المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إسماعيل عليه السلام


عبدالله الهُذلي
05-13-23, 09:42 AM
إسماعيل عليه السلام


بِكرُ إبراهيمَ وابنُه من هاجر، تركه إبراهيم مع أمه في واد غير ذي زرع وهو لا يزال رضيعًا، وترك عند أمه جرابًا من تمر وسقاءَ ماءٍ وعاد إلى فلسطين، كان ذلك عن أمر الله، فلما اطمأنت هاجر إلى أن هذا المنفى هو إرادة ربانية، قالت: فإذًا لن يضيعنا الله، فلما فني الزاد ونضب الماء وعطش الولد وجف عند هاجر الضرع قامت تبحث عن الماء هائمة على وجهها مضطربة تعلو جبل الصفا وتنظر فلا تجد شيئًا، وتهبط الوادي وهي تتلفت يمينًا وشمالًا ثم تصعد جبل المروة وتتطلع بعيدًا بعيدًا، فترجع من هذا وذاك صِفْرَ اليدين، وكررت هذا المشهد سبع مرات، ثم أحست بصوت خافت منبعث من بعيد، فقالت لنفسها: صه، تريد أن تسمع بوضوح، فإذا بجبريل عليه السلام يضرب الأرض قرب قدمي ولدها إسماعيل، فينبجس الماء، وتسرع إلى الماء تحبسه وتملأ السقاء، وتنعَم بماء زمزم المبارك.



ويشب إسماعيل قويًّا حليمًا مطيعًا لوالديه بالرغم من قلة زيارات والده إبراهيم له، ثم يخضع إسماعيل لأقسى امتحان يتعرض له فتى في مثل سنه: ﴿ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102]، وكان جواب الابن البار: ﴿ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]، فنجَح في الامتحان صابرًا، وفداه الله بذبح ثمين؛ لذلك اكتسب صفةَ الصبر: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85].



ولما اشتد عوده ساعَد والدَه في بناء الكعبة: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96].



وعاش بين قبيلة جرهم التي نزلت بجوارهم، وشب قويًّا فصيحًا بينهم، فزوجوه منهم، ثم توفيت والدته وهو في ريعان شبابه وفتوته، وزاره والدُه قادمًا من فلسطين، لكنه لم يره، فسأل زوجته عنه فقالت: هو في الصيد، فسألها عن أحوالهما - وهي لا تعرف أنه والد إسماعيل - فقالت: نحن في أسوأ حال، ونعيش في ضنك وفاقة، ولم تحمَدِ الله على نعمه، فعرَف مِن كلامها جهلها، ولا ينبغي أن تكون زوجة نبي، فقال لها: إن حضر، أقرِئيه السلام وقولي له يغير عتبة بيته، وعاد إسماعيل من رحلته محملًا بالصيد، فقال لزوجته: أمر بكم أحد؟ قالت: نعم، شيخ كبير جليل مهاب، قال إسماعيل: أقال لك شيئًا؟ قالت: نعم، يسلم عليك، ويأمرك بتغيير عتبة بيتك، فقال: هذا أبي، وقد أمرني بأن أطلقك، ثم غاب إبراهيم عليه السلام ما شاء الله له أن يغيب، وعاد إلى الحجاز يتفقد ابنه، فحضر ولم يجده، فسأل زوجته، فقالت: هو في الصيد، فسألها عن أحوالهما، فقالت: نحن بخير والحمد لله، وتغمرنا نِعم الله، ثم قالت: انزل ضيفًا علينا؛ فلا يلبث إسماعيل أن يحضر، فقال: أقرئيه السلام وقولي له يثبت عتبة بيته، وحضر بعد مدة إسماعيل، وسألها إن كان قد حضر أحد في غيابه، فذكرت له حضور شيخ مهيب، فقال: هل قال شيئًا؟ قالت: نعم، يسلم عليك ويطلب منك تثبيت عتبة بيتك، قال لها: هذا أبي، وقد أمرني بأن أتمسك بك، وعاشت معه تتحمل مسؤولية البيت في صبر واقتدار، وحق لها بهذه الأخلاق أن تكون زوجة نبي؛ فقد نُبِّئَ إسماعيل عليه السلام وهو في الأربعين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 54، 55]، فكان رسولًا إلى قومه من العرب، وكان يأمرهم بالصلاة والزكاة؛ فهم أهله وعشيرته، والأمر عام غيرُ مقتصر على الأهل، وقد سار في قومه سيرة فيها الحب والرحمة؛ فاكتسب محبتهم وعاش بينهم مكرمًا مبجلًا، ﴿ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [ص: 48].

