المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تدبر ســـورة البروج لد.رقية العلواني 1 (أصحاب الأخدود )


امانى يسرى
06-04-23, 11:26 AM
https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://image.slidesharecdn.com/random-160922130546/95/-2-638.jpg?cb=1474549572&key=e3cbf95745cd21169e470c6e1ca91ce88c02d35439eedb 641503ed29dab40bce (https://image.slidesharecdn.com/random-160922130546/95/-2-638.jpg?cb=1474549572)


هدف السورة




حين يطفو زبد الباطل على سطح الحياة ويغري الشيطان أهل الباطل بالظلم والعدوان، بسفك الدماء والقتل والتشريد والتعذيب والطغيان، ويُهيأ لكثيرين حينها أن زوال هذا الباطل ضربٌ من الخيال وأن الأمر أقرب إلى المحال فالباطل قوي والحق ضعيف!




ومن ينصر الحق وينتفض لهذا الحق إنما هم فئة من المستضعفين لا حول لهم ولا قوة لا سند لهم ولا ناصر ولا ظهر لهم ولا قوة عظمى تساندهم، عندها ينتفض هؤلاء القلة، هؤلاء الفئة من المستضعفين، ينتفضون نفضة رجل واحد للحق الذي يحملونه في صدورهم وفي قلوبهم، هم ضعفاء في تصور الآخرين لكنهم أحرار، هم سادةٌ أحرار لأن هذه القلوب المؤمنة استطاعت أن تتحرر من كل أنواع العبودية إلا تلك العبودية التي تعتبر شرفاً لكل من يحملها، العبودية لله وحده الديّان.



هذه الفئة من المستضعفين عبر الأزمنة وعبر التاريخ وعبر الأجيال هي تلك الفئة التي استطاعت أن تدمغ الباطل والطغيان، هي تلك الفئة التي استطاعت أن تقف أمام جحافل الطغيان والعدوان، استطاعت أن توقف مدّ تلك الجنود الظالمة بكل ما جاءت به من أسلحة وما جاءت به من تصورات واهمة وزائفة بأنها تستطيع أن توقف مدّ ذلك الحق ومدّ ذلك العدل.




اختلت موازين القوى حين يصبح الحق والعدل في أيدي الفئة التي يعتقد الناس بأنها من المستضعفين وأن لا ناصر لهم وأن الباطل الذي قد استفحل شره في كل مكان وزادت سطوته وجبروته وطغيانه هو الذي يمكن له أن ينتصر، تنقلب الموازين. ولكن السورة التي بين أيدينا اليوم تعيد هذه الموازين إلى الميزان الحق العدل، تعيد الأمور إلى نصابها تبين لكل مؤمن يقرأ هذا الكتاب بقلبه قبل أن تتحرك به شفاه الإنسان وهو يقرأ تعيد له هذه الحقيقة الساطعة أن الحق سينتصر وأن هذه الفئة التي يظن البعض أنها فئة مستضعفين هي التي على على أكتافها وأعناقها سترتفع رايات الحق. ليس فقط في الزمن الذي عاشوا فيه وإنما لكل زمان ولكل مكان، راية الحق لا ترتفع على أكتاف أناس لم تمكنوا من أن يحرروا أنفسهم من الذل للحياة في ظل العبودية للبشر. راية الحق ترتفع على أكتاف أناس عشقوا الحياة ولكن حياة من نوع خاص، حياة في ظل إيمان وتوحيد برب واحد أحد، فردٍ صمد، اتخذوا دينه منهجاً في حياتهم فأعطاهم القوة، أعطاهم المنعة، أعطاهم النصر بلا جيوش ولا سلاح ولا جنود، لا سلاح لهم ولا دبابات ولا معدات ثقيلة ولا مؤسسات ولا منظّمات دولية ولكن لديهم الواحد القهّار، لديهم سبحانه الذي هو الفعّال لما يريد.


تأتي سورة البروج المكيّة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في مكة وقد تفنن المشركون بأنواع من العذاب!



