المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَفْكَارٌ عَلَى السَطحْ


Mammar
11-12-22, 10:45 AM
السلام عليكم،




لقد مرَّت ثمانُ سنواتٍ منذُ آخرِ تفاعلٍ لي على المنتديات، تلك الرحلة التي بدأت قبل إثنتي عشر سنة و قد كنت آنذاك في الثانية عشر من عمري، لقد كان منتدى أنميات بوابتي لإستكشاف خبايا الإنترنت و بناءُ علاقاتٍ مع أشخاصٍ من كافة بقاع العالم العربي. و رغم أن المنتدى أُغلق بعد ثلاثِ سنواتْ من إنضمامي إليه لأسبابٍ مالية إلا أنه كان علامةً فارقةً في حياتي. لقد كنتُ في فترة البلوغ الحساسة و رأيت كيف أن أصدقاء طفولتي أخذوا يسلكون طريق الإنحراف الواحد تلوَّ الآخر، فهذا إنغمس في علاقات غرامية مع فتياتٍ يافعات و الآخر أصبحت قنينة الزجاجة محبوبة فاههِ الغالية، بل إن أحدهم أصبح تاجر مخدراتٍ كبير في منطقتنا!. لقد أدركت حقيقة ما ستؤول إليه الأمور إن لم أبتعد فوراً عن هذه العصابة الصاعدِ نجمها في سماء الجريمة السوداوي، فوجدتُ الكثير من النصح و المساندة من أعضاءٍ كانوا يكبرونني في السن، و هكذا، إلى أن إنغمست في عالم المنتديات، فكنت أطرح مواضيعاً في أقسامٍ شتى بل و أصبحت مترجماً لأنميات كثيرة، و قد كنتُ و زملائي نبذل جهداً كبيراً لتقديم عملٍ متكامل قدرَ المُستطاع خاصةً في حجب المشاهد المخلة و تهذيب الألفاظ بدون تأثيرٍ على مجربات القصة.


لقد مرَّت السنون و أخذتُ في النضوج، فكنتُ شغوفاً بالبحث و الإطلاع لكني لم أكن ذاكً الطالب المتفوق دراسياً بحيثُ إمتلكت مُقوّمات النجاح و لكني إفتقدتُ للشغف، فكنتُ مثلاً أحصد معدل 15 من 20 في فصلٍ، و في فصلٍ آخر أحصد 10 أو حتى 9 من 20. و لا زلتُ أتذكر سنتي النهائية في الثانوية لقد كان معدلي في فصلٍ من الفصول 6 من 20 مما دفع مدير الثانوية ليُرسل إليَّ إستدعاءاً يُطالبني فيه بالحضور لمكتبه، و كان أول ما قاله ("لقد تركتَ بصمة سوداء في تاريخ الثانوية"). جديرٌ بالذكر أني دخلتُ الإمتحان النهائي و حصدتُ 13 من 20. و سببُ هذه العلامات المُفزعة لم يكن قصوراً عقلياً من قِبَلي، بل كان إنعداماً للرغبة و فقداناً للثقة في برامج التعليم السطحية، ناهيك عن المستوى الثقافي و العلمي المُخجل لكثيرٍ من الأساتذة. ثمَّ إن تركي لأوراق الإمتحان فارغة بإستثناء تدوينِ إسمي أعلى الورقة كان أمراً مألوفاً بالنسبة لي، فلمْ أكن مِمَّن يملأ الصفحات عشوائياً لمجردِ جهلي بالإجابة الصحيحة، و قطعاً لم أكن غشاشاً، فبالإضافة لتبرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغشاش «مَنْ غَشَّنَا فَلَيسَ مِنَّا» فالغش فِعلٌ دنىء و خيانةٌ أكاديميةٍ و إنعدامٌ للمسؤولية. أتذكرُ أنه و في إحدى إمتحاناتي الجامعية جلس بجانبي رجل في العقد الرابع من عمره و قد كست جسده بدلةٌ رمادية غامقة اللون مع قميصٍ ذا لونٍ أزرقَ سماوي و ربطةُ عنقٍ سوداء و قد بدا موظفاً مرموقاً في القطاع العام، فهمسَ باسمي و رمقنى بنظرةٍ يعلوها الخوف و الحذر نطقَ قائلاً "السؤال الثاني"، لا أتذكر شعوري حينها أهو إحتقارٌ لـ "الجنتل مان" الجالس بجانبي أم خيبة أملٍ منهُ و لعله كانَ مزيجاً بين هذا و ذاك، إلا أني أتذكر أني رمقته بنظرةٍ إزدراءٍ و قلتُ معاتباً "أحشم" أي ألا تخجل من نفسك!. قابلته في اليوم الموالي فألقى التحية مبتسماً و أخذ يلقي باللوم عليِ لإمتناعي على مساعدته حسب وصفه و قد كان مهذباً لطيفاً، فبيّنتُ له قُبح هذا الفعل و قبل أن أسترسلُ في ذكرِ مساوئ الغش و خطورته على الفرد و المجتمع قاطعني مازحاً ("لا بأس، فكل إجابة صحيحة تعني زيادةً في الراتب فكلما زاد معدل موادك و درجتك الأكاديمية كلما حُزتُ زيادةً أكبر في الراتب")! لقد أفقدني ردهُ الشعور بحواسي الخمس فلمْ أعلم بما أرد، و قد تبادرت حينها إلى ذهني الحكمة القائلة "ثلاثة لا تقترب منهم: الحصان من الخلف، الثور من الأمام، و الغبي من جميع الإتجاهات"، تمنيتُ للسيد اللبق التوفيق و إستدرت متوجهاً لأقرب بابٍ يقودُ لخارج الكلية و لسانُ حالي حينها "ليتني متُ قبل هذا يا رجل"


