المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وخز المهانة


السهم الأخير
05-03-23, 07:36 AM
سألتني إبنتي ذات يوم : أبي أريد أن أرى أكثر شيء موجع يمكن أن يمر به الرجل . أطرقت رأسي وقلت لها : أترين هذه التجاعيد والمقل المبيضة والحواجب المتهدلة ؟ فقالت : أجل ولكنها في نظري جمالا يزينك بين الرجال وأمي ترى ذلك أيضا. أريد أن أرى ما يطرد هذا الفضول الذي يحيط بي منذ زمن.
فقلت لها وأنا أهم بالخروج : حين يكون الوجع جمالا لا يظل بعده وجع نحس به . أخبري أمك أنني قد لا أعود سريعا هذه الليلة . فقالت : ولكنه الصباح الباكر يا أبي وسيكون بوسعك أن تنهي كل مشاغلك وتعود للدار قبل حلول الليل.
ابتسمت وأنا أحرك رأسي عجبا ما أكثر فضولك يا صغيرتي . تبعتني وهي تظن أنها تتبعني دون علمي ورأتني أنظر لرجل يهين إمراة في الشارع كانت تبيع الخبز ورحل وهي تنظر إلي بعين تطلب العون ولكن لا حياة لمن تنادي . ضربت إبنتي بيدها الجدار وقالت : ياللعار أبي لا تقف هكذا . مررت أمام المرأة وهي تذرف الدمع وتقول: لم يبق في الحي من يعين المستضعف . خطوت خطواتي وإبنتي تحاول مواساة المرأة وتجمع خبزها وتستأذنها في ملاحقتي فقالت لها: إن خبزي هذا لأعلى مكانة من أبيك الراضي بالذل والهوان . غضبت إبنتي ونادتني : أبي لماذا تفعل ذلك؟ مشيت في طريقي كأني لم أسمعها فرأيت طفلا يبكي معلقا بي : عمي أطعمني أنا يتيم لم أذق الطعام منذ أيام . مضيت في طريقي وإبنتي تضع كفها على فمها : لا يا أبي ليس إلى هذا الحد . وجلست تبكي مع الطفل وتطعمه خبزة كانت اشترتها من تلك المرأة المسكينة . مضيت في طريقي وقد بدأ المطر يهطل فأحسست بيدا تمسك يدي وتشدني فإذا هي إبنتي تبكي وتقول: أبي دعنا نعود للدار فقد رأيت منك اليوم أقسى ما تتخيله إبنة كانت تفخر بأبيها . دعنا نعود فلا أرى أمامي إلا رجلا يمشي بلا مشاعر . تركت المسكينة تبكي وتركت اليتيم يبكي وبكت الغيوم فلا تتركنا نسبح في دموعها ودعنا نعود .
عدنا وفي الطريق مررنا بالطفل يحضن إبنتي ويقول لها : تعالي نلعب فنظرت إلي إبنتي وكأنها تطلب رأيي فمشيت وتركتها واقفة تحت زخات المطر مع الطفل وهي تبكي وتحضن الطفل وتحاول حثه على العودة للبيت ولكنه يبكي ويشكو لها أنه بلا مأوى فحملته وتبعتني وفي الطريق مررنا بعربة العجوز وقد بللت الأمطار خبزها وهي في أسوء حال من ذي قبل فمدت يدها استعطافا ولكنني لم أساعدها بشيء .
صرخت إبنتي : أبي لماذا يا أبي؟ هم لا يعرفون أنك أطيب وأرق من هكذا ولكن لماذا تتظاهر بالقسوة؟ لماذا ؟ وجلست تبكي مع المرأة والطفل اليتيم وقررت أن تأخذهما للبيت لتكرمهما.
وصلت إبنتي مع ضيوفها وهي تبكي وتشكي لأمها : أماه لم أر أبي بتلك القسوة أبدا وقد أنكرته وأحسست تجاهه بشيء من الامتعاض . وبدأت تخبرها بكل ما جرى وتزيد الأحداث مواجعا ودموعا .
إنتظرت عودتي بفارق الصبر وحل الظلام وكاد الليل أن يصل إلى المنتصف ولما أقبلت عائدا خرجت إلي وقد زاد غضبها أنني لم أكن في البيت لأبرر أفعالي لضيوفها الذين رحلوا هم أيضا .
بكت بكاءا شديدا شق سكون الليل وهي تضربني ضربا خفيفا على صدري : أبي لماذا تفعل بي كل هذا ؟ وارتمت في حضني تبكي .
مسحت دمعتها وقلت لها : هذا هو أقسى شيء يمكن أن يمر به الرجل . أن يكون مكبلا بالهوان والذل .
هكذا يفعل الظلمة بإخواننا وأخواتنا في أغلب بلاد المسلمين ونحن لا نحرك ساكنا . نحن من نحن؟ نحن قوم مكبلون بالعار .

