أميرللكلمة
01-17-16, 09:50 AM
إمام وخطيب جامع قصر الملك متحدثاً عن شخصية خادم الحرمين
أ.د.الشثري: سلمان بن عبدالعزيز.. جامعة متعددة المشارب ومتنوعة المعارف
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)8.jpg
ذكر «أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الشثري» -عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين، إمام وخطيب جامع قصر الملك سلمان بن عبدالعزيز بالمعذر، وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً- أنّ شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قيادية في الحكم والإدارة والسياسة، وهو مدرسة متعددة المشارب، وجامعة متنوعة المعارف، وكل أعماله لا تصدر إلاّ بعمق التفكير وبعد النظر، والتأمل في المآلات والنتائج، والمتتبع لحياته يجد أنّه يعطي هذا الجانب أهمية بالغة، فلا يقدم على عمل إلاّ وقد أحاط به من كل جوانبه، واستجمع نتائجه، وعرف المصلحة منه، وقد اكتسب هذه الصفة من سيرة حياة والده الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود–رحمه الله –، وتأثر بشخصيته وحكمته خصوصاً في مجال البعد السياسي والأمني والاجتماعي.
وقال في حوار ل»الرياض»: «أنعم الله عليَّ بفضله وإحسانه وكريم عطائه أن قمتُ بالخطابة والإمامة في مسجد قصره الواقع في الرياض في المعذر منذ عام 1404ه، وكان نعم الأب ونعم الموجه ونعم الناصح، وتلقيت على يديه مكارم الأخلاق وأصالة القيم والتكوين الشخصي والعقلي والعملي من خلال توجيهاته ومجالسه العامرة بالعلم والمعرفة، ومن حقه عليّ ووفاء له أن أدون في هذا جزءاً من جوانب وملامح شخصيته الفذة التي شاهدتها وعاصرتها في مجالسه وتوجيهاته ومشاهدة أنماط حياته»، وفيما يلي نص الحوار:
توقير العلماء
* في البداية حدثنا عن اهتمام الملك بالعلم والعلماء؟
- عرف الملك سلمان باهتمامه بالعلم والعلماء، وهذه ميزة غلبت كثيراً عليه، فتواصل مع العلماء وتواصلوا معه، ووجدوا منه الحب والاحترام، والتوقير، والتقدير للعلم وأهله، وهو منهج سارت عليه الدولة منذ قيامها، حيث ارتبط المؤسس الملك عبدالعزيز –رحمه الله– بالعلماء ومجالستهم، والأخذ عنهم باعتبارهم النجوم المضيئة والمصابيح المنيرة، وكان مجلس الملك سلمان لا يخلو غالباً من العلماء والدعاة، ويجعلهم في المكان اللائق بهم، وكان قويَّ الصلة مع كبار العلماء منذ نشأته، وذلك بزيارتهم، وسؤالهم، وأخذ الفتوى منهم، أمثال: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبدالله بن جبرين –رحمهم الله جميعاً–، وتعمقت صلته بالعلماء المعاصرين أمثال سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ومعالي الدكتور العلامة صالح الفوزان، وغيرهم كثير.
وقد شاهدت كبار العلماء يفدون إلى زيارته في مجلسه يوم الاثنين من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، يسمع منهم ويسمعون منه، ويطرح عليهم الأسئلة التي تفيد الحاضرين، وكان يقوم بزيارتهم في منازلهم، خصوصاً سماحة الشيخ ابن باز فقد كان قوي الصلة به، ويأتيه في منزله، وكذلك اهتمامه بتاريخ وتراث وإنتاج علماء المملكة حين وجَّه دارة الملك عبدالعزيز بإقامة معرض "تراث المملكة العربية السعودية المخطوط"، وهذا يؤكّد لنا أهمية العمل في شخصية الملك سلمان وحبه له.
فقد كان حافزاً، وداعماً، ومشجعاً، للعلم والعلماء، كما أنّه يؤكّد في كل مناسبة على أهمية العلم وحاجة الناس إليه، ومنهج المملكة وقيادتها مع العلماء في قوة الترابط والتلاحم الأمر الذي ميز سياسة المملكة، وجعلها تتبوأ مكانة عالية عند الناس وتلاحماً بين القيادة والشعب، كما أولى اهتماماً بالغاً بالتراث العلمي لسماحة الشيخ ابن باز، وكان رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز بن باز الخيرية، ودشن مشروع الموسوعة الصوتية الإلكترونية لسماحته –رحمه الله–؛ مما يدل على حرصه واهتمامه بالعلماء وطلبة العلم.
التمسك بالثواب
* لا شك أنّ هذا أثر على شخصية خادم الحرمين الشريفين، خصوصاً فيما يتعلق بالتمسك بالثوابت التي تأسست عليها المملكة؟
- بالتأكيد، ولا يكاد يخلو موقف أو مناسبة للملك سلمان، إلاّ يذكر ويؤكّد على هذا النهج القويم الذي سارت عليه المملكة، حيث كان مصدر عزها وقوتها، وتمكينها، ألا وهو التمسك بالكتاب والسنة والسير على منهج السلف الصالح وتحكيم الشريعة الإسلامية، فمن ذلك قوله: "إننا نعيش في دولة مباركة تطبق أحكام الشريعة منذ أن أسسها الباني الملك عبدالعزيز وأبناؤه الملوك من بعده، فقد اتخذت من كتاب الله العزيز وسنته دستوراً يحكم جميع مناحي الحياة كلها"، وقال أيضاً: "إننا في هذه البلاد نعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لينعم الجميع بالرخاء والازدهار".
وقد أصدرت دارة الملك عبدالعزيز كتاباً وثائقياً يتضمن خطب وكلمات الملك سلمان جمعت الدارة فيه أكثر من (207) خطبات وكلمات مختارة، وأذكر أنّه قال في مجلسه الأسبوعي عام 1422ه: "إن هذه البلاد وشعبها هي محط الإسلام وهي التي تسعى لنشر الإسلام في كل بلاد الدنيا"، وفي مجلس آخر ذكر فضل دعوة الشيخ "محمد بن عبدالوهاب"، وأنه مجدد لهذا الدين، وداع إلى التوحيد والذين يطعنون فيه إنما يطعنون في الإسلام، والشيخ لم يأت بالدين من نفسه، ولم يدع إلى نفسه، بل دعا إلى الله ورسوله، والدولة رأس مالها الدين، ومنذ أول قيامها أُسست على الدين، واستمرت عليه ولا تزال بحمد الله، وعلينا أن نعرف أثر هذه النعمة حتى وإن ارتكب الإنسان بعض الذنوب والمعاصي عليه أن يتوب ويرجع إلى الله.
هكذا هو الملك سلمان –حفظه الله ورعاه– يؤكّد على هذه الثوابت لكل من يأتيه، وفي مجلسه الأسبوعي عام 1419ه ذكر كلاماً نفيساً يجب الوقوف عليه، وقد لخصته بعد الجلسة في التالي: حيث كانت هذه الجزيرة تعيش ردحاً من الزمن في فتن واضطراب، القوي يأكل الضعيف وهلم جرا.. وكان الملك عبدالعزيز يحب أن يكون شعبه على الإسلام الصحيح، وأن يأمنوا على دينهم، وأنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، فجاهد وبذل نفسه، حتى حقق الله له ما أراد، من جمع الكلمة، ولم الشمل، ورأب الصدع، وتوحيد الصف، ثم جاء أبناؤه من بعده في الحكم وساروا على هذا النهج من العمل بالشريعة والتمسك بثوابتها.. ثم قال: "الملك عبدالعزيز جَنَّب بلاده وشعبه ويلات الحروب والفتن"، وختم حديثه الممتع بأنّه "لا عز لنا إلاّ بالإسلام وبالتمسك بالكتاب والسنة وشريعة الله، فليس عزنا بقوتنا ولا بأموالنا ولا بثرواتنا، هذه أسباب وإنما الأصل في العز والكرامة والأمن والمكانة، هو التمسك بالإسلام والعمل بالكتاب والسنة".
