المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تدبر ســـورة الحج لد.رقية العلواني (مقدمة )


امانى يسرى
05-22-23, 05:31 AM
الوصية بتقوى الله



السورة بأكملها من أول آية حتى آخر آية بكل ما جاء في السورة من أحكام ومن أركان ومن آيات عظام جاءت تمشي مع الإنسان خطوة خطوة نحو تنمية التقوى نحو الترقي به في سُلَّم التقوى فالتقوى درجات والتقوى بناء. نحو تنمية القلب الخاضع الخاشع لربه سبحانه درجة درجة.


ابتدأت بقضية يهيأ لقارئها في البداية أنها لا علاقة لها مباشرة تربط بينها وبين ركن الحج الذي سميت السورة على اسمه.



السورة في أول آياتها تخاطب الناس أجمعين لا تخاطب المؤمنين فحسب مع العلم أن ركن الحج خوطب به الناس جميعاً ولكنه فرض على المؤمن السورة بدأت بقول الله عز وجل
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ)
تخاطب البشرية
(اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)
أول خطاب يخاطب به الله سبحانه وتعالى في السورة البشرية جمعاء هو خطاب التقوى الأمر بالتقوى الوصية بالتقوى
(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)
القيامة ذلك اليوم الذي قد يستبعده كثير من الناس قد لا يرون صورته بين أعينهم وهم يسيرون في دروب الحياة ولكن هو واقع لا محالة.




أهوال يوم القيامة



(يَوْمَ تَرَوْنَهَا)
المسألة منتهية المسألة من المسلّمات المسألة قادمة قطعاً .. ترون آيات يوم القيامة ترون الساعة ترون أهوال هذا اليوم العظيم
(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
لو أردنا أن نبحث عن أي كلمات عن أي أوصاف تصف وتقرب أهوال يوم القيامة
للبشر لا يمكن أن نأتي بمثل هذه الآية العظيمة، يا سبحان الله!

هذا الكتاب العظيم معجز في وصفه معجز بكلماته بحروفه بكل شيء فيه ولا عجب فهو من رب العالمين سبحانه. الآية وصفت أنه ما يأتي يوم القيامة من مواقف، من شداد، من أهوال، من صعاب، يجعل حتى المرضعة التي هي أشد ما تكون التصاقاً ومحبة برضيعها تصاب بحالة من الذهول حالة من العجب حالة من الحزن والكرب الشديد يجعلها لا تلتفت إلى هذا الرضيع التي هي في الحالة المعتادة أشد ما تكون التصاقاً به.

(وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)
من شدة الهول. وترى الناس جميعاً في حالة من الذهول والكرب والحزن الشديد ما يجعلهم في حالة أقرب إلى السكر من أي شيء آخر، السُكر بمعنى غياب العقل بمعنى الذهول بمعنى عدم الإدراك لما يدور حولهم نتيجة للأهوال الشديدة، نتيجة لما يحدث أمام أعينهم في ذلك اليوم الشديد العظيم.

(وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
إذن يا رب هذا اليوم العظيم ما الذي يمكن أن أقدمه بين يدي وأنا الآن أستحضر هذا اليوم ولكني لا زلت في دار العمل؟ ما الذي أفعله؟ كيف يمكن أن أخلّص نفسي من أهوال ذلك اليوم العظيم؟ كيف أستطيع وأنا اليوم في دار العمل في الدنيا أن أقدم بين يدي ذلك اليوم أعمالاً وصفات تقربني إليك أنت وتنجيني من ذلك اليوم العظيم؟
لماذا يا ربي الإيمان بالبعث؟




على الرغم من أن قضية البعث وقضية يوم القيامة قضية محسومة تماماً لا جدال فيها، على الرغم من كل ذلك إلا أن هناك صنف من البشر يجادل ويحاجج بغير الحق في وقوع ذلك اليوم العظيم، لماذا يجادل يا رب؟
يجادل بغير علم ليس لديه حجة قوية ليس لديه دليل على ما يتوهم من عدم وقوع ذلك اليوم العظيم ويتبع كل شيطان مريد، إتباع الهوى إتباع الشيطان الذي يدلي للإنسان بغرور ويمنّيه ويعده


(وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).

يعد الإنسان بأن يوم البعث لا يمكن أن يأتي، يعد الإنسان بأنه لا حياة بعد الموت، يعد الإنسان بأنه من المستبعد تماماً أن تعود الحياة للإنسان بعد موته، قضية في غاية الخطورة ولذا كان الإيمان بالبعث قضية محورية الإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان. لا يتم إيمان الواحد منا أبداً إلا بالإيمان بالبعث.


لماذا يا ربي الإيمان بالبعث؟
ولماذا كان الإيمان بالبعث على هذه الدرجة من الأهمية؟
الإيمان بالبعث قضية مصيرية قضية تعتمد عليها كل الأعمال التي يقوم بها الإنسان في الحياة الدنيا، في دار العمل، الحياة. أنا لا أستطيع أن أعيش وأقدم العمل الصالح الطيب الخيّر وقد لا أجد ثمرة له في الدنيا دون أن يكون لدي رصيد كافي ويقين من الإيمان بالبعث.


