المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المماليك البرجية


روميسآء
04-12-15, 01:38 AM
أولًا: مواجهة التتار
كان تيمور لنك ملك التتار قد اتخذَ من مسقطِ رأسه سمرقند عاصمةً له، واتجه إلى التوسُّعِ شرقًا وغربًا يحمل معه الدَّمار والقتل والدِّماء، فاستولى على بلادِ ما وراء النَّهر وخراسان وطبرستان، وخرَّبَ مدينةَ الرها في سنة (789هـ/ 1387م)، واستولى على بغداد سنة (795هـ/ 1393م) فأكثرَ فيها القتلَ والتَّدميرَ.
ولم يجد حكَّامُ هذه المناطقِ مَنْ يلوذون به سوى المماليك، فلجأ إليهم أحمد بن أويس سلطان بغداد فأحسنَ إليه السلطان برقوق وأكرمَه، وكان أحمد بن أويس من أصلٍ مغولي ثم استعرب أجدادُه، وآل إليهم حكمُ العراق، ثُمَّ فرَّ أمام جيوش تيمور لنك.
ووصل تيمور لنك إلى مشارفِ الشام، وطمع في الاستيلاء عليها، وأرسل كتابًا شديدَ اللهجةِ يحملُ كثيرًا من التهديد إلى السلطان برقوق، فقتل السُّلطانُ رسلَه واستعدَّ لحربِه، ولكن تيمور لنك شغل عنه بحروبِه في الجبهاتِ الأخرى وبخاصةٍ الهند.
وأمدَّ السُّلطانُ برقوق بن أويس بالجند والعتاد حتَّى مكَّنه من استردادِ ملكه بعد عامين سنة (797هـ)، وجعله نائبًا عنه، وبذلك أصبحتْ بغدادُ من الناحية السياسية تابعةً لمصر وخاضعة لسلطة المماليك.
أزعجت هذه الأنباءُ تيمور لنك فأسرعَ بالعودةِ من الهند، وفي هذه الأثناءِ تُوفي السُّلطانُ برقوق وتولَّى ابنُه فرج، وأرسل تيمور إنذارًا للمماليك بتسليمِ حلب، فقاوموه ولكنَّه هزمهم سنة (802هـ/ 1400م)، واقتحم حلبَ فخرَّبَها، وفزعت لذلك دمشق والقاهرة، وفرَّ كثيرٌ من النَّاس منهما خوفًا وهلعًا، ثم ازدادتْ الأمورُ سوءًا بدخول تيمور لنك دمشقَ ونهب أموالها ونقل عمَّالها وصنَّاعها المهرة إلى بلادِه سمرقند.
وأمام هذه الهزائمِ اضطرَّ السُّلطانُ الصغير فرج بن برقوق إلى قبولِ الصُّلح، ثم ما لبث تيمور أنْ تُوفي سنة (807هـ/ 1405م)، وتنازع أبناؤُه وكفى اللهُ المؤمنين قتالَهم.
ثانيًا: فتح جزيرة قبرص
كانت قبرص بحكمِ موقعها القريب من بلاد الشام إحدى قواعدِ الصليبيين ومراكزِ إمدادهم الهامَّة، فلمَّا تمكَّن المسلمون من تطهيرِ بلاد الشام من الصليبيين أصبحت قبرص منطلقًا لعملياتِ القرصنةِ والتخريب ضدَّ بلاد المسلمين هي وجزيرة رودس مركز طائفة الإسبتارية، وأصبحتْ تجارةُ المسلمين مهددةً، ومعنى هذا انهيار اقتصادِ المسلمين وافتقارهم وضعفهم، مما يسمحُ للصليبيين بالتفوقِ عليهم ومعاودة غزو أراضيهم.
ولذلك عزم السلطان الأشرف برسباي (825 – 841هـ) على غزوِ جزيرة قبرص، ووجَّه إليها ثلاثَ حملاتٍ بحرية قوية في سنوات (827هـ، 828هـ، 829)، وكانت أُولاها غارات استطلاعية استكشافية، نجحتْ في إلحاقِ الهزيمة بالقبارصة، وأحرقتْ ما في سواحلِهم من سفنِ القراصنة، وعادتْ بالنَّصرِ والغنائم، وكانت الحملةُ الثانية أكثرَ قوة، فقد توغَّلتْ داخلَ قبرص، واستولتْ على بعضِ قِلاعها وأسرت كثيرًا من جنودِها، وكانت الثالثةُ أقوى الحملاتِ وأعظمها فقد استولى المسلمون على ميناءِ ليماسول، وهزموا جموعَ القبارصة وأسروا ملكَهم "جانوس" وفتحوا عاصمتَها نيقوسيا.