وأذكر أنّه حينما تتشرف جامعة الإمام محمد بن سعود برعايته الكريمة لحفل التخرج كل عام يلقي كلمة على الحضور ويؤكّد فيها على الدين والعقيدة التي منّ الله بها على المملكة، ويطيل في ذلك والجميع منصت لكلامه المتناثر كالدرر والمعاني البديعة، ويذكر أن للملكة خصوصية لم تكن لغيرها من سائر البلاد وهي وجود الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن، وأنها قبلة المسلمين ومصدر عزهم، ويذكر أن هذا شرف كرمنا الله به فيجب أن نحافظ عليه، والكلام يطول حول هذا، وحسبي ما ذكرت.
حب القراءة
* بات معروفاً للجميع حب الملك سلمان للاطلاع والقراءة، كيف ترون ذلك؟
- لا يختلف اثنان على أنّ القراءة والاطلاع عمق معرفي وإحساس يتكون لدى الإنسان منذ صغره، فيحب القراءة والاطلاع وتكون هي غذاؤه الروحي وسعادته النفسية، فلا يستغنى عنها كل يوم، وهذا المعنى انطبع في شخصية الملك سلمان، فأحب القراءة وعشقها وأكثر منها، وكان يتابع ما يصدر من مؤلفات في كل الفنون، وصار لديه مكتبة عامرة بأمهات الكتب والمراجع في علوم متنوعة وفنون شتى، وقد سمعته يقول في أكثر من مناسبة إنّه لما كان بصحبة أخيه الأمير سلطان–رحمه الله– في الرحلة العلاجية قرأ عدداً من الكتب، وقال إنه قرأ(80) كتاباً في مجالات متعددة؛ لأنّه يدرك أنّ القراءة هي السبيل الوحيد لتكوين المعرفة والعلم لدى الإنسان؛ ولأن القراءة والاطلاع تزيد في الثراء العقلي، وتطرد الجهل والتخلف، ولا تجد مبدعاً ولا مفكراً إلا وقد اختار القراءة منهجاً له في حياته يستمد منها التزود المعرفي والتكوين العقلي، وكما قيل: (الإنسان القارئ لا يهزم)؛ فلذلك كانت القراءة لدى الملك سلمان شيئاً أساسياً في برنامجه اليومي، وكونت لديه معطيات فكرية وقدرات معرفية، وما من عالم ولا حاكم ولا مخترع إلا وكانت القراءة الواعية وسيلة له إلى التقدم والتطور والإنتاج والإدراك.
ومما تميز به الملك سلمان أنّه إذا قرأ كتاباً أو مقالاً أو موضوعاً يضع خطوطاً على أهم ما فيه، وما يحتاج إليه، وإذا أشكل عليه شيء بحث عنه، وسأل المختصين فيه، ويناقش ويحاور في أي موضوع يريده، وإذا كلف أحداً بالكتابة في موضوع علمي يطلب منه أن يختم كلامه برأيه الخاص فيه، وأذكر أنه لما طلب مني الكتابة في مسألة فقهية وعرضت له الأقوال والأدلة ثم اتصل هاتفياً وقال لم تذكر القول الراجح في المسألة وتبيِّن رأيك فيها، وفي هذا تنبيه دقيق لأن الأمر ليس نقلاً محضاً وإنما هو نقل ومناقشة وترجيح وهو منهج علمي لا يدركه إلى الحذاق من القراء.
ومن خلال هذا الاطلاع الواسع لدى الملك سلمان صار لديه اتصال ومعرفة بالثقافات والعلوم المختلفة، وكونت له شخصية فذة في الحكم والإدارة والفطنة والتعامل وجمال الحديث إذا تكلم والقدرة على النقاش والحوار في كل المجالات فهو –حفظه الله– إذا تكلم وتحدث تتمنى ألا يقف لما في كلامه من البعد المعرفي والإضافة الجديدة التي يحتاج إليها المستمع من التأكيد على الثوابت والأخلاق والمعاني الاجتماعية وغيرها.
أحوال الناس
* ماذا عن حرصه على معرفة أحوال الناس وتنزيلهم منازلهم؟
- مما يتميز به خادم الحرمين اطلاعه الواسع بأحوال الناس وأنسابهم وتاريخهم، وهذا ناتج عن اطلاعه الواسع في التاريخ بدليل أنه إذا قابله شخص وعرَّف باسمه وجَّه إليه عدداً من الأسئلة التي تخصه؛ مما يدل على معرفته بأحوال قبيلته أو بلده، ومن أخص ما تميز به إنزال الناس منازلهم، وهذا خلق رفيع، ومنهج إسلامي أصيل، فيعرف قدر العالم والوجيه والكبير والضيف ويُدنيه من مجلسه ويضعه في المكان اللائق به، ولا ريب أنّ هذا يُدخل على نفس الشخص السرور والاحترام له وهذا من أخلاق الإسلام التي حث عليها، كما عند أبي داود أن عائشة –رضي الله عنها– مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم–:(أنزلوا الناس منازلهم)؛ لأنّ الناس يختلفون في مقامهم وقدرهم، فلذلك كان الملك سلمان يراعي هذه الناحية كثيراً في مجلسه وفي عمله وفي تعامله مع الناس، وأذكر أنّه كان في مجلسه العامر ذات مرة منذ عشر سنين حيث امتلأ المجلس بالحاضرين، وجاء رجل كبير السن فسلَّم على الملك سلمان وتلفت يميناً ويساراً فلم يجد مكاناً فقام أحد الجالسين من مكانه وأقعد هذا الرجل الكبير، فلما انصرف ناداه الملك وقال له إن فعلك هذا يدل على أخلاقك وتربيتك وأثنى عليه خيراً أمام الحضور، ثم أمر بإحضار كرسي لإجلاسه، وهذا من حنكته ومعرفته وفطنته ومعرفة الناس وأخلاقهم.
قضايا المسلمين
* بالتأكيد لم يتوقف وينحصر اهتمامه فقط بأبناء وطنه، بل تعداه ليهتم بسائر المسلمين وقضاياهم؟
- لا شكّ في ذلك، وقد سجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– اهتماماً بالغاً، وعناية فائقة بقضايا المسلمين في كل مكان، خصوصاً القضية الفلسطينية، ويتحدث عنها دائماً في مجالسه، ويؤكّد أنّها قضيتنا، فأمنها أمننا، واستقرارها استقرارنا، ويعيش معها بكل جوارحه ومشاعره، ولست هنا استطرد كلماته وخطاباته وجهوده واهتمامه بقضايا المسلمين، فهذا أمر قد دونته دارة الملك عبدالعزيز في إصدار خاص -كما أسلفت-، ومن أراد التوسع فليرجع إليه، ولكن أذكر ما كان يؤكد عليه في مجلسه الأسبوعي.
فهو يؤكّد على السياسة الحكيمة التي سارت عليها المملكة من لدن المؤسس الملك عبدالعزيز، ودعم المملكة لكل قضايا المسلمين يُذكر الحاضرين بالمواقف المشرفة التي وقفتها المملكة في وقت الأزمات والشدائد لكل المسلمين، وثباتها على المبادئ الراسخة التي لا تغيرها الأحداث منذ قيام هذه الدولة، وكنت آنذاك أدون وألخص ما قاله بعد الجلسة، فمن ذلك أنه يؤكّد على أنّ بلادنا لها دين وعقيدة تسير عليها ولن تتنازل عنها بحال، وعلاقاتها مع كل الدول واضحة ومنطلقة من معالم ديننا الحنيف، وكان لخادم الحرمين الشريفين مواقف مشرفة في الأزمات التي وقعت لبعض المسلمين وخصوصاً في الزمن المعاصر كحرب الخليج وغزو الكويت، ومكافحة الإرهاب بجميع صوره، وله جهود كبيرة في جمع الكلمة وتوحيد الصف، وكذلك أعمال الإغاثة التي كانت تقدم لبعض الدول المتضررة من الأحداث أو السيول أو الزلازل والفيضانات ويشرف عليها بنفسه، وكان ملماً بكل الأحداث التي تحيط بأمة الإسلام.
كما أنّه يذكر على الدوام في مجلسه ما كان عليه الملك عبدالعزيز من حمايته لشعبه والحفاظ عليهم من ويلات الحروب العالمية، وكذلك أبناؤه الملوك من بعده، حافظوا على شعبهم من الفتن وكانوا حريصين كل الحرص على أن يعيش الشعب في أمن واستقرار وعيش رغيد، وخادم الحرمين الشريفين رجل الملفات الخطيرة التي تولاها ونجح في إدارتها وليس بجديد على مدرسة الحكم حيث له باع طويل ومشاهد ملموسة وسيرة مشرفة في مواجهة القضايا الدولية والمحلية.