ودعونا نقف عند مثال واحد فقط: من منّا في الحياة التي نعيشها اليوم في حاضرنا من منا لم تمر عليه ساعة استشعر فيها وقفاً قد وقع عليه فيه ظلم؟
موقفاً قد بُخِس فيه حقه؟
موقفاً نال منه شخص بغير حق وشعر بمعنى الظلم حقاً. من منا لم يشعر في لحظات في حياته أنه لا بد أن تكون هناك محكمة عادلة محكمة لا تقوم على أساس إختبارات البشر ولا على أساس أحكام البشر ولا على تصوراتهم؟ من منا لم تمر عليه لحظة من لحظات الدنيا لم يستشعر بحاجته إلى عدالة السماء؟ من منا لم يستشعر بأن هذه الأرض التي نعيش على ظهرها ينقصها عدالة وعدل حقيقي عدل غير خاضع لأهواء البشر عدل غير خاضع لمصالحهم عدل مطلق وليس عدلاً نسبياً، من منا لم تمر عليه هذه اللحظات؟

الإيمان بالبعث هذا الركن العظيم هو الذي يجعل هذه الأحاسيس ووهذه المشاعر تقف عند الحد الذي ينبغي أن تقف عنده بمعنى آخر أني حتى حين يقع عليّ ظلم ولا أستطيع أن أرده لسبب أو لآخر أشعر بأن هناك عدالة وبأن هناك جزاء وأن هناك محكمة ستأتي لا محالة، محكمة يوم القيامة.


من منا لم يستشعر بالحاجة إلى عدالة الله المطلقة؟ من منا لم يستشعر بالحاجة إلى الله سبحانه وتعالى الحَكَم العدل الذي لا يماري ولا يداهن أحداً من خلقه؟ من منا لم يقل في يوم من الأيام بصدق وبحاجة وبخشوع وتضرع يا رب خذ لي الحق الذي قد انتُهِب أو اختُلس مني؟ من منا لم يشعر بهذه الحاجة؟


الإيمان بالبعث يخفف وطأة وقائع الحياة وما يدور حولنا من أحداث على نفوسنا على قلوبنا يشعرنا بحقيقة قد نغفل عنها أحياناً أن هذه الدنيا التي نعيش فيها هي دار عمل وليست دار جزاء، أنا قد أعمل أعمالاً صالحة عظيمة وكبيرة ولكني لا أجد ثمرة لهذا العمل لسبب أو لآخر.



أنا قد أقوم بكل ما استطيع أن اقوم به كبشر لكن لا ثمرة لعلمي، لا أجد من أهلي وأقاربي ومكان العمل الذي أعمل فيه والمجتمع الذي أعيش فيه لا أجد الجزاء الأوفى، من الذي سيجازيني؟ من الذي سيعطيني؟ من الذي سيكافئني؟ الله سبحانه وتعالى. متى سيكون هذا؟
ليس فقط في الدنيا، قد لا أجد الجزاء ولكن الذي يوفي الجواء الأوفى هو الحق سبحانه وتعالى ولذلك جاءت الآيات في سورة الفاتحة أول سورة في القرآن (مالك يوم الدين) يوم الجزاء يوم الحساب يوم المصير يوم المكافأة لمن لم يجد من يكافئه في الدنيا، يوم الجزاء الأوفى لمن وقع عليه الظلم ولم يجد في محاكم البشر ولا في محاكم الدنيا من ينصفه.

يوم الجزاء هو يوم الراحة والهناء للمؤمن وللإنسان الصادق المُخلِص الوفيّ في عمله الذي نال في الدنيا ما ناله. يوم البعث ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان الإنسان إلا به ومع ذلك يجادل فيه من يجادل تكبراً وعناداً واستبعاداً وإصراراً وربما رغبة في الخلاص من العقوبة رغبة في الخلاص من الحساب.

الإنسان حين يعيش دون أن يستشعر أن هناك رقيب عليه أن هناك حساب سيقف بين يدي الله سبحانه ويحاسبه على الكلمة وعلى التصرف وعلى الفعل وعلى الدرهم وعلى الدينار ولماذا فعلت؟ وكيف فعلت؟ ومن اين أتيت؟
حين يشعر بأنه بعيد عن كل هذه القيود وأنه طليق في تصوره وفي أوهامه التي ينسجه له شياطين الإنس والجن، عندما يشعر بالبعد والانفصال عن كل هذه الأنواع من الرقابات قد تسول له نفسه أن يعبث في الأرض بما يشاء من أنواع الفساد من أنواع التخريب أنواع الظلم والتخريب والاعتداء على حقوق الآخرين.


ما الذي يردعه
يوم البعث يوم الجزاء يوم الإنصاف يوم الحساب.
تقدم آيات سورة الحج وتبني في نفس الإنسان بشكل عام في نفوس كل الناس ولذا جاء الخطاب في أول آية وفي آيات ستأتي فيها في مواضع في سورة الحج
(يا أيها الناس)
الخطاب لكل الناس.







اسلاميات

غير مهتم
05-24-23, 10:02 PM
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز، وفي انتظار جديدك الأروع والمميز.. لك مني أجمل التحيات، وكل التوفيق لك يا رب.


SEO by vBSEO 3.6.1