المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرُجولةُ الحَقَّةُ .. حَنانُ الرَّجلِ لأهلِ بَيْتهِ


عطاء دائم
07-06-20, 08:51 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وإن من شيىء إلا يسبح بحمده

كعادتهِ دخلَ عليها في الصُفَّةِ الشَّمَاليّةِ التي تزدانُ بالشَرْبةِ المَوْضوعةِ على المِرْفعِ ومُغطاةً بالمِنديلِ المُطَرزِ والكاسةِ المنقوشِ عليها بعضُ صورِ التُراثِ وبِنتِ المِنقلِ وعليها حبــــَّاتُ الفحمِ (الجَمرِ) وبجانبها مِبخَرةُ الفِضّةِ وحباتُ الـمِسْتكةِ وخشبِ العُودِ..

سلمَّ عليها واستقبلتهُ بروحٍ تملؤها المَحبةُ والاعتزازُ والفرحةُ الممزوجةُ بالرضا..

بنفسها فردت له سجادة الصلاة.. فعادةً عندما يدخل لديها يصلي ركعتين في أي وقت.. فقد عَوّدتهُ على ذلك منذ طفولته.. يقوم بهذه العبادةِ وهي عبادةٌ وعادةُ محمودةُ له ولها.. ولا يكتملْ الرِّضا عِنده وعِندها إلا بعد الصَّلاةِ.. وأحياناً يتوضأَ وتكونُ الأبَاريقُ مَملوءةُ بانتظارهِ إن احتاج ذلك..
(في بيت الـما).

كَبُرَ الصغيرُ وبدلاً من الرأس المغطى بالكوفية الجاوى أو البلدي.. أصبح يَلبسَ الغُترةَ فقط ومن ثَمَّ العِقالَ معها، وهو الرَّجلُ المَرموقُ بين صَحبهِ والمعروفُ بأناقتهِ وخُلُقهِ وأدَبهِ.. رمى عِقالهِ على أرضيةِ السجَّادةِ.. وصلَّى.. ثم التفت إليها قائلاً: "لقد أخذْتِ العِقالَ من فَوقِ السجَّادةِ.. وقمتِ بِمسْحهِ ثم قبلْتهِ وأرجعْتهِ إلى مَكانهِ.. أنتِ تُحبينني وتُحبي ما أستعملهُ.. وفقني اللهُ لإرضائِك والبرِ بكِ يا أمي"..

قالت: "أحبُ كلَ شيءٍ فيكَ.. كلَ شيءٍ".. وكرَرتها..
ثم قالت: "يقول سبحانهُ وتعالى: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهًِ".. رميتَ العِقالَ فأخذتُه لأمسحَ دُموعَه وقبّلتُه كي يَرضَىَ.. وأردتُ أن تَضَعهُ فوقَ رأسِكَ وهو مُسبِّحاً للهِ رَاضياً عنكَ.. اللهُ يُرضِيك فيما يُرضيهِ"..

وجدَ عندها بعضَ المشترياتِ قد وُضِعت في أناقةٍ لتقديمها هدايا بجانب الصُفّةِ في ركنِ المدخلِ.. فسأل عمن أحضر لها كل هذه الهدايا..

قالت: "أنا اشتريتُها لتقديمَها هدايا عندما أحتاجُ ذلكَ بدلاً من النزولِ إلى السّوقِ كلَ يومٍ"..

قال: "هذه حاجاتٌ كثيرةٌ جداً.. تكفي لأكثرِ من عشرِ مناسباتٍ.. اللهُ يباركُ لكِ".. قالت: "صاحبُ المحلِ خَدمني كتير.. وحاجاتُه حلوةُ جميلةُ ومتقنةُ.. وكلُ الناسِ تعجبهم.. بعدين كيف أزورُ الناسَ ويدي فاضية وأنا أمُك؟!.. كيف يَصير كِده؟!"..

"يا ابني.. إن النفوسَ جُبلت على حُبِّ من أحسنِ إليها..

تهادوا تحابوا"..

