سُلحفة
12-10-21, 08:42 PM
بعد ولادتي وفور خروجي للدنيا بشهر واحد وقعت اول خساراتي واعظمها، في الوقت الذي كنت اُلف فيه بالبياض في المهد كان والدي يُلف به في المغسلة، بأول مراحل طفولتي لم اعلم ان في عائلتي أحدًا ناقص ولم أشعر بشيء في دفئهم، ومن قام بذلك الدور الناقص كان أخي الأكبر هو ابي الثاني، اتذكر اللحظة المريره التي شعرت فيها بالنقص في المرة الاولى في أول يوم بالابتدائية، دخلت برفقة اخي الذي يدرس بالصف السادس أخبرني أين اجلس وابتعد، جلست بحماس ولهفة للدراسه مثل الكبار، ومع مرور الوقت ضاق بي المكان بسبب رؤية الآباء بجوار صغارهم وانا وحيد تمامًا اردت البكاء ولكن وعدت أمي صباحا بأني سوف ادرس لا أبكي فابتلعت عبراتي ولو سألني احدهم مابي؟ لانهمرت دموعي تباعًا، أصبحت ناقصا يأبي اعلم ان جميع البشر ناقصين ولا يوجد مخلوق كامل ولكن نقصي عظيم وكبير، اتذكر اليوم الذي دخل فيه المعلم في منتصف الدرس وسأل سؤالًا بسيط للجميع ماعداي فقد أنتفض قلبي من مكانه وأنا ارفع يدي وادني براسي حتى لا المح نظراتهم التي مابين الدهشة والشفقة بعد ان سأل هل في ايتام في الفصل؟، خرج المعلم بعد ان اخذ جوابه ولم يدرك الخراب الذي تسبب به في نفسي والحرب التي بدأت شنها مع ذاتي ومقارنات لا تنتهي، مرت السنوات وتحول المكان الذي كان يحميني من تلك المقارنات "بيتي" منبع وجعي وانكساري فقد كبر ابن اخي الاكبر واصبح يردد "بابا" طوال اليوم شعرت كما لو انه يحاول إغاظتي فكرهته واصبح اخي ياخذه معه بكل مكان ويتعذر ان عندي العديد من الواجبات علي حلها تكرر الأمر حتى أصبحت ابتعد عنهم واتجنب النظر عنهم، ولكن كلها سنوات قليلة حتى رزق بطفلين آخرين واصبحو عائلة لا تستطيع أخفاء حبها وامتلأ المنزل بتلك ال "بابا" وامتلأ رأسي منها اصبحت سريع الغضب مشتعلا بالغيرة والحقد كرهتهم جدا ومن بينهم اخي الذي لم أناديه يومًا ابي، اعلم ان عليه ان يكون سعيدا ويبني حياته بالحب ولكن ماذا عني، أحيانا أحمل الذنب أبي واغضب ولكني احبه احببته دومًا، احببت صوته دون انسمعه، احببت رائحته قبل ان اشمها، احببت تفاصيل وجهه دون ان اراه ولو لمرة، احبتت اصابعه وشعر وجهه ورأسه واحببت دفئه واحتضانه احببت تفاصيله التي لم اعلمها واخطائه والأشياء التي فيه كلها، احبه كما لو انني عشت معه العمر كله واشتاق له شوقًا ذبل قلبي من انتظاره، احببتك جدًا يابي، هل كنت ستحبني لو عرفتني؟ .