المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفة مع الآية (26)من سورة الرعد ﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾


امانى يسرى
06-29-23, 04:43 AM
﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ﴾ – سورة الرعد 26



﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ إن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاء؛ لا يدل البسط على رضى الله عنه، ولا التضييق على سخطه.

رزقُه سبحانه لا يخص به مؤمنًا دون كافر، ويسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له؛ كما يسوقه إلى الجلد القوي، قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20].

ومن هنا يتَّضح أنَّ العطاء ليس دليلَ المحبَّة دائماً إذا كان العبد قائم على مبارزة الله بالمعاصي حتى وان لم يتعدى ضررها إلى الآخرين، وقد قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه -:"إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يعطي الدنيا مَن يحبُّ ومَن لا يحبُّ، ولا يعطي الدِّين إلاَّ لِمَن أحبَّ، فمَن أعطاه الله الدين، فقد أحبَّه" (رواه أحمد).



﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ قال ابن القيم: «وقال لي غير واحد: إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحًا ضيق عليَّ رزقي، ونكد عليَّ معيشتي، وإذا رجعت إلى معصيته وأعطيت نفسي مرادها، جاءني الرزق والعون ونحو هذا، فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه ليری صدقك وصبرك؛ هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبة؟ أم أنت کاذب فترجع على عقبك؟!».



﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ ربما وسع على الكافر؛ إملاءً واستدراجًا له, وضيَّق على المؤمن زيادة لأجره.

فهذا عطاء إمهال وإملاء واستدراج، لا عطاء محبَّةٍ كما يظنُّون؛ قال تعالى: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون:54-56].

وفي الآية: أي: هل يعتقدون أن ما نُمدهم به من مال وبنين وخيرات خير لَهم، ونوع من الإكرام والتفضيل على باقي خلق الله وقوله: (أَنَّمَا نُمًدُّهُمْ) أي يُملي لَهم ويزيدهم، وَبَيَّنه في قوله تعالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [آلعمران: 178].

عنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تَعَالى يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ"، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (الألباني)؛ قال سفيان الثوري: "نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر"، وقال ابن عباس: "سنمكر بهم، وقيل: هو أن نأخذهم قليلا ولا نباغتهم".



﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ فرحًا أوجب لهم أن يطمئنوا بها، ويغفلوا عن الآخرة، وذلك لنقصان عقولهم.



﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ ليس كل ما يفرحك في الدنيا ينفعك في الآخرة.



﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾ قال الإمام الشوكاني: «لما ذكر سبحانه عاقبة المشركين بقوله: ﴿أُولَـٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾، كان لقائل أن يقول: قد نرى كثيرًا منهم قد وفر الله له في الرزق، وبسط له فيه، فأجاب سبحانه عن ذلك: ﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾، فقد يبسط الرزق لمن كان كافرًا، ويقتره على من كان مؤمنًا ابتلاءً وامتحانًا، ولا يدل البسط على الكرامة، ولا القبض على الإهانة».



من جميل الرزق: أن يُغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه، وهذا ما علّمه النبيُّ -صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ- أمته أن يحرصوا عليه؛ فعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ مُكَاتَبَتِي فَأَعِنِّي، قَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ-، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيْرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ-وهو جبَل لِطَيِّىءٍ- قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ"؛ (رواه الترمذي وصححه الألباني).



﴿اللَّـهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ﴾ سَل الله من فضله الآن.

غير مهتم
07-02-23, 11:25 PM
جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ
وجعل هذا في ميزان حسناتك


SEO by vBSEO 3.6.1