المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أماني القبور ويوم النشور


امانى يسرى
08-26-23, 12:34 PM
أيها المسلمون، يعيش الإنسان في هذه الدنيا وله أمانٍ يرجو حصولها، ومآرب يسعى إلى الوصول إليها، وأمامه في أمانيه الممكنة طرق تُبلِّغه إيَّاها، فمتى ما جدَّ أدرك الأمل، ومن سار على الدرب وصَل.


لكن هناك -معشر المسلمين- أماكن لا يصل المتمنون فيها إلى أمانيهم، ولا يستطيعون بلوغ رغباتهم ومطالبهم رغم إلحاحهم، وتقديم ما يستطيعون للوصول إلى تلك الأماني، وهناك يعلنون الندم على أشياء لو استطاعوا فعلها في ماضيهم لفعلوها، ولكنهم حيل بينهم وبينها.

تلك الأماني هي أماني الموتى في قبورهم، وأمانيهم الدنيوية يوم نشورهم.

فلو رأيتموهم وهم يحترقون في لهيب الحسرات، وتتقطَّع أكبادهم ألمًا على قطع تلك الأمنيات؛ لسألتم الله ألَّا تكونوا منهم، وألَّا يصير مصيرُكم مصيرَهم.

فتعالوا اليوم لنعرض بعض تلك الأماني من أفواه متمنيها، وكيف جاء الجواب عنها؛ حتى نستعدَّ اليوم لما يصلح حالنا هناك؛ فلا نتمنى ما يتمنون، ولا نندم كما سيندمون، ولا يصير حالنا إلى ما إليه سيصيرون.


عباد الله، من تلك الأماني التي يتمناها الراحلون عن هذه الحياة إلى الحياة الآخرة: العودة إلى الدنيا؛ ليكونوا من المؤمنين، وللرُّسُل من المصدِّقين.

فإنهم حين يرون العذاب، ويذوقون أليم العقاب، ويتلظون في جحيم التقريع والعتاب؛ يُفيقون من سكرتهم، ويصحون من غمرتهم، ويعترفون بخطيئتهم، فيتمنون حينئذٍ الرجعة إلى دار العمل بعد أن تركوها، والاستعداد للحساب بعد أن نسوه.

يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 12]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 44 - 46].



ويتمنون هناك حضور شفعاء للتخليص من شدتهم، إن لم يكن هناك قبول بردهم إلى دنياهم، ولكن هيهات ما يحبون، فقد حيل هناك بينهم وبين ما يشتهون، قال تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [الأعراف: 53]، وقد علم الله أنهم لو عادوا لرجعوا إلى سكرة غفلاتهم، ومقارفة خطيئاتهم، قال جل وعلا: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [الأنعام: 28] [الأنعام:27-28].


بل يدرك هنالك أن الصدقة لها شأن عظيم في النجاة، وأن الانضمام إلى سلك الصالحين سبيل إلى حسن المجازاة؛ فلهذا يطلب التأخير والعودة ليتصدَّق على الفقراء، ويكون من عباد الله الصالحين، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]، فما الجواب لهذه الأمنية يا عباد الله، قال تعالى: ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون: 11].


حتى الصلاة يتمنَّى الميت أن يرجع إلى الدنيا ليُصلِّي ركعتين منها؛ لعلهما تخففان عنه شيئًا من العذاب، أو ينال من صلاتهما قليلًا من الثواب، فاسمع يا من يسهو عن الصلاة، ويا من يُقصِّر في إقامة خمسها، ويا من يتكاسل عن نوافلها؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ، فَقَالَ: ((مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟))، فَقَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ: ((رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إلى هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ))


وعندما يرى الإنسان المفرط نار جهنم يؤتى بها يتذكر ويتعظ ويتوب ولكن بعد فوات الأوان؛ فيتمنى حينئذٍ أنه قدَّم شيئًا صالحًا في حياته الدنيا لينفعه في حياته الأخرى، قال جل وعلا: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [الفجر: 23، 24].


