المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد بن فضلان


almohajer
10-22-22, 10:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم











https://www3.0zz0.com/2022/10/22/07/861374849.jpg (https://www.0zz0.com)

صورة تخيلية لابن فضلان منحوتة على ميدالية معدنية







أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي (877-960م) عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي. كتب وصف لرحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولجا) سنة 921م.

تصف رسالة ابن فضلان شعوباً شتى، منهم المسلمون في مدن وسط آسيا مثل بخارى وجرجانية، ومنهم البدو الترك في غرب السهوب الأوراسية، ومنهم أيضاً التجار الإسكندنافيون في روسيا. ولم تكن لمعظم هذه الشعوب سجلات مكتوبة عن تاريخها وثقافتها، مما يجعل الرسالة مصدراً ثميناً في هذا الميدان.

ويُقِرّ الباحثون الغربيون بفضل الرحلة في تدوين اكتشافات حضارية نادرة، ويسطّرون اسم ابن فضلان في تاريخ التواصل الحضاري بين الإسلام و«الآخر»، ويؤكدون أنها نقلة نوعية في فن كتابة الرحلة العربية التي كانت غارقة في مفاهيم السرد، فنقلتها إلى مستوى التحليل الإثنوغرافي لشعوب وقبائل لم يكن العرب يعرفون عنها شيئاً، بل لم يكن العالم يعرف عنها شيئاً.


ابن فضلان

الرحالة «ابن فضلان» غير معروفٍ إلا من نصّ رسالته ذاتها، إذ لم يَرِدْ ذكره ولا ذكر سفارته في كتب عصره ولا في مصدرٍ معروفٍ من مصادر التاريخ إلا في الرسالة التي دوَّنها بنفسه. وما يتَّضح عنه من دراسات المؤرخِّين أنه كان ابن ضابط مهمّ في الجيش العباسي. ولعلَّه فارسي الأصل وربما أتقن اللغة الفارسية، وقد كان كاتباً في حاشية الخليفة العباسي المقتدر بالله ورجلاً ضليعاً بالفقه والعلم الإسلامي. ولم يكن لابن فضلان منصبٌ ذا شأنٍ في حياته، إذ إنه أرسل في مسؤولية هامشية ضمن سفارته (ولم يكُن قائد السفارة ولا المسؤول عنها كما يظنُّ البعض)، والسفارة -نفسها- كانت متّجهة إلى بلادٍ شاسعة البعد وقارسة البرودة وقليلة الشأن على الصعيد السياسي وفي فترة انحطاط الدولة العباسية. ولم يكن ابن فضلان نفسه من الرحالة الكبار مثل ابن بطوطة، إذ إنه لم يخرج -على حد علمنا- إلا في هذه السفارة التي استمرَّت لمُدَّة عام واحد، والتي كانت لها -على طولها- وجهة رئيسية واحدة عاد منها إلى بغداد.





https://www3.0zz0.com/2022/10/22/07/999595773.gif (https://www.0zz0.com)