في إحدَى زياراتِه لها.. ذكرت له أنها تريده أثناءَ اليومِ لمدةِ رُبعِ ساعةٍ في أمرٍ خاصٍ.. فَنَسِيَ ذَلك.. وادَّكَرَ بعدَ فِترةٍ من الزَّمنِ..

سَألها: "ماذا كنتِ تُريدينَ مِني ذاكَ اليومِ؟.. لقد نسيتُ.. فسامحيني..

قالت: "يا بني.. لقد أردتُكَ لقَضَاءِ حاجةٍ لبعضِ أولي القُربَى.. فعِندما تأخَّرتَ عَليَّ أوجدتُ لك عُذْراً ودَعوتُ اللهَ لكَ.. وقُلتُ في نَفسي..

"اللهُ الغَنيُ"..

وإذا بخالِكَ يزورُني.. وقضَى لي ما أردتُ..

يــا بُنيَّ كُـــلٌ مُيــسرٌ لـِمَــا خُــــلِقَ لـــه"..

دَخل عليها يوماً مكتئباً نظرت إليه نظرةَ المُحبِّ.. وبدأت تحكي له عن مقابلاتِها يومَ أمس.. وحُضورِها مع صديقاتِ عُمرِها..حَاولت أن تُدخِلَ على وجههِ الابتسامةَ التي تَعرِفُها.. ولكنَّ تعابيرَ وجههِ وتقطيبَ جبينهِ يوحي بِهمٍّ ألمَّ بهِ فتملَّك جوارحَهُ..

ولكنّه كانَ يُحاولُ إخفاءََ ذلكَ الشُعورِ بابتسامةٍٍ تسْطَعُ كالبرقِ لتعودَ الغيومُ على مُحيَّاه..

بادرت: "ما بالُك يا بُني؟.. احكي لي.. فَضْفِض عن نَفْسِكَ فإني مُستَودَعُك..

لعلي أحملُ معك"..

ضَحكت وهي تقول: "لقد حَملتُكَ وأنا سَعيدةٌ بك.. وإني أوْلى الناسِ بِحِملِكَ وأنتَ في همِّك"..

قال: "لا تهتمي بي"..

قالت: "يا بُني (لا تهتمَ إلا بمن يهتمُّ بهمِّكَ).. أنت تهتمُ بي.. أفلا أهتم بك؟!"..

اشتكى لها همَّ البيتِ (الزوجة والأبناء) وبعضاً مما يجري في البيوتِ عادةً..

قالت له بلهجةٍ حازمَة حانية.. جادّة عَطوفة:
"يا بني: إن من الذنوبِ والخَطايا (ذنوباً كثيرة).. -مرددةً- ذنوباً كثيرة.. يُكفِّرُها الهمُّ والغَمُّ بالزَّوْجةِ والأبناءِ.. إنَّ هَمَّاً وصَبْراً وحُلْماً في الدُنيا بسببِ الزَّوجةِ والأبناءِ أفضلُ من بعضِ العِباداتِ.. فهو عِبادةٌ مستمرةٌ..

الأبُ يجاهدُ (جهادَه) قلباً وعقلاً وبدناً.. ويحملُ على نفسهِ مُعاناةً ومنغِّصات أهْلِهِ وولَدهِ بابتسامةٍ إنسانيةٍ نبيلةٍٍ..

فِكرُه لغيرِ نفسهِ.. وغَمُّه لغيرِ نفسهِ.. بإيمانٍ وصبرٍ.. فهو مُجاهدٌ في سبلٍ كثيرةٍ.. لا في سبيلٍ واحدٍ..

كما يُجاهدُ الغُزاةُ إنهم يستشهدون مرةً واحدةً..

أما هو.. فيستشهد كل يوم مرة بهَمِّه بأهل بيته (زوجته وأبنائه)..

وسيأتي اليومُ الفصلُ.. فيرحَمُه اللهُ بفضلِ رحمَتهِ لأهلِ بيتهِ في دُنياه..