وعاد جندُ الله بالأسرى والملك الذَّليل، وعمتِ الأفراحُ والزينات أنحاءَ القاهرة، وأصبحتْ قبرص ولايةً مملوكية، وقَبِلَ السُّلطان برسباي الإفراجَ عن جانوس وإعادته إلى مملكتِه بشرطِ أن يكونَ تابعًا له ويحكم باسمه، وأن يلتزمَ بدفعِ الجزية، وتحقَّقَ بذلك الأمنُ والهدوء للسَّواحلِ الشَّامية والمصرية، ولتجارةِ المسلمين في البحر المتوسط إلى حدٍّ كبير.
ثالثًا: غزو ردوس
وبقيت رودس شوكةً في جنب المسلمين تؤدِّي دورَها العدواني ضدَّ الموانئ والسُّفنِ الإسلامية، حتَّى تولَّى السلطان جقمق (842 – 857هـ)، فاحتذى ما فعلَه برسباي في قبرص، فأرسلَ ثلاثَ حملاتٍ إلى رودس في سنوات (844هـ، 847هـ، 848هـ).
وكانتُ الحملةُ الأولى استكشافية محدودة القوة؛ خرجت من ميناء دمياط دون أنْ تحقِّقَ عنصرَ المفاجأة فاستعدَّ لها فرسانُ رودس الإسبتارية بأساطيلِهم، ووقع قتالٌ شديد على سواحلِ ردوس أبلى فيه المماليك بلاءً حسنًا، وقتلوا وغنموا وسبوا وقُتِل منهم اثنا عشر رجلاً وعادوا إلى دمياط.
وكانت الحملة الثانية بقيادةِ الأمير إينال العلائي أكثر نجاحًا، فتمكَّنتْ من تدميرِ بعض القِلاع والحصون، واضطرت إلى العودةِ قبل أن تدهمَها عواصفُ الشِّتاء، وقال المشاركون فيها: لو كنَّا جمعًا لأخذنا رودس.
كان هذا القولُ حافزًا للسلطان جقمق، فاستكثرَ من السُّفنِ والجند، وأعدَّ كثيرًا من المراكب في دار الصناعة في بولاق، وخرج الجيشُ المملوكي ومعه كثيرٌ من المتطوِّعةِ وحاصروا جزيرةَ رودس، ولكنَّها صمدتْ بقوةٍ بفضل استعدادِ أهلِها وما تلقَّوْه من مساعداتٍ وإمدادات من الدول الصليبية، وعلم المماليك أنَّ رودس غير قبرص، فاكتفوا بفرضِ الصُّلح عليهم وتعهَّد الإسبتارية بعدمِ الاعتداء على السُّفن والتجارات الإسلامية.
رابعًا: الكشوف الجغرافية والصراع مع البرتغاليين
اتخذت الحروب الصليبية بعد فشلِها في المشرق ونجاحِها في طرد المسلمين من الأندلس شكلاً جديدًا؛ هو حركة الكشوفِ الجغرافية التي كان روَّادُها البرتغاليين ثم الإسبان، ولم يكن هدفُها علميًّا أو اقتصاديًّا بقدر ما كانت تهدِفُ إلى ضرب المسلمين في مقتل، وذلك بتدميرِ قوتِهم الاقتصادية، واكتشاف طرقٍ جديدة لتحويلِ التجارة عن بلاد المسلمين.
وقد اتخذت هذه الفتوحاتُ شكلاً عدوانيًّا، واتَّسمتْ بالقرصنةِ والاعتداء على السفن التجارية وأهالي البلاد السَّاحلية الآمنين، وكان بابا الفاتيكان يدعو إلى هذا الاتجاه ويباركُه ويشجِّعُ أصحابَه، ويصدر قراراتِ الحرمان ضدَّ كلِّ مَن يتعاونُ مع المسلمين تجاريًّا واقتصاديًّا، ونسيت أوربا أنَّ ما وصلت إليه من يقظةٍ علمية وحضارية كان بسبب المسلمين في المشرقِ وجزر البحر المتوسط والأندلس وجنوبي إيطاليا وصقلية، ورأت أن تردَّ لهم الجميلَ عدوانًا وبغيًا!