رحلة ابن فضلان

السفارة

كان الهدف من السفارة هو الاستجابة إلى مجموعة من الطلبات التمسها اليلطوار «ألمش بن شلكي» (ملك الصقالبة) من الخليفة العباسي المقتدر بالله في بغداد، وقرَّر الخليفة إرسال سفارة من بغداد لتلبية هذه الطلبات. وكان ملك الصقالبة -ألمش- حاكماً أشهر إسلامه مؤخرأً للصقالبة أو البُلْغار، وهم أمة بدويّة من الترك سكنت منطقة تقعُ حالياً في دولة روسيا قريباً من مدينة كازان، ودانت بالديانة الشامانية، واتّجرت بالفراء، وكانت عاصمتهم (وهي بُلْغَار) محطة تجارية رئيسية بين طرق الشمال والدولة العباسية. وكان الهدف المُعْلَن من لملك الصقالبة أن تأتي إلى بلاده سفارة تُلقِّنُ شعبه فيدين الإسلام وبناء مسجدٍ وحصن لهم في بُلْغَار، وأما الهدف الفعلي فيعقتد أنه رغبة «ألمش بن شلكي» في تكوين حلفٍ ينصره على اليهود الخزر الذين فرضوا سيطرتهم على بلاد الصقالبة، وكان «ألمش» يتأمل أن الدولة العباسية -بسبب بعدها- سوف تكون خير حليفٍ له بدون أن تستطيع التحكُّم به بسبب المسافة الشاسعة بينهما، ولأن معظم الطرق التجارية كانت قد بدأت تتحوَّل إلى عاصمته بدلاً من عاصمة الخزر (وهي أتيل). وقد فشلت سفارة ابن فضلان في تحقيق هذا الهدف (بتكوين الحلف) لأنها لم تستطع إيصال الأموال التي أراد أن يبني بها الصقالبة حصناً يحميهم من الخزر.

وضمَّت السفارة التي أمرَ بها الخليفة الرجال الآتين (مع غيرهم):

أحمد بن فضلان: وهو مُدوِّن الرحلة ومسؤول -بحكم ثقافته- عن المداولات مع الحكام والقادة الذين مضت السفارة عندهم، بما فيهم ملك الصقالبة. وهو ليس قائد الرحلة.
سوسن الروسي: وهو سفير الخليفة العباسي إلى بُلْغَار، ومولى أو عبد سابق لرجل حاشية الخليفة اسمه «نذير الحرمي».

تكين التركي: وهو صبي حدَّاد سابق رافق السفارة لإتقانه اللغة التركية ومعرفته بمنطقة آسيا الوسطى.

بارس الصقلابي: وهو رجل حر رافق السفارة لإتقانه لغة الصقالبة ومعرفته ببلاد الشمال.

المسار

غادرت السفارة مدينة بغداد (عاصمة الدولة العباسية) في 21 يونيو عام 921م. وسارت البعثة على طريق خراسان، وهو طريق كَثُرَ عليه الرحالة في ذلك العصر، والذي كان يمرُّ عبر جبال زارغوس في غرب فارس، ومنها إلى جبال ألبرز في شمال إيران الحالية، ومنها إلى الهضبة الإيرانية الصحراوية في شرق إيران الحالية وفي آسيا الوسطى. مرَّت البعثة بعد ذلك بمدينة بخارى، وهي -آنذاك- عاصمة الدولة السامانية، والتي انتظروا فيها طويلاً وصول المال المطلوب، ثم تحرَّكوا منها إلى نهر جيحون وعبرته إلى جرجانية في خوارزم، والتي توقفت فيها السفارة -كذلك- لشهور قبل متابعة طريقها عبر هضبة استجورت، وهي صحراء جافة تقع بين بحر آرال وبحر قزوين، والتي قابلت فيها السفارة قبائل الترك. وأخيراً بلغت مدينة "بلغار" أو "قازان" (حالياً) على نهر الفولغا في 14 مايو 922.

وصل ابن فضلان إلى بلاد البلغار يوم 12 مايو 922 (12 محرم 310 هـ)، (وقد اتخذت تتارستان المعاصرة من تلك المناسبةً يوم عطلة دينية).






https://www5.0zz0.com/2022/10/22/07/759881760.jpg (https://www.0zz0.com)

مخطوط لابن فضلان من القرن العاشر الميلادي




رسالة ابن فضلان

ليس من المعروف لماذا دوَّن «ابن فضلان» رحلته في الرسالة، وإذا ما كان أحدٌ -مثل الخليفة- قد كلَّفه بتدوينها أم لا.

