المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " العزلة "


الفضل10
12-18-20, 01:46 PM
كنت مع شيخي العالم الرباني الذي منه أنهل ما يحيي قلبي وما يقربني من ربي ، وكما هي عادتي اتحين الفرص كي أنال من فيض التجارب التي هي رصيد شيخي التي استقاها من رحلة العمر التي قضاها بين جنبات هذهِ الحياة ،

فسألت شيخي قائلاً :
بما تنصحني شيخي ؟
قال : " إلزم بيتك " !

ما كان مني الوقوف على أعداد حروف الإجابة ، ولا الإكتفاء بظاهر الإجازة بأن يكون جلوسي في البيت لي عادة ، بل تعمقت وغصت في المعنى لكوني أعرف الشيخ جيدا ، فليس من المنطق أن يأمرني بترك الدعوة ، وطلب العلم ؛ وفعل الخير خارج نطاق البيت ليكون البيت لي مسقر و مستودع ! وعندما قلبت نظري فيما يجول من حولي من عبر حري بمن يمر عليها أن يقف وقفة بصير ، فما عادت القلوب تتسع ، وما عادت الناس تطيل حبل العذر لكل من وقع في الخطأ وأتى بما به الصدر ينخلع _ الا ما رحم ربي _ حينها بحثت عن السلامة التي بها أجني ثمار القرار الذي مني يصدر ويسثار ، فقلت في " العزلة " الحل بها يصدق ، فبنيت عليه ورسمت ذلكَ الواقع الذي بين أطواره أتقدم وأكبر ، وما أربكني هو حكم " العزلة " ! أتكون إختيارا ؟! أم أنها نوع من الأقدار ؟! بعيدا عن التعمق في المعنى وجدت في " العزلة " راحة الأبدان والأذهان ، وسلامة القلب من الأضغان ، ومقربة من رب الإنس والجان ، غير أني رسمت بيت العزلة جاعلا له نوافذا كي أرى من خلالها ما يستجد في الكون ، وأرمق نجوم الليل ، وأرى تعاقب الفصول وما يقع في نهار اليوم والليل ، ومنها الحفاظ على _ الأكسجين _ كي لا يفرغ في مخدع " العزلة " ، وتتجدد الحياة بنفس جديد ، ومنها أستقبل طيور الأمل وأودعها بقلب مطمئن ببزوغ فجر قريب ، بعيداً عن أضواء الشهرة ، وبعيداً عن انتقاد رفاق العشرة ، ومنها أبني وأقيم بنياني لأبعث خلقا آخر وقد أحاطت بي هالة الثقة بالنفس ، وعرفت حقيقة الذات ، فقد خبرت الحياة وأنا بين هذا وذاك ، فانسلخ منها غالب عمري بين جلاد يجلد الذات ، وبين جاحد يكفر بالثبات في معمعة الحياة .

الفضل10
12-18-20, 01:47 PM
العزلة :

لعل البعض يرى فيها خير الوسيلة للدفاع ، وأنها تكون استراحة يلتقط فيها الأنفاس ، بحيث لا تكون " سرمدية " فيها تدفن المواهب والأفكار ، قد يكون فيها ومنها يكون البناء ، ومراجعة النفس ، ومعرفة الأخطاء ، وتضميد الجراح ، ليس شرطاً أن يصطحب في معناها الهروب بمعناه الإنهزامي ، الذليل ، المذل ! بل هي فرصة للإنقطاع ، والتفرد بالذات أما نرى العلماء ، والفلاسفة ، ومن يعكفون ويداومون على ذاكَ من أجل ترويض النفس ، ومراجعة الذات ، ويجعلون من العزلة فرصة لتصفية _ وفلترة _ ما تزاحم وتراكم على القلب حتى غدا رانا أطبق عليه ، ولم يستثني من ذاكَ العقل فشل بذلك تفكيره ! فمن ضجيج الناس تسلو الروح ويستريح العقل والقلب من دوامة الإختلاف والخلاف ، ليكون التبصر يشع سناه ويخرج من رحم الهدوء والتروي ، وما عنيت " بالعزلة " تلك التي يجعل المرء من هامة الجبل له مأوى يعصمه من أمزجة ، ونفسيات ، ومشارب الناس ! فلا عاصم اليوم من مخالطة الناس ! .

