المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصعود إلى أسفل ( إبداعي )


منى
05-10-23, 11:41 AM
أنا المصلوب تحت شمس الحزن، الآن مقيد بخيبتي وانهياري الذي يكاد يكون نهائيا وأهمس مع الدمع المنهمر:
- " سامحني يا أبي" .
الآن عرفت لماذا نبهني أبي إلى ذلك الطفل عندما كنت صغيرا، كنت برفقته ونحن في طريقنا إلى العاصمة، فحين توقفت الحافلة في المحطة للاستراحة، شاهد أبي طفلا عمره مثل عمري تقريبا، رث الثياب، ضعيف البنية، وينظف ساحة محطة الحافلات من الأوراق والأوساخ، قال لي :
- انظر إلى ذلك الطفل!
لم أتكلم واكتفيت بالنظر بصمت إلى ذلك الطفل الذي رأيت البؤس ينقط منه، بقيت أنظر إلى أن سارت الحافلة واختفى من أمام عيني.
كلما أتذكر تلك الأيام، أيام الطفولة والصبا
أنسج آهاتي وحسراتي ثوبا للأيام القادمة، ويغمرني ألم لا أفق له، ألم الروح والجسد الضاوي.
في كل لحظة أتقهقر أمام حسرة الروح والجسد، أبكي بصمت وأتساءل :
- " ماذا فعلت بنفسي؟ كيف حفرت بيديَّ طريق بؤسي وشقائي؟!
لماذا كنت أستجيب لهما ، بل لماذا اخترتهما صديقين ورفيقين لي أصلا؟!
حدث ذلك منذ زمن بعيد، كنت وقتها في المرحلة المتوسطة، وهما أيضا كانا طالبين في المرحلة المتوسطة، ورغم أنهما لم يكونا في مدرستي ، بل في مدرسة أخرى لا تبعد كثيرا عن مدرستي، إلا أننا كنا نلتقي دائما، وصدق من قال: الطيور على أشكالها تقع.
بعد الحصة الدراسية الثانية وأحيانا الثالثة، كانا يخترعان ألف حجة وحجة ويأتيان إلى مدرستي، يدخلان الصف بأدب مصطنع، ويتكلم واحد منهما مع معلمي ويرسم على وجهه علامات الحزن، فيطلب مني معلم الصف الذهاب إلى البيت، ترى من الذي كان مخطئا أكثر ، هما أم أنا أم المعلم؟
المشهد كان يتكرر كل يومين أو ثلاثة ،مرة أبي مريض ويريد رؤيتي ومرة أمي تريدني لأمر هام، ومرة بحجة أنني سأسافر إلى المدينة مع أبي ومرة .. ومرة..
كنا نرى الدراسة ليست أكثر من مضيعة للوقت، وعالم المعرفة ليس إلا أكذوبة ابتدعها مهرج ماهر يتقن اللعب بالكلام، وهذا المهرج لم يكن إلا معلمي، نحن الثلاثة أطلقنا عليه هذه التسمية ، كنا نحلق كطيور سعيدة في فضاءات رسمناها لأنفسنا، ونقول لها بسعادة غامرة ونحن نضحك :
- " خذينا بعيدًا جدا عن أجواء المدرسة، اتركينا نرتاح من الدروس والواجبات المدرسية، وابعدينا كثيرا عن معلمينا ومدرائنا وموجهينا الذين لا يتحدثون إلا عن العلم.
كان كل همنا أن نبني عالما آخر، ليس فيه غير الحرية، ماهي الحرية التي ننشدها؟
هي التسكع في الشوارع، تدخين السجائر، الجلوس في الحدائق، وملاحقة الفتيات، وفعل أشياء فاضحة في الشوارع والأسواق.
عند انتهاء دوام المدارس، كنا نمضي مع الطلبة إلى بيوتنا ونقول لبعضنا البعض:
- " متى سنترك المدرسة ونرتاح؟ وفي البيت كنا نرمي حقائبنا في أي مكان ونتصنع التعب أو المرض، وحين كان أبي يجبرني على كتابة وظائفي وواجباتي، كنت أحمل القلم وأكتب رغما عني، كنت أكتب الكلمات دون نقط، وحين الانتهاء من ملء الصفحة، كنت أغمض عيني وأضع النقاط على الحروف كيفما اتفق، ولا أعرف حتى هذه اللحظة لماذا كنت أفعل ذلك؟!
لم نذق طعم النجاح نحن الثلاثة ، ثلاث سنوات ونحن نرسب وفي السنة الرابعة، وبعد أن أتعبت أبي كثيرا، أخرجني من المدرسة ، فبدوت مثل من يمتلك كنوز الأرض ، ثم لحق صديقي " أسعد" وترك المدرسة ، وتبعه بعد أيام صديقي الثاني" ماجد" .
عملت مع أبي في دكانه الصغير ، أما أسعد وماجد فقد ذهبا في طريق أسوأ من طريقي.
مرت الأيام والسنوات طوت صفحاتها، وكبرنا، لكنا افترقنا، بل فرّق بيننا البؤس ومعه الحاجة.
رحل أبي وصارت الأيام مظلمة في عينيّ، والآن كم أتألم وأتعذب لأنني لم أذهب إلى أبي مرة واحدة وأنا أحمل نجاحي، دائما كنت أذهب إليه وأنا محمل فشلي، ليتني بقيت عاريا وجائعا كل أيامي التي عشتها ولم أترك المدرسة، فأنا لم أكن أدري أن التاريخ والجغرافية سيتخلا عني وأن شموسي وأقماري ستظل مكسورة وأن الندم سينهمر مني.