الأسلوب والمنهج

يوصف أسلوب رسالة ابن فضلان في الأبحاث الحديثة بأنه «علمي»، وبأنه يتميَّز باهتمامه البالغ بوصف الثقافات الأجنبية وعاداتها وتقاليدها وصفاً دقيقاً من مأكل ومشرب وملبس وقيم وعادات وطقوس، حتى أن أوصافه تُشبَّه بأوصاف علماء الإنسان والأعراق للبشرية الحديثين، خصوصاً لبُعْدِها عن الأوصاف الخيالية والأسطورية التي تكثر في كتب الرحالة الآخرين من معاصريه. لكن رسالة ابن فضلان فيها مبالغات كذلك، مثل قوله بأن يأجوج ومأجوج يسكنون خلف جدار معروف في بلاد الشمال، ومثل قوله أنه رأى عظام عملاق كان «[حجم] رأسه مثل القفير الكبير» و«أضلاعه أكبر من عراجين النخل»، ووصفه للأفاعي التي رآها في بلاد الصقالبة بأنها مثل «شجرة طويلة يكون طولها أكثر من مئة ذراع».[سامي الدهان] ومن أكثر مشاهداته العصيَّة على تفسيرها عقلانياً حديثه عن وجود وحيد القرن أو الكركدن في وسط آسيا، غير أن هذا الحيوان لم يسكن تلك الأقاليم تاريخياً ولا حالياً، ومما يشفع لهذه المشاهدة أن «ابن فضلان» لم يزعم أنه رأى وحيد القرن بأم عينه، وإنما نقل هذه الرواية عن أهل البلاد. ويذكر «ابن فضلان» أنه رأى ثلاث طيفوريات (أي: أطباق) مصنوعة من قرن الكركدن، وربما كانت هذه الأطباق مصنوعة -في الواقع- من أنياب الماموث المتحجّرة التي توجد في بلدان الشمال، والذي كان مادة مشهورة ونادرة لصناعة مقابض السكاكين.

كما أن في الرسالة بعض المغالطات الناجمة عن قلَّة فهم «ابن فضلان» لأمور التي شاهدها، مثل أنه يقول عن أغنام بلاد الترك: «وأكثر ما ترعى من الغنم ما بين الثلج؛ تبحثُ بأظلافها تطلُبُ الحشيش، فإذا لم تجده قضمت الثلج فسمنت غاية السمن، فإذا كان الصيف وأكلت الحشيش هَزَلَتْ»، ويظنُّ «ابن فضلان» -هنا- أن الأغنام تسمن لأنها تتناول الثلج، بينما الواقع أن صوفها ينمو شتاءً ويُزَجُّ صيفاً، فتبدو وكأنها هَزَلت بعد أن كانت سمينة، وهذا يعني أن «ابن فضلان» لم يكن على اطلاع بطرق الحياة في الريف والمزارع.

يتوانى عن ذكر اللقب الساخر الذي أطلقه عليه ملك الصقالبة حينما لقَّبه أبو بكر الصديق بعد أن لم يَصْدُق «ابن فضلان» في عهده بأن يجلب للصقالبة مالاً يُعمِّرون به حصنهم. وفضلاً عن ذلك كله، فهو يتحمَل عناء الرحلة الطويلة والمرهقة دون شكوى ولا انزعاج إلا من شيء وحيد، وهو البرد القارس الذي جعل لحيته مثل «قطعة واحدة من الثلج». وهذه السمة الشخصية والموضوعية فريدة في «ابن فضلان» دوناً عن كل الرحالة العرب الآخرين، إذ إن الرحالة المشهورين الذين تبعوه (وأهمهم ابن بطوطة وابن جبير) نهجوا نهجاً مختلفاً تماماً في أدب الرحلات ليست فيه مثل هذه الصفات.

