المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن الفُرص دائــمًا تأتي مرتدية ثيابًا بسيــــطة!


عطاء دائم
05-02-23, 06:53 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هرب من الحروب الأهلية في إفريقيا، ولـجأ إلىٰ أحد البلدان العربية، يـتحدث الإنجليزية دون إجادة مع قليل من العربية التي تعلمها خلال مدة إقامته، وجد الأمان في البلد الجديد لكنه لم يـــجد لقمة العيْش أو بـمعنىٰ أدق لم يعرف كيف يـبحث عنها، فافترش الطريق وعاش علىٰ صدقات العابرين..

أراد أن يُغيّر حاله فظن أن السفر إلىٰ بلد أوروبي مزدهر هو الـحل فقدَّم طلب لـجوء لكن رُفض طلبه.. بعد أن تيقن أن ذلك السفر الذي تمناه لن يأتيه، وبدا له أنه سيبقىٰ في بلد اللجوء إلىٰ أن يشاء الله، قرر أخيرًا أن يبحث عن عمل، لكنه لم يكن لديه أي خبرة في أي شيء أو حرفة يُتقنها، فكان يبحث عن أي عمل!
طال به البحث فافترش ذات مرة علىٰ طريق مقابل لساحة غسيل سيارات، كانت مُشاهدة السيارات وهي تــمر بـمراحل الغسيل المختلفة ومراقبة عـمل العامـــلين بالساحة نوعًا من التسلية له يقـــضي به الوقت.

تعرف علىٰ أحد العاملين بالساحة وكان رجلًا طيبًا في بداية العقد السادس من العمر، يتقاسم معه طعامه أحيانًا، سأله الشاب عن نظام العمل بساحات غسيل السيارات، فأخبره الرجل أن العمل في أغلب ساحات الغسيل يعتمد علىٰ البقشيش الذي يدفعه الزبون للعامــل بــجانب مُرتب رمزي يضعه مُدير الساحة للعاملين بها.

أُعجب الشاب الإفريقي بالفكرة وطلب من المشرف على الساحة أن يعمل معهم بضعة أيام دون أجر حتىٰ يتعلم حرفة غسيل السيارات فأذِن له علىٰ أن يضمنه العامل الذي يعرفه...

خمسة أيام فقط كانت كافية ليتعلّم فيها الشاب كل خطوات الغسيل، تـحسنت حياته قليلًا، فكان ينام في الساحة بعد إغلاقها ويستخدم مرحاض الساحة للاغتسال، لكن كانت قائـــمة العامــلين بالساحة مُكتمــلة فقرر أن يـبحث عن عـــمل بساحات غسيل الســـيارات الأخرىٰ بعد أتقن حرفتها.

بعد فترة من البحث وجد عملًا بساحة غسيل تعمل أربعًا وعشرين ساعة علىٰ أن يبدأ دوامه بعد مُنتصف الليل وحتىٰ العاشرة صباحًا، تلك الفترة التي يأبىٰ العاملون الآخرون العمل بها لقلة عدد السيارات، تسلّم صاحبنا الزيّ الخاص بالعمل وسلّم جواز سفره لمدير الساحة كـــضامن له وهكــذا بدأ أول عــــمل رســـمي له.

لم يكن عدد السيارات قليلًا كـما اعتقد، فقد كان دخل أسبوع واحد كافيًا لدفــع إيــجار شهر لغرفة يسكنها بدلًا من افتراش الطريق، ولم ينقضِ الشهر الثاني له حتىٰ تـــمكن من شراء هاتف محمول مُستعمل وخط حيث كان يُسأل كثيرًا عن رقم هاتفه في أثناء بــحثه عن وظيفة، وهكذا بدأ يشــعر أن حياته تعود للاتزان مرة أخرىٰ بـعد أن قضىٰ أكثر من عام تائـــهًا ضائـــعًا بلا مأوىٰ!

تـمر الشهور ويأتي أحد مُلاك الفنادق لغسل سيارته، يلفت انتباهه نصف العربية التي يتكلم بها صاحبنا، يفتح حديثًا معه فيلاحظ أنه يتـحدث أيضًا إنـجليزية لا بأس بها.. فيعرض عليه وظيفة حامل حقائب في أحد فنادقه شاملة الإقامة الكاملة والطعام بـمرتب لم يكن صاحبنا يحلم به، إضافة إلىٰ بقشيش سيحصل عليه يُعادل تقريبًا دخـله الإجمالي من غسيل السيارات، وتــحويل إقامته من إقامة لاجئ إلىٰ عامـــل!

كاد صاحبنا يطير من الفرح وهو لا يعلم أن فرحة مالك الفندق أكبر لأنه وجد جوهرة نادرة، فمن ذا الذي يتــحدث العربية والإنـجليزية ولم يبلغ الثلاثين بعد ويرضىٰ أن يعمــل حامــل حقائب في فندق ويُقيـم فيه لا يغادره، فطالما كانت تلك الوظيفة نقطة ضعف في نظام الفندق لضعف مستوىٰ اللغة الإنجليزية لكل من يتقدم لها ويرضىٰ بها.

والعجيب أنه حين روىٰ لنا صاحبنا قصته لم يكن يعمل حامـل حقائب في الفندق بل وجدناه مُرتديًا بدلة أنيقة تعلوها ابتسامة ثقة وعلىٰ صدره بطاقة نُقش عليها لقب (مُساعد مُدير).. ساعدته الإقامة الكاملة في الفندق أن يتعلّم علىٰ مدار سنوات ويتدرج في الوظائف ويلمس التحديات الـمختلفة حتىٰ أصبح مؤهـــلًا لأعـــمال الإدارة.

ولا تظن أن مُقابلة مالك الفندق له في ساحة غسيل السيارات هي ضربة حظ وأن كل ما حدث كان صُدفة، لا.. لا حظ ولا صدفة، ما حدث كان ضربة «إن الله لا يغير ما بقوم حتىٰ يغيروا ما بأنفسهم» فلو قابله مالك الفندق وهو مُفترش للطريق يــمد يده، لألقىٰ فيها بعض النقود وغادر دون أن ينبس ببنت شفة، لكنه قابله وهو عامل مُجتهد أهلٌ للـحديث فتــحدث معه فوجـــد فيـــه ضالته.
صدقــــوا حين قالـــوا

إن الفُرص دائــمًا تأتي مرتدية ثيابًا بسيــــطة!

كتاب_زاد
أغنياء_الجنة
إسلام_جمال

:111:

أوتار الأمل
05-02-23, 03:24 PM
طرح قيم وأكثر من رائع
راق لي يعطيكِ ألف عافية
شكرا لكِ غاليتي
لكِ أجمل تحية
:
:81:

عطاء دائم
05-03-23, 06:43 AM
طرح قيم وأكثر من رائع
راق لي يعطيكِ ألف عافية
شكرا لكِ غاليتي
لكِ أجمل تحية
:
:81:

الشكر موصول لكِ غاليتي على كرم المرور
ربي يسعدك


SEO by vBSEO 3.6.1