المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امهات المومنين (عائشة بنت أبي بكر)


الفيلسوف
02-28-21, 04:13 PM
مع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الزوجة الثالثة، وهي من أحب الزوجات إلى قلبه الشريف؛ إنها السيدة عائشة رضي الله عنها .
أيها الأخوة الكرام, مر بنا من قبل أن خولة بنت حكيم، اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يتزوَّج عائشة بنت أبي بكر، إن فَعَلَ هذا, تمتَّنت هذه الصلة بينه وبين أحب الخلق إليه؛ إنه سيدنا الصديق رضي الله عنه .
الحقيقة: أن الزواج يقرِّب، الزواج أحد أكبر وسائل التقارب بين الأسر، لأن علاقة النسب، وعلاقة الزواج، هي من أقدس العلاقات على الإطلاق, قال تعالى:

﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾

[سورة النساء الآية: 21]

﴿ميثاقاً غليظاً﴾

قالوا: هذا الميثاق الغليظ هو عقد الزواج الذي هو أقدس عقدٍ على الإطلاق.
الآن: ندع الحديث للسيدة خولة بنت حكيم تحدثنا عن هذه الخطبة.
تقول:
(دخلت بيت أبي بكر, فوجدت أم رومان، -أي أم عائشة- فقلت لها: ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وما ذاك؟ فقالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة .
-فأقول لكم بصراحة: إذا سخَّر الله إنساناً ليكون شفيعاً بين زوجين، يدخل على قلب الأسرتين كل السرور، ففرحة من أفراح الدنيا الكبيرة أن الله سبحانه وتعالى سخَّر لابنتك شاباً مؤمناً، الشاب المؤمن إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لم يظلمها، من نِعَم الله الكبرى أن يمنحك الله زوجاً لابنتك من ذوي الخلق، من ذوي الحسب، من ذوي التديُّن الصحيح، هذه نعمةٌ كبرى .

لذلك كل من يُسهم في التوفيق بين زوجين، أو يسهم في إنشاء زواجٍ ميمون، مبارك ، إسلامي، له عند الله أجرٌ كبير, قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

فهذه الأسرة التي تقوم على التفاهم، والمودة، وإنجاب الأولاد، وتربية الأولاد, الذين يُرجى أن يكونوا الأولاد عناصر طيِّبة في المجتمع، كل هذا المشروع الضخم، في صحيفة من سعى بزواج الزوج بالزوجة .
مرة حدثني أخ فقال: نحن الآن خمسة وثمانون شخصاً، أساسهم زوج وزوجة، طبعاً أنجبوا أولاداً، وزوَّجوا أولادهم، كما أنجبوا بنات، وزوجوا بناتهم، الأولاد والبنات، وأولاد الأولاد، وأولاد البنات، وأصهار بنات الأولاد، وأصهار بنات البنات، عددهم خمسة وثمانون شخصاً, إذا كانت أسرةٌ صالحةٌ، أب راقٍ، تربية عالية، انضباط، التزام، النساء كلهن محجَّبات ، الأصهار كلهم ديِّنون, فمن بصحيفته كل هذا الخير؟ الذي كان له شفاعة حسنة بهذا الزواج, من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((من أفضل الشفاعة أن تشفع بين اثنين في نكاح))

لا تقل كما يقول الشياطين: امش بجنازة ولا تمش بزواج .
ورد بالأثر: أنه من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ, كان له بكل كلمةٍ قالها، وبكل خطوةٍ خطاها, عبادة سنةٍ قام ليلها، وصام نهارها, لا تزهد أن تكون شفيعاً بين زوجين، لا تزهد أن تسعى لإقناع زوجٍ بشابةٍ مؤمنة، لا تزهد أن تسعى بإقناع شابةٍ مؤمنةٍ بزوجٍ طاهر، لا تقل: ليس لي علاقة، الأفضل لي ألا أتدخل, هذا كلام الشيطان .

((الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ, خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ, وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

الحياة دار ابتلاء، اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله- .
قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة, فقالت: وَدِدْتُ, -والله شيء جميل، سيد الخلق، فإذا الإنسان جاءه صهر دكتور، يظل يعيدها مليون مرة، صهرنا دكتور, خير إن شاء الله، صهرنا مهندس، صهرنا عنده معمل، انظر إلى الأب والأم إذا زوَّجوا ابنتهم من شخص مهم, فهذا شيء جدير بالتنويه والاهتمام، لا يفتؤون يتحدثون عن شهاداته، وعن علمه، وعن أخلاقه، وعن مستقبله المرتقب, إذاً: شيء كبير جداً أن يكون النبي صهراً لهذه الأسرة .
لذلك العلماء قالوا: طالب العلم كفؤٌ لأي فتاة, طالب العلم يعرف ما له وما عليه- .
قالت: وددت، انتظري أبا بكرٍ فإنه آتٍ, وجاء أبو بكر، فقلت له: يا أبا بكر, ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة؟ أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب له عائشة , -تصوروا ماذا قال؟- قال الصديق رضي الله عنه: وهل تصلح له؟ -رأى مقامه أكبر بكثير من أن تكون عائشة الصغيرة زوجته، إنما هي بنت أخيه- .
فرجعت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقلت له ما قال أبو بكر, فقال عليه الصلاة والسلام:

((ارْجِعِي إِلَيْهِ فَقُولِي لَهُ: أَنَا أَخُوكَ وَأَنْتَ أَخِي فِي الإِسْلامِ, وَابْنَتُكَ تَصْلُحُ لِي فَرَجَعَتْ))

[أخرجه أحمد في مسنده]

فأتيت أبا بكرٍ فذكرت له ذلك، -فبرزت مشكلة ترفع مقام سيدنا الصديق للأوج- قال : انتظريني حتى أرجع .
قالت أم رومان توضِّح الموقف لخولة: إن المطعم بن عدي كان قد ذكر عائشة على ابنه زبير، ولا والله ما وعد أبو بكرٍ شيئاً قط فأخلف .
ذكر المطعم بن عدي أنه يرغب في أن يزوِّج ابنه زبير من عائشة، -سيدنا الصديق ما أقر ولا نفى، ولكن سكوته شبه وعد، فلا يقدر أن يبت في الأمر، للوفاء بالوعد، الزبير بن المُطعم بن عدي هل يوزن مع رسول الله؟ الوفاء والعهد هو الدين، فأنا أتصور أن سيدنا الصديق كاد يتمزَّق إن فاتته فرصة زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة، أو لم يخطر في باله أبداً أن يخطب النبي عليه الصلاة والسلام ابنته عائشة, طبعاً كل أب إذا جاءه شاب جيد, وأعلن عن رغبته, فمن الممكن أن ترحب وبالترحيب يصير شبه وعد، لا يستطيع أن يقول: نعم للنبي, حتى يُنهي هذه المشكلة- فذهب من توِّه إلى المطعم بن عدي .
دخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم زبير، وكانت مشركةً، فقالت العجوز: يا بن أبي قحافة, لعلنا إن زوَّجنا ابننا من ابنتك, أن تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه .
-نحن عندنا مشكلة معك، نخاف أن نزوِّج ابننا من ابنتك, فتصبئه معك وتدخله في دينك، هذا كلام الزوجة, سيدنا الصديق لم يرد عليها إطلاقاً- بل التفت إلى زوجها المُطعم فقال: ما تقول هذه؟ هل حقاً تخاف إن زوَّجت ابنك ابنتي أن يدخل معي في الإسلام؟ فقال: إنها تقول كذلك, -أي أيدها، ووافقها، واعتمد قولها- .
فخرج أبو بكرٍ رضي الله عنه, وقد شعر بارتياحٍ لما أحلَّه الله من وعده، وعاد إلى بيته فقال لخولة: ادعِي لي رسول الله .
-يبدو أن هناك تقليداً في الحياة ******* أن الخاطب لا بد من أن يأتي إلى بيت المخطوبة هكذا، انظر إلى الموقف الأخلاقي:

((لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ, وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ))

[أخرجه أحمد عن أنس بن مالك في مسنده]

أنا قرأت عن الصحابيِّات الجليلات كثيراً، لكن لفت نظري إحدى الصحابيات، عندها خمسة أولاد، وقد خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، أيَّة امرأةٍ أتيح لها أن تكون أم المؤمنين فترفض؟ أية امرأةٍ يمكن أن تكون السيدة الأولى في المجتمع فترفض؟ .
قالت: يا رسول الله, عندي أولادٌ خمسة, أخاف إن رعيتُ مصالحهم أن أقصر في حقك ، وأخاف إن رعيتُك أن أقصِّر في حقِّهم، فأنا لا بدَّ ظالمة واعتذرت, فقال عليه الصلاة والسلام:

((يرحمك الله, إن خير نساء, ركبن أعجاز الإبل, صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغر, وأرعاه على بعل بذات يد))

[أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس في مسنده]

ما هذه المواقف؟ فسيدة يتاح لها أن تكون السيدة الأولى، يتاح لها أن تكون أم المؤمنين ، يتاح لها أن تكون زوجة رسول الله، فتحتار لا بد من أن أظلم زوجي أو أولادي، فأرادت أن ترعى أولادها، وقد فوَّتت حظها من أن تكون أمّ المؤمنين، هذه الجنة لمثل هؤلاء.
امرأة في الطريق رأت عالماً أزهرياً, قالت له: يا سيدي, أيحق للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقول عنا: ناقصات عقلٍ ودين؟ هذا العالم الأزهري فطن, قال لها: والله ما له حق ، لكن هذا الكلام ليس لكُنَّ، هذا الكلام للصحابيات, أما أنتن فلا عقل ولا دين .

الفيلسوف
02-28-21, 04:15 PM
شيء لا يصدَّق: لأنها رعت أولادها تنازع رسول الله دخول الجنة، لذلك أنا حينما أرى أماً تهتم بأولادها؛ بطعامهم، بصحتهم، بلباسهم، بترتيب غرفتهم، بمراعاة حاجتهم، بمراقبتهم، بالعناية بأخلاقهم, إلى أن يصبحوا شباباً من الدرجة الأولى، هذه أم في أعلى المقامات، لذلك الإسلام فيه صلاة, وحج, وصوم, وزكاة، وتكاليف كثيرة، لكن أعلى شيء في الإسلام ذروة سنام الإسلام، يعني أن أعلى نقطة في سنام الإسلام: الجهاد، يقول عليه الصلاة والسلام:

((انصرفي أيتها المرأة, وأعلمي من وراءك من النساء, أن حسن تبعل إحداكن لزوجها, وطلبها مرضاته, واتباعها موافقته, يعدل ذلك كله))

أي الجهاد في سبيل الله .
لا أعتقد أن امرأةً من بين ألف امرأةٍ تعي هذا الحديث، والنبي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحيٌ يوحى، وها أنا أضرب مثلاً ولا أعرف:
لو أن امرأةٍ, ثابرت على قيام الليل، وصلَّت ما شاء لها أن تصلي، وقرأت القرآن، واستغفرت، وذكرت الله، وفي الساعة السادسة صباحاً تعبت، فألقت رأسها على الوسادة لتنام، وأولادها ينبغي أن يستيقظوا بعد قليل، وأن يأكلوا، وأن يرتدوا ثيابهم، فأهملتهم, وقالت لهم: قوموا وحدكم، كلوا واشربوا, واذهبوا إلى مدارسكم، فأنا بالمقياس الديني الحقيقي أنّ هذه امرأةٌ ما عبدت ربها؛ لأنها أهملت أولادها .
ولو استيقظت قبل شروق الشمس بنصف ساعة، وصلت الفجر، واهتمت بأولادها، فهيَّأت لهم الطعام، وراقبت ارتداءهم ثيابهم، وراقبت أعمالهم، وأرسلتهم إلى المدرسة، وبعدها ألقت رأسها على الوسادة, فإنها عند الله أفضل ألف مرة من هذه التي عبدت وأهملت .
المرأة تعبد الله حين ترعى أسرتها
كل إنسان يعبد الله فيما أقامه، شيء خطير أقوله: كل إنسان ينبغي أن يعبد الله فيما أقامه، أقام هذه المرأة زوجةً, فأعلى عبادةً لها, أن ترعى حق زوجها وأولادها، أقامك غنياً, أرقى عبادةً لك أن تنفق هذا المال في سبيل الحق، أقامك قوياً, أقوى عبادةٍ لك, أن تنصف المظلوم، أقامك أميراً, عليك أن تعدل، أقامك عالماً, عليك أن تُلقي العلم بسخاء من دون تردد، كل إنسان ينبغي أن يعبد الله فيما أقامه الله .
فلو فرضنا مدير ناحية, يقوم الليل, ويذكر, ويقرأ القرآن، وأهمل عمله، لكان أولى له أن يسهر, ليحل مشكلات الناس، وأن ينصف بينهم، ويتابع قضاياهم، فهناك سارق، وهناك إنسان منحرف، وتلك عصابة فساد، إذا تتبَّع مهام عمله وأدَّاها على خير ما يكون، فهو يعبد الله، فيجب أن تعبد الله فيما أقامك .
أنت تعبد الله حين تخدم والديك في عجزهما
يجب أن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه؛ عندك ضيف، عبادة الله أن تُكرم هذا الضيف، تهيئ له منامه، طعامه، شرابه، الأب مريض؛ عبادة الله أن تمرِّض أباك، أن ترعاه، عندك ابن يحضّر للامتحان؛ عبادة الله أن تعتني بابنك أثناء الامتحان، عندك زوجة مريضة، يجب أن تعبد الله فيما أقامك, وفي الظرف الذي وضعك فيه، فأنت بذلك أديت المهمة على ما ينبغي- .
فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت خولة إلى الرسول الكريم فدعته، فجاء بيت صديقه أبي بكر، فأنكحه عائشة, وهي يومئذٍ بنت ست سنين أو سبع, -طبعاً لم يقع زواج لكن جرى عقد- وكان صداقها خمسمئة درهم .
ولا يذكر التاريخ عنها إذ ذاك, إلا أنها خطبت لزبير بن مطعم، وأبوها أبو بكر بن قحافة، وأمها أم رومان بنت عمير بن عامر من بني الحارث بن غنم بن كنان .