كتب ابن فضلان رسالته بترتيب أحداثها الزمني (أي: بدءاً من خروجه من بغداد وانتهاءً بوصوله إلى بلاد الصقالبة)، لكنها ليست مُدوَّنة بأسلوب كتب اليوميات، إذ ليس فيها سردٌ لأحداث كل يوم من الصباح إلى المساء، بل إن وصف الرحلة لا يُركِّز على تاريخ ووقت الوصول إلى كل مكان وإنما على وصف الأحداث وعادات في كل مكان. ويستشفّ المؤرخون من ذلك أن «ابن فضلان» سجَّل ملاحظاتٍ يومية أثناء رحلته ليتذكرها، وأنه اعتمد على هذه الملاحظات في تدوين رسالته بعد عودته إلى بغداد وانقضاء أحداث الرحلة، أو ربما تلا ملاحظاته على ورَّاق أو كاتب ليُدوِّنها، إذ يبدو في بعض مواضع الرسالة وكأنه يُعلِّق على ملاحظاته أو آرائه.:

مخطوطة الرسالة

كانت بعض أجزاء الرسالة معروفةً من الكتاب والمؤرخّين القدماء الذين نقلوا عن «ابن فضلان»، ومن أهمهم ياقوت الحموي في كتابه الجغرافي الشهير معجم البلدان، إذ إنه ضمَّن اقتباسات مُطوَّلة من رسالة ابن فضلان في مدخلات معجمه التي تصفُ المدن والمناطق الآتية: أتيل (وهي عاصمة الخزر القديمة) وبُرْطاس (وهي من بلاد الخزر) وبلغار (وهي عاصمة الصقالبة) وباشغرد (وهي من بلاد الترك) والخزر وخوارزم والروس وصَقْلَبُ (من: الصقالبة) و«وِيسُو» (وهي بلدة تقع وراء بلاد البلغار). وقد انصبَّ اهتمام كثيرٍ من الباحثين الأوائل على جزء وحيدٍ من نص الرسالة، وهو وصف طقوس جنازة الموتى الإسكندنافيِّين بدفنهم في سفينة محترقة، ولهذا كُرِّسَت كثيرٌ من المقالات الأكاديمية لترجمة هذا الجزء والتعليق عليه دون غيره حسبما ورد في كتاب ياقوت الحموي.

واكتشفت المخطوطة الأكْمَلُ (والوحيدة المعروفة) للرسالة في مكتبة العتبة الرضوية (واسمها الحالي: مكتبة آستان قدس رضوي المركزية) بمدينة مشهد الإيرانية في عام 1923، ومنذئذٍ تهافت الباحثون لترجمتها ودراستها. وهذه هي المخطوطة الوحيدة التي فيها نصٌّ متّصل من رسالة ابن فضلان، والذي يَصِفُ خروجه من مدينة بغداد ومروره ببلاد الترك والروسية والصقالبة، وفي نهايتها قسمٌ يَصِفُ دولة الخزر وعاصمتها أتيل. وهذه المخطوطة نفسها ليست كاملة، إذ إن نصَّها يَنْقَطِعُ وسط فقرة تَصِفُ بلاد الخزر. ويذكر ياقوت الحموي في بعض مواضع معجم البلدان أن رسالة ابن فضلان المعروفة في زمنه كانت تتضمَّن وصفاً لرحلة العودة من بُلْغَار إلى بغداد، ولكن ياقوت لم يقتبس شيئاً من نصّ رحلة العودة في كتابه، وهذا النصّ ناقصٌ -كذلك- من المخطوطة المقطوعة أصلاً، ولم يعثر الباحثون على أثرٍ له في الكتب التراثية الأخرى حتى الآن. وبناءً على ذلك، يظنُّ الباحثون أن مخطوطة مدينة مشهد والنصوص المقتبسة في معجم البلدان ليست إلا اختصارات لرسالة ابن فضلان الكاملة، التي قد تكون أطول في نصِّها بقدرٍ مُعْتَبَر.