الفضل10
12-18-20, 01:47 PM
أود أن نجتمع ليكون بيننا اتفاقا ووفاق بأن ؛
" العزلة ليست حلا بالمطلق " ،
من هنا تبقى نقطة الحوار في كنه هذهِ العزلة ؟ وتوقيتها ؟ وهل هناك فترة محددة بعدها يخرج المرء من تلكم العزلة التي فرضها على نفسه ؟ فمن تأمل وقرأ في السير يجد بأن العزلة تكون خيارا ملحا إذا ترادفت الفتن ، وعلى صوت الغوغاء ليشرق بذاك الصباح وتغيب شمس ذلكَ المساء ، وتحدث سفهاء الناس بما يجهلون معناه ! ولنا أن ننظر في واقعنا اليوم لنجد ما ذكر ماثلا أمام أعين الأنام ، وما توارى أطم وأعظم مما رأته العينان ، أو خطه بنان ، أو نطق به لسان ! ومع هذا لا يكون فرضا واجب النفاذ ، بل يلجأ للإعتزال من أجل النظر فيما فيه صالحه ذلك النفر و صالح العباد ، ولعلي طرحت موضوعي بسبب ولوجي في هذا الأمر وعشت واقعه ، ليكون بساطا نتحاور فيه ليستفيد كل منا ،
دعوني اسوق تجربتي لتكون لكم مثال :
فقد نشأت في كنف مجموعة من الأصدقاء تجاوزت تلك الصداقة معناها الثابت ، ليتحرك ليتوسع ويدخل في معنى الأخوة ، ولكن وبالرغم من تلك الصحبة الصالحة تخللها داعي الفتنة ، لتنقلب تلكم الأخوة لأقرب من العداوة ، وكان الشيطان لنا ظهيرا ، فاستمر أولئك النفر ، وكانت بصمتهم واضحة في المجتمع ، وذكرهم يلهج به كل لسان ، وما خفي من حقيقة أمرهم لا يعلم به غير عالم السر والإعلان _ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي _ حينها قررت الإعتزال عن تلكم الفتنة التي أرهقت بدني وعقلي ، واشتغلت في طلب العلم وتقويم ذاتي ، فبحمد الله كانت تلك العزلة لي خير ونماء ، فمن ذاك المثال الذي سقته لكم عن تجربتي يتجلى القصد من تلكم " العزلة " التي اقصدها ، ولم أقصد بالعزلة هو هجر كل الناس حتى منهم الأرحام ، ومن ذلكَ يقيس كل مار على موضوعي في دواعي كثيرة تستوجب الوقوف على قرار الإعتزال ، ولكن بالضوابط الشرعية ، كي لا ينجر للملاحقات الشرعية لتطاله يد المسائلة !

إذا قصدت العزلة بمعناها :
" إعتزال ما من شأنه يضيع النفس والوقت في توافه الأمور ، والوقوف على صغائر الأمور ، كي لا تمر الأيام والأعوام من غير جني أي فائدة تضاف لرصيد ذلكَ الإنسان ! أما إذا ما أجدبت أرض وشح ماءها ما على المرء غير البحث عن أرض أخرى ليلقي فيها بذور الخير ، لتنبت وتثمر الخير العميم ، لينتفع منه جميع العالمين " .

الفضل10
12-18-20, 01:48 PM
هنالك من العبارات لا تتعدى بضع حروف ،
ولكن تحوي في معناها من الحكم الألوف ،
تصنف من أجلها مجلدات لتكون منهاجا ودروس يستفيد منها المارون عليها ، فما علينا غير توسيع مداركنا ونسبح في معاني ما نتلقاه ولكن نضعها في ميزان الشرع وحسن الظن كي لا نظلم الناس حقوقهم ، ولكم أن تقتبسوا وتستخلصوا من تلكم النصيحة لذلك الطالب للنصيحة من سيد الأنام فاقتضبها في بضع حروف في ظاهرها ، ولكن تعجز عن حمل معانيها سطور الصفحات :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني .
قال : (لا تغضب ، فردد مرارا قال : لا تغضب) رواه البخاري .
فمن علم ما معنى الغضب وأنه سنام كل جريمة وشر _ مالم يكن في سبيل الله _ علم عظم تلك الكلمات البسيطة في عدد حروفها وعظم معنى حقيقتها .

