المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : روايه خآدمي كان صديقي ||•


أعيشك
12-14-17, 11:23 AM
http://s02.arab.sh/i/00123/2uy4n16vfxad.png


السماء ملبدة بالغيوم الرمادية والمطر يهطل بغزاره شديدة وطفل صغير ملقى على الأرض قد بلغ التعب محله , حاولَ تحريكَ ساقيه ولكنه لم يستطع وكأنما تَرفضُ أن تنصاع لرغبة الشديدة فها هو أخيراً قد استطاع الهرب , بللت الدموع خديه وتمنى أن يعودَ إلى قصره الدافئ فلا شك أنهم الآن يتبعونه تصاعدت أنفاسه ولم يستطع السيطرة على نفسه , بدأ بالبكاء بصوتِ مخنوق فهو لا يريدُ العودة لذلك المكان مرة أخرى .

,’

فتحَ عينيه عندما شعر بدفء يحيطُ به وشخصٌ ما يحتضنه بخوف وهو يركض , نظرَ للمكان حوله فوجدَ قصره أمامه حاولَ التحرر بقواه الضعيفة ممن يمسكه لكن الآخر لم يستمع له بل احتضنه بشدّه فهو يعلم خوفه خاصة وأنه يرتجف من شدّة ما لاقاه, رأى خدمَ القصر يقفونَ صفاً وأيديهم على قلوبهم علّ سيدهم الصغير يعود إليهم بخير , تقدّم بسرعة شديدة وأعطى الطفل الملفوف بسترته لأمرأه يبدوا عليها أنها من سادة القصر , احتضنته تلكَ المرأة ببكاء وأخذت تخفف عنه بينما هو من شدّه الصدمة لم يستطع التكلم بل انفجر باكياً في حضنها حتى أنّ خدم القصر تأثروا لذلك المشهد فقد كانَ وجههُ وجسده ممتلئٌ بالكدمات الزرقاء , أخذَ الخوفُ حيزاً من قلوبهم فمن خانَ ذلك الصغير وغدرَ به هو أحدُ الخدم الذي لديهم .

ومضت تلكَ الليلة بصوتِ بكاء الصغير الذي أخذَ يتردد صداه في المكان كله حتى بدأ يتقطعُ صوته .



ـــــــ

صباحٌ آخر يشرقُ على قصر ماليان وبدأت الحياة تَدبُ من حوله فها هي أصوات العصافير بأجنحتها الملونة قد اتخذت من شجيرات الحديقة مسكنا لها ,وأخذت الورود تتفتح بأشكالها وأنوعها وألوانها المتعددة التي تُسر النفوس برؤيتها وتستنشقُ من عبير ها الآخذ , ونافورة متعددة الأشكال في منتصف القصر تعطي منظراً جميلاً لكريستالات الماء الملونة المتناثرة .

وفي إحدى غرف القصر الفخمة شابٌ نائم على سرير من حرير ناعم قد انسدلت خصلات شعره التي اتخذت لونه لونَ الكراميل اللذيذة على عينيه , بدأت تظهر تقاسيم الانزعاج على وجهه الوسيم ففتحَ عينيه على إثر تلكَ الذكرى التي دائماً ما تتردد على ذهنه , قامَ بوضعِ يده على جبينه علها تذهب وبعدها بثواني نهضَ بتثاقل على إثر سماعه لطرقِ خفيف على الباب قطب حاجبيه بانزعاج فهذا بالتأكيد أحد الخدم الذين يحتقرهم , مدّ يده للطاولة ليمسك جرساً صغيراً ملفوفاً بشرائط حمراء صغيرة هزه بخفة ليُفتح الباب بعد ثلاث ثواني فقط , دخلَ أحدُ الخدم بملابسه الرسمية والذي يبدوا كبيراً بالسن فآثار الكبر قد ظهرت على شعيرات رأسه لكنّه كان يحتفظُ بحيويته في جسده ألقى التحية على سيده وتقدمَ باتجاهه جلسَ على ركبتيه أمام الشاب الذيَ لتوه استيقظَ من نومه وبدأ يفتحُ أزرار قميصه ليبدل سيده الشاب ملابسه , كانت نظرات الاستحقار تملأ كيان الشاب الناعس وما لبث أن مدّ يده بقسوة ليبعده عنه ويمسكَ بذلته ويشدّها نحو صدره ويصرخ :

ـ ابتعد عنّي , لا أريدُ رؤية وجهك في الصباح بعد اليوم , فرؤيتك تعكرُ لي مزاجي .