وأما شريعتُه فهي شريعة إبراهيم، دِين الحنيفية السَّمْحة: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ﴾ [البقرة: 136]، فهذه الآية تظهر أن المُنزَّل إلى إبراهيم وأبنائه وأسباطه واحد، علمًا بأن الدين المنزل على كل الأنبياء واحد أيضًا؛ قال الله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ [الشورى: 13].



أما دعوة إسماعيل فإن القُرْآن قد ذكرها مقتضبة؛ ربما لأنها فعلًا دعوة إبراهيم نفسها، فهي استمرار لها، وكما مر سابقًا فإن إبراهيم أقام مدة في الحجاز يبني البيت، ويعلم الناس الحج ومَن لبى نداء الحج الذي نادى به إبراهيم، فإنه ولا شك حجَّ وَفْق شريعة إبراهيم، وعلى هذا فرسالة إسماعيل هي امتداد لرسالة والده؛ لذلك كان العرب يقولون: نحن على دِين الحنيفية، ثم دخَلها - لطول الفترة بين الرسل - التحريف، كما حدَث لغيرها من الرسالات في الأمم الأخرى، لكن تُطالعنا السيرة أن نفرًا من العرب استمروا على المنهج الصحيح لا يسجدون للأصنام ولا يقدِّسونها، وينبِذون ما انغمست فيه قريش مِن الوثنية، وكان من هؤلاء: ورقة بن نوفل، وعبيدالله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقالوا فيما بينهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء، أخطؤوا دِين أبيهم إبراهيم، ما حجَر نطوف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع!.

وذكر في السيرة أيضًا: أن إسماعيل خلف اثني عشر رجلًا، أكبرهم نابت، وهو الجد التاسع لعدنان، ومِن عدنان تفرقت القبائل مِن ولد إسماعيل، وذكر أهل التواريخ أن إسماعيل عاش مائة وثلاثين سنة، والله أعلم، وورد أنه أول مَن استأنس الخيل في بلاد العرب فأصبحت مطية الإنسان السريعة في الصيد والحرب، والكَر والفَر، وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: مر النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نفر مِن أسلم ينتضلون - يتبارَوْن برمي السهام على أهداف نصبوها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان))، قال: فأمسَك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم لا ترمون؟))، فقالوا: يا رسول الله، نرمي وأنت معهم؟ قال: ((ارموا وأنا معكم كلِّكم))، وهذا الحديثُ يشهد على مهارة إسماعيل في الرمي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يُحْيِيَ عندهم هذه الخَصلة والمهارة في الرمي؛ لأنها مهمة في الحرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشجع على الرمي، وورد في ذلك أحاديثُ كثيرة، منها: ما أخرجه البخاري عن عبدالرحمن بن أبي حسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحبُّ إليَّ مِن أن تركبوا، كلُّ ما يلهو به الرجلُ المسلم باطلٌ، إلا رميَه بقوسِه، وتأديبَه فرَسَه، وملاعبتَه أهلَه، فإنهن من الحق)).

يلدز
05-13-23, 10:12 PM
جزاك الله خير

:27:

عطاء دائم
05-14-23, 06:22 AM
جزاك الله خيرا ونفع بك اخي
يعطيك العافية
يختم ل3 ايام مع التقييم

قلب حيران
05-18-23, 12:41 PM
بارك الف بك


SEO by vBSEO 3.6.1