المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النفس الأمارة بالسوء


الشيخ حكيم
12-08-20, 07:46 PM
إن النفس منبعٌ للأفكار والخواطر؛ فإن غلب خيرها شرها, واطمأنت عليه حتى صار لها خلقاً عرفت به, فهي النفس المطمئنة، وإن تأرجحت بين الحسنات والسيئات, ولكنها سرعان ما ترجع من الذنب إلى التوبة والاستغفار, فهي النفس اللوامة، وإن غلب شرها خيرها, فهي النفس الأمارة بالسوء.
وإن مجاهدة النفس الأمارة بالسوء والحرص على استقامتها وعودتها إلى بارئها من أوجب الأعمال التي ينبغي على العبد الحرص عليها، وبذل الجهد فيها.

النفس الأمارة بالسوء: هي تلك النفس التي تأمر صاحبها بكل سوء، من الشهوات الفائرة، والنزعات الجائرة، والحقد وغيره؛ فإن تساهل العبد معها، وأطاعها فيما تأمر وتنهي قادته لكل قبيح ومكروه؛ قال -تعالى-: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ)[يوسف: 53]، فأخبر -سبحانه وتعالى- عن هذه النفس أنها أمارة؛ وذلك لكثرة ما تأمر بالسوء؛ ولأن ميلها للشهوات والملذات أصبح عادة فيها إلا إن رحمها الله -عز وجل- ويسر هدايتها، ووفقها.

هذه النفس ميَّالةٌ إلى طبيعة الإنسان البدنية, تأمر صاحبها باللذات والشهوات واتباع الهوى، هي التي توسوس لفعل الشرور والاتصاف بالأخلاق الذميمة, وارتكاب الذنوب والآثام، وهي – كما قال ابن تيمية- أحد ثلاثة يستعاذ منها وهي: “النفس (الأمارة)، وشياطين الجن، وشياطين الإنسان”، وروي عن ابن جريج في تفسير قوله -تعالى-: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، قال: “هما وسواسان؛ فوسواس من الجنة وهو الخنّاس، ووسواس من نفس الإنسان”.

قال ابن القيم -رحمه الله – وهو يتحدث عنها ويصفها: “وقد أخبر -سبحانه- أنها أمارة بالسوء، ولم يقل “آمرة” لكثرة ذلك منها، وأنه عادتها ودأبها إلا إذا رحمها الله وجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير؛ فذلك من رحمة الله لا منها؛ فإنها بذاتها أمارة بالسوء لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة، إلا من رحمه الله، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك، فإذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها وجهلها, فلم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم, فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة“.

إن للنفس الأمارة بالسوء صفات وعلامات، لابد على كل مؤمن حريص أن يعرفها ويدركها؛ فإن مسايرة النفس الأمارة في صفاتها، والتساهل معها في سلبياتها مؤشر على مرض القلب وانتكاسته, فمن صفات النفس الأمارة بالسوء:

انغماسها في اللذات والشهوات الحسية، جاذبة للقلب إلى الجهة السفلية؛ آمرة بالشر تؤز صاحبها إليه أزاً.

ومن صفاتها: أن الشيطان قرينها وصاحبها، فحيث ما يكون فثم هي، كيف لا وهو الذي يعِدها ويمنيها، ويأمرها بالسوء ويزينه لها، ويريها الباطل في صورة الحق، ويطيل الأمل أمامها، ويمدها بالشهوات المهلكة، ويستعين عليها بهواها، فينقلها من عز الطاعة إلى ذل المعصية.

ومن صفاتها: أنها تأمر صاحبها بالوقوع في المعصية، وترك الطاعة، وقد سمّاها القرآن أمّارة، ولم يسمها آمرة؛ فهي لا تكتفي بأمر أو أمرين في معصية الله, بل هي مداومة على الأمر بالمعصية.

ومن صفاتها: أنها متى ما قويت وأطاعت الشيطان وتحالفت معه أنزلا القلب من حصنه، وأخرجاه من مملكته؛ فإذا هو منغمس في اللذائذ المحرمة، مرتكس في الشهوات الموبقة، “أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ“(رواه مسلم).

ومن صفاتها: أنها تلح على صاحبها في الطلب، فلا تزال تردد وتعيد عليه حتى يعجز عن مقاومتها، فيقع في ما تريد من الشر والانفلات الأخلاقي، وتصبح هي القائدة التي تسوقه إلى ما تهوى من الشهوات المحرمة.

وهناك أسباب تجعل المرء ضعيفًا أمام نفسه، خانعًا أمام مطالبها، مذعنًا لها في شهواتها، لا يرد لها طلبًا حتى ولو كان فيه غضب الله ومقته، ومن تلك الأسباب:

الاستهانة بمراقبة الله -تعالى- له، والغفلة عن ذكره، والبعد عن تدبر كتابه، والتأمل في آياته وعظيم خلقه, فكلما ضعف إيمان الإنسان كلما قويت نوازع الشر في نفسه.

ومنها كذلك: تقديم هوى النّفس على محبّة اللّه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن رجب-رحمه الله-: “فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه؛ فقال -تعالى-: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ)[القصص:50]

ومن الأسباب التي تؤدي إلى تجاوز النفس الأمارة بالسوء وتماديها: التقاعس عن الطاعات، والنفور من العبادات، والابتعاد عن القربات، والانشغال بالدنيا؛ فينغمس المرء انغماسًا في الدنيا بكليته، وحينها يتعثر في الرجوع إلى نفسه الأمارة بالسوء ونهيها عن غيها، ويصعب عليه الإقلاع والابتعاد عما دعته إليه من الموبقات، فيستسلم لها استسلامًا كليًّا.

وتسيطر النفس الأمارة على المرء -أيضًا- حينما يكون فارغًا؛ لا في همِّ الدنيا، ولا في همِّ الآخرة، وهنا تجد فرصتها سانحة، فتعبث بلبه، وتؤزه إلى الحرام أزًّا؛ فتفسده وتهلكه، وكما قال الأول:

إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة

وتعبث النفس الأمارة بالسوء بصاحبها كذلك عندما يعيش في بيئة شحيحة بالإيمان، بعيدة عن التقوى، وحينما يتيه مع صحبة سيئة لا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا؛ ففي هذه البيئة تستقوي النفس الأمارة على صاحبها، فتجده ضعيفًا هزيلًا أمام مطالبها، فتزيد من أوامرها، ويزيد هو في البعد عن الله.

فكن قويًّا مع نفسك الأمارة، صارمًا في مواجهتها، متحديًّا لها، صابرًا على جهادها؛ حتى يستقيم لك أمرها، ويطيب لك حالها، وتمسك بزمامها، وتقودها من لجامها، وهناك فقط ستنعم بنفس راضية مطمئنة.

بسام البلبيسي
12-08-20, 11:07 PM
اسأل الله العظيم
أن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنات.
وأن يثيبك البارئ خير الثواب .
دمت برضى الرحمن

عطاء دائم
12-09-20, 07:55 AM
اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها يا رب العالمين

جزاك الله خيرا ونفع بك اخي ولا حرمك الاجر

يختم ل3 ايام مع التقييم

رونق
12-14-20, 01:26 AM
جزاك الله خير
عسى مثواك الجنه يارب
يعطيك الف عافيه

الشيخ حكيم
12-16-20, 12:46 AM
و لكم بالمثل إن شاء الله
شكرا لمروركم.


SEO by vBSEO 3.6.1