العمل المتعدي
* دائماً ما يؤكّد -حفظه الله- على العمل المتعدينفعه للآخرين وعدم الاكتفاء بتقديم الخدمة لطالبها فقط، برأيك لماذا؟
- الملك سلمان -أيده الله- يعشق العمل المتعدي نفعه للآخرين، ويقدمه على العمل القاصر؛ لأنّ عمل الخير في نفع الناس هو في حقيقته نفع للإنسان الذي قام به قبل أن يكون نفعاً للآخرين، كما قال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، فكان يقول من يقوم بتقديم النفع للناس في عمله وإنجازه خير وأفضل من الذي يقدم لنفسه فقط، وهذه النظرة الثاقبة مقررة في شريعة الإسلام، ولذلك جاءت الأوامر في القرآن بلفظ الجمع وليس المفرد مثل: "تعاونوا"، "وتواصوا"، "يأمرون"، "وافعلوا"، ونحو ذلك؛ مما يدل على مكانة العمل المتعدي نفعه للناس، والعمل الذي يؤديه الملك سلمان في حياته هو من هذا النوع، حتى أصبحت العاصمة الرياض بناء متكاملاً ونهضة عمرانية لا تجاريها عاصمة أخرى، جعلها الملك سلمان في مستوى كبير من بين عواصم العالم جعلها تتبوأ مكانة عالية في عالم اليوم الذي ينشد المستقبل الزاهر، وكان حرصه على العمل المشترك المتعدي نفعه دافعاً ومؤثراً لكل من معه ومن حوله، وها هي إنجازاته -حفظه الله- ناطقة بالمستوى العالي الذي وصلت إليه المملكة من حضارة المدنية وتوفر الخدمات وميادين العمل الخيري والإنساني الذي أسس قواعده وثبت بنيانه والناس اليوم في هذا الوطن يقطفون ثمار جهده وعمله.
وكنت قد دونت كلمات ملخصه من حديثه في مجلسه عام 1421ه كان يؤكد عليها كثيراً وهي: أن يكون لدى الناس وعي وإدراك في نظافة الأحياء والطرقات والشوارع العامة، والحرص على أن تكون بالمظهر اللائق النظيف؛ لأنّ الدولة قد أنفقت كثيراً من الأموال لتعبيد الطرق وتجميل الشوارع والأحياء وجعل الممرات والحدائق التي يستفيد منها الناس، وهذا كله مُلك للمواطنين لأنّهم يشتركون في منافعه فيجب على الجميع العناية والمحافظة التامة بها، وعدم تلويثها أو تدميرها، كما أنّ الملك سلمان يؤكّد كثيراً على أنّه لا يصح للإنسان المكلف بعمل في الدولة أن يؤخر أو يتأخر في أداء عمله، فيقدم مصلحته أو عملاً خاصاً به على الأعمال التي كلف بها، وضَرب بذلك مثلاً وهو الموظف الذي يذهب إلى صلاة الظهر وبعد الصلاة يجلس لقراءة القرآن والناس ينتظرونه في مكتبه لحاجتهم فهذا قدم عملاً خاصاً على عمل عام كلف به فلا يصح له ذلك، وهذه النظرة التي يؤكد عليها أكّد عليها أهل العلم فقال ابن الحاج في المدخل: "ولا خلاف بين الأئمة في أن الخير المتعدي أفضل من الخير القاصر على المرء نفسه"، فالنفع المتعدي هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواء كان هذا النفع أخروياً أو دنيوياً.
خادم القرآن
ماذا عن عنايته بالقرآن الكريم؟
- عناية الملك سلمان بالقرآن: ارتبطت حياته منذ صغره بالقرآن، وأحق ما يطلق عليه أنّه "خادم القرآن الكريم"، فقد جعل القرآن زاداً له في حياته ومنهجاً له في عمله، وتكريم أهل القرآن ارتبط منذ عقود بشخصية الملك سلمان، وكان يُقدر أهل القرآن ويجلهم ويدعمهم ويؤازرهم ويرعى احتفالاتهم، وكانت صلة الشيخ عبدالرحمن الفريان -رحمه الله،رئيس جمعية تحفيظ القرآن- بالملك قوية ومستمرة؛ نظراً لاهتماماته بهم وعنايته بجهودهم، وكان الملك سلمان يبادر بالتبرع لها كل عام، ثم يتسابق المحسنون بالتبرع، وكذلك المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان تقام كل عام ويتبرع من حسابه الخاص لها بما يقارب (2.000.000)ريال، هذا من حيث الدعم والمساندة لأهل القرآن.
أما صلته الخاصة بالقرآن فمن حيث التلاوة فقد كان كثير التلاوة للقرآن الكريم، وله ورد يومي يقرأ فيه القرآن الكريم، وأذكر أنّه في كل شهر رمضان بعد صلاة الفجر يجلس يقرأ القرآن حتى طلوع الشمس، وكذلك يسأل عن تفسير الآيات فيطلب كتابة بحث عن تفسير آية أو آيات، ومن الطرائف التي ذكرها الملك لما كتبت له معنى تفسير قوله تعالى: "كمثل غيث أعجب الكفار نباته"، ذكرت أنّ المفسرين قالوا إنّ "الكفار" هنا: بمعنى "الزراع"؛ لأنّهم يغطون البذر في الأرض، وأصل الكفر هو التغطية، فذكر الملك فائدة أخرى أنّ كلمة (COVER) في اللغة الإنجليزية بمعنى "غطّى"، وهذا من التوافق في اللغتين لفظاً، وهو –حفظه الله– يكثر من تلاوة القرآن ليلاً، ويحافظ على صلاة الوتر، وقيام الليل، وكان يسأل عن الأحكام المتعلقة بقيام الليل والوتر، ويختم القرآن الكريم كثيراً، وجعل هذا زاداً له في الحياة يستعين به بعد الله على إدارة عمله وشؤونه؛ لأنّ القرآن جعله الله نوراً وهدى للناس يهدي إلى كل خير، ويدل على كل معروف ويقوي إيمان العبد ويزيد في خلقه.
اكتسب التأني والتأمل في المآلات والنتائج من الملك المؤسس وتأثر بشخصيته وحكمته
تقدير الوقت
* حدثنا عن أهمية الوقت لدى خادم الحرمين؟
- وهذا من أهم القضايا التي يوليها خادم الحرمين قدراً كبيراً في حياته، ويعد مثالاً وقدوة في تقدير الوقت، والمحافظة عليه ومعرفة فضله، ولا أكون مبالغاً إن قلت إنه يحسب للدقيقة الواحدة في وقته، وخادم الحرمين مدرسة وجامعة في تنظيم الوقت، كيف لا والوقت هو الحياة ولما له من أهمية بالغة فقد أقسم الله بأجزاء اليوم في القرآن فأقسم بالعصر والضحى والليل والنهار، ورتب الملك سلمان نفسه وهذبها ورباها على المحافظة على وقته في عمله ومناسباته وزياراته ولقاءاته وسفره وحضره حتى في أوقات الصلاة يتابع الوقت بدقة منذ دخول الأذان وإلى الانتهاء من الصلاة، وهذا قد عرفته من اهتمامه بأداء الصلاة في وقتها، وفي رمضان يحافظ على أداء صلاة التراويح مع الجماعة في مسجد قصره حتى نهايتها، وإذا حصل له ظرف أو عذر فيرسل أحداً ويبلغ أنه لن يأتي، وذلك حتى لا يتأخر الناس فمراعاته لحال الناس حتى في أداء العبادة ظاهر، وهذا من توفيق الله له في حياته حتى أصبحت حياته مليئة بالعطاء، حافلة بالخير والمنافع له ولشعبه، وعندما كان أميراً للرياض يذهب إلى العمل الساعة السابعة والنصف ولا يخرج منه إلا عند العصر وهو في عمل دائم وعطاء مستمر، حقق الله على يديه منافع متعددة لها الوطن.