وقام البرتغاليون بجهودٍ كبيرة في مجال هذه الكشوف، حتَّى نجح بحَّارُهم الشهير فاسكو دي جاما في اكتشافِ الطَّريقِ الجديدة التي تمرُّ حولَ إفريقيا، مرورًا برأس الرجاءِ الصالح (كيب تاون أي مدينة الرأس) حتَّى تصل إلى بلاد الهند وجنوب شرقي آسيا، دون أن تمرَّ ببلادِ المسلمين، وذلك في سنة (903هـ/ 1497م).
ويقولُ الأستاذ محمود شاكر موضِّحًا هدفَ تلك الكشوف: "تدَّعِي أوربا أنَّ الحافز لها في هذه الاكتشافاتِ هو تجارةُ التوابل والحصول على المال، لكنَّ هذا الادعاء لا يستندُ إلى حقيقةٍ علمية، ولا يقبلُه تحليلٌ صحيح، إنَّ حقيقةَ الدوافع التي تكمنُ وراء ذلك إنَّما كانت هي الحروب الصليبية التي كانت ولا تزالُ يحملُ التاريخُ صورًا منها".
وكان البرتغاليون يسعون إلى تطويقِ المسلمين منذ عهدِ ملكِهم "حنا" الأول الذي احتلَّ "سبته" على السَّاحلِ المغربي، ووصلَ رجالُه إلى سواحلِ إفريقية الغربية وبلغ أحدُهم وهو "بارثلمي دياز" الطرفَ الجنوبي من القارة، وأسماه: رأس العواصف، ولكن ملكَ البرتغال أسماه رأس الرجاء الصالح تعبيرًا عن أملِه في تطويقِ المسلمين.
وصبغ البرتغاليون كشوفَهم بالصبغةِ الاستعمارية الصليبية، فوضعوا نُصبَ أعينِهم السيطرةَ على كلِّ المواني والبلاد التي يتاجرُ معها المسلمون، والعمل على نشرِ المسيحية بين سكَّانِها، والإفادة من كلِّ خلافٍ يقع بين القوى الإسلامية.
ودسَّ البرتغاليون أعدادًا من اليهودِ فتظاهروا بالإسلام وأتقنوا اللغة العربية، واندسُّوا بين المسلمين وسرقوا أسرارَهم وعلومَهم، وأمدُّوا بها البرتغاليين، ومنها خرائط البحارِ والطُّرقِ التجارية، وعرفوا أسرارَ "منطقة السكون الاستوائية"، وهي سكون الرِّياح تمامًا عند خطِّ الاستواءِ وتوقف السُّفنِ الشراعية عن الحركة، وعلموا من المسلمينَ أنَّه لا يمكنُ التحركُ شمالاً إلا في الربيعِ وجنوبًا إلا في الخريفِ، وكانت هذه المعلوماتُ النادرة معروفةً لدى دولة المماليك في مصر.
وأرسل ملك البرتغال حملتَه البحرية المكوَّنة من ثلاثِ سفنٍ بقيادة فاسكو دي جاما فاستكملتِ اكتشافَ هذا الطريق، ووصل إلى الهندِ فلم يرحب به أمير كلكتا، فأعدَّ حملةً جديدة وعاد ليضربَ مدينتَه بالقنابل، وفي طريقِ عودتِه صادفَ سفينةً للحجَّاجِ متجهةً من الهندِ إلى مكَّةَ المكرمة، فأغرقَها في خليج عمان وقبض على ركَّابِها، وكانوا حوالي مائة فعذَّبَهم ثم أعدمهم جميعًا، ودمَّرَ ثلاثةَ مساجد وجدها في مدينة كلو في شرقي إفريقيا، وأعلنَ البرتغاليون أنَّهم سيدمِّرون الأماكنَ المقدَّسةَ في مكةَ والمدينة، ويزيلون معالِمَ الإسلام! وكان هذا أحد الدَّوافعِ التي جعلتِ العثمانيين يتجهون إلى الشَّرقِ الإسلامي لحمايةِ هذه المقدسات.
