المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فساد مناظرة بليس في السجود لآدم عليه السلام


الخيال التغلبي
10-17-15, 08:49 PM
((فساد مناظرة إبليس في السجود لآدم عليه السلام))

قال الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابم قيّم الجوزية رحمه الله تعالى :
في ذكر مناظرة إبليس عدو الله في شأن آدم وإبائه من السجود له ن وبيان فسادها ، وقد كرر الله تعالى ذكرها في كتابته ، وأخبر فيها أن امتناع إبليس من كان كبراص منه وكفراص ومجرد إباء ، وإنما ذكر تلك الشبهة تعنتاً ، وإلّا فسبب معصيته الاستكبار والإباء والكفر ، وإلّا فليس في أمره بالسجود لآدم ما يتاقض الحكمة بوجه . وأما شبهته الداحضة وهي أن أصله وعنصره النار وأصل آدم وعنصره التراب ، ورتب على ذلك أنه خير من آدم ، ثم رتب على هاتين المقدمتين أنه لا يحسن منه الخضوع لمن هو فوقه وخير منه فهي باطلة من وجوه عديدة :
أحدها : أن دعواه كونه خيراً من آدم دعوى كاذبة باطلة ، واستدلاله عليها بكونه مخلوقاً من نار وآدم من طين استدلال باطل ، وليست النار خيراً من الطين والتراب ، بل التراب خير من النار ، وافضل عنصراً من وجوه :
أحدها : أن النار طبعها الفساد وإتلاف ما تعلقت به بخلاف التراب .
الثاني : أن طبعها الخفة والحدة والطيش ، والتراب طبعه الرزانة والسكون والثبات .
الثالث : أن التراب يتكون فيه ومنه أرزاق الحيوان وأقوات ولباس العباد وزينتهم وآلات معايشهم ومساكنهم ، والنار لا يتكون فيها شيء من ذلك .
الرابع : أن التراب ضروري للحيوان لا يستغني عنه البته ، ولا عن ما يتكون فيه ومنه ، والنار يستغني عنها الحيوان البهيم مطلقاً ، وقد يستغني عنها الإنسان الأيام والشهور فلا تدعوه إليها الضرورة ، فأين انتفاع الحيوان كله بالتراب إلى انتفاع الإنسان بالنار في بعض الأحيان .
الخامس : أن التراب اذا وضع فيه القوت أخرجه أضعاف أضعاف ما وضع فيه ، فمن بركته يؤدي إليك ما تستودعه فيه مضاعفاً ، ولو استودعته النار لخانتك واكلته ولم تبق ولم تذر .
السادس : أن النار لا تقوم بنفسها ، بل هي مفتقرة إلى محل تقوم به يكون حاملاً لها . والتراب لا يفتقر إلى حامل ، فالتراب أكمل منها .
السابع : أن النار مفتقرة إلى التراب ، وليس بالتراب فقر إليها فإن المحل الذي تقوم به النار لا يكون إلا مكوناً من التراب ، أو فيه فهي الفقيرة إلى التراب وهو الغني عنها .
الثامن : ((أن المادة الإبليسية هي المارج ، من النار وهو ضعيف يتلاعب به الهوى فيميل معه كيفما مال . ولهذا غلب الهوى على المخلوق منها فأسره وقهره ، ولما كانت المادة الآدمية التراب وهو قوي لا يذهب مع الهوى أينما ذهب قهر هواه وأسره ورجع إلى ربه فاجتباه واصطفاه ، فكان الهوى الذي مع المادة الآدمية عارضاً سريع الزوال فزال وكان الثبات والرزانة أصلياً له فعاد إليه . وكان إبليس بالعكس من ذلك قرجع كل من الأبوين إلى أصله وعنصره آدم إلى أصله الشريف ، واللعين إلى أصله الرديء)) .
التاسع : أن اللعين لقصور نظره وضعف بصيرته راى صورة الطين تراباً ممتزجاً بماء فاحتقره ، ولم يعلم أن الطين مركب من أصلين الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ، والتراب الذي جعله خزانة المنافع والنعم ، هذا وكم يجيء من الطين من المنافع وأنواع الأمتعة ، فلو تجاوز نظره صورة الطين إلى مادته ونهايته لرأى أنه خير من النار وأفضل .
فهذا وأمثاله مما يدلك على ضعف مناظرة اللعين وفساد نظره وإدراكه . وإن الحكمة كانت توجب عليه خضوعه لآدم فعارض حكمة الله وأمره برأيه الباطل ، ونظره الفاسد ، ((فقياسه باطل نصاً وعقلاً وكل من عارض نصوص الأنبياء بقياسه ورأيه فهو من خلفائه وأتباعه)) ، فنعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة من هذا البلاء الذي ما رمي العبد بشر منه ، ((ولأن يلقى الله بذنوب الخلائق كلها ما خلا الإشراك به أسلم له من أن يلقى الله وقد عارض نصوص أنبيائه برأيه ورأي بني جنسه)) ، وهل طرد الله إبليس ولعنه ، وأحل عليه سخطه وغضبه إلا حيث ""عارض النص بالرأي والقياس"" ثم قدمه عليه والله يعلم أن شُبه عدو الله مع كونها داحضة باطلة أقوى من كثير من شبه المعارضين لنصوص الأنبياء بآرائهم وعقولهم .
((فالعالم يتدبر سر تكرير الله لهذه القصة مرة بعد مرة وليحذر أن يكون له نصيب من هذا الراي والقياس وهو لا يشعر)) ، فقد أقسم عدو الله أنه ليغوين بني آدم أجمعين إلا المخلصين منهم . وصدق تعالى ظنه عليهم وأخبر أن المخلصين لا سبيل له عليهم . والمخلصون هم الذين أخلصوا العبادة والمحبة والأجلال والطاعة لله والمتابعة والانقياد لنصوص الأنبياء . فيجرد عبادة الله عن عبادة ما سواه ، ويجرد متابعة رسوله وترك ما خالفه لقوله دون متابعة غيره ، فليزن العاقل نفسه بهذا الميزان قبل ان يوزن يوم القدوم على الله . والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله . انتهى