إهداء لكل مسلم ومسلمه لم أخرج من هواني وذلي لأنصرهم ذات يوم .

إرتواء
05-03-23, 08:21 AM
وأنا أقرأ القصة لم أتوقع مقاصد أفعاله
وإلى أي فكرة تصل بنا، حتى وصلت للنهاية الموجعة
وهي أن أقسى شيء ٍ للرجل أن يكون مكبلا بالهوان والذل!

قصة لها معنى ! سلم المداد

السهم الأخير
05-03-23, 08:54 AM
وأنا أقرأ القصة لم أتوقع مقاصد أفعاله
وإلى أي فكرة تصل بنا، حتى وصلت للنهاية الموجعة
وهي أن أقسى شيء ٍ للرجل أن يكون مكبلا بالهوان والذل!

قصة لها معنى ! سلم المداد

راق لي ما وصل إليكم من فكرة نيرة. سلم المرور العطر

شباصه منحاشه
05-03-23, 02:07 PM
شكراً لك خاطره جميله ننتظر جديدك

عطاء دائم
05-03-23, 02:31 PM
خاطرة جميلة حملت معاني أجمل
يعطيك العافية أخي
يختم ل3ايام مع التقييم

الْياسَمِينْ
05-03-23, 10:30 PM
للمرة الأولى أقرأ نصاً يشدّني
وهو يعلن عن أسراره منذ البدء وبإسلوب مغرق بالواقعية
لكنه استثمر ممكناته الإبداعية لتعتعت القارئ إلى الخاتمة
التي انعطف بها على غير المتوقع بإسلوب مخاتل ، ولغة السهل الممتنع ،
بغية التوصيل بسلاسة رغم القناعة التي تولدت في مستهل القراءة
هذا إذا قرأنا النص حرفياً أي قراءة تقليدية ..
أما إذا تأملنا النص ، وأحلناه إلى منطقة التأويل
فهنا سنحتاج إلى مجسات أكثر كفاءة
حيث ستقودنا إلى استنباط رؤى أخرى
والخروج من النص بأكثر من فكرة
قابلة لأن تكون نصاً مستقلاً
وبإشكاليات نفسية معقدة ،
أي أنّ الاخ السهم الأخير
أراد تثوير أكثر من قضية في نص
وهذا شأن الأديب المحترف الواعي
الذي يقود التلقي كيفما يشاء
هناك صورة يرسمها الكاتب في ذهنه..ويترجمها لنص
يأتي القاريء ليقرئها بصورة في ذهنه..
قد لا تكون الصورتان متطابقان..ولكنهما قريبة الملامح
في نصّك رسائل ، وهي عميقة المغزى..رغم أنك اختزلتها
في جمل قصيرة جدا..
تبهرني رسائلك..ومحتواها المضغوط
أخي السهم الأخير
ها أنت تنهي نصك بـ( نحن قوم مكبلون بالعار .)
نعم العرب يختلفون عن باقي الأمم ….:MonTaseR_11:

غَـزل ،
05-04-23, 01:45 AM
'




اقفُ احتراماً اما نص باذخ
بين سطوره دروساً مجانية
وحبره من ماء الذهب
وما اصعبُ مما ذكرت هو ان تربي خلفكَ جيلاً يخاف الله ويحتذي بطريقك

السهم الأخير
05-04-23, 08:57 AM
شكراً لك خاطره جميله ننتظر جديدك

العفو أختي الكريمة ، يشرفني إنتظاركم لجديدي الذي لا يرقى لمقام ذائقتكم .