وفي تقسم الوقت في اليوم ترى العجب في حياته ما بين عمل رسمي، أو رعاية مناسبة، أو زيارة مريض، أو صلة رحم، أو قراءة واطلاع، وهذا وغيره في برنامج يومي للملك -وفقه الله-، وهذا نابع من إدراك خادم الحرمين أن الوقت هو الحياة يقدم فيها الإنسان ما يوصله إلى الغاية التي خُلق من أجلها وهي تحقيق عبودية الله تعالى بالعمل الصالح والعلم النافع والأداء المتميز، والوقت نعمة وأمانة يستفيد منه الإنسان فيما ينفعه في دنياه وأخراه، وكثير من الناس فرط في هذه النعمة وأهدر وقته وحياته وضيع على نفسه شيئاً كثيراً، كما عند البخاري أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)، وكان الملك سلمان يضرب أروع الأمثال في المحافظة على الوقت، ويؤكّد على ذلك لكل من زاره وجالسه، ولذلك بارك الله في حياته فأعطاه القدرة على العمل والإنجاز، وأعطاه الله نية صالحة حقق الله على يديه كثيراً من المصالح والمنافع للناس يعجز الإنسان عن عدها وحصرها.
أمن الوطن
* من ذاكرتكم مع الملك سلمان، كيف يرى أمن الوطن؟
- محطات مهمة وصفحات مشرقة على جميع الأصعدة الإنسانية والثقافية والسياسية والأمنية ارتسمت في شخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورغم طغيان الجوانب الإنسانية على حياته إلاّ أنّ أمن الوطن كان يمثل عنده الحصن الحصين للوطن والمواطن، فقد استحكم الأمن على فؤاده واشتد عليه حرصه، وكان يقضي معظم وقته في العمل حفاظاً على الأمن، واستشعر هذه النعمة وعرف قدرها وفضلها.
وأذكر أنّه في حرب الخليج كان يمكث الأيام في إمارة الرياض، ويتابع مسيرة الأحداث بنفسه، ويبعث في قلوب الناس الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، ويذكرهم بأننا أقوياء بديننا وعقيدتنا، ومحفوظون بحفظ الله لنا، وواجه الأراجيف والإشاعات بالدحض والرد عليها، وقضى ستة عقود من حياته وهو يعمل لأجل الحفاظ على أمن الوطن، وحينما كان المواطنون يفدون عليه في قصره في الجلسة الأسبوعية، ويحضرها عدد من الأمراء والعلماء والوجهاء وعامة الناس– كان يتحدث إليهم عن حال الناس في هذه البلاد قديماً حتى جمع الله كلمتهم وقلوبهم على يد الملك الصالح والمؤسس لهذا الكيان المملكة العربية السعودية فقد جمعهم على الإسلام والعقيدة الصحيحة والسير على منهج السلف الصالح، وأنه مهما وقع من أحداث فإن المملكة قوية بدينها وعقيدتها واجتماعها فهو -حفظه الله- يُذكر بهذا في وقت أزمة الخليج 1990م، ويؤكد عليه في كل جلسة، وكنت آنذاك أدون وألخص بعد الجلسة ما كان يوجه به الملك سلمان –أمده الله بتوفيقه-.
وإذا أردنا أن نتحدث عن أمن الوطن وأهميته في نظر ومشاعر خادم الحرمين الشريفين فسنجد أنه صاحب الأيادي البيضاء في حماية الأمن والسهر على حراسته وأمنه وله سجل حافل بالأعمال الخيرية والإنسانية، وله اتصال مباشر بأبناء المجتمع وتلمس احتياجاتهم ورعاية المناسبات الوطنية على اختلافها وتنوعها، كل ذلك من عوامل استتباب الأمن في المجتمع، وقد امتزج حبه للوطن في حياته وجرى في دمه.
الملك سلمان «خادم للقرآن الكريم».. وتكريم الحفاظ لكتاب الله ارتبط منذ عقود بشخصه
تواصل وترابط
* الملك سلمان شخصية اجتماعية، برأيك كيف استطاع الجمع بين مسؤولياته والتواصل وصلة الأرحام؟
- التواصل وصلة الأرحام سجية ارتبطت بحياة الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو يعلم ما في الاجتماع وثمرة التعاون والترابط بين المجتمع من الخير والفضل، وأنه يُشكل لحمة واحدة وبنياناً متماسكاً، وهو رجل التواصل الاجتماعي الذي يهتم بقضايا المجتمع، ويحرص على التواصل معهم، وكل من اقترب منه وجد فيه شخصية قوية، وصفات عالية رفيعة، يحمل قلباً رحيماً مفعماً بالحب والإحسان، يسعى دائماً إلى إدخال السرور على الآخرين، ويسره أن يرى السعادة ظاهرة على كل أحد.
ومن أوضح الأدلة والبراهين سؤاله الدائم عن أحوال المواطنين، يفرح لفرحهم ويُسر لسرورهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، ومن جالسه أو كان قريباً منه يشعر بأن له مكانة خاصة في قلبه، وعلاقته بالمجتمع لا تتوقف على طبقة معينة، فهو مرتبط بالعلماء والمفكرين والمؤرخين والصحفيين، والسياسيين والاقتصاديين، ومن أخص علاقاته الاجتماعية مشاركة المواطنين في أفراحهم وأتراحهم، فهو يزور المرضى ويعزي في المتوفين، وعلاقته بالمجتمع لا تتوقف عند حد.
وأما صلة الأرحام التي يقوم بها فأحسب أنه جعلها برنامجاً يومياً له، فيزور أرحامه ويتواصل معهم ويبادرهم بالزيارة والسؤال عنهم، وهذا من أعظم وأجل الأعمال الصالحة حيث جعله الله تعالى سبباً في بسط الرزق والعمر، وإذا علم من إنسان توافر هذه الصفة فيه أعني صلة الأرحام، عَظُم في عينه وأقبل إليه بوجه الثناء والاحترام وشجعه وشَدَّ من عزمه لأنه يدرك أثر ذلك على حياة الإنسان.
مستقبل المملكة
* كيف ترى مستقبل المملكة في عهد الملك سلمان؟
- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يملك من الخبرة الإدارية والحنكة السياسية؛ مما يجعل الوطن موعودا -بإذن الله- بمستقبل مشرق، حيث كانت حياته العملية كلها إسهامات متعددة في منجزات وطنية وفي مجالات كثيرة، وها هي اليوم تنطق للعيان بما يراه الإنسان من التقدم والتطور في منطقة الرياض، فقد نقلها خلال مدة وجيزة إلى أن تكون في مقدمة العواصم العالمية في النهضة العمرانية والنمو الاقتصادي وتعبيد الطرق وإنشاء الجسور وشق الأنفاق، وحين يرى الإنسان عاصمة المملكة من خلال الجو وهو في الطائرة يرى درة متلألئة في أرض الرياض، لا يَملُّ مشاهدتها، وعند الحديث عن الرياض وتاريخها يتذكر الإنسان أن باني مجدها الزاهر وتقدمها الباهر، ونهضاتها الشاملة، هو خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز كيف لا، وهو الذي يقول عنها: "تاريخ الرياض جزء من حياتي عايشتها بلدة صغيرة يسكنها بضعة آلاف من السكان الذين يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى تسجل حضورها في كل المحافل الدولية بمداد من العزة والفخار، إذ هي عاصمة المملكة العربية السعودية، وتمثل مركز قرار في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي".
* كلمة أخيرة؟
- هذا جزء من جوانب وملامح شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح سلمان بن عبدالعزيز، وما هي إلاّ شذرات وإشارات مما عايشته وشاهدته في سيرته العطرة ومسيرته النافعة، ولا أحسب أني ذكرت إلاّ شيئاًَ قليلاً، أحببت أن تكون سيرته مثالاً وقدوة تحتذى لشبابنا في المحافظة على حياتهم وأوقاتهم.
أدام الله العز والرفعة للملك سلمان وأمد في عمره على الطاعة والإيمان وأعزّ به الإسلام والمسلمين.