ويرجع الفضل في اكتشاف المخطوطة إلى الباحث الروسي (ذا الأصل البشكيري) زكي وليدي طوقان، والذي فرَّ من روسيا إلى إيران اتقاءً للسياسات العنصرية للرئيس السوفيتي الأول فلاديمير لينين، واكتشف أثناء دراسته هناك المخطوطة التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر الميلادي، والتي تضمَّنت -في نصّ واحد- عدّة كتب جغرافية تراثية هي: رسالتان لأبي دلف الينبوعي (وهو رحالة ذهب إلى بلاد الصين والترك)، والنصف الأول من معجم البلدان لياقوت الحموي، ورسالة ابن فضلان بأكمل نصوصها المعروفة. وترجم زكي طوقان هذه المخطوطة كاملةً إلى اللغة الروسية وأضاف إليها تعليقاتٍ وشروحاً مطوّلة، ونشرها في كتاب متكامل طُبِعَ بمدينة لايبزيغ الألمانية سنة 1939.

الدراسة والتحقيق

كان المستشرق الألماني والروسي كريستيان فْرَاهِنْ من أول باحثي الغرب الذين انكبُّوا على دراسة رسالة ابن فضلان، وقد بدأ دراسته للرسالة قبل اكتشاف مخطوطتها الكاملة عام 1923، إذ إنه درسَ الاقتباسات التي استشهد بها ياقوت الحموي في معجم البلدان من الرسالة، ونشر نتائج بحثه سنة 1823 في كتاب بعنوان Ibn-foszlan's und anderer Araber Berichte über die Russen älterer Zeit (ترجمة: «رسالة ابن فضلان وغيرها من تدوينات العرب في الأزمنة السالفة عن روسيا»). وبهذا أصبح فراهن الباحث الرائد في الإشادة بأهمية رسالة ابن فضلان للتاريخ الروسي، وذلك لأنها تسبقُ أقدم مصدر تاريخي معروف باللغة الروسية (وهو الوقائع الأولية Primary Chronicle) بمئتي عام.

وفيما بعد، ترجم المستشرق البريطاني دوغلاس مورتون دنلوب القسم المختصَّ بالخزر لينشره في بحثٍ له عن تاريخ اليهود. وبدأ الباحث الأمريكي ريتشارد فراي بالكتابة عن ابن فضلان في الخمسينيات، ونشر بعد بحثٍ مضنٍ ترجمة كاملةً للرسالة مع شروحاتها في سنة 2006. وتجمع البعض الكتب الحديثة بين ابن فضلان وغيره من الرحالة في سياقٍ واحد، وتعتبر رحلته وصفاً -بالأساس- للشعوب الإسكندنافية في روسيا وأوروبا (ومن أمثلة ذلك كتابات المؤرخ الأمريكي ستيوارت ن. غوردون)، ويرى بعض الباحثين أن في هذا انتقاصاً من قيمة الرسالة ومحتواها الغنيِّ الذي يتناول شعوباً شتى في العالم القديم.

ويُبيِّن التحقيق أن مخطوطة رسالة ابن فضلان المكتشفة في مدينة مشهد تتطابقُ تطابقاً كبيراً مع الاقتباسات التي أوردها ياقوت الحموي في مواضع عديدةٍ من معجم البلدان، ولو أن بينهما اختلافات طفيفة في بعض المواضع، ولعل بعض هذه الاختلافات هي تعديلاتٌ متعمَّدة أدخلها ياقوت على الرسالة.

تتضمَّن رسالة ابن فضلان استطرادَيْن طويلَيْن: الأول يصف فيه زيارته للروس ومشاهدته لطقوس دفن موتاهم في سفينة محترقة، والثاني يصف فيه بلاد الخزر وعاصمتهم أتيل. ولا يعتقد أن «ابن فضلان» بلغ في رحلته بلاد الخزر، كما أن الجزء الذي يصف فيه بلادهم يبتعد عن أسلوبه المعتاد في السرد ويبدو غريباً عليه.[سامي الدهان] ولهذا السبب يظن بعض المؤرخِّين أنه نقل هذا الجزء من الرسالة عن غيره من الرحالة بعد أن انتهى من سرد أحداث رحلته، كما يذهب آخرون إلى أن هذا الجزء من الرسالة أضيفَ إليها أو أُلْحِقَ بها على يد نسَّاخين ومؤلِّفين لاحقين، وأن «ابن فضلان» لم يكتبه قط.[سامي الدهان]






https://www11.0zz0.com/2022/10/22/07/470710847.png (https://www.0zz0.com)