دخلتُ الجامعة و إخترتُ تخصص الإقتصاد لسببين؛ أولهما أني نظرتُ في حالِ أمتنا اليوم فلم أرى عالماً إقتصاديا مسلماً يسدُ هذه الثُلمة الخطيرة في أمةِ الإسلام فيأخذ على عاتقه تجديد الإقتصاد الإسلامي بما يتناسب مع هذا الزمن و متغيراته. أما ثانيهما فهي أنهُ و بعد تأملي للعصر الحديث وجدتُ أن أغلب الحروب، المشاكل البيئية، الجريمة المنظمة، وغيرُها الكثير؛ منشأها و مقننها و حاميها، هو الإقتصاد بلا ريب، بفروعه كافة. لذا فقد حزمتُ أمري و دخلت أبواب الجامعة متحمساً لإستكشاف هذا العلم و الغوص فيه، إلا أنني صُدمت عندما وقعت عيناي على قائمة المواد، فقد كانت تحوي مواداً ليس لها علاقةٌ بالإقتصاد لا من قريبٍ و لا بعيد،ٍ نذكرُ منها على سبيل المثال لا الحصر "القانون المدني"!. و لكن ما كان صدمة عند إطلاعي على قائمة المواد أصبح "صدمة² " حين إطلعت على المنهج الدراسي للمواد الإقتصادية، فقد أمضيت سنتين في الجامعة و أنا أدرس حرفياً الدروس التي تلقيتها في الثانوية!. نتيجةً لذلك؛ بدأت بالتعلم الذاتي فكنتُ أجوب مواقع الدورات التعليمية، و أستكشف الجامعات التي تعرض دوراتٍ بالمجان، بالإضافة للكمّ الهائل من المحاضرات على "Youtube"، أضف إلى ذلك الكتب،سواءاً باللغة العربية كانت أو اللغة الإنجليزية. حققت تقدماً كبيراً و هي خطوةٌ في طريقٍ طويل نحو هدفي المنشود. قريباً سأبدأ عملي الخاص و سيتاح لي المزيد من المال لأتعلم.


