المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (يا أهلَ القرآن أوتروا)


الشيخ حكيم
11-09-20, 11:26 PM
الصلاة أعظم الأعمال العملية التي يُتقرب بها إلى الله تعالى، وهي تجمع عبادة القلب بالخشوع والخضوع والسكون، وعبادة اللسان بالقراءة والذكر والدعاء، وعبادة الجوارح بالقيام والركوع والسجود. ولعظم مكانة الصلاة في مقامات العبودية كرر الله تعالى الفريضة على العباد في اليوم والليلة خمس مرات، ونوع لهم التطوع بها؛ كصلاة الليل والوتر، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وغيرها من التطوع المرتب، عدا التنفل المطلق بالصلاة، وهو مشروع في كل وقت سوى أوقات النهي.

والوتر سنة مؤكدة، لم يتركه النبي في سفر ولا حضر، ولا في صحة ولا مرض، وحض أمته عليه، وهو من صلاة الليل التي هي أفضل الصلاة بعد الفريضة، وجاء الأمر به في حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ، يُحِبُّ الْوِتْرَ» رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة.

وأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» رواه الشيخان.

وبالوتر يختم المؤمن صلاته في الليل؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اجْعَلوا آخِرَ صلاتِكم بالليلِ وِترًا» رواه الشيخان.

وله أن يوتر في أي جزء من الليل، في أوله أو وسطه أو آخره؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ» رواه الشيخان.

ومن ظن أنه يستيقظ آخر الليل فوتره آخر الليل أفضل؛ حيث تنزل الرب سبحانه، واستجابة الدعاء، وفي حديث جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ» رواه مسلم.

ومن خاف أن يفوته الوتر أوتر قبل أن ينام؛ لحديث جَابِرِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «مَتَى تُوتِرُ؟ قَالَ: أَوَّلَ اللَّيْلِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، قَالَ: فَأَنْتَ يَا عُمَرُ، قَالَ: آخِرَ اللَّيْلِ، قَالَ: أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَخَذْتَ بِالثِّقَةِ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عُمَرُ فَأَخَذْتَ بِالْقُوَّةِ» رواه أحمد.

ومن رحمة الله تعالى بعباده أن كان الوتر منوعا في عدده وصفته:

فإذا استيقظ العبد مبكرا، أو صلى قبل أن ينام وله فسحة من الوقت، فالأفضل أن يصلي إحدى عشرة ركعة، مثنى مثنى، ويوتر بواحدة؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» رواه الشيخان. وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» رواه مسلم.

وله أن يوتر بثلاث أو بخمس سردا فلا يجلس للتشهد إلا في آخرها؛ لحديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ...» رواه أبو داود وصححه ابن حبان. وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ إِلَّا فِي الْخَامِسَةِ، فَيُسَلِّمُ» صححه الترمذي وابن حبان.

وينهى عن صلاة الوتر بثلاث يجعل فيها تشهدين كصلاة المغرب.

وله أن يوتر بسبع سردا لا يجلس للتشهد إلا في السابعة، ويسلم؛ لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ» رواه النسائي.

وله أيضا أن يجلس للتشهد في السادسة ولا يسلم، بل يقوم للسابعة ويسلم منها. وله أن يوتر بتسع سردا، فلا يجلس للتشهد إلا في الثامنة ولا يسلم بل يقوم للتاسعة، ويسلم منها؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَيَجْلِسُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَدْعُو، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، فَيُصَلِّي السَّابِعَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ» رواه النسائي. قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: «وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَتْرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَتِسْعٍ، وَسَبْعٍ، وَخَمْسٍ، وَثَلَاثٍ، وَوَاحِدَةٍ».

والسنة أن يقرأ في الوتر بما ورد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الوِتْرِ: بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ» رواه الترمذي. ولو قرأ غيرها جاز، ولو صلى الوتر واحدة وأطالها جدا جاز أيضا؛ لما ورد أَنَّ أَبَا مُوسَى رضي الله عنه: «كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَ بِهَا، فَقَرَأَ فِيهَا بِمِائَةِ آيَةٍ مِنَ النِّسَاءِ» رواه النسائي.

والسنة إذا سلم من الوتر أن يسبح الله تعالى؛ لما جاء في حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوَتْرِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، وَقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فَإِذَا سَلَّمَ قَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» رواه أحمد، وصححه ابن حبان.

نسأل الله تعالى أن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا من أوليائه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، إنه سميع مجيب.

د. ابراهيم الحقيل.

شمالية
11-11-20, 05:28 PM
جزاك الله خيراً

الشيخ حكيم
12-16-20, 12:43 AM
جزاك الله خيراً

شكرا لمرورك الكريم..
دمتِ بحفظ الله


SEO by vBSEO 3.6.1