المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعرف نفسك !!!


عمـر
05-05-20, 08:59 PM
لكل فرد منا في مسيرة حياته رحلةٌ يبحث فيها عن نفسه، فيبدأ باكتشافها بالتدرج، فيغور في سبرها إلى أن يصل إلى فهم سجيتها وحقيقتها، ويكون عند ذلك في سنٍّ تؤهله لأن يحفز الجانب الإيجابي، ويقوِّم الجانب المتردد منها، ويتخلص من تأثيرات الجانب السلبي منها ما استطاع.



ومن الناس من لا يكتشف نفسه، ولا يعرف حقيقتها، فيبقى في متاهاتها ويضيع في أهوائها، ويبقى على هذا الحال إلى أن يدهمه الموت، والله سبحانه وتعالى خلق النفس البشرية وجعل فيها توجهين: أحدهما هو الفجور، والآخر هو التقوى؛ يقول تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الشمس: 7، 8].



فمن زكى نفسه فطهرها من كل رذيلة وألزمها تقواها، وجعل سيرها في طريق الحق والفضيلة - فهو المفلح في الدنيا والآخرة؛ وهو الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].



وأما الذي قبِلَ أن يسير وراء فجور نفسه واتبع طريق الضلال، وانصاع لكل ما تهواه وتريده منه فنفذه لها - فهو الخائب والخاسر؛ وهو الذي يقول الله تعالى فيه: ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 10].



وفي داخل كل إنسان نفسه التي بين جنبيه، وهي تتقلب حسب الحال؛ فهي على ثلاث حالات:

• النفس الأمارة بالسوء: وهي التي تأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف، فحين يريد أن يتصدق على فقير ببعض المال، قالت له: وفيمَ تساعده؟ ألست تراه قويًّا، فلمَ لا يعمل ويكسب المال؟



وإذا أراد أن يقوم من الليل ليصلي ركيعات لربه وسيده وخالقه والمتفضل عليه تبارك وتعالى، قالت له: ألا ترى برودة الجو، كيف ستتوضأ؟ ثم إنك قبل قليل صليت الفرض، وفي هذا الزمان من يصلي الفريضة فهو على خير كثير.



وإذا أراد أن يساعد أحد أصدقائه أو معارفه، أوغلت قلبه بتذكيره بمواقفهم السيئة يوم قالوا له كذا وكذا، ويوم لم يقفوا إلى جانبه يوم كان بحاجة إليهم.



والنفس الأمارة قرينها الشيطان، كالنفس تتحرك ضد من يدعو للفضيلة والخير، وهذه النفس عندها أجوبة جاهزة لإحباط أي عمل خير؛ لأنها في الحقيقة ليست وحدها، فهناك من يعينها ويمدها بأساليب مبتكرة ومتجددة، ومن يعينها على ذلك ليس سهلًا، هو مخلوق يتمتع بإمكانات هائلة في المكر والخديعة والدهاء والتضليل، وكلنا يعرفه؛ هو الشيطان.



• النفس اللوامة: وهي النفس المترددة، فحين يقترف العبد سيئةً لا تقف حائلًا بينه وبين ما يفعل من شر، وكأنها تتغافل، ثم من بعد أن يقع الفرد في الخطأ، تعاتبه وتلومه وتوبخه، كأنها تقول له: لمَ فعلت ذلك؟

والنفس اللوامة كثيرة التقلب، لا تستقر على حال، فهي تتحول من الحب إلى البغض أو ربما يحدث العكس، ومن الفرح إلى الحزن والعكس صحيح، وهذا هو حالها.



يقول ابن تيمية رحمه الله: "والنفس اللوامة، وهي التي تذنب وتتوب، فعلها خير وشر، لكن إذا فعلت الشر تابت وأنابت، فتسمى لوامةً؛ لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوم؛ أي: تتردد بين الخير والشر"[1].



والنفس اللوامة هي التي تشعرك بألم الذنب، وذل المعصية، ووجع التقصير مع الله تعالى أو مع الآخرين، وتحسسك بحسرة الإهمال، ولكنك تحتاج إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى لتندفع إلى الشروع بالعمل الصالح، وهذا الانتقال يكون إلى:

• النفس المطمئنة: وهي الجانب المشرق للإنسان المؤمن الإيجابي، فمنها تنطلق الدمعة حين نتدبر آية من آيات الله تعالى، ومنها تنطلق الرحمة من سويداء القلب حين ترى معدمًا يستجدي القميص ليواري سوأته، أو اللقمة ليسد بها رمقه.