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)7.jpg
الملك سلمان بن عبدالعزيز مصافحاً أحد كبار السن اثناء استقباله
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)6.jpg
الملك سلمان مستقبلا سماحة مفتي عام المملكة واصحاب الفضيلة المشايخ والعلماء
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)2.jpg
الملك سلمان راعياً لحفل جمعية تحفيظ القرآن الكريم
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)5.jpg
أ. د. عبدالله الشثري متحدثاً للزميل طلحة الأنصاري
أ.د.الشثري: سلمان بن عبدالعزيز.. جامعة متعددة المشارب ومتنوعة المعارف
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)8.jpg
ذكر «أ.د.عبدالله بن عبدالرحمن الشثري» -عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين، إمام وخطيب جامع قصر الملك سلمان بن عبدالعزيز بالمعذر، وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً- أنّ شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قيادية في الحكم والإدارة والسياسة، وهو مدرسة متعددة المشارب، وجامعة متنوعة المعارف، وكل أعماله لا تصدر إلاّ بعمق التفكير وبعد النظر، والتأمل في المآلات والنتائج، والمتتبع لحياته يجد أنّه يعطي هذا الجانب أهمية بالغة، فلا يقدم على عمل إلاّ وقد أحاط به من كل جوانبه، واستجمع نتائجه، وعرف المصلحة منه، وقد اكتسب هذه الصفة من سيرة حياة والده الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود–رحمه الله –، وتأثر بشخصيته وحكمته خصوصاً في مجال البعد السياسي والأمني والاجتماعي.
وقال في حوار ل»الرياض»: «أنعم الله عليَّ بفضله وإحسانه وكريم عطائه أن قمتُ بالخطابة والإمامة في مسجد قصره الواقع في الرياض في المعذر منذ عام 1404ه، وكان نعم الأب ونعم الموجه ونعم الناصح، وتلقيت على يديه مكارم الأخلاق وأصالة القيم والتكوين الشخصي والعقلي والعملي من خلال توجيهاته ومجالسه العامرة بالعلم والمعرفة، ومن حقه عليّ ووفاء له أن أدون في هذا جزءاً من جوانب وملامح شخصيته الفذة التي شاهدتها وعاصرتها في مجالسه وتوجيهاته ومشاهدة أنماط حياته»، وفيما يلي نص الحوار:
توقير العلماء
* في البداية حدثنا عن اهتمام الملك بالعلم والعلماء؟
- عرف الملك سلمان باهتمامه بالعلم والعلماء، وهذه ميزة غلبت كثيراً عليه، فتواصل مع العلماء وتواصلوا معه، ووجدوا منه الحب والاحترام، والتوقير، والتقدير للعلم وأهله، وهو منهج سارت عليه الدولة منذ قيامها، حيث ارتبط المؤسس الملك عبدالعزيز –رحمه الله– بالعلماء ومجالستهم، والأخذ عنهم باعتبارهم النجوم المضيئة والمصابيح المنيرة، وكان مجلس الملك سلمان لا يخلو غالباً من العلماء والدعاة، ويجعلهم في المكان اللائق بهم، وكان قويَّ الصلة مع كبار العلماء منذ نشأته، وذلك بزيارتهم، وسؤالهم، وأخذ الفتوى منهم، أمثال: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبدالله بن جبرين –رحمهم الله جميعاً–، وتعمقت صلته بالعلماء المعاصرين أمثال سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، ومعالي الدكتور العلامة صالح الفوزان، وغيرهم كثير.
وقد شاهدت كبار العلماء يفدون إلى زيارته في مجلسه يوم الاثنين من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، يسمع منهم ويسمعون منه، ويطرح عليهم الأسئلة التي تفيد الحاضرين، وكان يقوم بزيارتهم في منازلهم، خصوصاً سماحة الشيخ ابن باز فقد كان قوي الصلة به، ويأتيه في منزله، وكذلك اهتمامه بتاريخ وتراث وإنتاج علماء المملكة حين وجَّه دارة الملك عبدالعزيز بإقامة معرض "تراث المملكة العربية السعودية المخطوط"، وهذا يؤكّد لنا أهمية العمل في شخصية الملك سلمان وحبه له.
فقد كان حافزاً، وداعماً، ومشجعاً، للعلم والعلماء، كما أنّه يؤكّد في كل مناسبة على أهمية العلم وحاجة الناس إليه، ومنهج المملكة وقيادتها مع العلماء في قوة الترابط والتلاحم الأمر الذي ميز سياسة المملكة، وجعلها تتبوأ مكانة عالية عند الناس وتلاحماً بين القيادة والشعب، كما أولى اهتماماً بالغاً بالتراث العلمي لسماحة الشيخ ابن باز، وكان رئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز بن باز الخيرية، ودشن مشروع الموسوعة الصوتية الإلكترونية لسماحته –رحمه الله–؛ مما يدل على حرصه واهتمامه بالعلماء وطلبة العلم.
التمسك بالثواب
* لا شك أنّ هذا أثر على شخصية خادم الحرمين الشريفين، خصوصاً فيما يتعلق بالتمسك بالثوابت التي تأسست عليها المملكة؟
- بالتأكيد، ولا يكاد يخلو موقف أو مناسبة للملك سلمان، إلاّ يذكر ويؤكّد على هذا النهج القويم الذي سارت عليه المملكة، حيث كان مصدر عزها وقوتها، وتمكينها، ألا وهو التمسك بالكتاب والسنة والسير على منهج السلف الصالح وتحكيم الشريعة الإسلامية، فمن ذلك قوله: "إننا نعيش في دولة مباركة تطبق أحكام الشريعة منذ أن أسسها الباني الملك عبدالعزيز وأبناؤه الملوك من بعده، فقد اتخذت من كتاب الله العزيز وسنته دستوراً يحكم جميع مناحي الحياة كلها"، وقال أيضاً: "إننا في هذه البلاد نعمل على تحقيق الأمن والاستقرار لينعم الجميع بالرخاء والازدهار".
وقد أصدرت دارة الملك عبدالعزيز كتاباً وثائقياً يتضمن خطب وكلمات الملك سلمان جمعت الدارة فيه أكثر من (207) خطبات وكلمات مختارة، وأذكر أنّه قال في مجلسه الأسبوعي عام 1422ه: "إن هذه البلاد وشعبها هي محط الإسلام وهي التي تسعى لنشر الإسلام في كل بلاد الدنيا"، وفي مجلس آخر ذكر فضل دعوة الشيخ "محمد بن عبدالوهاب"، وأنه مجدد لهذا الدين، وداع إلى التوحيد والذين يطعنون فيه إنما يطعنون في الإسلام، والشيخ لم يأت بالدين من نفسه، ولم يدع إلى نفسه، بل دعا إلى الله ورسوله، والدولة رأس مالها الدين، ومنذ أول قيامها أُسست على الدين، واستمرت عليه ولا تزال بحمد الله، وعلينا أن نعرف أثر هذه النعمة حتى وإن ارتكب الإنسان بعض الذنوب والمعاصي عليه أن يتوب ويرجع إلى الله.
هكذا هو الملك سلمان –حفظه الله ورعاه– يؤكّد على هذه الثوابت لكل من يأتيه، وفي مجلسه الأسبوعي عام 1419ه ذكر كلاماً نفيساً يجب الوقوف عليه، وقد لخصته بعد الجلسة في التالي: حيث كانت هذه الجزيرة تعيش ردحاً من الزمن في فتن واضطراب، القوي يأكل الضعيف وهلم جرا.. وكان الملك عبدالعزيز يحب أن يكون شعبه على الإسلام الصحيح، وأن يأمنوا على دينهم، وأنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم، فجاهد وبذل نفسه، حتى حقق الله له ما أراد، من جمع الكلمة، ولم الشمل، ورأب الصدع، وتوحيد الصف، ثم جاء أبناؤه من بعده في الحكم وساروا على هذا النهج من العمل بالشريعة والتمسك بثوابتها.. ثم قال: "الملك عبدالعزيز جَنَّب بلاده وشعبه ويلات الحروب والفتن"، وختم حديثه الممتع بأنّه "لا عز لنا إلاّ بالإسلام وبالتمسك بالكتاب والسنة وشريعة الله، فليس عزنا بقوتنا ولا بأموالنا ولا بثرواتنا، هذه أسباب وإنما الأصل في العز والكرامة والأمن والمكانة، هو التمسك بالإسلام والعمل بالكتاب والسنة".
وأذكر أنّه حينما تتشرف جامعة الإمام محمد بن سعود برعايته الكريمة لحفل التخرج كل عام يلقي كلمة على الحضور ويؤكّد فيها على الدين والعقيدة التي منّ الله بها على المملكة، ويطيل في ذلك والجميع منصت لكلامه المتناثر كالدرر والمعاني البديعة، ويذكر أن للملكة خصوصية لم تكن لغيرها من سائر البلاد وهي وجود الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن، وأنها قبلة المسلمين ومصدر عزهم، ويذكر أن هذا شرف كرمنا الله به فيجب أن نحافظ عليه، والكلام يطول حول هذا، وحسبي ما ذكرت.