فبلال يسومُه سيده أمية بن خلف فيضع الصخرة تلو الصخرة على صدره فما تزيده تلك الصخرة إلا إيماناً وتوحيداً فيردد بأعلى صوته، ذلك الصوت الذي ترتعد له كل مشاعر وعواطف أطراف أمية بن خلف السيد المُطاع وبلال العبد في ميزان أمية بن خلف يردد أحدٌ أحد، كلمة التوحيد، الإيمان، قوة التوحيد التي لا تانيها قوة على وجه الأرض مهما بلغت.


لا تدانيها أي نوع من أنواع القوى الموهومة التي اصطنعها الطغاة الظَلَمة في كل زمان ومكان.



أصحاب الأخدود




نزلت سورة البروج لتقول للنبي صلوات الله وسلامه عليه ولكل الضعفاء من أهل الحق الذين يُهأ للناس أنهم ضعفاء وأن لا سند لهم ولا معين،


لكل هؤلاء نزلت سورة البروج.




سورة البروج التي جاءت تحكي قصة قوم، فئة من المستضعفين فئة آمنوا بالعزيز الحميد، فئة ارتضوا منهج التوحيد منهجاً لحياتهم، فئة وقفوا في وجه الطاغية، وقفوا في وجه ذلك الظالِم المستَبد الذي عاث في الأرض فساداً وتعذيباً وسفكاً وإهداراً للحقوق وقفوا في وجه ذلك الطاغية فإذا بالطاغية وحاشيته وجنده الأقوياء الذين من حوله، هؤلاء الأقزام حفروا الأخاديد وشقُّوا الحُفَر وأضرموا فيها النيران وأوعزوا لكل الحاشية من حولهم أن يزجوا بالأطفال والنساء والشيبان والشباب في بطون تلك الأخاديد علّهم يحرقون نور الإيمان الذي قد شعّ وسطع في قلوب وصدور هؤلاء الفئة فما زادتهم تلك النار التي يُهيأ لمن ينظر إليا أنها تحرق الأجساد، ما زادتهم تلك النيران إلا برداً ويقيناً وسلاماً واطمئناناً ليرددوا بلسان حالهم:




هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، المحنة، الابتلاء، الشد، النار، التعذيب، التنكيل، التشريد، القتل، لا يزيد المؤمن الموحِّد إلا ثباتاً ويقيناً.


الحق لا يرتفع على قلوب ضعيفة أو واهية، يرتفع بالقلوب الثابتة المستقيمة على طريق الحق التي لا يهمها نيران من يضرم النيران ولا يهمها هذ الطاغية أو ذاك وإن تبدلت واختلفت الصور.


(النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ )
ولنا أن نتوقف عند كلمة (شهود) التي تتردد في هذه السورة العظيمة


(شهود) والشاهد يُسأل، أنا سأُسأل وأنتم ستُسألون وكلنا سيُسأل ونحن نقف بين يدي العزيز الجبار سنُسأل عما فعلناه لأجل المؤمنين، عما فعلناه لأجل الحق وأهل الحق، هل ناصرناهم؟ هل وقفنا إلى جانبهم؟


هل وقفنا إلى جانب الحق الذي آمنوا ونؤمن به؟ أم كنا ضعفاء؟!

الحق لا يُنصر بالضعفاء، الحق يُنصر بالأقوياء. ومن يبذل الروح والنفس والوطن في سبيل الحق الذي يؤمن به ليس بالضعيف، ليس بالعبد وإنما هو حرٌ سيّد مُطاع من سادات الجنة، هذا السيّد الذي استطاع أن يتعالى على الرغبة في الحياة الذليلة في ظل طاغية أو ظالم لم يعرف الله يوماً لم يعرف منهج الحق يوماً ولم يتخذه دستوراً هؤىء هم من يرفعون الحق ويرتفع بهم الحق.



هؤلاء اختارهم الله عز وجل في كل أمة من الأمم عبر التاريخ لترتفع على أعناقهم رايات الحقّ خفّاقة في كل الأرجاء ولتسطّر الأسماء بماء ليس من ماء الذهب بل بالدماء تلك الدماء التي ستشهد يوم القيامة بروعتها بعبقها هذه الدماء الزكية الطاهرة التي ستشهد للحق وأصحاب الحق وأنها ما سُفكت لأجل باطل، ما سُفكت لأجل كرسي أو منصب أو جاه، ما سُفكت لأجل مال، ما سُفكت لأجل حفنة من السنوات يجلسها الطاغية تمدّ في عمر زمانه أو وقته وإنما سُفكت لأجل التوحيد ولأجل كلة “لا إله إلا الله”.