يقول ابن القيم رحمه الله عن النفس المطمئنة: "وهي غاية كمالها وصلاحها، وأيـد الله المطمئنة بجنود عديدة، فجعل الملك قرينها وصاحبها الذي يليها ويسددها، ويقذف فيها الحق ويرغبها فيه، ويريها حسن صورته، ويزجرها عن الباطل ويزهدها فيه، ويريها قبح صورته، وأمدها بما علمها من القرآن والأذكار وأعمال البر، وجعل وفود الخيرات ومداد التوفيق تنتابها وتصل إليها من كل ناحية، وكلما تلقتها بالقبول والشكر والحمد لله ازداد مددها، فتقوى على محاربة الأمارة، فمن جندها وهو سلطان عساكرها وملكها: الإيمان واليقين، والجيوش الإسلامية كلها تحت لوائه ناظرة إليه، إن ثبت ثبتت، وإن انهزم ولَّت على أدبارها، ثم أمراء هذا الجيش ومقدمو عساكره شعبُ الإيمان المتعلقة بالجوارح على اختلاف أنواعها؛ كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصيحة الخلق والإحسان إليهم بأنواع الإحسان، وشعبه الباطنة المتعلقة بالقلب؛ كالإخلاص والتوكل، والإنابة والتوبة والمراقبة، والصبر والحلم، والتواضع والمسكنة، وامتلاء القلب من محبة الله ورسوله، وتعظيم أوامر الله وحقوقه، والغيرة لله وفي الله، والشجاعة والعفة، والصدق والشفقة والرحمة، وملاك ذلك كله الإخلاص والصدق، فلا يتعب الصادق المخلص فقد أقيم على الصراط المستقيم، فيُسار به وهو راقد ولا يتعب، ومن حرم الصدق والإخلاص فقد قُطعت عليه الطريق، واستهوته الشياطين في الأرض حيران، فإن شاء فليعمل وإن شاء فليترك، فلا يزيده عمله من الله إلا بعدًا، وبالجملة فما كان لله وبالله، فهو من جند النفس المطمئنة"[2].



فوجود نفس الفرد في مقام النفس الأمارة أو اللوامة قد يؤدي بها إلى فوات الفرصة في أن يكون في المقام الذي خلقه الله تعالى من أجله، اختيار واحد ذلك الذي يكون فيه الفرد في أمل متجدد، وفضاء إيجابي واسع، وفرصة مواتية لا تنقطع، وهو أن يعرف أن مقام نفسه الحقيقي يكون في مقام (النفس المطمئنة) وليس شيئًا آخر، وهي التي خاطبها خالقها بقوله: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30]، فهي التي تدفع الفرد للعمل الصالح والاستمرار عليه.



فمن منا لا يتمنى أن يقال له هذا القول في نهاية المطاف؟

كلنا بالطبع نتمنى ذلك، إلا إن تحقيق الأمنيات والأهداف لا يأتي بالتمني، ولكنه يستحصل بالمثابرة والعمل الجاد، وبتوفيق الله وحده تتحقق الأمنيات؛ يقول الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا


والتوصل إلى معرفة النفس ووضعها في طريق النفس المطمئنة يحصل بتوفيق من الله تعالى قبل كل شيء، ويكون الفرد قد وصل فيها إلى أعلى المراتب البشرية، وحين يصل هذا الفرد إلى هذه المرحلة المتقدمة والراقية، يصبح من المؤسف ومن المعيب أن يشغلها بأمور دنيوية صغيرة وتافهة.



فالإنسان خُلق ليعبد الله، ومن مهامه أن يكون خليفة في الأرض بإذن الله تعالى، فليس من المنطق أن يترك من كُلِّف بالخلافة أمورَها الجوهرية، وكلياتِها البالغة الأهمية، ويلهو ويلعب وينشغل بالترف وإشباع الغرائز، ومن المؤلم بالفعل أن يأتيَ الرجل العظيم في الدنيا يوم القيامة ولا قيمة له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا: ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]))[3].



وأول مطلوب من هذا المستخلف هو أن يكون عبدًا لله سبحانه وتعالى، والذي يعرف حقيقة نفسه يصر على ألَّا يكون عبدًا اعتياديًّا، بل عبدًا متميزًا وواثقًا من نفسه، وبمواصفات خاصة، ولعل أهم هذه المواصفات التي يسعى ليصل إليها هو أن يكون عبدًا شكورًا.



وما الشكر إلا عمل يعبِّر به هذا الإنسان عن اعترافه بحجم النعم التي منحها الله تعالى له، وهي لا تعد ولا تحصى، والحقيقة إن القليل من هؤلاء العباد منذ خلق الله آدم عليه السلام وحتى تقوم الساعة يستطيعون أن يصلوا إلى هذه المرتبة المتقدمة؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فمن كان شكورًا بالفعل، فسيجزيه ربه جزاءً يرضيه، ويعوضه عن كل ما فاته في الدنيا من أجل رضا الله تعالى.



هل سألت نفسك يومًا: أأنت من الشاكرين أم لا؟ إذا كان جوابك بـ(نعم)، فالسؤال: فما هو دليلك؟ هل تستطيع أن تسمي أشياءً بعينها جعلتك في مصاف الشاكرين؟ وإذا كان الجواب بـ(لا)، فلماذا لا تسعى لأن تكون من الشاكرين؟



قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم".