عطاء دائم
05-10-23, 12:03 PM
تثبت خلال مدة المسابقة

خياآل
05-10-23, 01:28 PM
قصة رائعة معبرة
سلم البنان
وفالك الفوز

السهم الأخير
05-10-23, 04:07 PM
آه يا وجعي
هكذا يقول من يدرك قيمة النصح متأخرا وقد غاب أهم ناصح

ولكن سيكون فخورا جدا بك لأن فضائلك وحسن خلقك نتاجا عن تربية صالحة .

ستتحقق المنى يا منى ، كان النص شامخا قاسيا يحمل في طياته حزن ممزوجا بندم قليل وشيء من الفخر لأن الدرس قد لقى أذن واعية. ابدعتم

عطاء دائم
05-11-23, 06:22 AM
للأسف
لا ينفع الندم بعد فوات الاوان
ولكن هي الحياة
يراه المراهق في هذا العمر فوضى وتحقيق رغبات فقط
حتى تمر الايام ويندم على ضياع الوقت بما لا ينفع
قصة معبرة
يعطيك العافية غاليتي
تمنياتي لكِ لاتوفيق في المسابقة

A.M.A.H
05-11-23, 06:29 PM
بصراحه أهنيك على هذا النص
مشاعر ضخمه متزاحمه
نص إحترافي ومن الجمال قراءة نص
لكي كهذا

أهنيك على فخامة القصه

نجمة
05-11-23, 07:02 PM
قصة إجتماعية سلسة
رغم اني اختلف معك في الحبكة
لأن الواقع شيء آخر تماما
ولا يعتمد فقرك وغناك ع امتلاكك لشهادة او لا
واصلي ي مبدعة ^^

الْياسَمِينْ
05-12-23, 12:09 AM
كأن هناك محفزات
تجمعت على شكل إرهاصات
وعلامات تنذر بالأسوأ منها
ومع ذلك تجاهلها ..
علّ وعسى نتعظ من العبر
بالتوفيق :MonTaseR_205:

إرتواء
05-12-23, 08:53 AM
كما يُقال (الصاحب ساحب) :24:
لهذا على الإنسان أن يختار بعناية من يصاحب
والآن من يعيد له سنين عمره التي ضيعها؟