من بدائع الفوائد : ج4 ، ص ـ 158 ـ 162 ، باختصار بسيط .

ســـارا
10-17-15, 11:59 PM
ابليس اغتر بنفسه
ونحن اغترينا بحلم الله علينا !
الله المستعان
جزاك الله الجنة
ودمت بكل ود

الخيال التغلبي
10-18-15, 04:19 AM
عفواً ـ أختي سارا : إبليس أغتر بنفسه صحيح ، أما نحن ففي فسحة من حلم ربنا ، وهو أهل لذلك جل شأنه ، ولا يقال أن اغترينا بحلم الله فكانك تظنين به الغدر ، تعالى الله عن ذلك ـ أنا أعرف أنك لا تقصدين ذلك بالتأكيد وانما خانك التعبير ـ فوجب التنويه . ولكن الجائز على الله عز وجل ـ هو قولك : لا آمن مكر الله ـ كما ورد بالقرآن ـ (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)) فالله جل شأنه ، مكره كله خير ، لا شر فيه البتة ، وانما المقصود هنا خاص بالمشركين ومكرهم ، وان الله عالم ومحيط بمكرهم ، وهو اعلم بما يمكرون به ، وهو من يجعل تدبيرهم في تدميرهم من حيث لا يعلمون . ولنا في أبي بكر الصديق اسوة حسنة عندما فال : لو كانت قدمي بالجنة والأخرى خارجها ما آمن مكر الله ـ أي الابتلاء ، فانتبهي أُخيّتي ـ حفظك الله تعالى .


SEO by vBSEO 3.6.1