سُئل بلال ذلك العبد الضعيف في نظر أمية بن خلف:


كيف كنت تتحمل ألم الصخرة وهي توضع على صدرك في حر الشمس في صحراء مكة؟


فكان يقول:


مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان.



أصحاب الأخدود في كل زمان ومكان يمزجون مرارة النار المتّقدة بشعلة الإيمان في قلوبهم، ببرودة وبرد اليقين الذي آمنوا بالله سبحانه وتعالى به رباً وعرفوه به رباً.


ولذا جاءت الآية العظيمة


(وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )




لم تكن تهمة هؤلاء سوى أنهم آمنوا بالله وهل هذه تهمة أو أنها شرف وتاجٌ يوضع على رأس المؤمن يرتفع ويرتقي به في سُلّم الفردوس الأعلى. هذه التهمة التي بها ساق الطُغاة والظَلمة في كل زمان عبادَ الله من المؤمنين لأنهم رأوا في الإيمان والتوحيد تهديداً لعروشهم، تهديداً لمُلكهم، تهديداً لجبروتهم وطغيانهم وسطوتهم وحُقّ لهم أن يروا ذلك التهديد لأنهم أقاموا عروش ممالكهم على الكذب والطغيان والعدوان، أقاموها على قواعد واهية لم يقيموها على الحق والعدل والتوحيد الذي آمن به هؤلاء.



لأن الحق يحتاج إلى أهلٍ يرفعون راياته والله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده في كل جيل من يحملون راية الحق، فهنيئاً لكل من أصيب بمصابٍ في سبيل حقّ يؤمن به. هنيئاً لبلال، هنياً لذلك السيّد الذي بات سيداً في التاريخ حين تحرر من عبودية أمية بن خلف. هنيئاً لبلال وهنيئاً لكل أصحاب الحق من أمثال بلال وغير بلال عبر التاريخ في زماننا في وقتنا ممن جهروا بالحق، من رفعوها عالية خفاقة يقولون لا إله إلا الله في وجه كل طاغية ليوقفوا هذا الطاغية مهما تعددت الجيوش من حوله ومهما تعددت كل وسائل التدمير من حوله أن مُلكك إلى زوال، كيف لا يقتلهم؟ كيف لا يحرقهم بالنيران؟ كيف لا وهو يراهم بأُم عينه يهزّون عرشه وملكه ويقوّضون مملكته من تحت قدميه، كيف لا؟!



الله سبحانه وتعالى الحميد أراد للحق أن يظهر على أكتاف هؤلاء ولذا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوا يشكون إليه ذات يوم وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة يشكون إليه ما وصل إليه حالهم من تعذيب وتشريد وقع عليهم من المشركين وهكذا حال المؤمنين في كل زمان ومكان، فقالوا له: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟



فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم، النبي الذي يحمل في قلبه وبين خافقيه ذلك الحنان الفيّاض، تلك الرأفة العجيبة التي ملأت الأرض عدلاً ورحمة ونوراً إذا بهذا النبي الكريم يقول لهم معلِّماً وموقظاً: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين فما يصده ذلك عن دينه ويُمشط بأمشاط الحديد دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. يا لها من عِبرة!


يا لها من عِظة أحتاج أن أعبر إليها إلى واقعي الذي أنا أعيش فيه.


إذن هي المحنة، هي الابتلاء، وإنما الحق قد سُطِر أنه هو الأعلى وأنه هو المنتصر.

أورلينا
06-04-23, 06:23 PM
جزاك الله خير على الموضوع القيم

غير مهتم
06-05-23, 11:47 PM
الموضوع القيم والمميز، وفي انتظار جديدك الأروع والمميز.. لك مني أجمل التحيات، وكل التوفيق لك يارب


SEO by vBSEO 3.6.1