كما أن الإنسان المسرف على نفسه حين يرى العذاب يطلب الكرة إلى الدنيا ليكون من المحسنين في عبادة الله، والمحسنين إلى عباد الله، قال تعالى: ﴿ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الزمر: 58].


ويوم أن يُلقى في نار السعير، ويُقلَّب وجهه في لهيب ذلك العيب الكبير؛ يتحسر على ما فرط، ويتمنى لو رجع إلى دار الدنيا ليطيع ربه الذي عصاه، ويتبع رسوله الذي ترك هداه، قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 66]، ويتمنَّى المجرم يومئذٍ لو استطاع أن يفدي نفسه من عذاب الله بأبنائه وزوجته وعشيرته وجميع من في الأرض، ولكن هيهات هيهات، قال تعالى: ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ ﴾ [المعارج: 11 - 14]، فيأتي الجواب بأن الأمر ليس كما يتمناه من ورد أخراه وقد ضيع دنياه، قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ﴾ [المعارج: 15].


أيها المؤمنون، ومن تلك الأماني في يوم النشور: أمنية حصول البعد عن جلساء السوء
قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وقال جل وعلا: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ [الزخرف: 38].



عباد الله، إن أهل النار فيها يتمنون أماني عديدة، منها ثلاث أمانٍ:

فعندما يصلون إلى نار جهنم يتمنون الخروج منها معترفين بظلمهم قائلين: ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ﴾ [المؤمنون: 107]، ولكن ترد عليهم هذه الأمنية فيقول الله لهم: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون: 108].

حتى إنهم حين يرون عصاة الموحِّدين يخرجون من النار -بعد أن يمكثوا فيها ما شاء الله أن يمكثوا- يتمنون لو أنهم كانوا مسلمين حتى يخرجوا معهم إلى الجنة؛ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ وَمَعَهُمْ مَنْ شَاءَ اللهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، يَقُولُ الْكُفَّارُ: أَلَمْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ؟، قَالُوا: بَلَى، قَالُوا: فَمَا أَغْنَى عَنْكُمْ إِسْلامُكُمْ وَقَدْ صِرْتُمْ مَعَنَا فِي النَّارِ؟، قَالُوا: كَانَتْ لَنَا ذُنُوبٌ فَأُخِذْنَا بِهَا. فَيَسْمَعُ اللهُ مَا قَالُوا، فَيَأمُرُ بِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَأُخْرِجُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ قَالُوا: يَا لَيْتَنَا كُنَّا مُسْلِمِينَ فَنَخْرُجُ كَمَا خَرَجُوا، وَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ * رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ﴾ [الحجر: 1، 2]))
وعندما ترد أمنية الخروج عن الكافرين يتمنون حصول التخفيف من العذاب ولو يومًا واحدًا، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 49].

فماذا كانوا جواب هذه الأمنية؟ قال تعالى: ﴿ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: 50].
ويوم أن تنغلق عنهم أبواب الأماني يتمنون أمنية الخلاص؛ ألا وهي الموت هناك؛ حتى يستريحوا مما هم فيه من العذاب، قال جل وعلا: ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ [الزخرف: 77]، فماذا جاءهم من الجواب؟ قال تعالى: ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف: 77، 78]، فيا لها من نهاية أليمة، وإجابة محزنة عظيمة!



عبدالله بن عبده نعمان العواضي

**** ******* (https://www.alukah.net/authors/view/home/8009/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%87-%D9%86%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%A7%D8%B6%D9%8A/)

شمعة الجلاس
08-26-23, 11:59 PM
جزاك الله كل خير
وفي ميزان حسناتك
كل الود ..

:81:

صفصف
08-27-23, 05:51 AM
في ميزان حسناتك

عطاء دائم
08-27-23, 07:40 AM
نسأل الله العفو والعافية وان يحسن لنا الختام
جزاكِ الله خيراً ونفع بكِ
يختم ل3 ايام مع التقييم


SEO by vBSEO 3.6.1