تنهد الخادم العجوز بضيق فهو لم يسلم من احتقار سيده الشاب حتى أنّه لم يراعي كبرَ سنّه وقفَ على قدميه وحافظ على هدوئه وضعَ ملابسَ مرتبة على السرير بقربه وقالَ بطريقة رسمية .

ـ أمامك أربعُ دقائقَ فقط لتستحم ثمّ تذهبُ لتناول الفطور فاليوم سيتمُ تسليم أملاك الراحل ليبريت إليك وعليك أن تحضر .

خرجَ بعدما قاله ولم ينتظر حتى رده فعلِ من أمامه وانطلقَ ليكمل عمله ويبحث عن الشخص المناسب ليحل محله في الصباح ويرتب أمور السيد بدلاً عنه فهو الشخص العاشر المطرود من الذين كلفوا بهذه المهمة .

حملَ الشاب ملابسه بغيض واتجه سريعاً ليأخذَ حماماً دافئاً فنظرته تجاه الخدم لن تتغير أبداً فجميعهم مخلوقات حقيرة لا تحتاج للشفقة أو الرحمة .

ـــــــ

وفي مكان آخر

الحزن يخيم على قصر السيد الراحل فها قد مضى أسبوعٌ منذُ رحيله وهناكَ بعضُ من الأشخاص من خارج القصر يوضبون جميع أغراضه استعداداً لنقلها فقد كانَ دينه ضخماً جداً ولن يستطيع أحدٌ تسديده .

وعند إحدى شجيرات القصر المنسقة بشكل مميز يُسمعُ صوتُ بكاء طفلانِ صغيران يرتديان ثوباً أبيضً فضاضاً فهما لم يتخيلا أن يأتي اليوم الذي سيرحلان فيه من هذ المكان الدافئ .

وقفَ شابٌ أمامهما وأخذَ ينظرُ لمنظرهما المحزن وإلى قطراتِ دموعها التي تبلل خديهما جلس بقربهما وفردَ ذراعيه ليحتضنَهما بحنان , تفاجأ الطفلان فنظرا إليه بعينهما المبللة بالدموع وصرخا بصوتِ واحد وكلاهما بدأ يتشبثُ بملابسه.

ـ أخي رولند .

أسندَ ظهره على الشجرة التي خلفه وأخذَ يربتُ عليهما ليخفف من حزنهما وبصوته الهادئ الحنون قال لهما .

ـ لا بأس .. سأكونُ معكما .. أينما سنذهب سأبقى بقربكما .

رفعت الطفلة رأسها باتجاهه ونظرتْ إليه ببراءة ورفعَ الآخر رأسه لينظرُ إليه هو الآخر ,, كانا متشابهين بشدّة كونهما توأمان إلا أن الطفلة تمتلكُ شعراً أشقر طويلا منسدلاً على كتفيها بينما الآخر يصلُ إلى أسفلِ رقبته.

ابتسمَ لهما بطيبة وقال بذات النبرة .

ـ أليسَ كذلك لير , لين ؟! .

أومأ الاثنان برأسيهما بابتسامة سعيدة فرولند في قرارة نفسيهما لن يتركهما أبداً فهو من أول من قامَ برعايتهم وأخذهم معه عندما كانا سيهلكان من قسوة حياة الشوارع .

تحدثت لين وهي تمسحُ دموعها بكف يدها الصغيرة .