تخرجتُ من الجامعة بعد خمسِ سنواتٍ، و قد كان كان ينتظرني كابوس الخدمة العسكرية لِما سمعتُ من بعض الزملاء حول أسلوب المعاملة هناك، و الذي عادة لا يخلو من السبِّ و الشتمِ و الإهانات العرقية. فبالإضافة لعصبيتي المقيتة فأني أملك عزة نفسٍ، و التي إن إصدمت برجل يضع ثلاث نجومٍ على كتفه، يهينها و يقلل من قيمتها؛ فسينتهي الأمر بتصادمٌ عنيف سيلقي بي حتماً في سجنٍ في مكانٍ ناءْ، أقضي فيه سنواتٍ عجافاً. وتهربي من الخدمة العسكرية لم يكن مردهُ كرهي لها بشكلٍ عام، و لكن لأسلوب المعاملة المُقيت هناك. و حقيقةُ الأمر أني أقرأ كتباً عسكرية بين الحين و الحين، و جلُّها أجنبية، لفقر المكتبة العربية الحديثة من هذا الصنف من الكتب. أما فيما يخص الجانب البدني فأنا أعيش في الصحراء في منطقة فلاحية ضخمة حيث كنا نعمل أعمالاً شاقةً ناهيك عن برد كانون الأول ديسمبر القارص، [حيث كنا نخرج قبل الفجر بثلاثِ ساعات لنعمل في تلك الحقول البائسة، هذا في فصل الشتاء، أما في فصل الصيف فإضافةً لدرجات الحرارة التي تبلغ 50 درجة في الظل فهناك لسعات العقارب و الأفاعي، و قد إعتادت أجساد الكثير منا على لسعة الأولى لدرجةِ أنه و في حالة لُسع أحدنا فإنه يربط مكان اللسعة و يواصل العمل و كأن شيئاً لم يكن!، شخصٌ طبيعي كان ليذهب للمستشفى و لعله يرقد أياماً في بيته لتحج وفود الزائرين بُغيةَ الإطمئنان عليه، فأما غنيهم فيكرمهُ بقطعِ لحمٍ شهيّة و حباتِ موزٍ صفراوية، و أما فقيرهم فيكتفي بقارورة "فرحة" (مشروب غازي جزائري) و يَهمُ بالخروج مردداً الدعاء الجزائري المأثور "إن شاء الله تقوم بالسلامة و نفرحو بيك"]، و ما دفعني للعمل في الفلاحة كحال الكثير في بلدتي هي الأجور المرتفعة و التي تُعادل ضعف رواتب الكثير من موظفي القطاع العام و الخاص على حدٍ سواءْ، فما يجنيه موظف في شهر يمكن أن أُحصّل مثلهُ في أسبوع مع عدد ساعاتٍ أقل. و قد يُكتب لي قريباً السفر للولايات المتحدة فأتعلم إستخدام الأسلحة فأكون بذلك قد حُزت مميزات أداء الخدمة العسكرية. و قد أُعفيتُ قبل أكثر من سنة من أداء الخدمة العسكرية لكوني الولد الوحيد في العائلة.


لقد قررت فتح مدونةٍ لأكتبَ البعض من أفكاري و رؤيتي لمشاكل و متغيرات عالم اليوم. و إن القليل من الكتابة و التنفيس عن ما يحويه العقل من أفكار لهوَ أمر محمود بالنسبة لرجلٍ يُمضي جُلَّ يومه عاكفاً على كتب الجريمة و الإقتصاد.

Mammar
11-12-22, 03:51 PM
الشَّكُّ هو منتجنا.