قصة جميلة تحمل المعنى، وتناسب أن يقرأها الجيل الحالي لإدراك أهمية اختيار الأصحاب جيدًا، وتقدير العلم :x150:
أبدعتِ منى ، بالتوفيق :ah11:

ابووعبدالله
05-14-23, 12:35 PM
فخامه...
كل مايخرج من " دكان" القلب يظل " فخم" ولو كان حزنا..
ثم اما بعد
خذي من يد الصباح باقة ورد..
وقارورة عطر وتحايا لا تموت..

وبس

طاغي النظرة
05-14-23, 06:34 PM
!


قصه

فيها من العبر

والحكم الكثير


شكرا لهذا السرد اللطيف

والتميز الا محدود


فالك الفوز

العشق الممنوع
05-20-23, 01:03 AM
الأخت منى
سأجمع لكلماتك الثناء حرفاً حرفاً
وسأصنع لكِ أكليل من الزهور
لكِ شكر بعدد قطرات السماء
وثناء على ورقة بيضاء
ولقلبك السعادة
شكراً لطرحك الرائع

EVE
05-22-23, 09:19 PM
الحياة مجموعة أدوار نتنقل من دور إلى الذي يليه

لكننا لا نقتنع بكلام و آراء و نصائح من سبقونا في تجربتهم

حتى نقع في فخ الدور

و نسترجع الذاكرة

فإما نندم

أو نشعر بالامتنان لمن صدقونا النصح



منى

قصة ذات مغزى تربوي مهم

أعد النجوم
05-28-23, 01:32 AM
الله يعطيك العافيه

ابدعتي جدااا

قصه راقت لي

فالك الفوز

جار القمر
06-02-23, 06:49 PM
أنا المصلوب تحت شمس الحزن، الآن مقيد بخيبتي وانهياري الذي يكاد يكون نهائيا وأهمس مع الدمع المنهمر:
- " سامحني يا أبي" .
الآن عرفت لماذا نبهني أبي إلى ذلك الطفل عندما كنت صغيرا، كنت برفقته ونحن في طريقنا إلى العاصمة، فحين توقفت الحافلة في المحطة للاستراحة، شاهد أبي طفلا عمره مثل عمري تقريبا، رث الثياب، ضعيف البنية، وينظف ساحة محطة الحافلات من الأوراق والأوساخ، قال لي :
- انظر إلى ذلك الطفل!
لم أتكلم واكتفيت بالنظر بصمت إلى ذلك الطفل الذي رأيت البؤس ينقط منه، بقيت أنظر إلى أن سارت الحافلة واختفى من أمام عيني.
كلما أتذكر تلك الأيام، أيام الطفولة والصبا
أنسج آهاتي وحسراتي ثوبا للأيام القادمة، ويغمرني ألم لا أفق له، ألم الروح والجسد الضاوي.
في كل لحظة أتقهقر أمام حسرة الروح والجسد، أبكي بصمت وأتساءل :
- " ماذا فعلت بنفسي؟ كيف حفرت بيديَّ طريق بؤسي وشقائي؟!
لماذا كنت أستجيب لهما ، بل لماذا اخترتهما صديقين ورفيقين لي أصلا؟!
حدث ذلك منذ زمن بعيد، كنت وقتها في المرحلة المتوسطة، وهما أيضا كانا طالبين في المرحلة المتوسطة، ورغم أنهما لم يكونا في مدرستي ، بل في مدرسة أخرى لا تبعد كثيرا عن مدرستي، إلا أننا كنا نلتقي دائما، وصدق من قال: الطيور على أشكالها تقع.
بعد الحصة الدراسية الثانية وأحيانا الثالثة، كانا يخترعان ألف حجة وحجة ويأتيان إلى مدرستي، يدخلان الصف بأدب مصطنع، ويتكلم واحد منهما مع معلمي ويرسم على وجهه علامات الحزن، فيطلب مني معلم الصف الذهاب إلى البيت، ترى من الذي كان مخطئا أكثر ، هما أم أنا أم المعلم؟