رسم تخيلي لابن فضلان ومن معه في أثناء عبوره أحد الأنهار، ذكر ابن فضلان استعمال أطواف منفوخة من جلد الجمال





مُلخَّص الرسالة

الصقالبة

كانت مدينة بلغار وقت بلغها ابن فضلان مستوطنة مؤقتة، أي انها أقرب إلى سوق يُقام في مواسم مُحدَّدة من السنة ويهجره سكانه بعدها بقية العام، وكانت هذه المستوطنة قائمة على مسافة خمسة كيلومترات تقريباً شرق نهر الفولغا، وأقيمت معظم منازلها من خيام اليورت التقليدية في تلك الأنحاء. وقد تطوَّرت بلغار لاحقاً إلى مدينة كبيرة ومهمة، لكن ذلك استغرق مئات السنين. وكان اقتصاد بلغار معتمداً بنسبة كبيرة على تجارة العبيد أو الرق، والذين كان الصقالبة يسبونهم بحملات شتوية على القبائل الوثنية التي تعيش في الشمال (حينما يتجمَّد نهر الفولغا)، ومن ثم يحملون نساءهم وأطفالهم للبيع في أسواق الدولة العباسية والإمبراطورية البيزنطية.


دراسة الرسالة

الروس أو الفايكنغ

أثارت تسمية «الروس» (أو «الروسية») ووصفهم في رسالة ابن فضلان خلافاً بين الباحثين منذ منتصف القرن التاسع عشر، فمنهم من يرى بأن هؤلاء هم نفسهم الروس المعروفون باسمهم اليوم، بينما يرى البعض الآخر أنهم من فايكنغ الفولغا أو "الفارانجيين". ويكمن جذر هذه النظريات في خلاف كبير بين المؤرخين الأوروبيين حول أصل الشعوب السلافية (ومنها الروسيون والأوكرانيون والبيلاروسيون) يُسمَّى نظرية الشماليين أو «النظرية النورمنية»، ويعتنق معظم المؤرخون هذه النظرية التي تنصُّ على أن مؤسِّسي مملكة كييف روس هم شماليون من الفايكنغ الإسكندنافيين، بينما يرى أقلّية من المعارضين أن مؤسّسي كيف روس كانوا من السلافيين. أحد الاحتمالات الواردة -كذلك- هو أن المؤلفين العرب (ومن ضمنهم «ابن فضلان») لم يكُن عندهم معنى مُحدَّد لمصطلح «الروسية»، فلعلَّه كان عند العرب وصفاً للمحاربين والتجار القاطنين في بلاد الشمال لا على تعيين، وهم يسيرون -في ذلك- على خطى البيزنطيين الذين استعملوا المصطلح بالطريقة نفسها. بل لعلَّ «الروس» في ذلك الزمن كانوا -بحد ذاتهم- خليطاً من الشعوب والأعراق، بحيث أن العلاقة بينهم كانت علاقة تجارية واجتماعية ولو كانت بينهم اختلافات في الأصول والثقافة.