وعقد البرتغاليون محالفاتٍ مع ملكةِ الحبشة النصرانية "إليني" التي كتبتْ إلى ملكِ البرتغال "عمانويل" تقول: "السلام على نويل سيدِ البحر وقاهرِ المسلمين القساة الكفرة، لقد بلغ مسامعَنا أنَّ سلطان مصر - يقصدُ السلطانَ الغوري - جهَّزَ جيشًا ضخمًا ليثأرَ من الهزائمِ التي ألحقها به قوادُكم في الهند، ونحن على استعدادٍ لمواجهةِ هجماتِ الكفرة...".
واحتلَّ البرتغاليون كلكتا سنة (906هـ/ 1500م) بعد استكمالِ اكتشافهم لطريقِ رأس الرجاء بثلاث سنوات، ثم احتلُّوا بعضَ الموانئ العربيةِ؛ مثل عدن وجزيرة هرمز، كما احتلوا ميناءَ مصرع على المدخلِ الإفريقي للبحر الأحمر، وبذلك تحكَّموا في مضيقي هرمز وباب المندب، ومنعوا سفنَ المسلمين وتجارتِهم من المرور.
وتكدَّستِ السِّلعُ والحاصلات في موانئ مصر كالإسكندرية ودمياط، لا تجدُ أحدًا من التجارِ الغربيين لينقلَها إلى أوروبا أو يشتريها منهم، واستنجدَ التجارُ المسلمون وأمراءُ المسلمين في الهندِ وسواحل بلادِ الغرب بالسلطان المملوكي قانصوة الغوري (906 – 922هـ/ 1500 – 1516م) لينقذَهم من هذا البلاءِ، وأرسلَ الغوري تحذيرًا إلى البابا في روما موجهًا عن طريقه إلى جميع القوى الأوروبية ليمنعوا ملاَّحيهم وقراصنتِهم من التعرُّضِ للمسلمين وتجارتهم، ولكنَّ تحذيرَه لم يلقَ استجابةً لديهم، فاتخذ عدةَ خطواتٍ عملية منها: تقوية أسطولِه في البحرِ الأحمر، ومكاتبة ملوك الهند ليتحالفوا معه ضدَّ هذا الخطر.
واستعدَّ الغوري لجولةٍ حاسمة، فأعدَّ عدتَه لمعركةٍ بحرية ضدَّ البرتغاليين، وجهَّز لذلك خمسين غرابًا؛ أي: سفينة، وولَّى عليها أميرَ البحرِ حسين الكردي، ووجَّهه إلى الهند، فالتحمَ مع سفنِ البرتغاليين غربي الهند سنة (914هـ/ 1508م) فهزمهم، لكنَّهم ما لبثوا أنْ حشدوا له قواهم وأساطيلَهم، وخاضوا ضدَّه جولةً أخرى فانتصروا عليه وحطَّموا الأسطولَ المصري في موقعة ديو البحرية قرب جزيرةٍ صغيرة في مياه الهندِ، تحمل هذا الاسمَ وتقعُ شمالي بومباي.
وكانت هذه الموقعةُ فصلَ الخطابِ في الصِّراع المملوكي البرتغالي، ونتج عنها ضياعُ مركزِ مصر التجاري، وتحقيقُ المآربِ الصليبية في إضعافِ دولة المماليك الإسلامية من النَّاحية الاقتصادية تمهيدًا للقضاءِ عليها، وازدادتْ بعدَها جرأةُ القراصنةِ الفرنج، وتعدَّدتْ غاراتُهم على الموانئ المصرية، والسُّفنِ المملوكية عند دمياط والطينة (بين الفرماوتنيس) وغيرهما، ولم يكن في مقدورِ الغوري أن يردَّ عليهم، فلجأ إلى تهديدِ الرُّهبانِ والقساوسة الموجودين في القدسِ إذا لم يتوقفْ الفرنجُ عند اعتداءاتِهم.