الفيلسوف
02-28-21, 04:15 PM
قال: (عُرفَ قومُ عائشة، وهم بنو تميم بالكرم، والشجاعة، والأمانة، وسداد الرأي، كما كانوا مضرب المثل في البر بنسائهم، والترفُّق بهن، وحسن معاملتهن) .
فهناك أسر عريقة, عندهم الزوجة مكرمة, الكنة شابة مكرمة، تعامل كبنت من بنات الأسرة، وهناك أسر خسيسة, تقسو في معاملة زوجة ابنها قسوةً لا حدود لها، وكأنها خادمة، وكأنها إنسانة أجيرة، فالإنسان كلما ارتقى، كلما ارتقت معاملته .
كلما ارتقى الإنسان كلما ارتقت معاملته
وهذه كلمة حق أقولها لكم: في الإسلام مقياس لو طبَّقه الناس لما وجدت أية مشكلة, عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، عامل زوجة ابنك، كما تحب أن تعامل ابنتك, هذا مقياس ، لا يخيب أبداً، أنا أذكر طرفة لكنها واقعة:
امرأة اشترى ابنها آلة كهربائية مريحة لزوجته، وهو يسكن مع أمه، فأقامت عليه النكير، أقامت الدنيا على رأسه، لماذا هذا الإسراف؟ لا يحق لهذه المرأة هذه الغسالة، وفي اليوم نفسه, اشترى صهرها لزوجته غسالة مشابهة، أثنت عليه: الله يرضى على فلان، ريّح لي ابنتي, أرأيتم إلى هذا التناقض؟ لو أن الإنسان خرج عارياً, وهذا أمر بشعٌ جداً، والله أهون من أن يتناقض كلامه وسلوكه .
مرة كنت في محل تجاري, شاب في الصف الثامن, بائع أقمشة، فحمله صاحب المحل أثواباّ؛ أول ثوب، وثاني ثوب، وثالث ثوب، ورابع ثوب, حتى لم يستطع الحمل، قال له : لا أقدر, قاله له: أنت شاب, فلا تقل لا أقدر, وبالوقت نفسه, حمل ابنه ثوباً واحداً, فقال له: احترس على ظهرك, أرأيت إلى هذه العنصرية, فقد خاف على ظهر ابنه من ثوب واحد، أما الأجير حمله ما علمتم .
المؤمن لا يفرق في المعاملة بين الغريب والقريب
وها أنذا أقول لكم هذه الكلمة: لن تكون مؤمناً إلا إذا عاملت الغريب كما تعامل ابنك، ولن تكون مؤمناً إلا إذا عاملت زوجة ابنك كما تعامل ابنتك, هذا هو الإيمان، أما تلك التفرقة فهي مرذولة حقاً، العالم الآن سيخرج من جلده من الأقوياء الذين يكيلون بمكيالين، تجد عندهم تساهلاً ما بعده تساهل، وقسوة ما بعدها قسوة, فأبشع شيء في الإنسان التناقض، والتناقض لا يحتمل, ولكنها شريعة الغاب .
سيدنا الصديق رضي الله عنه صدِّيق، والصديقية المرتبة التي تلي النبوة، رتبة الأنبياء أعلى شيء, رسول ، نبي ، ثم صديق، ولي, مؤمن، مسلم، ثم هناك خط أحمر، ثم يتلوه هلاك، إن سيد الأنبياء والمرسلين رسول الله، رسول، أولو العزم، رسل من غير أولي العزم، أنبياء، صديقون، أولياء، مؤمنون، مسلمون، هذه المراتب في الإسلام .
قالوا: سيدنا الصديق له شهرةٌ ذائعة في دماثة الخُلق، وحسن العشرة، وقد أجمع مؤرخو الإسلام على أنه كان أنسب قريشٍ لقريش، وأعلم الناس بها، وبما كان فيها من خيرٍ وشر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ معروف، يأتيه رجال قومه, ويحكّمونه في أمورهم لعلمه، وخبرته، وحسن مجالسته، ومن نعم الله الكُبرى عليك أن يكون الذين حولك على شاكلتكمن نعم الله أن يكون الذين حولك على شاكلتك
أن يكون الذين يجالسونك يجانسونك, وأكبر عقاب يعاقب به الإنسان, أن يعيش بين أناسٍ دونه بكثير، هو في واد, وهم في واد، هو في مستوى، وهم في مستوى آخر.
أخواننا الكرام, لقد درسنا سيرة سيدنا الصديق في هذا المسجد، فشيء جميـل أن تتصوروا عظمة هذا الإنسان في تواضعه، أدبه، شوقه إلى الله، ورعه، يقول عليه الصلاة والسلام:

((ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر))

((ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبي بكر, قيل: فبكى أبو بكر, قال: يا رسول الله, وهل أنا ومالي إلا لك؟))

فإذا أردت أن تكون مؤمناً من الطراز الأول, اجعل هذا الصحابي الجليل قدوةً لك, كان يحلب الشياه لجيرانه، فلما تسلَّم الخلافة, ظن الجيران أنه لن يتابع هذه الخدمة، طُرق الباب، افتحي يا بنيتي, من الطارق؟ قالت لأمها: جاء حالب الشاة, بعد أن تسلَّم الخلافة .
سيدنا الصديق يمشي على قدميه, وهو خليفة المسلمين، وسيدنا أسامة بن زيد، عمره سبعة عشر عاماً, يركب الناقة، قال:

((والله يا خليفة رسول الله, لتركبن أو لأنزلن, قال: والله لا ركبتُ ولا نزلتَ، وما عليَّ أن تُغبّر قدماي ساعةً في سبيل الله))

الفيلسوف
02-28-21, 04:17 PM
من صفات هذه الزوجة الطاهرة على صغر سنها: أنّها كانت ناميةً ذلك النمو السريع الذي تنموه نساء العرب، وكانت متوقِّدة الذهن، نيِّرة الفكر، شديدة الملاحظة، وهي وإن كانت صغيرة السن, لكنّها كبيرة العقل .
نحن تعلَّمنا في الجامعة أن للإنسان عمرين؛ عمر زمني، وعمر عقلي، وقد يبتعدان عن بعضهما، قد تجد إنساناً عمره الزمني عشر سنوات، أما عمره العقلي فخمسة عشر عاماً، وقد تجد إنساناً عمره الزمني عشرون عاماً؛ وعمره العقلي خمسة عشر عاماً، فالعقل لا ينمو مع نمو الجسم, بل له نموّه الخاص .
العمر العقلي قد يسبق العمر الزمني
فالسيدة عائشة رضي الله عنها على صغر سنها, نمت نمواً سريعاً, وعلى صغر سنها, كانت متوقِّدة الذهن، نيرة الفكر، شديدة الملاحظة، فهي وإن كانت صغيرة السن, لكنها كبيرة العقل، أي لها دور في الدعوة الاًسلامية .
تروي كتب السيرة: أن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج امرأةً فيما بعد، قال لها ضرَّاتها: إذا التقيت بالنبي فقولي له: أعوذ بالله منك, فلما دخل عليها النبي, قالت: أعوذ بالله منك, فماذا قال لها؟ قال:

((الْحَقِي بِأَهْلِكِ))

[أخرجه البخاري في الصحيح]

رفضها، هل يعقل أن تكون زوجة رسول الله بهذا الإدراك؟ فهي مبلِّغة عن رسول الله ، تبلِّغ عنه الشرع، شيءٌ خطيرٌ جداً أن تكون زوجة النبي عليه الصلاة والسلام محدودة التفكير، لأنها تنقل عنه، وربما نقلت عنه الشيء الذي ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً: هناك حكمةٌ إلهيةٌ بالغة من أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ لرسوله الكريم هذه الزوجة العاقلة، المتقدة في الذهن, والذكاء, والفطنة، كثيرة الملاحظة، ذات النفسيَّة الطيِّبة .
يقولون: ولو لم تكن السيدة عائشة رضي الله عنها في تلك السن التي صحبت بها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وهي السن التي يكون فيه الإنسان أفرغ بالاً، وأشد استعداداً لتلقي العلم، لما تهيَّأ لها ذلك .
فالعلم شيءٌ أساسيٌ في حياة المؤمن، والنبي عليه الصلاة والسلام كل شيءٍ يقوله ينبغي أن ينقل عنه، وأفضل امرأةٍ تنقل عنه زوجته، إذاً: فلنطمئن أنّ الله سبحانه وتعالى اختارها على علمٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم.


قال الإمام الزُهري:

((لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء, لكان علم عائشة أفضل))

والحقيقة: أن الشيء الذي يدهش العقول، أو الشيء الذي يلفت النظر, أن تكون المرأة على درجة عالية جداً؛ من الفهم, والعلم, والفقه، فالمرأة عند الناس امرأة، لكن المرأة التي تتمتَّع بعقلٍ راجح، وإدراكٍ عميق، وفهمٍ دقيق، وحفظٍ شديد, هذه امرأةٌ نادرةٌ جداً، وامرأةٌ مؤهَّلةٌ لأن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
عطاء بن أبي رباح يقول:

((كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة))

من متع الحياة أن يكون من يعيش معك ذكي على شاكلتك
والحقيقة: مِن مُتَع الحياة أن تعيش مع الذكي، ومن البلاء الشديد أن تعيش مع المحدود, تكاد تخرج من جلدك، سمعتم مرةً مني أن الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه, بينما كان يلقي درساً على أخوانه حول صلاة الفجر، وفيما قرأت كانت رجله تؤلمه، وبينه وبين تلاميذه مُباسطة، ليس هناك كلفة، ولعذرٍ فيه كان يمد رجله، دخل رجل طويل القامة، عريض المنكبين، حسن الهيئة، يرتدي عمامةً وجُبةً، وجلس في مجلس هذا الإمام العظيم .
فأبو حنيفة رضي الله عنه, ظنَّه عالماً كبيراً، فاستحيا منه ورفع رجله، أي أن بينه وبين أخوانه ليس هناك كلفة، أما هذا فضيف غريب لعلَّه ينتقده، فلما انتهى الدرس, سأله هذا الرجل: يا إمام, كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ فقال له: عندئذٍ يمد أبو حنيفة رجله .
لذلك فأنا أرى أن من إكرام الله لرسول الله, أنه قيَّض له أصحاباً على مستوى عالٍ من الفطنة، والوفاء، والذكاء، والحُب، والتضحية، والإخلاص، وكلَّما ارتقى مقامك عند الله, هيَّأ الله لك أُناساً قريبين منك، كلَّما ارتقى مقامك عند الله, هيَّأ الله لك أُناساً يفهمون عليك، يفهمون عليك بالإشارة، يقدِّرون ما أنت فيه، يعرفون قدرك حق المعرفة، يعرفون أهدافك النبيلة .
وقال أبو موسى الأشعري:

((ما أشكل علينا أمرٌ, فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها فيه علماً))

وقال مسروق:

((رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الأكابر يسألونها عن الفرائض))

وقال عروة:

((ما رأيت أحداً أعلم بفقهٍ ولا طبٍ ولا بشعرٍ من عائشة))

وقال أبو الزناد:

((ما كان ينزل بها شيءٌ إلا أنشدت فيه شعراً))

أيها الأخوة, أردت من هذه المقدمة أن تعلموا أن عائشة أم المؤمنين، اختارها الله عزَّ وجل لنبيِّه الكريم، لتكون زوجته, وأمينة سرِّه, وراويةً عنه .

الفيلسوف
02-28-21, 04:18 PM
كلكم يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام عقد عليها, وهو في مكة قبل الهجرة، ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، واستقبله الأنصار، وهم محيطون به، متقلِّدي سيوفهم ، وهنا حدِّث ولا حرج, عن سرور أهل المدينة، فكان يوم تحوِّله إليهم يوماً سعيداً، لم ُيرَوْا فرحين فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
فكلكم تحضرون عقود قران، وموالد بمناسبة ذكرى مولد الرسول عليه الصلاة والسلام، ونشيد طلع البدر علينا, يمكن ألا يكون واحد من الأخوة الحاضرين, إلّا سمعه مئات المرَّات, إن لم نقل أكثر .
والعبد الفقير لما كنت في المدينة المنورة في إحدى العُمرات، وقفت قبالة مسجد قِباء ، فهناك ميدان في وسطه نُصب تذكاري، مكتوب عليه: طلع البدر علينا، أيْ في هذا المكان, في مكان مسجد قباء، وقباء في ظاهر المدينة, خرج الأنصار من المدينة، ليستقبلوا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وفي هذا المكان بالذات أنشدوا: طلع البدر علينا, كأنني أسمع هذا النشيد لأول مرة، وله وقعٌ في هذا المكان لا يوصف، في المكان الذي وقف فيه الأنصار, ينتظرون النبي عليه الصلاة والسلام، وحينما أطل عليهم, قالوا:
طلع البدر علينا من ثنيِّات الوداع وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
وفي الصحيحين: عن أبي بكرٍ رضي الله عنه في حديث الهجرة، قال:

((وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق, وعلى البيوت، والغِلمان, والخدم, يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد، الله أكبر جاء رسول الله، وكان الأنصار قد اجتمعوا, فمشوا حول ناقته صلى الله عليه وسلَّم، لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شُحَّاً على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له، وكلَّما مرَّ بدارٍ من دور الأنصار, دعوه إلى المنزل، فيقول عليه الصلاة والسلام: دعوها فإنها مأمورة, فإنما أنزل حيث أنزلني الله, ونزلت في بيت أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه))