حب القراءة
* بات معروفاً للجميع حب الملك سلمان للاطلاع والقراءة، كيف ترون ذلك؟
- لا يختلف اثنان على أنّ القراءة والاطلاع عمق معرفي وإحساس يتكون لدى الإنسان منذ صغره، فيحب القراءة والاطلاع وتكون هي غذاؤه الروحي وسعادته النفسية، فلا يستغنى عنها كل يوم، وهذا المعنى انطبع في شخصية الملك سلمان، فأحب القراءة وعشقها وأكثر منها، وكان يتابع ما يصدر من مؤلفات في كل الفنون، وصار لديه مكتبة عامرة بأمهات الكتب والمراجع في علوم متنوعة وفنون شتى، وقد سمعته يقول في أكثر من مناسبة إنّه لما كان بصحبة أخيه الأمير سلطان–رحمه الله– في الرحلة العلاجية قرأ عدداً من الكتب، وقال إنه قرأ(80) كتاباً في مجالات متعددة؛ لأنّه يدرك أنّ القراءة هي السبيل الوحيد لتكوين المعرفة والعلم لدى الإنسان؛ ولأن القراءة والاطلاع تزيد في الثراء العقلي، وتطرد الجهل والتخلف، ولا تجد مبدعاً ولا مفكراً إلا وقد اختار القراءة منهجاً له في حياته يستمد منها التزود المعرفي والتكوين العقلي، وكما قيل: (الإنسان القارئ لا يهزم)؛ فلذلك كانت القراءة لدى الملك سلمان شيئاً أساسياً في برنامجه اليومي، وكونت لديه معطيات فكرية وقدرات معرفية، وما من عالم ولا حاكم ولا مخترع إلا وكانت القراءة الواعية وسيلة له إلى التقدم والتطور والإنتاج والإدراك.
ومما تميز به الملك سلمان أنّه إذا قرأ كتاباً أو مقالاً أو موضوعاً يضع خطوطاً على أهم ما فيه، وما يحتاج إليه، وإذا أشكل عليه شيء بحث عنه، وسأل المختصين فيه، ويناقش ويحاور في أي موضوع يريده، وإذا كلف أحداً بالكتابة في موضوع علمي يطلب منه أن يختم كلامه برأيه الخاص فيه، وأذكر أنه لما طلب مني الكتابة في مسألة فقهية وعرضت له الأقوال والأدلة ثم اتصل هاتفياً وقال لم تذكر القول الراجح في المسألة وتبيِّن رأيك فيها، وفي هذا تنبيه دقيق لأن الأمر ليس نقلاً محضاً وإنما هو نقل ومناقشة وترجيح وهو منهج علمي لا يدركه إلى الحذاق من القراء.
ومن خلال هذا الاطلاع الواسع لدى الملك سلمان صار لديه اتصال ومعرفة بالثقافات والعلوم المختلفة، وكونت له شخصية فذة في الحكم والإدارة والفطنة والتعامل وجمال الحديث إذا تكلم والقدرة على النقاش والحوار في كل المجالات فهو –حفظه الله– إذا تكلم وتحدث تتمنى ألا يقف لما في كلامه من البعد المعرفي والإضافة الجديدة التي يحتاج إليها المستمع من التأكيد على الثوابت والأخلاق والمعاني الاجتماعية وغيرها.
أحوال الناس
* ماذا عن حرصه على معرفة أحوال الناس وتنزيلهم منازلهم؟
- مما يتميز به خادم الحرمين اطلاعه الواسع بأحوال الناس وأنسابهم وتاريخهم، وهذا ناتج عن اطلاعه الواسع في التاريخ بدليل أنه إذا قابله شخص وعرَّف باسمه وجَّه إليه عدداً من الأسئلة التي تخصه؛ مما يدل على معرفته بأحوال قبيلته أو بلده، ومن أخص ما تميز به إنزال الناس منازلهم، وهذا خلق رفيع، ومنهج إسلامي أصيل، فيعرف قدر العالم والوجيه والكبير والضيف ويُدنيه من مجلسه ويضعه في المكان اللائق به، ولا ريب أنّ هذا يُدخل على نفس الشخص السرور والاحترام له وهذا من أخلاق الإسلام التي حث عليها، كما عند أبي داود أن عائشة –رضي الله عنها– مر بها سائل فأعطته كسرة ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك فقالت قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم–:(أنزلوا الناس منازلهم)؛ لأنّ الناس يختلفون في مقامهم وقدرهم، فلذلك كان الملك سلمان يراعي هذه الناحية كثيراً في مجلسه وفي عمله وفي تعامله مع الناس، وأذكر أنّه كان في مجلسه العامر ذات مرة منذ عشر سنين حيث امتلأ المجلس بالحاضرين، وجاء رجل كبير السن فسلَّم على الملك سلمان وتلفت يميناً ويساراً فلم يجد مكاناً فقام أحد الجالسين من مكانه وأقعد هذا الرجل الكبير، فلما انصرف ناداه الملك وقال له إن فعلك هذا يدل على أخلاقك وتربيتك وأثنى عليه خيراً أمام الحضور، ثم أمر بإحضار كرسي لإجلاسه، وهذا من حنكته ومعرفته وفطنته ومعرفة الناس وأخلاقهم.
قضايا المسلمين
* بالتأكيد لم يتوقف وينحصر اهتمامه فقط بأبناء وطنه، بل تعداه ليهتم بسائر المسلمين وقضاياهم؟
- لا شكّ في ذلك، وقد سجل التاريخ لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– اهتماماً بالغاً، وعناية فائقة بقضايا المسلمين في كل مكان، خصوصاً القضية الفلسطينية، ويتحدث عنها دائماً في مجالسه، ويؤكّد أنّها قضيتنا، فأمنها أمننا، واستقرارها استقرارنا، ويعيش معها بكل جوارحه ومشاعره، ولست هنا استطرد كلماته وخطاباته وجهوده واهتمامه بقضايا المسلمين، فهذا أمر قد دونته دارة الملك عبدالعزيز في إصدار خاص -كما أسلفت-، ومن أراد التوسع فليرجع إليه، ولكن أذكر ما كان يؤكد عليه في مجلسه الأسبوعي.
فهو يؤكّد على السياسة الحكيمة التي سارت عليها المملكة من لدن المؤسس الملك عبدالعزيز، ودعم المملكة لكل قضايا المسلمين يُذكر الحاضرين بالمواقف المشرفة التي وقفتها المملكة في وقت الأزمات والشدائد لكل المسلمين، وثباتها على المبادئ الراسخة التي لا تغيرها الأحداث منذ قيام هذه الدولة، وكنت آنذاك أدون وألخص ما قاله بعد الجلسة، فمن ذلك أنه يؤكّد على أنّ بلادنا لها دين وعقيدة تسير عليها ولن تتنازل عنها بحال، وعلاقاتها مع كل الدول واضحة ومنطلقة من معالم ديننا الحنيف، وكان لخادم الحرمين الشريفين مواقف مشرفة في الأزمات التي وقعت لبعض المسلمين وخصوصاً في الزمن المعاصر كحرب الخليج وغزو الكويت، ومكافحة الإرهاب بجميع صوره، وله جهود كبيرة في جمع الكلمة وتوحيد الصف، وكذلك أعمال الإغاثة التي كانت تقدم لبعض الدول المتضررة من الأحداث أو السيول أو الزلازل والفيضانات ويشرف عليها بنفسه، وكان ملماً بكل الأحداث التي تحيط بأمة الإسلام.
كما أنّه يذكر على الدوام في مجلسه ما كان عليه الملك عبدالعزيز من حمايته لشعبه والحفاظ عليهم من ويلات الحروب العالمية، وكذلك أبناؤه الملوك من بعده، حافظوا على شعبهم من الفتن وكانوا حريصين كل الحرص على أن يعيش الشعب في أمن واستقرار وعيش رغيد، وخادم الحرمين الشريفين رجل الملفات الخطيرة التي تولاها ونجح في إدارتها وليس بجديد على مدرسة الحكم حيث له باع طويل ومشاهد ملموسة وسيرة مشرفة في مواجهة القضايا الدولية والمحلية.