كان العرب والمسلمون على صلة بالروس الفايكنغ لأكثر من مئة عام قبل وصول ابن فضلان، وكانت الصلة بينهم عسكرية تارةً (بسبب غارات الفايكنغ على المسلمين) وتجارية تارة (بسبب التبادل الطويل بينهم)، إذ بدأ الفايكنغ بالخروج من السويد وبلوغ العالم الإسلامي كتجّار في نهاية القرن الثامن الميلادي (أو الثاني الهجري)، فعبروا الأنهار الروسي وصولاً إلى بحر قزوين والبحر الأسود ومنهما إلى بغداد، وذلك بسبب أهمية بغداد (والقسطنطينية البيزنطية آنذاك) كسوقٍ للفراء والعبيد. ويعتقد أن «ابن فضلان» التقى بإحدى قوافل الفايكنغ التجارية وهي في طريقها من بلادهم الشمالية إلى القسطينيطية وبغداد في الجنوب (أو بالعكس). وكانت هذه القوافل التجارية منتشرةً إلى درجة أن مئات آلاف الدراهم الفضية المسكوكة في الدولة العباسية اكتُشِفَت في المواقع الأثرية للفايكنغ بالسويد، وكانت هذه الدراهم هي مصدر الثروة التي بنُيَتْ بها أولى مدن الفايكنغ في الشمال (مثل كييف ونوفغورود التي كانت بالأصل مستوطنات للتجارة)، وتُوثَّق هذه التجارة بتفاصيلها في كثير من المصادر العربية المعاصرة لابن فضلان، ومن أهمها كتاب المسالك والممالك لصاحبه ابن خرداذبة.

وصف ابن فضلان لروسيا

كما قَدَّم وصفًا رائعًا ودقيقًا خاصًا ببلاد الروس؛ فوصف كلَّ ما يتعلَّق بحال الرجل عندهم، ومكانة المرأة بينهم، وحال سكنهم وطرق عيشهم، وحالهم في دفن الموتى، وعقيدتهم، وغيرها كثير، ومن ذلك قوله: «وأَجَلُّ الحليِّ عندهم الخرز الأخضر من الخزف، الذي يكون على السفن يبالغون فيه، ويشترون الخرزة بدرهم، وينظمونه عقودًا لنسائهم» ويقول أيضًا: «وإذا أصابوا سارقًا أو لصًا، جاءوا به إلى شجرة غليظة، وشدوا في عنقه حبلاً وثيقًا، وعلَّقُوه فيها، ويبقى معلقًا حتى يتقطَّع من المُكْثِ بالرياح والأمطار» ويتحدَّث عن ملكهم فيقول: «ولا ينزل عن سريره، فإذا أراد قضاء حاجة قضاها في طشت، وإذا أراد الركوب قَدَّمُوا دابَّته إلى السرير فركبها منه، وإذا أراد النزول قَدَّم دابَّته حتى يكون نزوله عليه، وله خليفة يسوس الجيوش ويواقع الأعداء، ويخلفه في رعيته».

طقس الدفن

تتضمن رسالة أحمد بن فضلان الوصف الوحيد المعروف من شاهد عيانٍ لطقس من طقوس الدفن عند الفايكنغ، وهو دفن الموتى في سفينة يضرمون بها النار حتى تحترق وتغرق. ويثق المؤرخون في شهادة عيان «ابن فضلان»، لكن بعضهم يحذّرون من تعميمها على طقوس الدفن والجنازة عند الفايكنغ والإسكندنافيين لأسباب عِدّة، منها: أن الجنازة كانت لرجل ثري (بوصف ابن فضلان)، ولأنها كانت في روسيا (وليس في إسكندنافيا)، ولأن بعضاً مما يصفه «ابن فضلان» كان كلاماً سمعه من مترجمين شفهيِّين ثم كتبه (وقد تكون في هذه الترجمة أخطاءٌ، مثل وصف العجوز بـ«ملاك الموت» ووصف الجنة بأنها «خضراء وجميلة»). كما أن «ابن فضلان» لا يتوقف أثناء هذا السرد ليستفسر عن معاني الطقوس والأشياء التي يراها، ولذلك فمن الصعب تفسير كل المشاهد التي يصفها. وقد لا تكون لطقس الدفن -بالعموم- طبيعة واحدة بين الفايكنغ في مختلف أنحاء أوروبا آنذاك، بل ربما كان مزيجاً بين عاداتهم وعادات سائر الشعوب الذين اختلطوا بهم (كما يظهر من شواهد تاريخية أخرى على دفن السفن، مثل موقع ساتون هوو في بريطانيا).