ولقد كنت في تركيا قبل سنة تقريباً، وصلَّيت الجمعة في مسجد أبي أيوب الأنصاري في مدينة استانبول، هذا الصحابي الجليل أين مات؟ مات في أقصى الشمال، وله مسجدٌ والله منوَّر, تشعر فيه بروحانية عجيبة، فلما انتهت الصلاة, زرت مقام هذا الصحابي الجليل وقرأت الفاتحة، وتأثرت تأثراً كبيراً، ولكن الذي أدهشني أن كل زوَّار المقام, حينما يخرجون من هذا المقام, لا يديرون ظهورهم إليه، تأدُّباً معه، فهذا الصحابي الجليل الذي أكرمه الله بأن يكون مُضيف النبي عليه الصلاة والسلام، له قصصٌ رائعةٌ جداً .
مقام أبو أيوب الأنصاري في اسطنبول
فهو لم يستطع أن ينام في الدور الذي فوق رسول الله، فبيته طابقان، والنبي عليه الصلاة والسلام, رأى في الطابق الأرضي, أسهل لزوَّاره, ومن يأتيه، وسمح لأبي أيوب أن ينام في الطابق العلوي، من شدة أدب هذا الصحابي الجليل, لم يستطع أن ينام في الطابق الذي فوق رسول الله، وكان في حرجٍ شديد، ومرةً قدر الماء انكسر، فخاف أن ينزل على النبي قطرةُ ماء، فجاء باللحاف الذي لا يملك غيره في الشتاء، فوضعه فوق الماء، كي يمنع نزول الماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري, الذي حظي بضيافة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .
ولما استقر عليه الصلاة والسلام في المدينة، أين كانت عائشة؟ كانت في مكة، ولما يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يجب أن نعلم علماً دقيقاً: أن العقد على عائشة سبق الدخول بسنوات، فإذا قلنا: صغيرة، وبينها وبين النبي فرقٌ كبير، فإن العقد شيء والدخول شيءٌ آخر، عقد عليها بمكة، ولم يدخل بها إلا في المدينة، ولما استقر عليه الصلاة والسلام بالمدينة، أرسل زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة, ليأتيا بمن خلَّف من أهله، وأرسل معهما عبد الله بن أريقط, يدلهما على الطريق، فقدما بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسودة زوجِه، وأم أيمن حاضنته في صغره، وابنها أسامة بن زيد، وأما زينب فمنعها زوجها أبو العاص بن الربيع، وخرج مع الجميع عبد الله بن أبي بكر بأم عائشة زوج أبيه، وأختيه عائشة وأسماء زوج الزبير بن العوام، وكانت حاملاً بابنها عبد الله بن الزبير، وهو أول مولود للمهاجرين في المدينة، وصحبهم من مكة طلحة بن عُبيد الله .
وبعد أن استقر النبي بالمدينة، وانتهى ضجيج الهجرة، وانتهت المطاردة، أرسل هؤلاء الصحابة ليأتوا بأهله؛ أتوا بفاطمة، وأم كلثوم، وسودة، وأم أيمن، وابنها أسامة بن زيد ، أما زينب فمنعها زوجها من الهجرة .
والنبي عليه الصلاة والسلام يهيِّئ الدور لزوجته سودة, ولزوجته عائشة, ليستقبل فيها أهله .
وفي أيامنا هذه: تجد شخصاً عادياً جداً, يسألك عن مكان سكنى ابنته المخطوبة، أين ستسكنها؟ غرفةٌ صغيرةٌ جداً ملحقةٌ بالمسجد, هذه الغرفة بيت عائشة، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، وكانت هذه الغرفة الصغيرة التي لا تتسع لصلاته ونوم زوجته معاً، إما أن يصلي فتنزاح جانباً، وإما أن يناما معاً، أما أن يصلي هو وتنام هي, فالغرفة لا تتسع لهما، هذا بيت رسول الله .
وصلت هذه السيدة الجليلة إلى المدينة مع أمها أم رومان، وأختها أسماء، وأخيها عبد الله، واستقروا في دار الوالد الصديق رضي الله عنه، ولم تمضِ أشهر معدودات, حتى تكلَّم الصديق رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام في إتمام الزواج الذي عقده بمكة .
فالنبي عقد بمكة قبل سنوات من الهجرة، وبعد الهجرة بأمد طويل استقدم أهله، وبعد هذا الاستقدام, بقيت في بيت أبيها، فلما كلَّم الصديق رسول الله في شأن إتمام الزواج، سارع النبي عليه الصلاة والسلام، وسارعت نساء الأنصار إلى منزل الصديق, لتهيئة هذه العروس الشابَّة لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم .

الفيلسوف
02-28-21, 04:19 PM
أجمل موقف وقفته أم السيدة عائشة رضي الله عنها، حينما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلَّم، ومعها ابنتها العروس السيدة عائشة, بعد أن هُيئت له، دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو في دار أبي بكر, وقالت:

((يا رسول الله هؤلاء أهلك، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك))

وهذا أجمل دعاءٍ يُلقى في عقود القِران .
والزواج المبارك هو الذي يكون مبنياً على طاعة الله، وعلى تطبيق منهج رسول الله ، والله عزَّ وجل يلقي الحب بين الزوجين، والألفة والمودَّة، وينجب من هذين الزوجين الذرِّية الطيبة الصالحة، فالزواج شيء جميل جداً، والزواج له ثمرة؛ وثمرته أولاد أبرار، والإنسان حينما يموت ينقطع عمله، أما إن كان له ولد صالح، فهذا الولد الصالح ينفع الناس من بعده، وكل أعماله في صحيفة أبيه .




أجمل موقف وقفته أم السيدة عائشة رضي الله عنها، حينما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلَّم، ومعها ابنتها العروس السيدة عائشة, بعد أن هُيئت له، دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم, وهو في دار أبي بكر, وقالت:

((يا رسول الله هؤلاء أهلك، بارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك))

وهذا أجمل دعاءٍ يُلقى في عقود القِران .
والزواج المبارك هو الذي يكون مبنياً على طاعة الله، وعلى تطبيق منهج رسول الله ، والله عزَّ وجل يلقي الحب بين الزوجين، والألفة والمودَّة، وينجب من هذين الزوجين الذرِّية الطيبة الصالحة، فالزواج شيء جميل جداً، والزواج له ثمرة؛ وثمرته أولاد أبرار، والإنسان حينما يموت ينقطع عمله، أما إن كان له ولد صالح، فهذا الولد الصالح ينفع الناس من بعده، وكل أعماله في صحيفة أبيه .

وتنقضي ليلة الزفاف المباركة في دار أبي بكرٍ رضي الله عنه، ثم يتحوَّل النبي عليه الصلاة والسلام بأهله إلى البيت الجديد، ما كان هذا البيت سوى حجرةٍ من الحُجرات, التي شُيِّدت حول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من اللبن, وسعف النخيل، وقد فُرش بحصير، ووضع فيه فراشٌ، وبعض ملحقاته، وأوانٍ بسيطة للشراب والطعام، وهذا كلُّ بيت رسول الله .
وفي هذا البيت المتواضع, بدأت حياة العروس الكريمة عائشة رضي الله عنها، وبدأت الحياة الزوجية الحافلة بالمكرُمات والخيرات، مكرُمات النبوة, وخيرات الرسالة .
وأنا أعلم أن هناك بيوتاً فخمةً جداً لكن لا سعادة فيها، وهناك بيوت متواضعة جداً فيها سعادة زوجية تامة، السعادة الزوجية أساسها طاعة الله، والشقاء الزوجي أساسه معصية الله عزَّ وجل .

جودي
03-01-21, 02:40 AM
الف باء نجاح البيوت والعلاقات
القناعه والرضي بما قسم الله والتغاضي والتسامح
بارك الله فيك فيلسوف ونفع بك

عطاء دائم
03-01-21, 08:46 AM
ما شاء الله
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد

اختم الموضوع ل3 ايام ولي عودة ان شاء الله

الفيلسوف
03-01-21, 10:41 AM
غيرتها من ضرائرها وغيرتهن منها

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5756/01.jpg




ما الغيرة؟ خصيصة في النفس البشريَّة, أودعت فيها, لصالح النفس، الإنسان إذا كانت الغيرة التي في نفسه تدفعه إلى الفضائل، وهي في الأصل حياديَّة، يمكن أن تدفعك إلى أن تنافس أخاك في شأن الآخرة، أو يمكن أن تدفعك الغيرة إلى أن تنافسه في شأن الدنيا، إذا نافسته في شأن الآخرة كانت غيرةً محمودة، وإن نافسته في شأن الدنيا كانت غيرة مذمومة، هي حياديَّة يمكن أن تستخدمها سلماً ترقى به، أو دركاتٍ تهوي بها .
فالغيرة أمر فطري في كل إنسان، هي في النساء أوضح، لكن لها حالات طبيعيَّة, ولها حالات مرضيَّة، الحالات الطبيعيَّة لصالح الإنسان، كم من إنسانٍ حفظ كتاب الله, لأنه أصابته الغيرة من حافظٍ آخر، كم من إنسان سلك طريق الإيمان, لأنه أصابته الغيرة من قريبٍ، أو صديقٍ، أو جارٍ, تفوَّق عليه في الإيمان .
أنا أضرب لكم مثلاً واضحاً جداً: كنت أُدعى كل عام لميتمٍ من أشهر مياتم دمشق، هذا الميتم إدارته تدعو كبار أغنياء الشام، ويقام حفل عشاء في رمضان، وتلقى الكلمات تحث هؤلاء الأغنياء على البذل والتضحية، كنت أكلَّف كل عام بأن ألقي كلمة أحث بها الأخوة المؤمنين، الذين امتنَّ الله عليهم بوفرة المال .
طبعاً حينما نفتح باب التبرُّعات يقول فلان: أنا أدفع مئة ألف, يقول زميله: أنا أدفع مئتين في ربع ساعةٍ أو أقل, يجتمع ستة أو سبعة ملايين، وفي العام الماضي ارتأت إدارة الحفل أن توزع على الأخوة المدعوين استمارة ورقية، كل واحد يكتب كم يتبرَّع من دون إعلام, فكان المبلغ ثمانمئة ألف، فالفرق واضح جداً، والإنسان أحياناً يندفع للعمل الصالح بدافع الغيرة، هذه غيرة لصالح الإنسان .
أنا أؤكد لكم: أنه ما من واحد من الأخوة الحاضرين، إلا اندفع إلى عملٍ صالح، أو إلى طاعةٍ لله، أو إلى إقبالٍ على الله، أو إلى تفوقٍ في العلم, بدافع غيرةٍ أصابته من أخٍ قريبٍ له، صديقٍ، جار، فالغيرة خصيصة من خصائص النفس البشرية حيادية, إن استخدمتها في أمر الآخرة, كانت سلَّماً ترقى به، وإن استخدمتها في أمر الدنيا, كانت دركاتٍ تهوي بها، فإذا غرت من أخيك في جمع المال، ونافسته في جمع المال، وضيَّعت دينك وآخرتك, كانت هذه الغيرة في غير موضعها, قال تعالى:

﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَد﴾

[سورة البلد الآية: 6-7]

﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾

[سورة الزخرف الآية: 32]

الغيرة من أجل تنافس الدنيا غير حميدة
يجمعون المال بدافع الغيرة من بعضهم بعضاً، فكل خاصةٍ في الإنسان، كل خاصةٍ على الإطلاق هي حياديَّة، يمكن أن توظِّفها في الحق, ويمكن أن توظفها في الباطل، يمكن أن توظفها في أمر الآخرة فترقى، ويمكن أن توظِّفها في أمر الدنيا فتهلك .
إذاً: الغيرة موجودة بكل إنسان، أما إذا انصبَّت في شأن الدنيا أصبحت حسداً، وإن انصبَّت على أمر الآخرة كانت غبطةً، قد تجد إنساناً تفوَّق عليك, فتغبطه وتسعى سعيه، تغبطه وتقتفي أثره، تغبطه وتنافسه، هذه منافسة محمودة, قال تعالى:

﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[سورة المطففين الآية: 26]

﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾

[سورة الصافات الآية: 61]

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5756/02.jpg

المرأة تغار، ولو أنها كانت لا تغار, لسقطت من عين زوجها، لماذا يحبها زوجها؟ لأنها تغار عليه، لا تحتمل أن يميل إلى امرأةٍ أخرى، هذه خاصَّة، الأزواج أحياناً يتألَّمون من غيرة زوجاتهم، أما لو تصوروا العكس, أنه ذهب، وسهر، وخالط، ولم تتكلَّم ولا كلمة، يشعر أنها لا تحبه، وقد تخرج من قلبه، فالغيرة صفةٌ متمكنة في بني الإنسان, وهي في النساء أوضح، فلها وضعٌ طبيعي, ولها وضعٌ مرضي .
الوضع المرضي أن امرأةً تعرف زوجها؛ مؤمناً، مستقيماً، لا يحيد لا يمنةً ولا يسرةً, ومع ذلك إذا اتصلت به امرأةٌ على الهاتف, لا يقر لها قرار، هذه غيرة مرضيَّة ينبغي أن تُعالج لتبرأ منها .

الفيلسوف
03-01-21, 10:44 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5756/03.jpg

المكانة التي احتلتها السيدة عائشة في قلب النبي :


هذه السيدة الفاضلة إلى بيت النبي في المدينـة، الصحابة الكرام عرفوا أنها بنت السيد الصديق رضي الله عنه، وهو من أحب الناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت شابةً ذكيةً، على مستوى رفيعٍ جداً من العقل والفهم، اتجهت أنظار الصحابة إلى هذا البيت الثالث, بيت السيدة عائشة .
أمهات المؤمنين وقعن في الغيرة، وهذا الشيء من طبيعة المرأة، والنبي عليه الصلاة والسلام عبَّر عن هذه الحقيقة, فقال:

((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ, فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ))

[أخرجه أبو داود عن السيدة عائشة في سننه]

العدل التام مطلوب بين الزوجات
أنت مكلَّف أن تعدل بين الزوجات، هذا العدل التام، أما العدل المُطلق ليس في وسعــك، ولا في طاقتك، ولن تستطيعه .
في صحيح البخاري يروي لنا هشامٌ عن أبيه رضي الله عنه, قال:

((كان الناس يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة .

-فهي زوجة جديدة, أدخلت على قلب النبي السرور، بعد أن ماتت زوجته الوفيَّة السيدة خديجة، وجاءت من مكة إلى المدينة، وسكنت في غرفةٍ من غُرف المسجد، فصارت الأنظار تتجه إلى هذا البيت- فقال:كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة

فكان الناس يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة, فقلن: يا أم سلمة, والله إن الناس يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري النبي صلى الله عليه وسلَّم, أن يأمر الناس أن يُهدوا إليه, حيث ما كان، أو حيث ما دار .