ـ لو رحلت سوفَ أبقى غاضبة عليك .

قاطعها لير بحماسه وفي عينيه إصرار وكأنما يحذر الشاب أمامه من إخلاف وعده .

ـ لقد وعدتني بأن تعلمني الدفاع عن نفسي إذا كبرت .

أطلق الشاب ضحكات صغيرة على حديثهما معه وضعَ يده على شعرهما ليربتَ عليهما بحنان .

ـ لا تقلقا سوف أوفي بعهدي .

اطمأنا لقوله وعلت وجهيهما السعادة من جديد اندفعت الصغيرة بكلامها نحو أخيها وكأنما تذكرت شيئاً مهماً لتقولَ بحماسة .

ـ لقد نسيت لعبتي سوفَ أحملها معي قبلَ أن نذهب .

وافقها توأمهما الصغير لير وأمسك بيدها الصغيرة وأردفَ قائلاً .

ـ سوفَ أساعدك في ذلك فلم يتبقى سوى ثلاث ساعات ونذهب لمكان جديد .

غادرا معاً بعد أن تناسيا الأمر , بينما بقي رولند وحده جالساً أسند رأسه فانسدلت خصلات شعره السوداء على جبينه لتغطي على عينيه التي تحمل لوناً فريداً لم يُرى من قبل , رسمَ ابتسامة تحملُ بعضَ الألم وهمس لنفسه .

ـ سوفَ أوفي بعهدي ما دمتُ حياً .

نهضَ وهو يشعرُ ببعضِ الثقل في جسده الضعيف أمسك ذراعه وهب نسيمٌ حركَ طرفَ بذلته فتغيرت ملامح وجهه للحزن فهو لا يعلم ما سيخبأ له هذا اليومَ من أحداث .

ـــــــ

انتصفت الشمس كبد السماء , واصطفَ جميع خدم قصر ماليان منتظرين أوامر سيدهم الشاب ـ ميلان ـ وصلَ في سيارته الفارهة السوداء ونزلَ منها بغرور مفرط , رفعَ نظارته السوداء إلى شعره وأخذَ ينظرٌ لهم بنظراته المعتادة ليرى إن كانوا جميعاً موجودين .

جلسَ على كرسي كان قد عدّ له من قبل , ارتشف من كوب العصير المثلج الذي عدّ خصيصاً له حتى ارتوت نفسه قليلاً من برودته , نظرَ لهم مرة أخرى ثمَ وقفَ وهو يضع كلتا يديه خلفَ ظهره :

ـ لا أريد أن تجلبوا أيّ شيء من ذلك القصر العفن وإن قاموا بتوضيبِ بعض الأغراض حتى وإن كانت ثمينة فأخبروهم بأني لا أريدها فسأبيع جميع القصر وما فيه .

اعترض الخادم العجوز ورفعَ يديه ليتريث الشاب قليلاً عن قراره .

ـ لــكن .. هناك أيضاً بعض الخدم فيه ؟! ما ذا ستفعل بهم !؟ .

تغيرت ملامح ميلان للغضب وما لبثَ أن ابتسم بخبثِ ليقول بحدة .

ـ لا أحتاجهم ! فماذا أريدُ بمخلوقاتِ حقيرة يمكنها أن تخونَ سيدها ببساطه ؟! .

طأطأ جميع الخدم رأسهم إثر آخر كلمة قالها فالجميع يعلم الذنب الذي حصلَ منذُ سنواتِ عديدة ولابد من أنّه لا يزال يذكر اليوم الذي حصلت فيه تلك الأحداث .

همسَ لنفسه بغيض وهو يشعرُ بالألم كلما تذكر ذلك اليوم الذي لا يريد عودته :

ـ لن أثقَ بكم أبداً .. ولن تتغير نظرتي لكم أبداً أيها الحثالة .