لقد كنتُ أهمُ بكتابة رأيي بقضية تغير المناخ بعد فهمٍ و تمحيصٍ و تحليلٍ من طرفي، إلا أني إرتأيت البدأ بتوضيح مصطلح مهم يُستعمل لطمس الحقائق و التلاعب بالعقول و تشتيت الرأيّ العام، إن مصلطح "المؤامرة" يشيرُ إلى مكيدةٍ للقيام بعملٍ معادٍ إزاء حكم أو بلد أو شخص، تُدبره أيادٍ خفيةً ويصمِّمون على تنفيذه ضدّ شخصٍ أو مؤسّسةٍ أو أمن دولة. و ليسَ سراً أنه و منذ بداياتِ القرن التاسع عشر أخذت قوةُ المصرفيين و رجال الأعمال منحنى تصاعدياً خطيراً فكانوا يُحكمون قبضتهم على مقاليد الحكم و يصيغون القوانين بما يخدم مصالحهم، فلم يكنُ لثلة السفلة تِلك أيُّ رادعٍ في سبيل تحقيق مطامعهم المالية. إلاَّ أن هذا الجبروت المالي و الإستبداد الإقتصادي قُوبل بمقاومةٍ شديدة من طرف العلماء و المفكرين و بعض السياسين، فعالم الإقتصاد أخذ يُحذر التبعات الكارثية للنظام المالي الحالي المولود من إتفاقية "بريتون وودز"، و عالم المناخ أسهب في توضيح التداعيات المُتوقع حدوثها في حال إستمرار إنبعاثات الكربون من نقصٍ في إمدادات المياه و إنتشارٍ للمجاعة و غيرِها من الأخطار المدمرة،.أما علماء الإجتماع فأخذوا يعددون المخاطر التي تُهدد البشرية جرّاء هذا الإنحطاط الفكري و الفساد الأخلاقي الذي سيسوقها لا محالة نحو طريقٍ مُعبدٍ للجحيم الدُنيوي، إلاَّ أن هذه الأصوات الغيورة و الصرخات التحذيرية وقعت على آذان مفتونةٍ بسنوات القرن الواحد و العشرين الصاخبة، فقد نجح الإعلام القذر في تشتيت إنتباه العامة و إشغالهم بتوافه الأمور و سفاسفها مؤذناً بإطلاق جائحة من الغباء شديدةِ العدوى عميقةِ التأثير، فأصبحت الشاشات وسيلةً لنشر الرذيلة و تحبيب المجون و تبرير الشذوذ و الدعوة للألحاد. و لم يسلم الكتاب من هذه الحرب الشعواء، فامتلئت رفوف المكتبات بعناوين ركيكة و محتوىً خادشٍ للحياء، ناهيك عن تحويل الفنانين و الرياضيين و غيرهم الكثير من سفلة القوم، إلى قدواتٍ و أعلام، فلاحقتهم الكاميرات و كرَّمهم المسؤولون و امتلأت بأخبارهم الصفحات. أتذكر أنه و قبل عام ظهر "كريستيانو رونالدو" في مؤتمرٍ صحفي و قد همَّ بإستبدل قاروة "الكوكاكولا" التي وُضعت على الطاولة بقارورة "مياهٍ معدنية" تنبيهاً منه على ضرر المشروبات الغازية فخسرت الشركة أربعة مليارات دولار في يومٍ واحدٍ! و في الجهة المقابلة فلم يستطع علماء الأرض قاطبة القيام بربع ما قام به المُبجل "رونالدو"!.

و الحقيقة أن الرأسماليين لم يهدأ لهم بالْ و لم يهنئ لهم طعامٌ و لا شراب أمام هذا السيل الجارف من الدراسات العلمية و الكتب المنشورة و الوثائقيات المستقلة و التي تدينُ أفعالهم النكراء و تُميطُ اللِحاف عن جرائمهم الشنعاء في بقاعٍ شتى من المعمورة، و لمّأ عجزَ هؤلاءِ عن الرد على ما كُتب و تكذيبِ ما أُنتج لجؤوا للحيلة التي إستخدمتها شركات التبغ في خمسينيات القرن الماضي و تحديداً خلال عام 1953. لقد أصبحت مسألة شركات التبغ قضية رأيٍّ عام عند مواجهتهم بأدلة لا يُمكن إنكارها مفادها أن التدخين يقتل الإنسان و يُنهك الأبدان بالأمراض، ففعلوا ما تفعله أي شركةٍ كبرى تحترم نفسها، لقد قاموا بتوظيف شركة إستشارية عالمية في مجال العلاقات العامة ووقع إختيارهم على شركة "Hill+Knowlton Strategies" و التي قال مستشاروها لجميع رؤوساء شركات التبغ الكبرى ("لا يمكنكم إنكار الأدلة، لا يُمكنكم القول بأن التدخين لا يسبب السرطان، و لكن ما يمكنكم فعله ببساطة هو إثارة الشك") فكانت بذلك شركات التبغ أول من يرفع شعار الشك هو منتجنا فأخذوا يُغدقون المال على بعض العلماء الخونة لزرع الشك في نفوس الناس و إيهامهم بأن هناك حالة عدم يقين بين الأوساط العلمية حول ضرر التدخين من عدمه! و قد إحتفظتُ بجزءٍ من مقابلة للدكتور "Helmut Wakrham" و يُفضل أن تشاهد المقطع و أنتَ على معدةٍ فارغة فقد كِدت أتقيأ (أكرمكم الله) من ركاكة إجاباته على أسئلة المُقدِم:

https://streamable.com/83z6vq

- الدكتور: لا شيئ من المواد التي تحتويها السجائر تصل إلى تركيزاتٍ كبيرة تُعتبر ضارة.
- المُقدِم: و لكن يُمكن إعتبار المكونات نفسها على أنها مضرة، صحيح؟
- الدكتور: أي شيئ يُمكن أن يكون مُضراً، صلصلة التفاح تُصبح مُضرة إذا أفرطتَ في تناولها.
- المُقدِم: لا أعتقد أن الكثيرين يموتون بسبب صلصلة التفاح.
- الدكتور: لأنهم لا يأكلون الكثير منها.

لقد تَبَنَّى الرأسماليون شعار الشك هو منتجنا و بدلاً من الرد على الكمّ الهائل من التهم الموجهةِ لهم المبنية على دراساتٍ و أبحاثٍ علمية أخذوا يُلبسون كلََ من يقف في طريقهم ثوب جنون الإرتياب و العته فلمْ يسلمْ من هذه الإفتراءات الكاذبة إلاَّ من وقف بجانبهم أو إلتزم الصمت. و سأسوق إليك مثالين لتوضيح الفكرة:
1- لعله و خلال تصفحك لموقع "Youtube" قد صادفت فيديوهات من قبيل "زوال إسرائيل في 2022"، "هتلر لم يمتْ هرب إلى القطب الجنوبي"، "الأجسام الطائرة"، "شريحة للتحكم بالبشر في لقاح كورونا"! و غيرها الكثير، فاختلط الحابل بالنابل و إمتزجت الحقيقة بالكذب فتشتّت العامة و أصبحوا يعوزون كل كشفٍ للحقائق من عالِمٍ في مجاله أو حتى منشقٍ رأسمالي على أنه نظرية مؤامرة.
2- المثال الآخر هو سلاح معاداة السامية فقد أحسن شعب الله المختار إستخدام هذا السلاح فأخذوا يُلوّحُونه بوجه كلٍ من ينتقد أعمالهم الربوية و إثارتهم للفتن و نشرهم للفساد و الإنحلال، و لن يَغرُب عن بالٍ مطلعٍ على التاريخ كيف أن الأمم بدون إستثناء قد هجّرت اليهود و أبعدتهم بعد أن إستقبلوهم خير إستقبال و ذلك لِما رأوا فيهم من دناءة نفسٍٍ و سفالةِ خُلق و إنعدامٍ للضمير. و إن كان من يُسموّنَ بـ "علماء السياسة" قد أدرجوا معاداة السامية على أنها واحدةٌ من نظريات المؤامرة، فلِمَا يتم تصنيفُ العرب عند إقرارهم بتكالب الأمم عليهم و سعيّها الحثيث لإفشال أي نهضة محتملة أو تقدمٍ يلوحُ في الأفق على أنه نظريةٌ مؤامرة؟!