ودي وتقديري

السهم الأخير
05-04-23, 08:58 AM
خاطرة جميلة حملت معاني أجمل
يعطيك العافية أخي
يختم ل3ايام مع التقييم

عطاء دائم يزخر به شخصكم الكريم وشرفني كثيرا مروركم الفخم

ودي وتقديري

السهم الأخير
05-04-23, 09:06 AM
للمرة الأولى أقرأ نصاً يشدّني
وهو يعلن عن أسراره منذ البدء وبإسلوب مغرق بالواقعية
لكنه استثمر ممكناته الإبداعية لتعتعت القارئ إلى الخاتمة
التي انعطف بها على غير المتوقع بإسلوب مخاتل ، ولغة السهل الممتنع ،
بغية التوصيل بسلاسة رغم القناعة التي تولدت في مستهل القراءة
هذا إذا قرأنا النص حرفياً أي قراءة تقليدية ..
أما إذا تأملنا النص ، وأحلناه إلى منطقة التأويل
فهنا سنحتاج إلى مجسات أكثر كفاءة
حيث ستقودنا إلى استنباط رؤى أخرى
والخروج من النص بأكثر من فكرة
قابلة لأن تكون نصاً مستقلاً
وبإشكاليات نفسية معقدة ،
أي أنّ الاخ السهم الأخير
أراد تثوير أكثر من قضية في نص
وهذا شأن الأديب المحترف الواعي
الذي يقود التلقي كيفما يشاء
هناك صورة يرسمها الكاتب في ذهنه..ويترجمها لنص
يأتي القاريء ليقرئها بصورة في ذهنه..
قد لا تكون الصورتان متطابقان..ولكنهما قريبة الملامح
في نصّك رسائل ، وهي عميقة المغزى..رغم أنك اختزلتها
في جمل قصيرة جدا..
تبهرني رسائلك..ومحتواها المضغوط
أخي السهم الأخير
ها أنت تنهي نصك بـ( نحن قوم مكبلون بالعار .)
نعم العرب يختلفون عن باقي الأمم ….:MonTaseR_11:

أعترف أن كثيرا من ما حاولت أخفيه قد بدا لكِ يا أختي ودفعني لأن أحس بقسوة ما كتبتُ بالأمس . شكرا لمرور زاخر استفزني لحد البكاء .
https://nesan.net/content/uploads/17613667795ab0e9b27f8f4038250690.jpg

السهم الأخير
05-04-23, 09:08 AM
'




اقفُ احتراماً اما نص باذخ
بين سطوره دروساً مجانية
وحبره من ماء الذهب
وما اصعبُ مما ذكرت هو ان تربي خلفكَ جيلاً يخاف الله ويحتذي بطريقك

شكرا لكم من القلب يا من أضفتم حلة ورونقا لنصي المتواضع و غمرني فيض كرمكم

أمل.
05-04-23, 11:41 AM
جميل ان يوظف الكاتب
افكاره بطريقه سلسة وجميلة
يعطيك العافيه

خياآل
05-04-23, 11:51 AM
قصة توقظ الضمير
حقيقة ابدعت واوجعت يالسهم
وفي الصميم

السهم الأخير
05-04-23, 01:43 PM
جميل ان يوظف الكاتب
افكاره بطريقه سلسة وجميلة
يعطيك العافيه

الأجمل أن يحط المتذوق الكريم رحاله ليضفي جمالا ونورا على أحرف لا يمكن أن تكون ذات قيمة بدون هذا الكرم والجود.

أطيب التحايا

السهم الأخير
05-04-23, 01:45 PM
قصة توقظ الضمير
حقيقة ابدعت واوجعت يالسهم
وفي الصميم

لأنك صاحب ضمير حي أحييت شيئا ميتا في ضمير الكاتب.

كنت أدرك أنها ستوجع كثير من أحبتي ولكن كان لابد من ذلك الوجع.

ودي وتقديري

مازن الفيصل
05-05-23, 01:06 AM
أحسنت وأجدت..

فسّرت ولخّصت..

المهانةُ هي العجز بكلّ صوره..

المهانةُ أن تفقد الإرادة..

أن يعجز اللسان..

وأن يتحمل القلب ما لا يطيق..

شكرًا لك عزيزي لهذا النص الرائع الماتع الهادف

تحياتي


SEO by vBSEO 3.6.1