ما بعد رحلة ابن فضلان

لم يصلنا من رسالة «ابن فضلان» إلا ما يصف رحلته إلى بلاد الصقالبة، لكن رحلة عودته إلى بغداد غير معروفة، وليس من المعروف -بالنتيجة- كيف تطورت علاقة ملك الصقالبة (ألمش شلكي) مع العباسيين. وتُثْبِتُ المصادر التاريخية أن العلاقة بين الصقالبة والدولة العباسية ظلَّت قائمة فيما بعد، إذ يقول الجغرافي شمس الدين الأنصاري الدمشقي (654-727هـ/ 1256-1327م) أن الخليفة العباسي المقتدر بالله أرسل فقيهاً إلى دولة الصقالبة بعد اعتناقهم الإسلام ليُعلِّمهم أصول الدين، ولعل هذا الفقيه من رجال بعثة «ابن فضلان»، ويذكر الدمشقي -كذلك- أن الصقالبة أرسلوا بعثةً من جهتهم إلى بغداد بعدئذٍ ليقصدوا منها مكة بهدف أداء فريضة الحج. وزار بلغار بعد «ابن فضلان» رحالة مسلم واحد معروف، وهو أبو حامد الغرناطي الأندلسي الذي رحل عن الأندلس في أول حياته وأمضاها متنقلاً، ولا يبدو ان أبا حامد عرف شيئاً عن «ابن فضلان» ورحلته، فهو يقول أن سبب إسلام الصقالبة وسكان بلغار هو أن تاجراً مسلماً يتقن الطب عالج ملك الصقالبة وملكتهم من مرضٍ خطير أصابهما، وأن شرطه في علاجهما كان أن يعتنقا هما وشعبهما الإسلام، فتحقَّق له ذلك بعد شفائهما. ولعلَّ في هذه الحكاية أقرب إلى الخيال منها إلى التاريخ.

مقارنة بالرحلات الأخرى

لم يكن «ابن فضلان» الرحالة المسلم الوحيد الذي كتب عن رحلته إلى بلاد الروس وشرق أوروبا، بل إن رسالته تتوسَّط -زمنياً- رسالتين أخريَيْن قريبتَيْن منها: واحدةٌ منهما تسبقه، وهي رسالة ابن رستة الأصفهاني من سنة 903م (290 هـ)، والأخرى تتبعه، وهي كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي من سنة 947م (335 إلى 336 هـ). وقد زار أولهما (وهو ابن رستة) قبيلة للفايكنغ (أو «الروس» كما سمَّاهم) قد تكون نفس القبيلة التي زارها «ابن فضلان»، وهو لا يصف نفس المشاهدات التي رآها «ابن فضلان» بالضبط، لكنه يصف أموراً قريبة منها، مثل أن زوجة الميّت تُحْرَقُ معه، وهذا يضيف موثوقية كبيرة لرواية «ابن فضلان» ويوحي بدقّتها بسبب التشابهات بينها من روايات أخرى ومستقلة. وأما وصف «المسعودي» فهو مختلفٌ في طبيعته ويضيف معلومات وتفاصيل كثيرة عن الروس لم تَرِدْ في نص «ابن فضلان».


تاثيره على الثقافة العامة

كانت رحلة ابن فضلان أساساً لرواية مايكل كرايتون أكلة الموتى والتي صورت كفيلم روائي باسم «المقاتل الثالث عشر» حيث قام أنتونيو بانديراس بدور بن فضلان، كما صدر كتاب «مغامرات سفير عربي» لأحمد عبد السلام البقالي من مطبوعات تهامة للنشر، وهي عبارة عن جمع لروايتين للرحلة أحدهما غربي والآخر عربي، كما تم عمل مسلسل تلفزيوني عنه بعنوان سقف العالم عرض في 2005.
















منقول

أوتار الأمل
10-22-22, 11:07 PM
https://2img.net/h/www.karom.net/up/uploads/13255022186.gif

almohajer
10-23-22, 05:00 AM
الله يعافيك و يسلمك
كل الشكر و التقدير


SEO by vBSEO 3.6.1