ختاماً و قبلَ فترةٍ من الزمن، كنتُ أقرأ مقالةً على الجزيرة نت تابعةٍ لقسم مدوناتِ الجزيرة و قد كانت تتناول الصراع بين الولايات المتحدة و الصين و سعيّ الأخيرة لإفتكاك الريادة من بلاد العم سام، و قد ذكرَ الكاتب في سطرٍ من سطور مقالته أن رئيس الولايات المتحدة هو أقوى رجلٌ في العالم و لا حول و لا قوة إلا بالله، و قد تعجبتُ أشد العجب من هذا القول الشَّائن الصادر من أكاديمي يسبقُ إسمَه حرف "الدال". و تذكرتُ مؤتمراً صحفياً لرئيس الولايات المتحدة "رونالد ريغان" و الذي حكم البلاد في الفترةِ ما بين 1981 و 1989 صادفني عندما كنتُ أبحثُ في تاريخ شركات الخدمات المالية و إليكم مقتطفاً من المؤتمر الصحفي لرئيس أعظم دولة على وجه الكوكب و الصورة أبلغ من الكلام:

https://streamable.com/t4a9f2

"Speed It up" أي "أسرع"، من يتجرأ على قول "Speed It up" لرئيس الولايات المتحدة؟! الرجل من "ميريل لينش"، نعم هذا هو، هل ترى ذلك الرجل الواقف بجانب الرئيس ريغان، ذلك الرجل الذي يبدو كرئيسٍ للخدم؟ إسمه "دون ريغان" المدير التنفيذي لشركة "ميريل لينش" أغنى و أكبر شركات السمسرة لبيع التجزئة في العالم سابقاً [حالياً شركة خدمات مالية] و قد تولى منصب وزير الخزانة و من ثم أصبح رئيس موظفي البيت الأبيض. و المُلفت للنظر هنا لم يكن مطالبة وزير الخزانة لرئيسه بالإسراع، بل بطريقةُ قولها له، و ردة فعلِ أقوى رجلٍ في العالم على الرجل الذي عيّنه بنفسه ليكون وزيراً للخزانة!

Mammar
04-08-23, 03:43 PM
{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} سورة النساء.


لطالما أثار التفسير السطحي لكتاب الله و الأحاديث النبوية المُتأتي من أفواه بعض الجُهل حنقي، و أشعرني بغثيانٍ و إعياءٍ شديدين، و هو إن نمّ فإنما ينُم عن قصورٍ في إدراكٍ لعظمة كتاب الله، و جهلٍ متجذرٍ باللغة العربية و علومها، و تحريف للآيات بما يتناسب مع أهواء مفسريها و يجانب أفكارهم. و قد كان السلف يعظمون القول في التفسير ، و يهاب أحدهم أن يتكلم في كتاب الله بغير علم، و تفسير كلام الله هو الرواية عن الله تعالى كما قال مسروق ("اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله").

و من بين عشرات الآيات التي أُسيئ فهمها قوله تعالى {وَاضْرِبُوهُنَّ}، فالضرب هنا مشروطٌ بنشوز الزوجة لا بمزاج الرجل، و النشوز هو عصيان الزوجة لزوجها أو إمتناعها عن القيام بواجباتها بدون عذر، فأنت لا تضرب زوجتك لأنها نسيت أن تكوي قميصك، أو أن طبخها لم يعجبك، أو أنها لم تنظف البيت أو تغسل ثيابك، لأنها شرعاً و بإجماع العلماء ليست ملزمة بأيٍ مما ذَكرتُه و إن إختارت فعله -كما تفعل أغلبية المتزوجات- فإنما هو إحسان منها و الإحسان هو أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها الإنسان و أقل مرتبةٍ لا ينبغي لنبيٍ أو رسولٍ أن ينزل عنها . ثم إن الضرب للمرأة الناشر يكون ضرباً غير مبرّح، قال صلى الله عليه وسلم «... فاضربوهن ضربًا غير مبرّح» و قد سُئل ابن عباس عن الضرب غير المبرّح فقال ("الضرب بالسواك و نحوه") لأن الضرب الذي أمر به القرآن الكريم هو ضربٌ للتأديب و التقويم و ليس للإهانة و التحقير. ثم إن الضرب يأتي كحل أخيرٍ بعد أن يعظ الزوج زوجته الناشز، فإن لم تعدل عن أفعالها فالهجر كخيارٍ ثانٍ، فإن لم تعدل فالضرب كحلٍ أخير. و الضرب له شروط و هي
1- أن يتدرج في تقويم زوجته الناشر فيبدأ بالوعظ، ثم الهجر، فالضرب كحلٍ أخير.
2- أن يغلب على ظنه أن الضرب يفيد في رجوعها عن نشوزها، فإن كان غير ذلك لم يَجُز له ضربها. و قد نصّ على هذا المالكية و الشافعية.
3- ألا يكون الضرب مبرّحاً بإجماع الأئمة الأربعة.
4- ألا يكون الضرب على الوجه أو المهالك أو المناطق الحساسة في الجسد. نصّ عليه جمهور العلماء.