وكل منا يتصور أنه يعرف نفسه جيدًا، فنجده معتدًّا بها، مدافعًا عن قناعاتها؛ لذلك فهو يعتقد أنه على صواب بشكل دائم، وأن غيره أيًّا كان على خطأ، فالولد ما إن تظهر عليه علامات الشباب حتى تبدأ رحلة الصراع مع أبيه، فالشاب يرى أنه خُلق في زمان غير زمان أبيه، وأن آراء أبيه آراء قديمة لا تصلح له ولعصره.



والأب يرى أن الزمان الذي يعيش فيه ولده زمانًا خطرًا لا أمان فيه، فالناس قد تبدلوا وتغيرت أخلاقهم، بل إن منظومة القيم والأخلاق بشكل عام قد اختلت، وعلى ولده أن ينتبه لكل صغيرة وكبيرة؛ لأن مَن حول ولده ذئاب وليسوا بشرًا، فهو يرى أن التجربة التي مرَّ بها ولده غير كافية ليعتمد على نفسه، فهو يحتاج إلى من يقدم له الاستشارة ويساعده ليشق طريقه في الحياة، وهكذا يستمر الصراع، وقد ينتهي بنهاية محزنة للطرفين، وقد حدث هذا الأمر للكثير من الناس، فتفرق الأحباب، وتشتت الشمل، وتنافرت القلوب، وتضادت النفوس.



ومع مرور الوقت يكبر الولد، ويكبر معه عقله، ويتسع صدره، وتكثر تجاربه، وتزداد خبرته في الحياة، وتصبح رؤياه للأمور أكثر نضوجًا وأعمق وأكثر واقعية، فيكتشف أنه كان مخطئًا، فمن مُنح من العمر أيامًا أخرى، فربما يستطيع أن يعوض ما فاته، ويكفر عما اقترف مع أقرب الناس إليه وأكثرهم فضلًا وحقًّا عليه: أبيه، ومن انتبه بعد فوات الأوان وقد مات أبوه، فستبقى الحسرة والندم يأكلان قلبه، وسيكون أمره إلى الله تعالى.



ومن أضر الأمراض على النفس هي الذنوب، فمن لازمها فستؤذيه وتضره، وتضر قلبه بالتحديد، ويبقى تأثيرها فيه حتى تقتله؛ قال عبدالله بن المبارك رحمه الله:

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانها


إن أعظم درجات معرفة النفس هي معرفة الإنسان لدوره في الحياة، ودور الإنسان كما ذكرنا في شطرين، هما: حق الله تعالى، وحق العباد؛ فأما حق الله تعالى فلعل من أفضل ما يذكر في هذا الباب هو ما كان يفعله العالم المجاهد عبدالله بن المبارك رحمه الله، فيحدث عنه رجل كان صاحبه في أسفاره: "كان ذات ليلة ونحن في غزاة الروم، ذهب ليضع رأسه ليريني أنه ينام، فقمت أنا برمحي في يدي قبضت عليه، ووضعت رأسي على الرمح كأني أنام كذلك، قال: فظن أني قد نمت، فقام فأخذ في صلاته، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر وأنا أرمقه، فلما طلع الفجر أيقظني وظن أني نائم، فقال: يا محمد، فقلت: إني لم أنم، قال: فلما سمعها مني ما رأيته بعد ذلك يكلمني، ولا ينبسط إليَّ في شيء من غزاته كلها، كأنه لم يعجبه ذلك مني؛ لِما فطنت له من العمل، فلم أزل أعرفها فيه حتى مات، ولم أرَ رجلًا أسر بالخير منه"[4].



وأما ما يتعلق بحق الآخرين، فوجدت أن شيخ التابعين أويس القرني رحمه الله كان من أفضل من عرف دوره تجاه الآخرين؛ فعن سفيان الثوري رحمه الله قال: "كان أويس يقول: اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة، وجسد عارٍ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني"[5]، فهو يعتذر إلى الله تعالى؛ لأنه لا يمتلك الأدوات اللازمة لتحقيق ذلك، أو ربما ظن أنه قصر في عبادته وسعيه إلى الله، فكان من الأسباب فيمن يجوع أو يعرى، وأيًّا كان قصده، فهذا الكلام يدل على شعور عالٍ بالمسؤولية تجاه الآخرين من قِبَلِهِ رحمه الله.

رونق
05-05-20, 10:06 PM
ومـآازال فـ عمق الانسـآان أشيآء كثيرهـ
قد تستغرق كـآافة عمرهـ للاستنتـآاجه ،
كل مـآاتعلم حـآاجه ، يظل جـآاهل فـ بعض الامور
سلمت يمنـآاك

عمـر
05-05-20, 10:06 PM
شكرا على تواجدك العطر

قيثارة
05-05-20, 11:34 PM
جعل الله قلوبنا وقلوبكم عامرة بذكره
بارك الله فيك اخوي ع الطرح القيم
وربي يعطيك العافية
تقييم 5 نجوم

عمـر
05-05-20, 11:36 PM
الشكر لك موصول على حضورك والخمس نجوم

سمر ..
05-18-20, 01:47 AM
جزاك الله خير


SEO by vBSEO 3.6.1