كيف لا ؟! وقد أتي عليه السلام :
" جوامع الكلم " .

الفضل10
12-18-20, 01:50 PM
ولكون المرء مجبول على مخالطة من يماثلهم ، ولا تكون السلامة إلا في وضع مسافة أمان كي لا يقع الإنسان فيما يجلب له الملام ، فجينات الناس لا يكون فيها الإختلاف ولكن في ما عداه يوجد الإختلاف ، والإنسان بصير وطبيب نفسه فإذا ما وجد ما يريح قلبه وينمي مواهبه ، ويزيد في عطاءه أناخ مطية بذله وجاهد في سبيل بلوغ هدفه ، وإذا ما وجد ضيق فضاء العطاء ، وقوبل ذاكَ الجهد بالنكران ، أعد لنفسه صومعة عزلته ليمكث منتظراً انفراجة وانكشاف غيمة التحبيط والتخثير ، ليجدد دماء الإجتهاد لينطلق من جديد بعزم من حديد .

تخرج تلك العزلة عن ربقة الجهد الذي يبذل ، ومن أوجه ذلك إعادة النشاط في بدن العطاء ، والبحث عن مساحات أخرى لتكون امتدادا لرقعة ذلك الجهد ، وما مساعدة الناس إلا رأس أولويات من يحتسب من الله الأجر ، فكما أوضحت هي فترة نقاهة ، واستراحة محارب يراجع فيها الحساب ، ويعيد مراجعة أوراقه ليباشر بعد ذاك حثيث سعيه .

لا إفراط ولا تفريط " .
" وخير الأمور أوسطها " .
وما على المرء إلا استلهام المصالح التي بها يقضي على مشاغبات الظروف وما على السطح يطفو ، فالنفس كائن حي تخضع لتقلبات وتجاذبات الخارج ليكون الأثر في داخل المرء ، من هنا كان لزاماً معالجة هذا القلب ، بأخذ إجازة بها يجدد الوعد والعهد .

وما تلك التربصات بفرصة سانحة من أجل الخلوة بالنفس ، إلا مطلب يطلبه من يريد راحة النفس ، ففيها الأنس ومراجعة الذات ،

فلعل البعض يجد في بعض الأطروحات ما يوافق ذاكَ الذي أرهق نفسه ، وأضعف عزمة ولا غرابة في حال من يطوي ساعات يومه وهو يحصي أعدادا لا حصر لها تتفاوت ثقافاتها ، وتختلف أخلاقها ، وتتباين مشاربها ، فهو أولى من غيره ليأخذ فترة راحة ونقاهة ، ولكن يراعي في ذلكَ واجبه وما يرضي ربه وضميره ، وخاصةً إذا كان في رأس الحربة ، ليكون مديراً لكل واردة وشاردة ، ولي في أذن ذلكَ المتربع على هضبة المسؤولية همسة ؛
" لا تجعل من كلمات بعض الجهال مساحة تشوش بها تركيزك ، ولا تعير للمتباكين سمعك ، ولا يضيرك من يهدد شخصك بدعوة تقرب بها أجلك ! وما عليك إلا إمضاء أمرك ونهيك ، وفق قانون أبرم والجميع أقر برسمه وبنده ، فما دعوة الظالم إلا مهلكة لنفسك ، فلا يكون الإنزواء هو الحل ، بل الإستمرار ، وأن يجعل المرء من الحكمة زاد بذله ، ورد مناكفات من يتربص به ويريد بذاك قتله _ قتل مهارته ، وما حباه الله من علم ، وفهم وما منه عليه من فضله _ .


الفضل10

قيثارة
12-19-20, 07:57 PM
رااائع اخوي
تسلم ايدك ع الطرح القيم
وبارك الله فيك


SEO by vBSEO 3.6.1