و ما أكثر الآيات و الأحاديث التي يساء فهمها و يُفسرها العامة و المُضلون بما يُناسب مزاجهم و يدعم آرائهم. فالواجب على المسلم أن يرجع في تفسير كتاب الله و الأحاديث النبوية إلى المفسرين العالِمين بلغة العرب التي نزل بها القرآن، الذين هم أهل العلم بالقرآن و السنة. تذكرتُ موقفاً حصل معي و كان عمري حينها لا يتجاوز العشر سنين، و قد كنت أحفظ القرآن في المسجد مع طلاب آخرين، و قد جاورني طالبين بالغين فتلى أحدهما قوله تعالى من سورة القصص { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} فنطق الطالب الثاني متهكماً بلهجةٍ عاميةٍ جزائرية ("مالا من ضرك منزيدش نفرح") !!!

و رغم إباحة الضرب بشروط و في حالات معينة كما بيّن القرآن الكريم و دلت عليه السنة النبوية و كما فسره لنا علمائنا الأجلاء، إلا أن ترك الضرب أولى و أفضل و إن إستلزم الأمر الصبر على الزوجة و معالجة نشوزها و عصيانها بالوعظ و الهجر، و هذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله. و لما اُستُأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضرب قال «اضربوا، و لن يضرب خياركم».

أما الضرب المبرّح فهو ممنوع منعاً باتاً في ديننا الحنيف و لا يجوز بأي شكل من الأشكال و لا لأي سببٍ كان. يقول ابن عرفه المالكي ("و لا يجوز الضرب المبرّح ولو علم الزوج أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه و القصاص"). فالمرأة لها الحق في طلب الطلاق و الإقتصاص من زوجها إن ضربها ضرباً مبرّحا و لو كانت ناشزاً. فما بال أقوامٍ يضربون زوجاتهم المطيعات التقيات العفيفات على أتفه الأسباب، و أبسط الأخطاء، و لأقل الزلات. بل و إنّ بعضهم ليضرب زوجته بلا سبب. نسأل الله السلامة و العافية.

و ختاماً فالحياة الزوجية هي سكنٌ للزوجين و لا تستقيم إلا بالمودة و الرحمة، و لكن الحياة بما فيها من تبعاتٍ وهموم لا تخلو من كدر، فإذا ما هبت رياح الحياة بما يعكر صفو العلاقة الزوجية فعلى كلٍ من الزوجين أن يَلِين مع صاحبه حتى يصلا بعلاقتهما التي وصفها سبحانه في كتابة {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} إلى برّ الأمان. و بالمحبة و الرحمة والحوار القائم على الإحترام المتبادل من الطرفين تكون السعادة الحقيقية و لن يكون هناك ما يدعو إلى الشقاق، و ما أجمل ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ الله تعالى رفيقٌ يحب الرفق و يعطي عليه ما لا يعطي على العنف». و قال أيضاً «عليك بالرفق فإن الرفق لا يكون في شيءٍ إلاّ زانه، ولا يُنزع من شيء إلاّ شانه». و جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «إنّ الله إذا أحب أهل بيتٍ أَدخل عليهم الرفق».


SEO by vBSEO 3.6.1