وتفاقم خطرُ البرتغاليين في البحارِ الإسلامية، حتَّى قيَّضَ اللهُ لهم القوةَ الإسلامية الفتية؛ الممثَّلة في العثمانيين لتردَّهم على أعقابِهم وتحمي ديارَ الإسلام من كيدِهم.
خامسًا: المماليك والعثمانيون
وفي الوقتِ الذي آذنتْ فيه شمسُ المماليك بالغروب، وترنَّحتْ دولتُهم نحو السُّقوط، ارتفع نجمٌ آخرُ في سماء المنطقة، وظهرتْ دولةٌ إسلامية فتية هي دولة الأتراك العثمانيين، واستطاعت أن تثبِّتَ أقدامَها في آسيا الصغرى، وتتجاوزَ البسفور فتُسقِط عاصمةَ الرُّومِ المنيعة المتأبية على الفاتحين المسلمين عبر القرونِ الماضية، وتفرض سلطانَها على كثيرٍ من بلاد أوروبا الشَّرقية، وامتدَّتْ جيوشُها حتَّى حاصرتْ أسوارَ فيينا عاصمة النِّمسا، وكانت هذه الفتوحاتُ تضفي على الدولة العثمانية طابعَ الجهاد، وتتعاطفُ معها قلوبُ المسلمين باعتبارِها حاملة لواءِ الجهادِ ضدَّ الغربِ الصَّليبي.
وفجأة غيَّرَ السلطان سليم العثماني وجهةَ فتوحاته من الغربِ إلى الشَّرق، واختار السيطرةَ على بلادِ المسلمين، ولعلَّ سر هذا التحولِ يكمنُ في الصِّراعِ المذهبي بين هذه الدولة السنية، وبين الدولة الصفوية الشيعية الاثني عشرية التي كانت تحكمُ إيرانَ والعراق في ذلك الوقت، فقد تحوَّلَ هذا الصِّراعُ المذهبي إلى صراعٍ عسكري، حقَّقَ فيه السُّلطانُ سليم العثماني انتصارًا كبيرًا على الشاه إسماعيل الصفوى في موقعة جالديران سنة (920هـ/ 1514م).
ونتج عن هذه الموقعةِ استيلاءُ العثمانيين على الجزيرةِ الفراتية والموصلِ وديار بكر، فأصبحوا وجهًا لوجهٍ أمام دولة المماليك، وقد استاء المماليكُ لذلك لشعورِهم بأنَّ هناك قوةً جديدة تنافسُهم في منطقةِ الشَّرقِ الإسلامي، وتحاولُ أن تقدم عليهم بعد أن كانت محصورة في الأناضول.
وكان من مصلحةِ المماليك حفظُ التوازن بين الصفويين والعثمانيين؛ حتَّى يتخوفَ كلٌّ منهما من الآخر، وينشغلَ بأمره فلا يفكرُ في غزوِ ديارِهم، وقد ذكر ابنُ إياس أنَّ السُّلطان الغوري عندما علمَ بالصِّراعِ بين العثمانيين والصفويين خرج إلى حلب ليطلعَ على جليةِ الأمر وقال: "حتَّى نرى ما يكون من أمرِ الصفوي وابن عثمان، فإنَّ من ينتصرُ منهما على غريمِه لا بدَّ أن يزحفَ على بلادِنا".
واستاء المماليكُ أكثر عندما قضى السُّلطانُ سليم العثماني سنة (921هـ/ 1515م) على إمارةِ الدلغادر التركمانية الحليفةِ لهم على أطرافِ آسيا الصغرى، واتجه السُّلطانُ الغوري إلى تقويةِ عَلاقاتِه بالصفويين، وعقد حلفًا مع الشاه إسماعيل الصفوي، وآوى إليه الأمير قاسم بن أحمد العثماني بعد أن قُتِلَ أبوه على يدِ عمِّه السُّلطان سليم.
وتزايد خطرُ العثمانيين نتيجة الحشود الضخمةِ التي عبَّأها السُّلطان سليم على حدودِ دولة المماليك، زاعمًا أنه يستعدُّ لقتالِ الصفويين، ولم يكن المماليكُ على مستوى الحدثِ الجلل، فقد كثر الصِّراعُ بينهم، وثارَ المماليك الجلبان ضدَّ السُّلطانِ قانصوة الغوري لتأخر نفقاتِهم، مما آثار حنقَ السُّلطان، وجعله يهدِّدُ المماليكَ باعتزالِ السلطنة، وأخيرًا التفتت كلمتهم على الاجتماع لمواجهةِ العدوِّ المشترك.