إن من يتذمرَ أو يَهرُب ولا يَصْبرَ ولا يُجاهدَ..فإني أحْسَبُهُ يُحَاسبُ على حَسناتهِ كما يُحاسبٌ المذنبون على سَيّئاتِهم..

إنَّ امرأةً -رزقك اللهُ منها أبناءاً يركعون ويسجدون - تصبرُ عليها.. هي جائزةُ النصرِ التي يراها الصابرون..

استَعِن يا بُنيَ بالصبرِ والصَلاةِ.. إنَّ اللهَ معَ الصابرين..

لتَكُن في مَعيَّةِ اللهِ بِصَبركَ.. فإن جائزةَ النَّصرِ لا تُؤْتىَ على هَزيمةٍ.. يَشْتَدُّ الهَمُّ عَليكَ فـَتستَغْني عنها لترتاح.. تُيَتِّمُ أيامَها ولياليها..

إنَّ المَرأةَ التي يُستَغْنى عَنها.. أيامُها ميِّتةٌ وقاتلُ أيَّامَها العاجزُ الجازعُ.. عندها يكونُ عملُك كالخَالفينَ الذين فرّوا وجَبُنوا.. عندما ترتفعُ بنفسكَ عن زوجَتِك وأولادِك، فإنه طيرانٌ على أجْنِحةِ الشَياطين إلى فوهة البركان الذي في الأعلى..

فأيةُ شريعةٍ تراها في هذه الحقيقةِ.. الصبرُ أم الهجرُ؟..

مَن كان في مَعيَّةِ اللهِ فإنّهُ في أُنسٍ دائمٍ.. من شِدّةِ فَرَحهِ وطُمَأنينتهِ لا يُحبَ أن يَفقدَ هذا الأُنسِ..

إن الأُنسَ بالقويِ القَديرِ هو الاختيارُ الذي يُبْقِي سَعادةَ القُلوبِ..

يا بني إن البنوكَ في خزائنِها الأموالُ تُستَوْدَعُ.. وتُخْرجُ وتُسْتَثمرُ..

أمَّا الرجالُ فهم مستودعُ الفَضائلِ يحفظوها ويزيدوها..

إذا أفلسَ الرَجلُ في مَالهِ هي نَكْبةٌ له..

أما إذا أفلسَ في فضائلهِ فهي نَكْبةُ جِيلهِ..

إن كلمةَ الزوجةِ تطيرُ بعيدةً عن العَافين.. أما كلمةُ الرجلِ الجارحِة مهانةٌ تَبْقى في تاريخهِ"..

قال وهو يُودِعُها:

"كيفَ تكونُ الحياةُ من بعدِكِ يا أمي؟!"..

خرجَ وقد تَبَدَّلَ حزْنُه سُروراً.. وهَمُّه فَرَحاً.. شَامخاً كالجبلِ..

فنصيحةُ أمهِ لا تقبلْ الجَدَلَ..

قدَّمَ لها هَديةً.. فَرِحتْ بها كثيراً.. وقبَّـلَ يَدها ورأسَها مُودِعَاً وهي تَدعو له.. "اللهُمَّ ارزُقُه رِزقاً حلالاً كثيراً ووفقه لاتِّبَاعِ رِضَاكَ"..

ثم أوقَفَتْه قبلَ أن يُغادرُها وقالت:

"اشتري هديةً لأمِ زوجتِِك فهي أمُكَ أيضاً..

اكسبْها يا ولدي.. تُعينُكَ في سَعَادةِ بَيْتِكَ".. وأضافت:

"الرُجولةُ الحَقَّةُ .. حَنانُ الرَّجلِ لأهلِ بَيْتهِ"..

دمتم بعافية
:ورده:

رونق
07-06-20, 11:45 AM
تسلم يمناك غاليتي على الطرح المفيد
يعطيك الف عافيه

عطاء دائم
07-07-20, 07:14 AM
تسلم يمناك غاليتي على الطرح المفيد
يعطيك الف عافيه

الله يعافيكِ غاليتي
ممتنة لكرم مرورك
ربي يسعدك


SEO by vBSEO 3.6.1