-أنا أقول لكم هذه الكلمة: الإنسان لأنه بشر، تجري عليه كل خصائص البشر، فإذا انتصر على نفسه يرقى .
نساء النبي عليه الصلاة والسلام كل منهن امرأةٌ مستقيمة، لكنها تحكمها خصائص النساء .
مرَّة أهدت السيدة صفيَّة, أهدت إلى النبي طبق طعامٍ طيِّب، السيدة عائشة ما تمكَّنت أن تخفي غيرتها، فأمسكت الطبق وكسرته، فالنبي عرف طبيعة المرأة فورد عنه:

((غضبت أمكم, غضبت أمكم))

فأحياناً الإنسان لا ينبغي أن يُطالب زوجته أن تكون مثله, هو رجل، وله إدراكٌ واسع ، وله طبيعةٌ خاصة، وهي لها طبيعة خاصة, هكذا فطرها الله عليها- .
فذكرت أم سلمة ذلك للنبي، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إلي, ذكرت له ذلك, فأعرض عني، فلما كانت الثالثة ذكرت له, فقال: يا أم سلمة, لا تؤذيني في عائشة .
-وهنا في نقطة دقيقة، الله عزَّ وجل قال:

﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[سورة النساء الآية: 32]

في الكون عدلٌ مطلق، وربنا حكمته مطلقة، وأفعاله كلها حكيمة، فأنت إذا رأيت أن الله سبحانه وتعالى أعطى إنساناً شيئاً, ينبغي ألّا تحقد وألا تحسد, لكن لك أن تغبط، ولك أن تسير في الطريق الذي سار فيه, صدق القائل:

ملك الملوك إذا وهب قم لاتسألَنَّ عن السبب
الله يعطي من يشـاء فقف على حـدِّ الأدب

يا أم سلمة, لا تؤذيني في عائشة, فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي, وأنا في لحاف امرأةٍ منكن غيرها))



فيبدو أن هذه الزوجة الطاهرة, كانت من أقرب الزوجات إلى الله عزَّ وجل، ومن أعلمهن بكتاب الله .
فقد تجد شخصاً اجتهد, وبذل وقته, وماله, وجهده في سبيل الله، والله عزَّ وجل رفع ذكره، أعلى شأنه، أنت ينبغي أن تسلك سبيله لا أن تحسده، ينبغي أن تسلك سبيله لا أن تحاول أن تنتقص منه، لا أن تحاول أن تسفِّه آراءه، إن رأيت في إنسان ميزة, فقل: إن الله يعطي من يشاء، فقف على حد الأدب .
ثم إن أمهات المؤمنين حاولن محاولةً ثانية مع السيدة فاطمة رضي الله عنها، أن تكلِّم أباها النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخصوص، فلم تُجدِ محاولتها شيئاً .
فقد روى مسلمٌ في صحيحه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلَّم, قالت:

((أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلَّم فاطمة بنت رسول الله إلى رسول الله، فاستأذنت عليه وهو مضطجعٌ، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله, إن أزواجك أرسلنني إليك, يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة, وأنا ساكتة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلَّم: أي بنيَّة! ألستِ تحبين ما أحب؟.

-طبعاً، فلا يمكن إلا أن يعدل النبي بين زوجاته، لأن النبي مرةً قال له أعرابي: اعدل يا محمد, فقال له النبي صلى الله عليه وسلَّم:

((ويحك من يعدل إذا لم أعدل؟))

[أخرجه البخاري عن أبي سعيد في الصحيح]

لكن الله عزَّ وجل ما كلَّفنا فوق ما نطيق، الإنسان صاحب الفطنة، وصاحب الأدب الجَم، وصاحب الخُلق الرفيع، هذا تميل إليه دون أن تشعر، هذه سنة الله في خلقه, جبلت النفوس على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها .
مثلاً: شخص دائماً ينتقدك، يحاول أن يعارضك، يحاول أن يطعن في تصرفاتك، فهل ينتظر منك أن توده مودة عالية؟ بينما إنسان آخر أديب جداً، لطيف جداً، في خدمتك دائماً، فشيء من طبيعة البشر أن تميل إلى هذا المحسن الأديب الذي يتحرَّى راحتك، والإنسان الثاني الذي يتهجَّم عليك, فنفسك تنفر منه بشكل طبيعي، لذلك فالنفس لها قوانين، أنت كإنسان مكلَّف أن تعدل العدل التام، أما العدل المطلق, فهذا لا تستطيعه لا أنت ولا غيرك، لأن النفوس جبلت على حب الكمال، على حب الجمال، على حب النوال .

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5756/05.jpg
لإنسان يحب الجمال, والكمال, والنوال، الذي يعطيك تحبه، والذي تـراه كاملاً تحبه ، والذي منحه الله شكلاً جميلاً تحبه .
فأحياناً يكون شخص عنده ابن له تألُّق، تجد الأب يميل إليه أكثر من أخوته، لكنه مكلَّف أن يعطي أولاده بالسواء، مكلَّف أن يمنحهم العطف بالسواء، لأن هذا القلب بيد الله عزَّ وجل، وقد عبَّر عن ذلك النبي عليه الصلاة والسلام:

((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ, فَلا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلا أَمْلِكُ))

[أخرجه أبو داود عن السيدة عائشة في سننه]

أي بنيَّة! ألستِ تحبين ما أحب؟ قالت: بلا, قال: فأحبي هذه, -أي عائشة .
فأنا أقف عند هذه النقطة قليلاً؛ مثلاً: شاب له أب، هذا الشاب يتهجّم على أبيه، يبدو سوء أدب من هذا الشاب، ومحاسبة شديدة، وعدم احترام، وابن ثانٍ في غاية الأدب، والإخلاص، والاحترام، والتلبية، أينتظر الأول الأقل أدباً، والأقل خدمةً من الأب, أن يحبه محبة رائعة؟ هذا الشيء مضحك، الأب إنسان ويميل إلى حيث يرى الفضل، والأدب، والعطف، والرحمة، والخدمة، فأنت لا تطالب الناس أن يحبوك محبةً لا تساوي عملك .
إن أردت حب الناس فأحسن إليهم
وهذا إنسان بعقله قصور، الذي ينتظر من الناس أن يمحضوه حبهم، وإخلاصهم، وتفانيهم, وهو يسيء إليهم، هذا شيء مستحيل، هذه طبيعة النفس البشريَّة، إن أردت أن تنعقد حولك القلوب فأحسن إليهم، والإنسان الكامل يملك القلوب، بينما الإنسان القوي يملك الرقاب، وشتَّان بين أن تملك القلوب وبين أن تملك الرقاب، بونٌ شاسع بين الحالتين .
فمثلاً: زوج قاسٍ، يحب نفسه، أينتظر من زوجته أن تموت في حبه؟ لا لن تموت في حبك، ولن تهتمَّ بك، إن لم تهتم بها فلن تهتم بك، إن لم ترع حقوقها فلن ترعى حقوقك، فكن واقعياً، كن منطقياً- .
فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فرجعت إلى أزواج النبي, فأخبرتهن بالذي قاله، وبالذي قال لها النبي صلى الله عليه وسلَّم، فقلن لها: ما نراكِ أغنيتِ عنا من شيء، فارجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم, فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة, فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً .
-النبي يتصرف بالعدل المطلق، بالعدل التام بين زوجاته, لكن أين قلبه يميل؟ هذه لا يملكها أحد- .
ثم أرسلن زينب بنت جحشِ زوج النبي صلى الله عليه وسلَّم، وكانت تضاهي عائشة عند رسول الله في الحظوة والمنزلة، فتكلَّمت في ذلك, فلم تُجْدِ في كلامها شيئاً, ثم قال عليه الصلاة والسلام معلناً مكانة زوجه عائشة:

((إنها ابنة أبي بكر))

أرأيتم إلى هذا الوفاء؟ فالإنسان أحياناً يتألَّم أشد الألم حينما يمحض كل إخلاصه، وكل حبه، وكل خدمته لإنسان, ثم ينسى له هذا الإنسان ذلك كله، أما النبي فهو أوفى الأوفياء ، ما من إنسان أعطى النبي عليه الصلاة والسلام كل اهتمامه كسيدنا الصديق، وهذه ابنته، فلأنها بنت أبي بكر لها عند النبي حظوةٌ خاصَّة .
ما هو السبب الذي دفع ضرائر عائشة للغيرة منها, وهل كانت تغار عائشة منهن, وما هي العبرة من وجود مشكلات في بيت النبي ؟
أيها الأخوة, السيدة عائشة أيضاً تغار من أمهات المؤمنين، كانت أمهات المؤمنين يغرن على رسول الله من عائشة، وكانت عائشة بينهن أشدهن غيرةً عليه منهن، وعذرها أنها أول من تفتَّح قلبها لحب النبي صلى الله عليه وسلَّم بعد خديجة، حيث كانت خطبتها بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وأنها أصغرهنَّ سناً، وما تزوَّج عليه الصلاة والسلام بِكراً غيرها, فلديها أسباب لِتزهو على ضرَّاتها؛ أصغرهن سناً، وبنت أحب الخلق إليه، وكانت الوحيدة بينهن بِكراً من بين أزواج النبي عليه الصلاة والسلام.
فهذا الدرس له معنى، بكل بيت مشكلة، والنبي بشر, قال تعالى:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾

[سورة الكهف الآية: 110]

طرق رجل باب سيدنا عمر, ليشكو له زوجته، فسمع صياحاً، فولَّى هارباً، سيدنا عمر سمع الباب يطرق, ثم توقَّف الطرق, فخرج فرأى أعرابياً، فدعاه, رجع، لمَ طرقت وانصرفت ؟ قال له: جئتك أشكو مما أنت منه تشكو .
أخواننا الكرام, إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح, فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء .
الدنيا لا تستقيم لإنسان لذلك نتشوق للقاء الله
الدنيا مركَّبة على المشكلات، مركبة على بعض النقص رحمةً بالإنسان، تصور لو أن الدنيا جاءتك كما تريد, لكرهت لقاء الله، لكن ما الذي يدعونا إلى أن نشتاق إلى لقاء الله عزَّ وجل؟ فالدنيا المتعبة التي لا تستقيم لإنسان إطلاقاً، إن جاءت من جهة, تذهب من جهة، إن منحت المال, فليس عندك من الأولاد, ما يستأهلون هذا المال، وإن جاءك الأولاد الأبرار قد لا تجد المال الكافي لهم، وإن حظيت بزوجةٍ صالحةٍ لا تُنجب، وإن أنجبت قد يكون أولادها على غير ما تريد، وإن كان الأولاد على ما تريد, هناك علَّةٌ في الصحة، فما من إنسان اكتملت دنياه، ولو أنها اكتملت, لكره الناس لقاء الله عزَّ وجل، فأحد الأسباب في أن الإنسان يتمنى لقاء الله أن الدنيا متعبة .
رأى النبي عليه الصلاة والسلام جنازة فقال:

((مستريح ومستراح منه, فقالوا: ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: أما العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها, والعبد الفاجر يستريح منه؛ العباد, والبلاد, والشجر, والدواب))

[أخرجه النسائي عن أبي قتادة في سننه]

ليس في الدنيا شيء أثمن على الإطلاق من أن يموت أحدنا على الإيمان، وينجو من فتنة الدنيا, فتنة المال، فتنة النساء، فتنة العلاقات الاجتماعية، فتنٌ لا تعدُّ ولا تحصى

ولقد كانت الغيرة تنتاب عائشة إذا علمت أن النبي صلى الله عليه وسلَّم سيتزوج بعدها، ها هي تغار من زواج النبي من حفصة بنت عمر بن الخطاب، وكانت تضيق بيوم سودة التي كانت زوجة النبي الكريم في مكة، فلما علمت بأن النبي عليه الصلاة والسلام قد تزوَّج حفصة, سكتت على مضضٍ وغيرة، واحتارت ماذا تفعل؟ إذ كانت تعلم مكانة أبيها عمر عند النبي، فهو بعد أبي بكر في المنزلة والحظوة عنده صلى الله عليه وسلَّم, فجاءت حفصة لتكون ضرّة أخرى .
هناك نقطة دقيقة جداً: لو لم تحدث مشكلات في بيت النبي، كيف يكون قدوةً لنا؟ لو لم يكن أية مشكلة في بيته إطلاقاً, فلأمر يلتبس عندنا؛ الغيرة مشكلة، تنافس زوجاته مشكلة، لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سارت حياته في البيت بشكلٍ مثاليٍ مُطلق، كيف يقف الموقف الكامل من مشكلةٍ تنشأ في بيت المسلمين؟ إذاً: النبي مشرِّع .
أوضح مثل على ذلك:

((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ من اثْنَتينِ فَقَالَ لَهُ ذُو اليَدَينِ: أَقُصِرَتْ الصَّلاَةُ أَمَّ نَسِيتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَدَقَ ذُو اليَدَينِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى اثنَتينِ أُخرَيَينِ, ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثلَ سُجودِهِ أَوْ أَطولَ, ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ, ثُمَّ سَجَدَ مِثلَ سُجودِهِ أَوْ أَطولَ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في سننه]

لولا أن الله أنساني كي أصلي الظهر ركعتين، كيف أسن لكم سجود السهو؟ إذاً: ما يحصل في بيت النبي من مشكلات مخرج لنا من مشكلاتنا، فالله عزَّ وجل قال:

﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾

[سورة التحريم الآية: 4]

هذا شيء ثابت بالقرآن, قال تعالى:

﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 32]

والنبي خيَّر زوجاته بين أن يخترنه أو يخترن الدنيا, قال تعالى:

﴿إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 28]