وكان أميرُ حلب خاير بك متصلاً سرًّا بالعثمانيين ومتواطئًا معهم، فأرسلَ يثبِّطُ من عزيمةِ السُّلطانِ الغوري، ويقول له أنَّه تأكَّدَ أنَّ حشودَ العثمانيين موجهةٌ إلى الصفويين، وعليه ألا يخشى جانبَهم، وكانت الأحوالُ الاقتصادية ببلاد الشَّامِ سيئةً، ولا تحتملُ المزيدَ إذا قَدِمَ السُّلطان الغوري بجيشِه الجرَّار ليرابطَ فيها، وأعقب ذلك رسالةٌ ودِّية من السُّلطانِ سليمالعثماني يقولُ فيها للسلطانِ الغوري: أنت والدي وأسالك الدُّعاء، وكلُّ ما يريدُه السُّلطانُ أو يراه فعلناه!
ولم تنطلِ هذه الحيلُ على السُّلطان الغوري المحنَّكِ، فواصل استعداداتِه حتى تصله باقي الإمدادات، وكتب إلى السُّلطانِ الغوري كلامًا معسولاً، وطلب منه يمده بالسُّكَّرِ والحلوى ففعل.
وبمجردِ أن وصلتْ باقي القواتِ العثمانية بقيادةِ سنان باشا كشفَ سليم القناعَ عن وجهِه وقال لرسولِ الغوري: "قل لأستاذِك يلاقينا على مرج دابق"، وسبقتْ تحركاتُه كلماتِه، فتقدَّم جنودُه فاستولوا على حصونِ الشَّامِ ومدنِه الحدودية؛ مثل ملطية وكركر.
وقد أخطأ السُّلطانُ الغوري لأنَّه لم يستطع أن يفرِّقَ بين أصدقائه وأعدائه، وبين المخلصين من رجالِه والخونة، فوضع ثقتَه في خاير بك وجان بردي الغزالي، وصمَّ أذنيه عن نصائحِ سيباي نائبِ الشَّام ووالي دمشق، ووضعَهُ موضعَ الاتهام والشَّكِّ، وتوهَّمَ أنَّه طامعٌ في منصب السلطنة، وعندما أمسك سيباي بتلابيبِ خاير بك وقال للغوري: "يامولاي السُّلطان إذا أردتَ أن ينصرَك اللهُ على عدوِّك فاقتلْ هذا الخائن" لم يعير قولَه اهتمامًا، وانصرف عنه.
وكان اللقاءُ الحاسم عند دابق وهي قريةٌ قرب حلب، تبعدُ عنها بأربعةِ فراسخ، وعندها مرج معشوشب نزه كان ينزله غزاة الصائفة منذ العصر الأموي، وأحسنَ المماليك البلاء، وأظهروا ما عُرِفوا به من شجاعةٍ ومهارة حربية، وقتلوا كثيرًا من العثمانيين واستولوا على أعلامِهم وعتادِهم، وكاد السُّلطانُ سليم أن يفرَّ من أرضِ المعركة، وعندئذٍ لعبت الخيانةُ دورَها، ومشي خاير بك بين الصفوفِ يرجفُ بالأراجيف، وينشرُ الشائعاتِ بين المقاتلين زاعمًا أنَّ السُّلطان يقدم بعضَهم للقتالِ ليتخلَّصَ منهم، ويؤخر خاصتَه وجلبانه ليحتفظَ بهم معافين، ثم أشاع في النهايةِ أنَّ السُّلطانَ وقع صريعًا.
وتراجع خاير بك وجان بردي الغزالي ومن معهما من الخونةِ بجنودِهم متقهقرين هاربين، فاختلَّتِ الصفوفُ، وضاعتْ صيحاتُ السُّلطانِ عبثًا وهو يقول: "يا أغوات اصبروا ساعة"، وتقدَّم العثمانيون فلم يحتملِ السُّلطانُ الهزيمةَ وسقط عن جوادِه تحت أرجلِ الخيل، وذلك في رجب سنة (922هـ/ أغسطس 1516م).