العمل المتعدي
* دائماً ما يؤكّد -حفظه الله- على العمل المتعدينفعه للآخرين وعدم الاكتفاء بتقديم الخدمة لطالبها فقط، برأيك لماذا؟
- الملك سلمان -أيده الله- يعشق العمل المتعدي نفعه للآخرين، ويقدمه على العمل القاصر؛ لأنّ عمل الخير في نفع الناس هو في حقيقته نفع للإنسان الذي قام به قبل أن يكون نفعاً للآخرين، كما قال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)، فكان يقول من يقوم بتقديم النفع للناس في عمله وإنجازه خير وأفضل من الذي يقدم لنفسه فقط، وهذه النظرة الثاقبة مقررة في شريعة الإسلام، ولذلك جاءت الأوامر في القرآن بلفظ الجمع وليس المفرد مثل: "تعاونوا"، "وتواصوا"، "يأمرون"، "وافعلوا"، ونحو ذلك؛ مما يدل على مكانة العمل المتعدي نفعه للناس، والعمل الذي يؤديه الملك سلمان في حياته هو من هذا النوع، حتى أصبحت العاصمة الرياض بناء متكاملاً ونهضة عمرانية لا تجاريها عاصمة أخرى، جعلها الملك سلمان في مستوى كبير من بين عواصم العالم جعلها تتبوأ مكانة عالية في عالم اليوم الذي ينشد المستقبل الزاهر، وكان حرصه على العمل المشترك المتعدي نفعه دافعاً ومؤثراً لكل من معه ومن حوله، وها هي إنجازاته -حفظه الله- ناطقة بالمستوى العالي الذي وصلت إليه المملكة من حضارة المدنية وتوفر الخدمات وميادين العمل الخيري والإنساني الذي أسس قواعده وثبت بنيانه والناس اليوم في هذا الوطن يقطفون ثمار جهده وعمله.
وكنت قد دونت كلمات ملخصه من حديثه في مجلسه عام 1421ه كان يؤكد عليها كثيراً وهي: أن يكون لدى الناس وعي وإدراك في نظافة الأحياء والطرقات والشوارع العامة، والحرص على أن تكون بالمظهر اللائق النظيف؛ لأنّ الدولة قد أنفقت كثيراً من الأموال لتعبيد الطرق وتجميل الشوارع والأحياء وجعل الممرات والحدائق التي يستفيد منها الناس، وهذا كله مُلك للمواطنين لأنّهم يشتركون في منافعه فيجب على الجميع العناية والمحافظة التامة بها، وعدم تلويثها أو تدميرها، كما أنّ الملك سلمان يؤكّد كثيراً على أنّه لا يصح للإنسان المكلف بعمل في الدولة أن يؤخر أو يتأخر في أداء عمله، فيقدم مصلحته أو عملاً خاصاً به على الأعمال التي كلف بها، وضَرب بذلك مثلاً وهو الموظف الذي يذهب إلى صلاة الظهر وبعد الصلاة يجلس لقراءة القرآن والناس ينتظرونه في مكتبه لحاجتهم فهذا قدم عملاً خاصاً على عمل عام كلف به فلا يصح له ذلك، وهذه النظرة التي يؤكد عليها أكّد عليها أهل العلم فقال ابن الحاج في المدخل: "ولا خلاف بين الأئمة في أن الخير المتعدي أفضل من الخير القاصر على المرء نفسه"، فالنفع المتعدي هو العمل الذي يصل نفعه للآخرين سواء كان هذا النفع أخروياً أو دنيوياً.
خادم القرآن
ماذا عن عنايته بالقرآن الكريم؟
- عناية الملك سلمان بالقرآن: ارتبطت حياته منذ صغره بالقرآن، وأحق ما يطلق عليه أنّه "خادم القرآن الكريم"، فقد جعل القرآن زاداً له في حياته ومنهجاً له في عمله، وتكريم أهل القرآن ارتبط منذ عقود بشخصية الملك سلمان، وكان يُقدر أهل القرآن ويجلهم ويدعمهم ويؤازرهم ويرعى احتفالاتهم، وكانت صلة الشيخ عبدالرحمن الفريان -رحمه الله،رئيس جمعية تحفيظ القرآن- بالملك قوية ومستمرة؛ نظراً لاهتماماته بهم وعنايته بجهودهم، وكان الملك سلمان يبادر بالتبرع لها كل عام، ثم يتسابق المحسنون بالتبرع، وكذلك المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان تقام كل عام ويتبرع من حسابه الخاص لها بما يقارب (2.000.000)ريال، هذا من حيث الدعم والمساندة لأهل القرآن.
أما صلته الخاصة بالقرآن فمن حيث التلاوة فقد كان كثير التلاوة للقرآن الكريم، وله ورد يومي يقرأ فيه القرآن الكريم، وأذكر أنّه في كل شهر رمضان بعد صلاة الفجر يجلس يقرأ القرآن حتى طلوع الشمس، وكذلك يسأل عن تفسير الآيات فيطلب كتابة بحث عن تفسير آية أو آيات، ومن الطرائف التي ذكرها الملك لما كتبت له معنى تفسير قوله تعالى: "كمثل غيث أعجب الكفار نباته"، ذكرت أنّ المفسرين قالوا إنّ "الكفار" هنا: بمعنى "الزراع"؛ لأنّهم يغطون البذر في الأرض، وأصل الكفر هو التغطية، فذكر الملك فائدة أخرى أنّ كلمة (COVER) في اللغة الإنجليزية بمعنى "غطّى"، وهذا من التوافق في اللغتين لفظاً، وهو –حفظه الله– يكثر من تلاوة القرآن ليلاً، ويحافظ على صلاة الوتر، وقيام الليل، وكان يسأل عن الأحكام المتعلقة بقيام الليل والوتر، ويختم القرآن الكريم كثيراً، وجعل هذا زاداً له في الحياة يستعين به بعد الله على إدارة عمله وشؤونه؛ لأنّ القرآن جعله الله نوراً وهدى للناس يهدي إلى كل خير، ويدل على كل معروف ويقوي إيمان العبد ويزيد في خلقه.
اكتسب التأني والتأمل في المآلات والنتائج من الملك المؤسس وتأثر بشخصيته وحكمته
تقدير الوقت
* حدثنا عن أهمية الوقت لدى خادم الحرمين؟
- وهذا من أهم القضايا التي يوليها خادم الحرمين قدراً كبيراً في حياته، ويعد مثالاً وقدوة في تقدير الوقت، والمحافظة عليه ومعرفة فضله، ولا أكون مبالغاً إن قلت إنه يحسب للدقيقة الواحدة في وقته، وخادم الحرمين مدرسة وجامعة في تنظيم الوقت، كيف لا والوقت هو الحياة ولما له من أهمية بالغة فقد أقسم الله بأجزاء اليوم في القرآن فأقسم بالعصر والضحى والليل والنهار، ورتب الملك سلمان نفسه وهذبها ورباها على المحافظة على وقته في عمله ومناسباته وزياراته ولقاءاته وسفره وحضره حتى في أوقات الصلاة يتابع الوقت بدقة منذ دخول الأذان وإلى الانتهاء من الصلاة، وهذا قد عرفته من اهتمامه بأداء الصلاة في وقتها، وفي رمضان يحافظ على أداء صلاة التراويح مع الجماعة في مسجد قصره حتى نهايتها، وإذا حصل له ظرف أو عذر فيرسل أحداً ويبلغ أنه لن يأتي، وذلك حتى لا يتأخر الناس فمراعاته لحال الناس حتى في أداء العبادة ظاهر، وهذا من توفيق الله له في حياته حتى أصبحت حياته مليئة بالعطاء، حافلة بالخير والمنافع له ولشعبه، وعندما كان أميراً للرياض يذهب إلى العمل الساعة السابعة والنصف ولا يخرج منه إلا عند العصر وهو في عمل دائم وعطاء مستمر، حقق الله على يديه منافع متعددة لها الوطن.