معنى ذلك: أن القرآن أثبت أن هناك مشكلات في بيت النبي، وإزاء هذه المشكلات, وقف النبي منها موقفاً كاملاً، قدوةً لنا نحن المؤمنين .
لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام بعد محاولاتٍ كثيرة من زوجاته الطاهرات، وما نشب بينهنَّ من غيرة، أخذ موقفاً حازماً فاعتزل نساءه كلَّهن .
مضى شهرٌ بأكمله في شغلٍ عنهن، وهن في شغلٍ به، فمنهن من روَّعها الهجر، ومنهنَّ من كانت ترقبه في عُزلته، دون أن تجرؤ واحدةٍ منهنَّ أن تخاطبه في أمرها، حتى إذا استكمل الهجر شهراً بتمامه, عاد عليه الصلاة والسلام إلى نسائه مكتفياً بتأديبهن بذلك الإنذار ، لئلا يعُدن إلى مثل ما فعلت بعض أزواجه .
فهذه المنافسة بين زوجاته الطاهرات، وهذه الغيرة الحادة، هذا مما يضعف صفاء النبي عليه الصلاة والسلام، فاتخذ هذا الموقف، وتركهن جميعاً شهراً بأكمله، فلما انتهى الشهر, بدأ ببيت عائشة فدخله، واستقبلته في عتابٍ رقيق، قالت:

((يا رسول الله, بأبي أنت وأمي, قلت كلمةً لم ألقيِ لها بالاً, فغضبت علي .
هذا يفيدنا لو أنّ إنساناً نشب خلاف بينه وبين زوجته, يعوِّد نفسه أن يكون لطيفاً، وتعوِّد الزوجة نفسها أن تعتذر، والاعتذار أحياناً يذيب المشكلة
انظر لهذا الموقف: يا رسول الله, بأبي أنت وأمي, قلت كلمةً لم ألقي لها بالاً فغضبت علي, ثم أقبل على أهله, -وهي مستطردة في قولها-

أقسمتَ أن تهجرنا شهراً, ولمَّا يمض منه غير تسعٍ وعشرين, تقول هذا مداعبةً له، فقال عليه الصلاة والسلام: نعم, الشهر يكون تسعةً وعشرين))

[أخرجه البخاري عن أم سلمة في الصحيح]

فمن اللطف أن يكون هناك كلام لطيف جداً بين الزوجين، مداعبة بالقول، كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بسَّاماً ضحاكاً، كان إذا دخل البيت واحد من أهل البيت، يقول عن النساء:

((فإنهن المؤنسات الغاليات))

فأنا أرى أن من أعقل الرجال الذي عنده مودة، ولطف، ونفس هنيَّة، وأن تكون كلمات معسولة من الزوج, ومن الزوجة، والعمر لا يحتمل خصومات طويلة .
طبعاً: كان الحديث عن المشكلات التي جرت في بيت النبي وهو حديثٌ يطول، لكن النبي بشر، ولولا أنه تجري عليه كل خصائص البشر, لما كان سيد البشر .
وأنا أعتقد أن الإنسان المؤمن الموفَّق هو الذي يؤتى الحكمة في معاملة زوجته، يسعد بها وتسعد به، العمر قصير لا يحتمل خصومات مديدة، فالنبي أدَّبهُنَّ شهراً، لكن تجد إنساناً يؤدِّب أهله سنة، سنتين، ثلاثة، لكنّه أدبهُنَّ شهراً, وانتهى الأمر .
وأنا أتمنى على كل زوج أن يضع حداً للخصومة، إذا كانت هناك مشكلة, وعلى أثرها خرجت من البيت، فينبغي أن تعود، وكأن شيئاً لم يكن، هذه وصيَّة ثمينة جداً، عوِّد نفسك عليها.
أما هذا الامتداد بالخصومة؛ أسبوعاً وأسبوعين، وشهراً وشهرين، وسنة وسنتين، وكل واحد راكب رأسه، وكل واحد متعنِّت، فشقيت وأشقيت، مهما كنت أنت الأقوى, شقيتَ مع زوجتك .
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان قدوةً لنا في حسن معاشرته زوجاته، وكما قلت لكم من قبل: آياتٌ كريمةٌ وكثيرةٌ تبيِّن أن النبي عليه الصلاة والسلام عانى من الزوجات، والمرأة امرأة, ولها طبيعةٌ خاصة، تغار أشد الغيرة، وتحرص على الدنيا أشد الحرص، وتريد أن يكون زوجها لها، فما من زوج إلّا إذا زار أهله، فإذا قدَّم هديَّة لأهله, تنشأ مشكلة؛ لأن هذا الزوج لها وحدها، أما هو فله أم، وله أخوات، وله أخوة، هذه مشكلات تعالج بالحكمة، تعالج بالعدل، تعالج باللين، بالموعظة الحسنة، أما المواقف العنيفة؛ رأساً طلَّق، رأساً ضرب، والضرب أحياناً يترك ندبة في النفس لا تندمل أبداً .

الفيلسوف
03-01-21, 10:47 AM
حادثة اﻹفك


حديث الإفك من أخطر ما واجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من الأهوال والصعاب, فالمنافقون كانوا يقصدون من ورائه إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلَّم بإساءة سمعته .
أنت أحياناً تحارب إنساناً عن طريق مقاومته، وأحياناً تحارب إنساناً عن طريق تشويــه سمعته، فحديث الإفك بشكلٍ أو بآخر محاولةٌ من المنافقين لتشويه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام، ومع تشويه سمعة النبي, القصد البعيد تشويه هذا الدين الحنيف .
المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية
المعركة بين الحق والباطل معركةٌ أزليةٌ أبديَّة، فكل واحد له ولاء, أهل الإيمان يوالون المؤمنين، وأهل الفسق والفجور يوالون بعضهم بعضاً، فينبغي أن يعرف الإنسان هو مع من؟ هذا الذي يوالي المؤمنين, ويتبرَّأ من الكفار والمنافقين، مؤمنٌ ورب الكعبة, أما الذي له ولاءٌ لغير المؤمنين, هذا في إيمانه ضعف .
لذلك: فالمنافقون أرادوا أن يشوِّهوا هذا الدين, عن طريق تشويه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام من خلال اتهام زوجته بالفاحشة .
متى جاء حديث الإفك؟ بعد أن قال عبد الله بن أُبَيّ بن سلول للنبي وأصحابه: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل, يقصد الأعز هو ومن معه، والأذل يقصد به النبي عليه الصلاة والسلام والمهاجرين .
أيها الأخوة, قال هذا المنافق رئيس المنافقين: ماذا فعلتم بأنفسكم؛ أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالك؟ أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم, لتحوَّلوا إلى غير بلادكم .
عملية تهجير، فالهدف البعيد جداً من حديث الإفك, تهجير المهاجرين إلى بلادٍ أخرى ، عن طريق تشويه سمعة الدين، من خلال تشويه سمعة النبي، من خلال اتهام زوجته الطاهرة بالفاحشة, قال تعالى:

﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً﴾

[سورة الطارق الآية: 15-16]

فماذا يعنينا من هذا الموضوع؟ أنت كمؤمن وطِّن نفسك أن هناك من يناوئك، هناك من يطعن في نزاهتك، هناك من يريد أن يشوِّه سمعتك، الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء، والإنسان يرقى على قدر ما يُبتلى به .


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/01.jpg



خبر حديث الإفك ورد في الصحاح، تقول السيدة عائشة رضوان الله عليها:


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/02.jpg
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا أراد سفراً, أقرع بين نسائه، فأيَّتهن خرج سهمها, خرج بها معه، فلمَّا كانت غزوة بني المصطلق, أقرع بين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمي عليهن, فخرج بي رسول الله .

-هناك حكمةٌ بالغة من اصطحاب الزوجة في السفر, يعرفها المتزوجون، النبي عليه الصلاة والسلام في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي صفاته مشرِّع، فكان إذا أراد سفراً, حتى ولو كان السفر غزوةً, أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها، صحبها معه- .
قالت السيدة عائشة: وكان النساء إذ ذاك إنما يأكُلن العُلَق, -والعلق ما فيه بلغةٌ من الطعام، أي طعامهن قليل، إذاً: أوزانهن خفيفة- لم يهبجن اللحم فيثقلن, -أي أن نساء الصحابة كنَّ نحيلات- وكنت إذا رُحِّل بعيري, جلست في هودجي، ثم يأتي القوم الذين يرحِّلون هودجي في بعيري يحملونني، فيأخذون بأسفل الهودج، فيرفعونه على ظهر البعير، فيشدونه بحباله، ثم يأخذون برأس البعير, فينطلقون بي .
-كلام واضح؛ كان هناك هودج تجلس فيه، يرفعه رجلان، يضعانه فوق ظهر الجمل، يربطانه، ثم يأخذان بخطام البعير، ويقودان هذا البعير في مسيرة الجيش- .
قالت السيدة عائشة: فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلَّم من سفره، وجَّه قافلاً حتى إذا كان قريباً من المدينة، نزل منزلاً فبات فيه بعض الليل، ثم أذَّن في الناس بالرحيل، فلما ارتحل الناس, خرجت لبعض حاجتي .
-ذكرت هذا من قبل: أن هناك عشرات الاحتمالات التي كان من الممكن ألّا يقع حديث الإفك.
أريد أن أعلمكم أن الأحداث التي وقعت في عهد النبي أحداثٌ مقصودةٌ لذاتها، لم يقع حدثٌ صدفةً، بل كل حدث مركَّز مقصود لذاته، ليقف النبي الموقف الكامل، فيكون موقفه تشريعاً- .
فقالت هذه السيدة الجليلة: ثم أذَّن في الناس بالرحيل، فلما ارتحل الناس, خرجتُ لبعض حاجتي، وفي عنقي عقدٌ لي .
-لو أنها لم تشعر بحاجةٍ إلى قضاء الحاجة لما خرجت، ولم يكن حديث الإفك, قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

قالت: خرجت لبعض حاجتي, وفي عنقي عقدٌ لي، فلما فرغت، انسل من عنقي ولا أدري, -انقطع خيط العقد, فوقع في الأرض، لو كان الخيط ثخيناً أو متيناً لما انقطع، لو لم ينقطع هذا الخيط, لما كان حديث الإفك، لو لم تشعر بحاجةٍ إلى قضاء الحاجة, لما كان حديث الإفك- فلما رجعتُ إلى الرحل, ذهبتُ ألتمسه في عنقي, فلم أجده، وقد أخذ الناس في الرحيل, فرجعت ألتمسه حتى وجدته، وجاؤوا خلاف القوم الذين كانوا يرحِّلون لي البعير، فأخذوا الهودج, وهم يظنون أني فيه, كما كنت أصنع .
-وزنها خفيف جداً لم ينتبهوا، فلو انتبهوا لما كان حديث الإفك, لو أنها تبحث عن العقد في مكانٍ قريب, لما كان حديث الإفك، لو أنهم رأوا شخصاً من بعيد, لتفقَّدوها وذهبوا إليها, ولما كان حديث الإفك، معنى ذلك الحدث مقصود لذاته .
أحياناً تقع معك مشكلة؛ لو لم أسافر لما كانت، لو لم أسلك هذا الطريق لما كانت، لو لم أركب هذه المركبة لما كانت، لو لم تظهر لي حاجة للسفر لما كانت, فلذلك:

((لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ, وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِيمَانِ, حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ, وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ))

[أخرجه أحمد في مسنده]

الفيلسوف
03-01-21, 10:49 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/03.jpg

يءٌ مريحٌ جداً أن تقول: إذا شاء الله أمراً فعله,

((فَلا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا, وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ, فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]