ريم الغلاا
04-12-15, 03:22 AM
طرح في غايه آلروعه وآلجمال
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك القادم والشيق
ونحن له بالإنتظار,,~


يُنقل للقسم الأنسب

همسة الروح
04-12-15, 02:02 PM
موضوع بصبغه تاريخيه
ي سلام عليك روميساء
بس لو الالوان تكون اوضح للقراء
يعطيك العافيه :0741:

مطر الفجر
04-12-15, 04:48 PM
شكرا لك على مجهودك غاليتي روميساء
تم تعديل الوان الموضوع
لرؤية اكثر وضوحا
تحيتي لك

صمتي حكاية
04-12-15, 04:51 PM
دائما متميزة في الاختيار
سلمتي على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
تحياتي لك

روميسآء
04-13-15, 07:13 PM
طرح في غايه آلروعه وآلجمال
سلمت آناملك على الانتقاء الاكثر من رائع
ولاحرمنا جديدك القادم والشيق
ونحن له بالإنتظار,,~


يُنقل للقسم الأنسب
حضورك الاجمل
ربي يسلمك
شكرا
نورت

روميسآء
04-13-15, 07:14 PM
موضوع بصبغه تاريخيه
ي سلام عليك روميساء
بس لو الالوان تكون اوضح للقراء
يعطيك العافيه :0741:
حضورك الاجمل
ربي يعافيك
نورت

روميسآء
04-13-15, 07:17 PM
شكرا لك على مجهودك غاليتي روميساء
تم تعديل الوان الموضوع
لرؤية اكثر وضوحا
تحيتي لك
العفو هذا من الواجب
رغم إني تعبت في تنسيق الموضوع
وبازبط لون لشخصيات ولون تاني لدولة
عشان مايمل القآرئ
بس مآيخآلف
فدآك غلاتي مطر
ممكن أنا فاتحة ستآيل موب عندكم للمنتدى
نورت

روميسآء
04-13-15, 07:19 PM
دائما متميزة في الاختيار
سلمتي على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
تحياتي لك
حضورأحرفك متميز كعآدتك
ربييسلمك غلاتي
نورت

شهوده المزيونه
04-19-15, 06:33 PM
يعطيك العافيه على الانتقاء الرائع
استمتعت جدا في قراءته
مع تحيات باص المنتدى ) )

روميسآء
04-19-15, 07:02 PM
يعطيك العافيه على الانتقاء الرائع
استمتعت جدا في قراءته
مع تحيات باص المنتدى ) )

ربي يعافيك غلاتي
واستمتعنا بتواجدك
نورت


SEO by vBSEO 3.6.1