وفي تقسم الوقت في اليوم ترى العجب في حياته ما بين عمل رسمي، أو رعاية مناسبة، أو زيارة مريض، أو صلة رحم، أو قراءة واطلاع، وهذا وغيره في برنامج يومي للملك -وفقه الله-، وهذا نابع من إدراك خادم الحرمين أن الوقت هو الحياة يقدم فيها الإنسان ما يوصله إلى الغاية التي خُلق من أجلها وهي تحقيق عبودية الله تعالى بالعمل الصالح والعلم النافع والأداء المتميز، والوقت نعمة وأمانة يستفيد منه الإنسان فيما ينفعه في دنياه وأخراه، وكثير من الناس فرط في هذه النعمة وأهدر وقته وحياته وضيع على نفسه شيئاً كثيراً، كما عند البخاري أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال:(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ)، وكان الملك سلمان يضرب أروع الأمثال في المحافظة على الوقت، ويؤكّد على ذلك لكل من زاره وجالسه، ولذلك بارك الله في حياته فأعطاه القدرة على العمل والإنجاز، وأعطاه الله نية صالحة حقق الله على يديه كثيراً من المصالح والمنافع للناس يعجز الإنسان عن عدها وحصرها.
أمن الوطن
* من ذاكرتكم مع الملك سلمان، كيف يرى أمن الوطن؟
- محطات مهمة وصفحات مشرقة على جميع الأصعدة الإنسانية والثقافية والسياسية والأمنية ارتسمت في شخصية الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورغم طغيان الجوانب الإنسانية على حياته إلاّ أنّ أمن الوطن كان يمثل عنده الحصن الحصين للوطن والمواطن، فقد استحكم الأمن على فؤاده واشتد عليه حرصه، وكان يقضي معظم وقته في العمل حفاظاً على الأمن، واستشعر هذه النعمة وعرف قدرها وفضلها.
وأذكر أنّه في حرب الخليج كان يمكث الأيام في إمارة الرياض، ويتابع مسيرة الأحداث بنفسه، ويبعث في قلوب الناس الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، ويذكرهم بأننا أقوياء بديننا وعقيدتنا، ومحفوظون بحفظ الله لنا، وواجه الأراجيف والإشاعات بالدحض والرد عليها، وقضى ستة عقود من حياته وهو يعمل لأجل الحفاظ على أمن الوطن، وحينما كان المواطنون يفدون عليه في قصره في الجلسة الأسبوعية، ويحضرها عدد من الأمراء والعلماء والوجهاء وعامة الناس– كان يتحدث إليهم عن حال الناس في هذه البلاد قديماً حتى جمع الله كلمتهم وقلوبهم على يد الملك الصالح والمؤسس لهذا الكيان المملكة العربية السعودية فقد جمعهم على الإسلام والعقيدة الصحيحة والسير على منهج السلف الصالح، وأنه مهما وقع من أحداث فإن المملكة قوية بدينها وعقيدتها واجتماعها فهو -حفظه الله- يُذكر بهذا في وقت أزمة الخليج 1990م، ويؤكد عليه في كل جلسة، وكنت آنذاك أدون وألخص بعد الجلسة ما كان يوجه به الملك سلمان –أمده الله بتوفيقه-.
وإذا أردنا أن نتحدث عن أمن الوطن وأهميته في نظر ومشاعر خادم الحرمين الشريفين فسنجد أنه صاحب الأيادي البيضاء في حماية الأمن والسهر على حراسته وأمنه وله سجل حافل بالأعمال الخيرية والإنسانية، وله اتصال مباشر بأبناء المجتمع وتلمس احتياجاتهم ورعاية المناسبات الوطنية على اختلافها وتنوعها، كل ذلك من عوامل استتباب الأمن في المجتمع، وقد امتزج حبه للوطن في حياته وجرى في دمه.
الملك سلمان «خادم للقرآن الكريم».. وتكريم الحفاظ لكتاب الله ارتبط منذ عقود بشخصه
تواصل وترابط
* الملك سلمان شخصية اجتماعية، برأيك كيف استطاع الجمع بين مسؤولياته والتواصل وصلة الأرحام؟
- التواصل وصلة الأرحام سجية ارتبطت بحياة الملك سلمان بن عبدالعزيز، فهو يعلم ما في الاجتماع وثمرة التعاون والترابط بين المجتمع من الخير والفضل، وأنه يُشكل لحمة واحدة وبنياناً متماسكاً، وهو رجل التواصل الاجتماعي الذي يهتم بقضايا المجتمع، ويحرص على التواصل معهم، وكل من اقترب منه وجد فيه شخصية قوية، وصفات عالية رفيعة، يحمل قلباً رحيماً مفعماً بالحب والإحسان، يسعى دائماً إلى إدخال السرور على الآخرين، ويسره أن يرى السعادة ظاهرة على كل أحد.
ومن أوضح الأدلة والبراهين سؤاله الدائم عن أحوال المواطنين، يفرح لفرحهم ويُسر لسرورهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، ومن جالسه أو كان قريباً منه يشعر بأن له مكانة خاصة في قلبه، وعلاقته بالمجتمع لا تتوقف على طبقة معينة، فهو مرتبط بالعلماء والمفكرين والمؤرخين والصحفيين، والسياسيين والاقتصاديين، ومن أخص علاقاته الاجتماعية مشاركة المواطنين في أفراحهم وأتراحهم، فهو يزور المرضى ويعزي في المتوفين، وعلاقته بالمجتمع لا تتوقف عند حد.
وأما صلة الأرحام التي يقوم بها فأحسب أنه جعلها برنامجاً يومياً له، فيزور أرحامه ويتواصل معهم ويبادرهم بالزيارة والسؤال عنهم، وهذا من أعظم وأجل الأعمال الصالحة حيث جعله الله تعالى سبباً في بسط الرزق والعمر، وإذا علم من إنسان توافر هذه الصفة فيه أعني صلة الأرحام، عَظُم في عينه وأقبل إليه بوجه الثناء والاحترام وشجعه وشَدَّ من عزمه لأنه يدرك أثر ذلك على حياة الإنسان.
مستقبل المملكة
* كيف ترى مستقبل المملكة في عهد الملك سلمان؟
- خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يملك من الخبرة الإدارية والحنكة السياسية؛ مما يجعل الوطن موعودا -بإذن الله- بمستقبل مشرق، حيث كانت حياته العملية كلها إسهامات متعددة في منجزات وطنية وفي مجالات كثيرة، وها هي اليوم تنطق للعيان بما يراه الإنسان من التقدم والتطور في منطقة الرياض، فقد نقلها خلال مدة وجيزة إلى أن تكون في مقدمة العواصم العالمية في النهضة العمرانية والنمو الاقتصادي وتعبيد الطرق وإنشاء الجسور وشق الأنفاق، وحين يرى الإنسان عاصمة المملكة من خلال الجو وهو في الطائرة يرى درة متلألئة في أرض الرياض، لا يَملُّ مشاهدتها، وعند الحديث عن الرياض وتاريخها يتذكر الإنسان أن باني مجدها الزاهر وتقدمها الباهر، ونهضاتها الشاملة، هو خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز كيف لا، وهو الذي يقول عنها: "تاريخ الرياض جزء من حياتي عايشتها بلدة صغيرة يسكنها بضعة آلاف من السكان الذين يمتهنون الزراعة والتجارة المحلية، وعاصرتها حاضرة عالمية كبرى تسجل حضورها في كل المحافل الدولية بمداد من العزة والفخار، إذ هي عاصمة المملكة العربية السعودية، وتمثل مركز قرار في المجالات السياسية والإدارية والاقتصادية على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي".
* كلمة أخيرة؟
- هذا جزء من جوانب وملامح شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح سلمان بن عبدالعزيز، وما هي إلاّ شذرات وإشارات مما عايشته وشاهدته في سيرته العطرة ومسيرته النافعة، ولا أحسب أني ذكرت إلاّ شيئاًَ قليلاً، أحببت أن تكون سيرته مثالاً وقدوة تحتذى لشبابنا في المحافظة على حياتهم وأوقاتهم.
أدام الله العز والرفعة للملك سلمان وأمد في عمره على الطاعة والإيمان وأعزّ به الإسلام والمسلمين.
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)7.jpg
الملك سلمان بن عبدالعزيز مصافحاً أحد كبار السن اثناء استقباله
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)6.jpg
الملك سلمان مستقبلا سماحة مفتي عام المملكة واصحاب الفضيلة المشايخ والعلماء
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)2.jpg
الملك سلمان راعياً لحفل جمعية تحفيظ القرآن الكريم
http://s.alriyadh.com/2015/02/16/img/(يمنع عرض أرقام الهواتف بدون أذن الإدارة)5.jpg
أ. د. عبدالله الشثري متحدثاً للزميل طلحة الأنصاري