أي أنك أيها الأخ حينما تكون مؤمناً, تلغي من قاموسك كلمة (لو)، فكأنها غير موجودة، الشدة النفسيَّة تأتي من الندم؛ فلا ندمَ، ولا تمنيَ، ولا حسرةَ، ولا حزنَ، كل هذه المعاني غير موجودة، فهذا حديث مهم جداً، أحياناً التعليم عن طريق الأفعال أقوى من الأقوال ، لغة العمل أبلغ من لغة القول .
كان من الممكن ألا يقع هذا الحديث، لأكثر من عشرين سبب، لكن الأحداث التي وقعت في عهد النبي, أحداثٌ مقصودةٌ لذاتها لتكون تشريعاً، ولتكون السيدة عائشة قدوةً لكل امرأةٍ في الأرض أصيبت بسمعتها- .
قالت: فأخذوا الهودج, وهم يظنون أني فيه كما أصنع، فاحتملوه، فشدوه على البعير، ولم يشكوا أني فيه، ورجعتُ إلى العسكر, وما فيه داعٍ ولا مجيب، قد انطلق الناس.
-معنى ذلك: أنها ابتعدت، فلما رجعت مكان الهودج, رأت الناس قد ارتحلوا، لا سميع ولا مجيب, ولا قريب- .
قالت: فتلففت بجلبابي, ثم اضطجعتُ في مكاني الذي ذهبت إليه، وعرفت أن قد لو افتقدوني رجعوا إلي, فو الله إني لمضطجعة, إذ مرَّ بي صفوان بن المعطَّل السُلَمِيّ .
-أنا أريد أن أزيد من قناعة الأخ الكريم؛ أن كل شيءٍ وقع أراده الله, لحكمةٍ بالغةٍ بالغة: يجب أن تعلموا علم اليقين أن كل شيءٍ وقع أراده الله، وأن كل شيءٍ أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلِّقةٌ بالخير المطلق .
هذا الصحابي الجليل مرَّ بها, وكانت مضطجعةً, قد تلففتْ بجلبابها في مكانها الـذي تركوها فيه، وقد كان تخلَّف عن العسكر لبعض حاجته .
نشأت له حاجة, فتخلَّف عن العسكر، فلو لم تنشأ له حاجة, لما تخلَّف عن العسكر, ولما كان حديث الإفك، لو لم يتأخر, لافتقدوها بعد حين، رجعوا إلى المكان فوجدوها, فحملوها وانطلقوا، فلم يكن هناك حديث إفك- .
قالت: فلم يبت مع الناس في العسكر، فلما رأى سوادي, -لم يُر منها شيء، ملفَّفةً بجلبابها- أقبل حتى وقف عليَّ فعرفني, وقد كان يراني قبل أن يُضرب علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنا لله وإنا إليه راجعون, أظعينة رسول الله؟ وأنا متلفِّفةٌ بثيابي، قال: فما خلفكِ رحمك الله؟ قالت: فما كلَّمته ثم قرَّب البعير حتى أركبني، حتى قال لي: اركبي رحمك الله واستأخر عني، قالت: فركبت, وجاء فأخذ برأس البعير, فانطلق بي سريعاً, يطلب الناس .
-هل يستطيع هذا الصحابي الجليل أن يفعل غير هذا الذي فعل؟ صحابي جليل يرى أم المؤمنين، يرى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، يرى ظعينة رسول الله متخلِّفةً عن الركب وحدها، متلفِّفةً بثيابها، هل يستطيع أن يتركها ويمضي؟ مستحيل- .
قالت: فو الله ما أدركنا الناس، وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس، فلما اطمأنوا ، طلع الرجل يقودني، فقال: أهل الإفك ما قالوا؟ -رأوا زوجة رسول الله على بعير صفوان بن المعطَّل السلَمي- فارتجَّ العسكر، فو الله ما أعلم بشيءٍ من ذلك، ثم قدمنا المدينة, فلم أمكث أن اشتكيت شكوى شديدة، ولا يبلغني شيءٌ من ذلك، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, وإلى أبويَّ، ولا يذكران لي من ذلك قليلاً ولا كثيراً .
-فلماذا لم يذكر النبي لها قليلاً ولا كثيراً, ولا أباها ولا أمها؟ لثقتهم الكبيرة بأنها طاهرة، فأصعب شيء أن تتهم إنساناً بريئاً، شيءٌ لا يحتمل، ظلمٌ شديد أن تفتري على إنسانٍ افتراءً لا أصل له- .
قالت: إلّا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بعض لطفه بي، إن كنت إذا اشتكيت رحمني ولطف بي، فلم يفعل ذلك في شكواي تلك, فأنكرت منه، كان إذا دخل عليّ, وأمي تمرِّضني, قال: كيف تيكم, ولا يزيد على ذلك؟ أما من قبل كان إذا دخـل عليَّ وأنا مريضة, يقول: كيف عويش ؟ .
-عويش من ألفاظ التحبُّب لاسم عائشة، فهناك أسماء يُتحبب بها بتعديلها، تصغيرها، أو اختصارها، أو ترخيمها، كان عليه الصلاة والسلام يقول: كيف عويش؟ أما الآن يقول: كيف تيكم؟- .
قالت: أنكرت منه ذلك، حتى وجدت في نفسي مما رأيت من جفائه عني, فقلت له: يا رسول الله, لو أذنت لي فانتقلت إلى أمي فمرَّضتني، قال: لا عليك اذهبي إن شئتِ, فانتقلت إلى أمي, ولا أعلم بشيءٍ مما كان، حتى نقهت من وجعي بعد بضعٍ وعشرين ليلة .
قالت: وكنا قوماً عرباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكُنُف التي تتخذها الأعاجم، نعافها ونكرهها، وإنما كنا نخرج في فُسَح المدينة، وإنما كان النساء يخرجن كل ليلةٍ في حوائجهن ، فخرجت لبعض حاجتي, ومعي أم مسطحٍ بنت رهمٍ بن المطلب، وكانت أمها بنت صخرٍ بن عامرٍ خالة أبي بكر .
قالت: فو الله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها, -أي في كسائها- فقالت: تعس مسطح .
-الآن أول خبر يصل إلى عائشة، هيَ ماذا رأت؟ رأت النبي يجافيها، ولكن ليس جفاء مطلقاً بل جفاء نسبياً، كيف عويش؟ سابقاً، كيف تيكم؟ فالإنسان الحسَّاس الذي عنده مشاعر رقيقة, يشعر بأدق التغيُّرات، فاستأذنت النبي أن تنتقل إلى بيت أهلها فأذن لها، وهي في طريق قضاء حاجتها, قالت لها هذه المرأة: تعس مسطح- .
قلت: بئس لعمر الله ما قلت لرجلٍ من المهاجرين قد شهد بدراً, -هي لا تعلم ماذا حدث؟
صحابي جليل رأى أم المؤمنين في الطريق، أركبها على جمله، وقادها إلى الركب-.
قالت: أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر؟ قلت: وما الخبر؟ فأخبرتي بالذي كان من قول أهل الإفك .
-اتهمت بالفاحشة مع صفوان بن المعطَّل السلَمي, يمكن أن يُلغى حديث الإفك، ولكن الله أراده، دليلٌ هذا قولُ الله عزَّ وجل:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

قس على هذا أيها الأخ الكريم، قس على هذا الحديث أنه إذا أصابك شيءٌ تكرهه، اقرأ قوله تعالى:

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 216]

الله عزَّ وجل لطيفٌ لما يشاء؛ فالله عزَّ وجل ينقل الإنسان من حال إلى حال، من مستوى إلى مستوى، من منزلة إلى منزلة، من مقام إلى مقام، يؤدِّب، يهذِّب، يشجِّع، يقوي، يعين، يعطي خبرات عميقة، ما الإنسان الناضج؟ مجموعة خبرات، كل خبرة تعني أن فيها مأساة، هناك مشكلة، وهناك خبرة مؤلمة ألمَّت به .
مرَّة قال سيدنا موسى بالمناجاة: يا رب لا تُبقِ لي عدواً، قال: يا موسى هذه ليست لي, ليست لله عزَّ وجل، أليس هناك أعداءٌ لله عزَّ وجل، فوطِّن نفسك أنك لا تجد إنساناً إلا وله أعداء، لأن معركة الحق والباطل معركةٌ أزليةٌ أبديَّة، إن كنتَ مع أهل الحق فأهل الكفر والفسوق يعادونك، وإن كنت مع أهل الإيمان فأهل الكفر يعادونك- .
قالت: وقد كان هذا؟! -استفهام إنكاري- قالت: نعم, والله لقد كان, -هذا الذي حصل.
هذه الكلمة التي ألقيت على مسامع السيدة عائشة كأنها قنبلة- قالت: فو الله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدِّع كبدي .

الفيلسوف
03-01-21, 10:51 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/04.jpg

فأصعب شيءٍ على المرأة الشريفة الطاهرة أن تتهم بشرفها، أصعب شيءٍ على الإطلاق, أن تتهم المرأة العفيفة الطاهرة بشرفها- .
قالت: وقلتِ لأمي: هل علمت أمي بهذا الخبر, يغفر الله لكِ, تحدث الناس بما تحدثوا به، وبلغك ما بلغك, ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً, قالت: أي بنيتي! خفِّضي الشأن, فو الله قلَّما كانت امرأةٌ حسناء عند رجلٍ يحبها، لها ضرائر, إلا أكثرن عليها .
-أي هذا شيءٌ طبيعي، معنى ذلك أن هناك حسداً، أحياناً الإنسان يُحسد، فالحسود يلقي بالتهم جزافاً, ليشفي صدره من محسوده- .
قالت: وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في الناس يخطبهم, ولا أعلم بذلك, ثم قال:
أيها الناس ما بال رجالٍ يؤذونني في أهلي, ويقولون عليهن غير الحق، والله ما علمت منهن إلا خيراً، ويقولون ذلك لرجلٍ, -أي صفوان بن المعطَّل السلَمي- والله ما علمت منه إلا خيراً، وما دخل بيتاً من بيوتي إلا وهو معي .
-تألَّم النبي عليه الصلاة والسلام، لقد آذوه أشد الأذى، آذوه في عرضه- .
قالت: وكان قد كَبُرَ ذلك عند عبد الله بن أبي سلول في رجالٍ من الخزرج مع الذي قال مسطح .
-أي صار في أناس من الصحابة تألموا أشد الألم لهذا الحديث، وأناسٌ آخرون تساهلوا قليلاً، ومنافقون كُثُر شمتوا، وفرحوا، وأحبوا أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا- .
قالت: ثم دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وعندي أبوايَ، وعندي امرأةٌ من الأنصار، وأنا أبكي وهي تبكي معي، فجلس وحمِدَ الله وأثنى علي, ثم قال: يا عائشة, إنه قد كان ما بلغك من قول الناس, فاتقي الله، إن كنتِ اقترفتِ سوءاً مما يقول الناس, فتوبي إلى الله, فإن الله يقبل التوبة عن عباده .
قالت: فو الله ما هو إلا أن قال ذلك, تقلَّص دمعي, حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبويَّ أن يجيبا رسول الله، فلم يتكلَّما .
قالت: وايم الله لأنا كنت أحقَر في نفسي، وأصغر شأناً من أن ينزِّل الله عزَّ وجل فيَّ قرآناً, يُقرأ به في المساجد, ويصلَّى به، ولكنني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في نومه شيئاً, يكذب الله به عني, لما يعلم من براءتي، أو يُخبر خبراً، فأما قرآنٌ ينزل فيَّ, فو الله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك .
-تصوَّرتْ أن الله يبرِّئها بمنام يراه النبي عليه الصلاة والسلام، بطريقة أو بأخرى، أما أن ينزل وحي، قرآن يُتلى إلى يوم القيامة في براءة هذه السيدة المصون, قالت: والله كنت أحقر في نفسي من أن ينزل قرآنٌ فيَّ- .
قالت: فلما لم أرَ أبويَّ يتكلَّمان, قلت: ألا تجيبان رسول الله؟ فقالا لي: والله ما ندري بماذا نجيبه؟ .
-شيء مسكت، تهمة كبيرة جداً لامرأةٍ طاهرةٍ عفيفة، زوجها رسول الله، أبوها أبو بكر، أمها أم رومان، قِمم، والتهمة كبيرة، فأية امرأةٍ إلى يوم القيامة, اتُهمت كما اتهمت السيدة عائشة, ففي هذه السيدة المصون أسوةٌ حسنة- .
قالت: وايم الله ما أعلم أهل بيتٍ دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكرٍ في تلك الأيام.
-الحياة فيها متاعب كثيرة، فأحياناً هناك متاعب لا يعلمها إلا الله تصيب الإنسان, إن أشد الناس بلاءً؛ الأنبياء، ثم الأمثل, فالأمثل .
الإنسان يُبتلى على قدر إيمانه، فإن كان قوي الإيمان اشتد بلاؤه، وهذا البلاء يرفع درجاته عند الله عزَّ وجل- .


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/05.jpg

فلما قال لها النبي الكريم: يا عائشة, إنه قد كان ما بلغك من قول الناس, فاتقي الله ، وإن كنتِ اقترفتِ سوءاً مما يقول الناس, فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده .
قالت: فو الله ما هو إلا أن قال ذلك, حتى تقلَّص دمعي، هنا استعبرت فبكيت، ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله لئن أقررت بما يقول الناس, والله يعلم أني بريئةٌ منه, تصدقونني عندئذٍ، لأقولن ما لم يكن، ولئن أنا أنكرت ما تقولون, لا تصدقونني .
قالت: ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره، ولكنني أقول كما قال أبو يوسف: فصبرٌ جميل, والله المستعان على ما تصفون .
-أخواننا الكرام, كنت أقول لكم دائماً: الحُزن خلاَّق، المصائب أحياناً تصنع الرجال وتصنع النساء، المصائب مِحَك، الإنسان حينما يمرُّ بظروف صعبة, يصبح رجلاً بالمعنى الكبير، والمرأة حين تمرُّ بظروف صعبة تصبح أماً كبيرةً, قال تعالى:

﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾

[سورة يوسف الآية: 18]

قالت: والله ما برح رسول الله مجلسه, حتى تغشَّاه من الله ما كان يتغشَّاه، فسُجي بثوبه، ووضعت وسادةٍ من أدمٍ تحت رأسه، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت, فو الله ما فزِعت كثيراً ولا باليت، وقد عرفت أني بريئة، وأن الله غير ظالمي، وأما أبوايَ فو الذي نفس عائشة بيده ما سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم, حتى ظننت أن نفسيهما ستخرجان فَرَقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما قاله الناس .
-هي مطمئنة لأنها بريئة، أما أبوها وأمها في قلقٍ شديدٍ جداً، فلربما يُثَبِّتُ الوحي ما قاله الناس- .
قالت: ثم سُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فجلس, وإنه ليتحدر منه مثل الجُمان في يومٍ شاتٍ، فجعل يمسح العرق عن جبينه, ويقول: أبشري يا عائشة, لقد أنزل الله براءتك .
-الإنسان أحياناً كثيرة ما له إلا الله، سمعت كلمة من أحد الأخوة, يقول: الحمد لله على وجود الله، الله يعلم الحقيقة، إذا كان قلبك سليماً، وإذا كنت مستقيماً، وإذا كنت بريئاً, فلا تخشَ أحداً، الله عزَّ وجل سوف يبرِّئك- .
قالت: فقلت: بحمد الله وذنبكم, ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله عزَّ وجل من القرآن فيَّ .
-لدينا تعليق على هذه الرواية-: أن السيدة أم رومان لما نزلت براءة السيدة عائشة قالت لابنتها السيدة عائشة: يا بنيتي, قومي إلى رسول الله فاشكريه, قالت: والله لا أقوم إلا لله, فتبسَّم النبي عليه الصلاة والسلام, وقال: عرفت الحق لأهله))



http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5809/06.jpg

براءة الصديقة بنت الصديق، الطاهرة المؤمنة, قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

بيَّنتُ لكم من قبل أن التوحيد لا يُلغي المسؤوليَّة، إذا عزوتَ هذا إلى الله, فليس معنـى ذلك أن الذي روَّج هذا الحديث لن يُحاسب, قال تعالى:

﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 11]

يقول الله عزَّ وجل:

﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً﴾

[سورة النور الآية: 12]


علامة الإيمان أن تُحسن الظن بأخوانك, قال تعالى:

﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾

[سورة النور الآية: 12-14]


أيها الأخوة, رضي الله عن هذه السيدة الحصينة العفيفة التي امتحنها الله عزَّ وجل في أعز ما تملك، وصبرت، واحتسبت، فأنزل الله براءتها .


