما عليهم تركه، والدليل والنص، مهما لفق المشككون ونعق الناعقون.

ومع طول المعركة وضخامة الجهود وبشاعة التشويه لأحكام الشريعة - لكنه إلى اليوم لم يسقط حكم شرعي ويتبدل، فأصبح حلالًا بعد أن كان حرامًا أو العكس بسبب هذه الحملات، فإنِ اقتنع به البعض لسبب أو لآخر، إلا أن أصل الحكم المعتبر في الشريعة هو سيد الموقف وهو السائد قولًا وعملًا.

ولك أن تنظر بين يديك عشر سنوات مضت أو تنقص قليلًا، والتي كان للمشككين والمنحرفين فيها صولات وجولات في الحرب على القرآن والسنة، تأمل بعين المنصف، وحرك أيًّا من محركات البحث الإلكتروني أو الذهني - إن كان لذهنك رصيدٌ معرفي حول الموضوع - واضغط على أيقونة الجهود المبذولة في خدمة القرآن والسنة؛ كم من رسائلَ علمية، ومؤلفات محققة، وأبحاث محكمة، ومقالات تأصيلية، ومؤتمرات عالمية، ومراكز ومؤسسات ودور نشر، وندوات ومقاطع ومسابقات، وبرامج نوعية - تدور كلها في تعزيز مكانة القرآن الكريم والسنة، وتنافح عن حياضها! فكم تخرج من حفاظٍ ليس للقرآن فحسب، بل لدواوين السنة! وكم بُذلت من جهودٍ وأُنفقت من أموال بسخاء وطيب نفس! كله للقرآن والسنة، وتنوعت الإنجازات وتعددت، فظهرت مخرجات فاقت التصور، وأذهلت أهلها فضلًا عن خصومها؛ وذلك في: التدبر، والتفسير، والإعجاز، والتحقيق، والرد، والهدايات، وعلوم القرآن، وغيرها، وكأنك بلسان حال المشككين: يا ليتنا سكتنا؛ حتى لا تخرج مثل هذه الردود والثمار.

وكذلك السنة حُفظت بحفظ متونها، ونشْرِ دواوينها إلكترونيًّا وورقيًّا، جمعت بين فخامة الإعداد ونوعية المنتج، وشمولية المكان والزمان، وبلغت الآفاق، ووصلت لجميع المستويات من الناس، وحملة الشكوك وإنِ انتفخت، إلا إنَّ بعض أولئك الذين أبدَوا تأثرهم بحملة الشكوك لو صدقوا مع أنفسهم وتجردوا، لقالوا الحق بأنها باطلة، وأن الدليل والنص على جبل راسخ لا تهزه ريح، لكنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم.

لا يهمنا من سقط - نسأل الله السلامة والعافية - بقدر ما يهمنا أن نكون على يقين أن الثوابت ثابتة، وأن الشريعة مقدسة، وأن النص قائم بحجته، محفوظٌ مهما فعلوا ومهما قالوا، ولن تغير الأيام شيئًا، لكن هي ساحة مكشوفة في معركة لا تنتهي بين الحق والباطل؛ ليتبين الصادق من الكاذب والقوي والضعيف.

ولو كان شيءٌ ذاهبًا بالسنة مبطلًا لها، لكان ما قام به المستشرقون كافيًا مدمرًا، وذلك لما بُذل فيه من جهد، وقامت عليه أمم ودول، وتولته عقول وهيئات وحمتْهُ جامعات، وأُنفقت فيه أعمار وأموال ضخمة، لكن هيهات، فقد خسروا خسرانًا مبينًا مقابل ما أنفقوا وأفنوا وبذلوا، ولو صدقوا لقالوا: لم نحقق أهدافنا رغم جهودنا، ولو قارنتَ بين ما بذلوا وما حققوا، لأيقنتَ أن خسارتهم فادحة ومصيبتهم عظيمة، يمنعهم كبرهم ويشغلهم حقدهم عن الاعتراف والاعتذار، واقتضت حكمة الله وتقديره أن تُقام هذه المعركة؛ ليرى الناس بأعينهم تأويلَ القرآن واقعًا، ويتحقق التعبد لله بما تقتضيه أسماؤه وصفاته، فقد رأى الناس عينًا معانيَ واقعية ومشاهد لمثل قوله تعالى:

• ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42].

• ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].

• ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [إبراهيم: 27].

• ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56].

• ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22].

• ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7].

• ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾ [الأنفال: 6].

• ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].

• ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].

• ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126].

• ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 52].

• ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ [الحج: 11].

• ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [الجاثية: 23].

• ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ [العنكبوت: 6].

• ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

• ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23].



وغير ذلك كثيرٌ من الآيات ترى بعينك تأويلها، وكأنها أُنزلت في تلك اللحظة وعلى تلك الحالة.



فالخاسر - والله - في هذه المعركة ليس الدين ولا العلم ولا الحق ولا المسلمين ولا المتدينين، إنما الخاسر الخسران المبين من اتخذ إلهه هواه، وأتْبَعَهُ الشيطان، وأُعجب بقوله، وغرَّه سوء فعله، وفتنه تناقل غثائه وانتشار وبائه، وأغشى عينَه عن الحق إعجابُ أهل المكر وتصفيقهم له، وثناؤهم عليه وتقديمهم له، وتصفيقهم لغروره، وهو لا يدري أنه أصبح ألعوبة بين أيديهم وكُرةً بين أقدامهم، وهي سنن ربانية لن تتبدل ولن تتحول: المعركة مستمرة، والعاقبة للمتقين، والابتلاء سنة المرسلين، والفتن تصفِّي الصف وتمحص المؤمنين.



يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك.

يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك.

نصف القمر
05-05-20, 01:22 AM
اللهم امين

اللهم يامقلب قلوبنا ثبت قلوبنا على دينك










جزاك الله خيرا اخي عمر وجعله في ميزان حسناتك





تقبل مروري

عمـر
05-05-20, 11:50 AM
اسعدني تواجدك اخوي نصف القمر شكرا لك

عطاء دائم
05-05-20, 12:48 PM
مهما فعلوا او حاولوا سيبقى الإسلام راسخ كجبل لا يتأثر برياح الفتنة

شكرا لك أخي على هذه المقالة
تقبل الله منا ومنكم

عمـر
05-05-20, 02:26 PM
هلا بمراقبتنا الرائعه
شكرا على التواجد العطر

قيثارة
05-05-20, 11:52 PM
اللهم آمين
جزاك الله خيراً ع الطرح القيم
وتقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال

فهد أحمد
05-06-20, 08:25 PM
جزاك الله كل خير

عمـر
05-06-20, 08:27 PM
شكرا على المرور العطر :MonTaseR_222:

رمـآد آلآحسـآسـ
05-06-20, 08:30 PM
اللهم امين
جزاك الله خير على الطرح
موضوع رائع
يعطيك العافيه
:111:

عمـر
05-06-20, 08:41 PM
الاروع تواجدك رماد
شكرا لك

سمر ..
05-18-20, 01:43 AM
امين يارب
جزاك الله خير


SEO by vBSEO 3.6.1