المشهد كان يتكرر كل يومين أو ثلاثة ،مرة أبي مريض ويريد رؤيتي ومرة أمي تريدني لأمر هام، ومرة بحجة أنني سأسافر إلى المدينة مع أبي ومرة .. ومرة..
كنا نرى الدراسة ليست أكثر من مضيعة للوقت، وعالم المعرفة ليس إلا أكذوبة ابتدعها مهرج ماهر يتقن اللعب بالكلام، وهذا المهرج لم يكن إلا معلمي، نحن الثلاثة أطلقنا عليه هذه التسمية ، كنا نحلق كطيور سعيدة في فضاءات رسمناها لأنفسنا، ونقول لها بسعادة غامرة ونحن نضحك :
- " خذينا بعيدًا جدا عن أجواء المدرسة، اتركينا نرتاح من الدروس والواجبات المدرسية، وابعدينا كثيرا عن معلمينا ومدرائنا وموجهينا الذين لا يتحدثون إلا عن العلم.
كان كل همنا أن نبني عالما آخر، ليس فيه غير الحرية، ماهي الحرية التي ننشدها؟
هي التسكع في الشوارع، تدخين السجائر، الجلوس في الحدائق، وملاحقة الفتيات، وفعل أشياء فاضحة في الشوارع والأسواق.
عند انتهاء دوام المدارس، كنا نمضي مع الطلبة إلى بيوتنا ونقول لبعضنا البعض:
- " متى سنترك المدرسة ونرتاح؟ وفي البيت كنا نرمي حقائبنا في أي مكان ونتصنع التعب أو المرض، وحين كان أبي يجبرني على كتابة وظائفي وواجباتي، كنت أحمل القلم وأكتب رغما عني، كنت أكتب الكلمات دون نقط، وحين الانتهاء من ملء الصفحة، كنت أغمض عيني وأضع النقاط على الحروف كيفما اتفق، ولا أعرف حتى هذه اللحظة لماذا كنت أفعل ذلك؟!
لم نذق طعم النجاح نحن الثلاثة ، ثلاث سنوات ونحن نرسب وفي السنة الرابعة، وبعد أن أتعبت أبي كثيرا، أخرجني من المدرسة ، فبدوت مثل من يمتلك كنوز الأرض ، ثم لحق صديقي " أسعد" وترك المدرسة ، وتبعه بعد أيام صديقي الثاني" ماجد" .
عملت مع أبي في دكانه الصغير ، أما أسعد وماجد فقد ذهبا في طريق أسوأ من طريقي.
مرت الأيام والسنوات طوت صفحاتها، وكبرنا، لكنا افترقنا، بل فرّق بيننا البؤس ومعه الحاجة.
رحل أبي وصارت الأيام مظلمة في عينيّ، والآن كم أتألم وأتعذب لأنني لم أذهب إلى أبي مرة واحدة وأنا أحمل نجاحي، دائما كنت أذهب إليه وأنا محمل فشلي، ليتني بقيت عاريا وجائعا كل أيامي التي عشتها ولم أترك المدرسة، فأنا لم أكن أدري أن التاريخ والجغرافية سيتخلا عني وأن شموسي وأقماري ستظل مكسورة وأن الندم سينهمر مني.


الراقية
منى

وهنا قصة ومعلومة وفكرة

الندم لا يعيد شئ سيدتى

بل يفتح لنا ابوابا من الذكريات

وتعيد لنا شريط حياتنا مجددا

وهذا ذنب ما فعلنا ولم ندرك صداه

الذى بات يؤلمنا

صح لسانك سيدتى وسلم حرفك

اتمنى لكى الفوز فى المسابقة


SEO by vBSEO 3.6.1