الحكمه من هذه القصه
يمكن أن يستنبط من هذه القصَّة: أن الله هو الحق، وأنه لا بدَّ من أن يحقَّ الحق، فإن كنت واثقاً من براءتك واستقامتك, فالله سبحانه وتعالى يتولَّى الدفاع عنك, ولكن إيَّاك أن تجلس مجلساً فيه مظنة اتهامٍ لك، وتلوم الناس إذا اتهموك، لا تضع نفسك موضع التهمة, وتلوم الناس إذا اتهموك، كان عليه الصلاة والسلام يمشي مع زوجته صفيَّة فرأى صحابيين جليلين, قال:

((هذه زوجتي صفيَّة))

تعلَّم من هذه الواقعة: أن تكون واضحاً إلى أبعد الحدود، وقد قيل: البيان يطرد الشيطان .
عوِّد نفسك أن تفعل شيئاً, لا يمكن أن يفسَّر إلا تفسيراً واحداً، الشيء الذي يمكن أن يفسَّر تفسيرين, ابتعد عنه، وإذا تلبَّست به؛ وضِّح قصدك ومرادك، فلو أن الناس اتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام فيما قال:

((هذه زوجتي صفيَّة))

لقطعوا كل لسانٍ يريد اتهاماً للآخرين, فمثلاً: إنسان مسافر، يوكِّل أخا زوجته أن يتفقَّد أخته، هناك جيران يرون أن جارهم قد سافر، وأن شاباً يدخل على بيته في غيبته، ماذا يقولون؟ قد يتهمونك، يجب أن تُعلم جيرانك أنك مسافر، وأنك وكَّلت أخا زوجتك أن يتفقَّد شؤونها، وضِّح .
فلو أنك دخلت لمحل صديقك، والمحل فارغ، والصديق غائب، إذ ذهبَ لبعض شأنه وقال لك: انتظرن, معك خمسمئة ليرة, أردت أن تفكَّها، فتحت الدرج ووضعتها, وأخذت خمس مئات، وقد دخل صديقك، لا تبق ساكتاً, بل قل له: سأصرف الخمسمائة, والأولى ألّا تفعلها في غيبته، لو نقص صندوقه خمسمئة، يأتي الشيطان بوسوسته: رأيت صديقي يمد يده إلى الدرج, عوِّد نفسك ألّا تفعل شيئاً له تفسيران، عوِّد نفسك أن توضِّح، أن تبيِّن، البيان يطرد الشيطان .
مرَّة أذكر حادثة وقعت في محل تجاري، صاحب المحل معروف بالصلاح، وبالمحل غرفة داخليَّة, وعنده تاجر من حلب, تاجر له قيمته, وله زيه الديني، جاءت امرأةٌ، رحَّب بها صاحب المحل ترحيباً أكثر من كونها زبونة تشتري، أنا من حسن ظني بأخي وصديقي, قلت: لعلَّها أخته, الشيخ الحلبي تغيَّر لونه، فقلت له: لعلها أخته, فلما ذهبت سألته, فقال: هي أختي, فيجب أن يبلِّغ .
أما أن تضع نفسك موضع التُهمة, ثم تلوم الناس إذا اتهموك، هذا ليس من الدين في شيء, هناك علاقات الجوار، والعلاقات الأسريَّة، والعلاقات مع الشركاء، دائماً وضِّح ، وبيِّن ، ودقِّق، وإلا هناك أشخاص يلوكون سمعتك دون أن تشعر، وهناك فتن قد تجري في المدينة يروِّج لها المنافقون، وهذا الحديث درسٌ بليغٌ للمؤمنين .
أول استنباط: إذا أراد الله شيئاً وقع .
الاستنباط الثاني: إذا كنت على حق، فالله عزَّ وجل سوف يتولَّى تبرئتك .
الاستنباط الثالث: لا ينبغي أن تضع نفسك موضع التهمة، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .

الفيلسوف
03-01-21, 10:53 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/01.jpg

نحن في سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد وصلنا إلى فصلٍ عن ورعها وتقواها .
أيها الأخوة, عَقَدَ الحافظ أبو نُعيم ترجمةً لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في كتابه (حِلية الأولياء)، قال في مستهلِّ هذا الكتاب: إن عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من الأولياء .
ولكن يجب أن تعلموا, أن كل واحدٍ منكم يجب أن يكون ولياً، لأن تعريف الولاية في القرآن الكريم:

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 62-63]

كل من عرف الله واتقى أن يعصيه فهو ولي الله
تعريفٌ بسيطٌ، جامعٌ, مانع، كل من عرف الله، واتقى أن يعصيه, فهو وليٌ لله، وأعظم ثمرة ينالها وليُّ الله, قال تعالى:

﴿لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 62]

الماضي مغطَّى ولا هم يحزنون، والمستقبل مغطى لا خوفٌ عليهم, قال تعالى:

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 62]

يجب أن تكون قريبا من الله
الماضي مغطى بعدم الحزن على ما فاتك من الدنيا، والمستقبل مغطَّى بعدم الخوف، والإنسان دائماً يحزن على ما مضى, ويخاف مما سيأتي، الآية الكريمة:

﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾

[سورة طه الآية: 123]

لا يضل عقله, ولا تشقى نفسه, قال تعالى:

﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 38]


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/03.jpg


أعظم ثمار الإيمان: ألّا يضل عقلك، وألّا تشقى نفسك، وألّا تندم على ما فات، وألّا تخشى مما هو آت, قال تعالى:المرأة كالرجل تصل لأعلى مراتب الإيمان

﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 62]

ابتغوا الرفعة عند الله، لا يليق بك أيها الإنسان أن تكون لغير الله، يجب أن تكون محسوباً على الله لا على عبد الله، أجل على الله، أنت وليُّ الله، يجب أن تكون علاقتك بالله طيبةٌ جداً، يجب أن تكون قريباً من الله .
السيدة عائشة كما قال عنها الحافظ أبو نُعيم: والصديقة بنت الصديق، والعتيقة بنت العتيق، وحبيبة الحبيب، وأليفَهُ القريب، سيد المرسلين، والمبرَّأة من العيوب، والمعرَّاة من ارتياب القلوب، كانت للدنيا قالية، وعن سرورها لاهية، وعلى فقد أليفها باكية، المبرَّأة في الكتاب, هذه أوصافٌ جامعة مانعة للسيدة عائشة رضي الله عنها .
أيها الأخوة الكرام, هذا الدرس يعطينا حقيقةً خطيرة: أن المرأة كالرجل، يمكن أن تصل إلى أعلى المراتب في الإيمان، ويمكن أن تكون قمةً في معرفة الله، والسيدة عائشة من هذا القبيل، المرأة كالرجل تماماً مساويةٌ له في التكليف, والتشريف, والمسؤوليَّة .

ما قيل عن حب النبي لعائشة وما قيل عنها :
كان أحد الصحابة إذا حدَّث عن عائشة يقول:

((حدَّثتني الصديقة بنت الصديق، وحبيبة حبيب الله))

فالإنسان يحب الرفعة، يحب الكمال، هل تعلم أنه ما من مرتبةٍ علـى الإطلاق أعلى من أن تكون مع الله، أن تكون حبيب الله، أن تكون وليَّ الله، أن تكون مقرَّباً إلى الله، أن تكون في عين الله، أن تكون مصافياً لله, هذه مرتبةٌ لا يعرفها إلا من ذاقها .
قال أنسٌ رضي الله عنه:

((أول حبٍ كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وســلَّم لعائشة رضي الله عنها))

الفيلسوف
03-01-21, 10:58 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/04.jpg

كان أحد الصحابة إذا حدَّث عن عائشة يقول:

((حدَّثتني الصديقة بنت الصديق، وحبيبة حبيب الله))

فالإنسان يحب الرفعة، يحب الكمال، هل تعلم أنه ما من مرتبةٍ علـى الإطلاق أعلى من أن تكون مع الله، أن تكون حبيب الله، أن تكون وليَّ الله، أن تكون مقرَّباً إلى الله، أن تكون في عين الله، أن تكون مصافياً لله, هذه مرتبةٌ لا يعرفها إلا من ذاقها .
قال أنسٌ رضي الله عنه:

((أول حبٍ كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وســلَّم لعائشة رضي الله عنها))

حبك لزوجتك يرضي الله
فيجب أن تعلم أنه ما من شيء أودعه الله عزَّ وجل في الإنسان إلا جعل له قناة نظيفة، فأن تحب زوجتك هذا مما يرضي الله، علاقتك بالأنثى بالعصر الحالي مليون علاقة محرَّمة، مليون علاقة مشبوهة، مليون علاقة آثمة، مليون علاقة تحجبك عن الله, إلا علاقة الزواج؛ هذه علاقةٌ يرضى الله عنها، هذه علاقة كلَّما تمتَّنت اقتربتَ من الله .
كانت هذه السيدة الجليلة تسأل النبي عليه الصلاة والسلام:

((كيف حبك لي؟ فكان عليه الصلاة والسلام يقول: كعقدة الحبل, فكنت أقول من حينٍ إلى آخر: يا رسول الله, كيف العقدة؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: على حالها))

إذاً: أن تمتِّن علاقتك بزوجتك فهذا من منهج الله، أن ترحمها هذا من منهج الله، أن تحبها هذا من منهج الله .
أرادك الله أن تحب المرأة الحب الذي يؤسس أسرة
ولعلَّ الله سبحانه وتعالى حينما أعطى المرأة هذا الشكل المحبَّب، وهذه الوداعة، وهذا اللطف، وهذه الرقَّة, أراد منك أن تحبها الحب الذي يرضى الله عنك، الحب الذي يثمر أولاداً أطهاراً، الحب الذي يؤسِّس أسرةً، فالحب يتوهَّمه الناس فقط عند الكفار، فقط عند الفَسَقَة، الحب بأعلى مستوياته في رحاب الإيمان، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب السيدة عائشة حباً شديداً، وهو أول حبٍ في الإسلام, حب مشروع, الإنسان حينما يبحث عن الحرام يشعر بالكآبة، يشعر بالخزي والعار .
امرأةٌ تعمل في الفن في فرنسا سألوها: ما شعوركِ وأنتِ على خشبة المسرح؟ قالت: شعور الخزي والعار، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور، إن الحب يجب أن يبقى بين الزوجين, وفي غرفٍ مغلَّقة .
هذا الحب المشروع في الإسلام بينك وبين زوجتك، وكلما تمتَّنت العلاقة بينكما رضي الله عنكما .
هذه المرأة الصحابيَّة الجليلة التي كان ولدها على وشك الموت، فجاء زوجها في المساء، سألها عن حال الولد, فقالت:

((يا أبا طلحة إنه في أهدأ حال, وعنت أنه قد مات, لأنه هادئ، تزيَّنت له، وأصاب منها، وفي الصباح قالت له: لو أن الجيران أعاروك عاريةً ثـم استرجعوها منك، أتغضب؟ قال: لا, قالت: هكذا فعل الله معنا, أعطانا هذا الغلام ثم استردَّه, ثم ذكر أبو طلحة هذا الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام:

((بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا))

[أخرجه أحمد في مسنده]


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/05.jpg

وقد تروي الكتب أنه تزوج, وأنجب عشرةً من الحُفَّاظ، هما أنجبا ولداً, وهذا الولد أنجب عشرة حفاظٍ لكتاب الله .
إذاً: ما من شيء أودعه الله عزَّ وجل في الإنسان إلا جعل له قناة نظيفة، في الإسلام ليس هناك حرمان، لكن أقدس حب أن تحب زوجتك .
مرَّة كنا في الجامعة أحد الأساتذة الكبار, أحيل إلى التقاعد، أقيمت له حفلةٌ كبيرةٌ جداً لوداعه, أنا أذكر أنه بعد أن سمع كلمات التكريم والوداع, قام وقال هذه الكلمة، قال: كل إنسانٍ لا يشعر بحاجةٍ إلى أن يُحِب، كما أنه لا يشعر بحاجةٍ إلى أن يُحَب، ليس من بني البشر .


http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/06.jpg

الفيلسوف
03-01-21, 10:59 AM
ماذا عن زهد عائشة وإنفاقها في سبيل الله ؟

أما زهد هذه السيدة الجليلة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: فعن القاسم بن محمد قال:

((كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, تصوم حتى يزلقها الصوم))

أي يجهدها.
وعن ابن المنكدر, عن أم ذَرَّ, وكانت صاحبة عائشة، قالت:

((بعث إليها بمالٍ أراه ثمانين أو مئة ألفٍ, فدعت بطبقٍ، وهي يومئذٍ صائمة, فجلست تقسم بين الناس، فأمست وما عندها من ذلك درهمٌ واحد .

لابد أن يكون أهلك على شاكلتك بالاستقامة
-أهل بيت النبي على شاكلة النبي، أهل بيت النبي جزءٌ من الدعوة، فالناس لا يصدقونك إذا كنت أنت في واد, وأهلك في وادٍ آخر, ولم تهتم بتربيتهم، أهل بيت النبي جزءٌ من الدعــوة، وهناك سؤال كبير: إذا لم تستطع أن تربي أهلك, هذا المنهج غير واقعي، وإن كان بالإمكان أن تفعل فلم تفعل, فأنت مقصِّر، فما جوابك؟ ما من جواب، لذلك:

﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾

[سورة الأحزاب الآية: 33 ]

تولَّى الله بنفسه تطهير أهل بيت النبي, لأنهم جزءٌ من الدعوة، أنت متى تثق بإنسان؟ إن رأيته في حياته الخاصة مستقيماً، إن رأيته يقول ما يفعل، ويفعل ما يقول، فإذا لم تكن هناك مسافة أبداً بين القول والعمل ترقى بذلك، لذلك يعد أهل بيت النبي جزءاً من الدعوة إلى الله، إذا كان هناك تقصير أو خلل, فالدعوة عرجت -.
فلما أمست قالت: يا جارية أين فطوري؟ فجاءتها بخبزٍ وزيت، مئة ألف وزَّعتها وهي صائمة، ولم تبقِ منها شيئاً، فجاءت بخبزٍ وزيت، قالت لها أم ذر: أما استطعت مما قسمت اليوم, أن تشتري لنا لحماً بدرهمٍ, نفطر عليه؟))

قال تعالى:

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾

[سورة الحشر الآية: 9]

وقال عروة:

((لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تقسم سبعين ألفاً, وإنها لترقع جيب دِرعها))

النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((يا عائشة, إِذَا أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي, فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ, وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ, وَلا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعِيهِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

وعن عروة أيضاً:

((أن معاوية بعث إلى عائشة رضي الله عنها بمئة ألفٍ، فو الله ما غابت الشمس عن ذلك اليوم حتى فرَّقتها، قالت لها مولاتها: لو اشتريت لنا من هذه الدراهم بدرهمٍ لحماً, قالت: لو قلتِ قبل أن أفرِّقها لفعلت))

هذا من زهد هذه السيدة, طبعاً من النادر أن ترى امرأةً زاهدة، بل إن شأن النساء أن يحمِلن أزواجهن على ما لا يطيقون، لذلك حين قال الله عزَّ وجل:

﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ﴾

[سورة التغابن الآية: 14]

قال علماء التفسير: هذه عداوة مآل وليست عداوة حال, بمعنى أن الرجل حينما يأتيه ملك الموت، ويستحق العذاب على ما أكل من أموالٍ حرام، وأن زوجته كانت هي السبب, دفعته إلى أكل المال الحرام، عندئذٍ تنشأ عداوةٌ متأخِّرة بينه وبين زوجته، لولاها لما كان في النار، لذلك: أعظم النساء بركةً على زوجها أقلَّهنً مؤنةً .
أعظم امرأةٍ هي التي لا تكلِّف زوجها ما لا يطيق، لا تحمله على معصية، لا تحمله أن يجهد في كسب الرِزق، لا تحمله على أن يأكل مالاً حراماً، هذه هي المرأة الصالحة، لا التي تضغط على زوجها, حتى يهيِّئ لها مسكناً فخماً، وأثاثاً راقياً تتباهى به، وزوجها يتقلَّب في النار، لا .
النساء في زماننا يبالغن في تزيين بيوتهن
زوجة طلبت من زوجها بعض الأشياء الغالية, فقال لها: أيتها المرأة إن في الجنة من الحور العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض, لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر، فلأن أضحي بكِ من أجلهن أهون من أن أضحي بهنَّ من أجلك .
المؤمن لا يستجيب لطلبٍ يغضب الله، أو يبعده عن الله .
عن عبد الرحمن بن القاسم أنه قال: أهدى معاوية لعائشة ثياباً وورِقاً,أي فضةً, وأشياء توضع في أسطوانتها, الأسطوانة خزانة الثياب, فلما خرجت عائشة, نظرت إليه فبكت, ثم قالت: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لم يكن يجد هذا، ثم فرّقته ولم يبقَ منه شيء, وعندها ضيف، فلما أفطرت، وكانت تصوم من بعد رسول الله، أفطرت على خبزٍ وزيت، فقالت المرأة: يا أم المؤمنين, لو أمرتِ بدرهمٍ من الذي أهدي إليكِ, فاشتري لنا به لحماً فنأكله ، فقالت عائشة رضي الله عنها: كلي فو الله ما بقي عندنا منه شيء, هكذا إنفاقها، وهكذا زهدها .
فالنساء في زماننا, يبالغن في تزيين البيت، فيأتي ملك الموت، فيذهبن إلى الآخرة صَفِرات اليدين .


مكانتها العلمية :

http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/13.jpg

روى هشام بن عروة عن أبيه, قال:

((ما رأيت أحداً من الناس أعلم بالقرآن، ولا بفريضةٍ، ولا بحلالٍ وحرام، ولا بشعرٍ، ولا بحديثٍ، ولا بنسبٍ, من عائشة رضي الله عنها))

إذا علمت فتاة علمت أسرة
كانت متفوقةً في هذه العلوم، والحقيقة بيني وبينكم: ليس في المرأة شيءٌ أروع من أن تكون عالمة، جمعت المَجد من كــل أطرافه، هي محبَّبة، ومؤنسة، وغالية، ورقيقة، فإذا كانت عالمة، فقيهة، تحفظ كتاب الله، تعرف الحق من الباطل، الحلال من الحرام، الخير من الشر، ما ينبغي وما لا ينبغي، تربي أولادها تربيةً راقية، لذلك إذا علَّمت فتاةً علَّمت أسرةً .
فأنا لا أكتمكم أن في جامعنا عدداً كبيراً من أخوةٍ كرام, سبب هدايتهم زوجاتهم اللواتي عرفن الله قبل الزواج، فحملن أزواجهن على طاعة الله، وهذه نعمةٌ كبرى، وليس في المرأة شيءٌ أبشع من الجَهل، وليس شيءٌ في المرأة أبشع من أن تتباهى بما عندها، وما عند زوجها، وتكسر قلب أقرانها، وتستعلي عليهنَّ, شيطانة ولو أنها تدَّعي أنها مسلمة.
كان عروة يقول:

(( يا أماه, كيف أعجب من فقهك؛ إنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وابنة أبي بكر؟!))

أي لا يليق بالإنسان أن يكون هو عالم وزوجته جاهلة، هو في أعلى درجة من العلم ، وزوجته في أدنى درجة من الجهل .
حدثني أخ فقال لي: رجل عنده مكتبة قيمة جداً، وعنده كتاب نادر، رجوناه رجاءً حاراً أن نستعيره منه ليلةً واحدة, فلم يرضَ أبداً, أقسم بالله بعد موته, أنه رأى الكتاب في حاوية القمامة .
أحياناً تجد الزوج متعلِّماً, وعنده مكتبة قيِّمة، وله زوجة لا ترى هذه الكتب إلا عبئاً, يجب أن يلقى في سلة المهملات, جاهلة، فالحقيقة الرائعة: أن الإنسان جميل أن يكون له زوجة، وتكون زوجته رفيقته، وإذا كان هو متعلِّماً، ويطلب العلم الشرعي، وزوجته كذلك، تصبح إضافةً إلى أنها زوجته, فهي رفيقته .
ترتاح لجلوسك مع أخيك المؤمن لأنه على شاكلتك
فأنت لاحظ نفسك، تجلس مع أخ مؤمن ساعتين, أو ثلاثاً, أو أربعاً, أو خمساً, فلا تمل منه، لماذا؟ لأنه على شاكلتك, يقدِّر ما تقدِّر، يحب ما تحب، يعظِّم ما تعظِّم، يكره ما تكره ، بينكما انسجام، ومن الممكن أن تجلس مع إنسان عشر ساعات, ولا تمل من حديثه، إذا كان على شاكلتك، وكان في مستوى ثقافتك، في مستوى إيمانك، في مستوى تفكيرك، في مستوى قيَمك، ولكن إنساناً آخر قد لا تستطيع أن تحدثه كلمة واحدة، قد لا تستطيع أن تجلس معه ولا ربع ساعة، فما من قواسم مشتركة بينكما .
فالإنسان إذا تزوج، فهذه الزوجة يعرفها كلياً بعد حين، انتهت أيام الخطبة، ويمكن أن تكون المكالمة ثلاث ساعات حين الخطبة، لكن بعد سنتين انتهى كل هذا، فإن لم تكن هذه الزوجة على شاكلة زوجها، فلن تكون محببةً إليه، لذلك اهتم أيها المؤمن بتعليم زوجتك العلم الشرعي، كي تغدو رفيقةً لك, فضلاً عن أنها زوجةً لك، كما أنها عالمة .
وقد عجب منها بعض الصحابة حينما علموا أنها كانت عالمةً بالطب .
قالت:

((إن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كان يسقم في آخر عمره, فكانت تقدم عليه الوفود من كل وجهٍ، فتنعت له, -أي تصف له الأدوية- فكنت أعالجه، فمن ثمَّ علمت أساليب الطب))

فكانت بارعةً بالطب .
وقال أبو موسى:

((ما أشكل علينا أمرٌ, فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها فيه علماً))

وقال بعض العلماء:

((لو اجتمع علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء، لكان علم عائشة أفضل))

تناصح مع زوجتك وليأمر كل طرف الأخر بما هو خير
فالنبي اللهمَّ صلِّ عليه, علَّمنا أن نقدِّر زوجاتنا، هل تصدِّقون أنه استشار أم سلمة في موقفٍ عصيب في صلح الحديبية, وأشارت عليه أن يتحلَّل هو من إحرامه, وأن يحلق، فيقلِّده الصحابة عندئذ؟ وهذا الذي حصل، لذلك قال تعالى في معرض ذكر النساء:

﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾

[ سورة الطلاق الآية: 6]

تناصحوا ليأمر كلٌ منكم الطرف الآخر بما هو خير، أي تأمرها وتأمرك، تنصحها وتنصحك .
وقال أبو الزناد:

((ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك؟ قال: روايتي من عائشة))

وقال عطاء بن رباح:

((كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامَّة))

وقال مسروق:

((رأيت مشيخة أصحاب رسول الله الأكابر, يسألونها عن الفرائض))

الفيلسوف
03-01-21, 11:00 AM
http://www.nabulsi.com/images/inside-arts/ar/5810/16.jpgما الأمور التي امتازت بها عائشة رضي الله عنها؟ .
قالت عائشة:

((فضِّلت بعشرٍ، فذكرت من هذه العشر؛ مجيء جبريل بصوتها, -أي أن جبريل جاء بصوتها, لأن صوتها يؤنس رسول الله صلى الله عليه وسلَّم- ولم ينكح بكراً, ولا امرأة, أبواها مهاجران غيري, وأنزل الله براءتي من السماء، وكان عليه الصلاة والسلام ينزل عليه الوحي وهو معي، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه, وقُبض بين سَحْري ونحري في بيتي, وفي ليلتي، ودفن في بيتي))

هذا مما اختصت به هذه السيدة الجليلة .


نحن في تاريخنا الإسلامي موقعة اسمها: موقعة الجمل, والسيدة عائشة كانت طرفاً فيها، وهناك أقوال كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان، هناك افتراءاتٌ عديدة، هناك مبالغاتٌ سخيفة، لكن فيْصل هذا الموضوع ما ورد:
أن قتلة عثمان رضي الله عنه خافوا أن يتفق عليٌ رضي الله عنه مع طلحة والزبيـــر وعائشة على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر طلحة، فَظَنَّوا أن علياً حمل عليه ، فحملوا دفاعاً عن أنفسهم، فظن عليٌ أنهم حملوا عليه، فحمل دفاعاً عن نفسه .
هذان السطران لهما قيمةٌ كبيرة جداً في التاريخ، وهذا يحدث دائماً بين فريقين، يأتي فريق ثالث يضرب هؤلاء ويضرب هؤلاء، يظن هؤلاء أن هؤلاء حملوا عليهم، فيدافعوا عن أنفسهم، ويظن هؤلاء أن هؤلاء حملوا عليهم، فيدافعوا عن أنفسهم, والفريقان بريئون جداً من نيَّة القتل ونية الفتنة، وهذا الذي حدث، معركة الجمل حجمها صغيرٌ جداً، أعداء الإسلام كبَّروها جداً، وأضافوا عليها ما ليس منها، أرادوا تشويه سمعة المسلمين .
هناك من يوقع الفتن بين المؤمنين
أي جرى سوء تفاهم، والأطراف كلهم اجتهدوا، والمجتهد له أجرٌ إذا أخطأ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا .
معركة الجمل وقعت, ولكن حجمها الحقيقي أقل بألف مرة من حجمها الذي في الكُتُب، لأن أعداء الدين يريدون أن يشوِّهوا سمعة الصدر الأول من الإسلام، وهذه الحقيقة, قال تعالى:

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة الأنبياء الآية: 7]

اسألوا علماء التاريخ، اسألوا المحققين، اسألوا المُنصفين، اسألوا الذين محَّصوا هـذه الروايات، أكثرها مبالغٌ فيه, وما أنزل الله به من سلطان .
كان عليٌ كرَّم الله وجهه يوقِّر أم المؤمنين عائشة، ويجلُّها، وكان دائماً يُذِّكر بمقامها السامي الكريم .
وقد قال عمَّار بن ياسر: سمعت علياً كرَّم الله وجهه يقول على المنبر: إنها لزوجة نبينا صلى الله عليه وسلَّم في الدنيا والآخرة, ويعني عائشة, وكانت عائشة تجلُّ علياً وتوقِّره.
وكل ما كان بين الصحابة من الخلاف, لم يكن سبباً للعداوة، والكراهية، والبغضاء فيما بينهم، بل كانت نتيجة اجتهاداتٍ قد أعذر الله بعضهم بعضاً، رضي الله تعالى عنهم جميعاً, وحشرنا في زمرتهم .
لا يليق بممرِّض أن يقيِّم طبيبين كبيرين, اختلفا في وجهات النظر، لا يليق بجنديٍ غِر أن يقيَّم قائدي جيشين, اختلفا في وجهات النظر، فنحن لسنا أهلاً أن نقيِّم الفريقين، قال عليه الصلاة والسلام: إذا ذُكِرَ أصحابي فأمسكوا .
موقعة الجمل حجمها صغيرٌ جداً جداً، بالغ بها أعداء الإسلام، ضخَّموها تضخيماً غير معقول، وأصل هذا التضخيم أن فريقاً ثالثاً لعب دور الفتنة .
أنا سمعت عن حرب أهليَّة -انتهت والحمد لله- في بلد مجاور سنوات طويلة، كلَّما وقِّعت هدنةٌ بين الفريقين, جاء فريق ثالث وضرب الفريقين، فتشتعل وهكذا، فهذا أسلوب قذر وقديم، فريقٌ ثالث ليس في صالحه أن يتفق الفريقان، فكلَّما عُقدت هدنةٌ بينهما ضرب الأول وضرب الثاني، يظن الأول أن الثاني نقض العهد فيحمل عليه، والأول كذلك .
فإذا أردت أن تعطي تفسيراً دقيقاً جامعاً مانعاً لهذه الموقعة: فهذا هو حجمها، فريقٌ منحرفٌ هجينٌ, أراد أن يوقع الفتنة بين الفريقين، والإنسان محاسبٌ على نيَّته، واجتهاده إذا أخطأ فيه, فله أجر .

رونق
03-06-21, 12:57 AM
الله يعطيك الف عافيه
ويكتب اجرك ماقصرت


SEO by vBSEO 3.6.1