حزنَ العجوز شيمون على كلام سيده فهو يعلم بمقدار الألم الذي يحمله ولكن لا يحقُ له أن يقومُ بهذه التصرفات , أراد الاعتراض ولكن كفّ نفسه عن ذلك فلن يجني من ذلك سوى الطرد , نظرَ للخدم من حوله فهم قليلون جداً لا يتجاوزُ عددهم العشرة فقد غادر أكثرهم من قسوة لسان ميلان وإهاناته المتكررة , والباقون هم من أجبروا أنفسهم على البقاء احتراماً لسيدهم وليعلنوا له أنهم مخلصين لهم وليسوا من مجموعة الخونة التي يعتقدُ بهم سيدهم الشاب .

بدأوا بالمغادرة واحداً تلو الآخر حتى بقي شيمون , رفعَ بصره فرأى أنه من بقي فحركَ قدميه مغادراً .

ـ توقف أيها العجوز .

التفت إثر سماعه صوته ونظرَ إليه , ليقف ميلان بقامته الطويلة ويقولَ له بنبرة فيها بعضُ الغرابة .

ـ احضرهم جميعاً إلى هنا قبل أن تغرب الشمس , سأنظر في أمرهم فربما أجلبُ بعضهم ليعمل هنا لخدمتي .

أومأ شيمون رأسه ببعض السعادة فها هو أخيراً سيتريثُ سيده عن قراره فقد أعجبه نصفَ كلامه فسيكون من الجيد لو بقي بعضهم هنا .

غادرَ مسرعاً بينما جلسَ ميلان على الكرسي وحيداً وضعَ يديه على جبينه واتكأ على الطاولة الصغيرة بينما مظلةٌ تحميه من وصول أشعة الشمس إليه .

ظهرت على تقاسيم وجهه الألم والخوف ,, فهو لا يزالَ خائفاً من أن يتكرر ذلك اليوم وضعَ يده على قلبه ليسمع نبضاتِه المتسارعة بعنف , عضَ على شفتيه وهو يشعرُ بعدم الأمان ..

أرخى ربطه عنقه قليلاً ليتنفسَ بعض الهواء علّه يشعرُ ببعض الانشراح في صدره , ونهضَ ليأخذَ قيلولة صغيرة .

فقد تحولت شخصيته تماماً من ذلك الطفل البريء المحبوب إلى شخصِ آخر مختلف تماماً عنه .





[ انتهى الفصل الأول ] ، اذا عجبتكم الروايه ابغى ردود وحماس وتشجيع :دموع الورد: ..

شاهستا
12-14-17, 11:58 AM
الروايه بدايتها حلوه ومشوقه
تجبرك تشوفيها الى اخر شي
تنتظر التكمله :icon16::MonTaseR_205:

الفيفي2017
12-14-17, 06:27 PM
روايه جميله شوقتينا لمعرفة التكمله

أعيشك
12-15-17, 06:22 AM
الروايه بدايتها حلوه ومشوقه
تجبرك تشوفيها الى اخر شي
تنتظر التكمله :icon16::montaser_205:

روايه جميله شوقتينا لمعرفة التكمله




لعيونكم بكملها اليوم ان شاء الله :نبض: ..
مَ أنحرم من هالطله ..

أعيشك
12-15-17, 09:54 AM
انتهى رولند من حزمِ حقيبته الصغيرة المهترئة , قامَ بحملها إلى الخارج فلا بد من أن يأتي أحدٌ ليقومَ بأخذِهم هنا .
أخذَ يجولُ بعينه باحثاً عن الطفلان فعليهما أن يستعدا للرحيل شاهدهما من بعيد يمرحان معاً في حديقة القصر فجلسَ على الأرض ليرتاح قليلاً , وضعِ يديه على العشبِ الرطب النديّ وأخَذ يتأملُ ملامح القصر التي تحيطُ به , كانت أياماً هادئة بالنسبة له عندما كان يعملُ لخدمة العجوز ليبريت .. شعرَ بالملل وهو يتذكرُ ذلك فأدخل يده داخل سترته التي تحمل اللون السكري وأخرجَ سلسلة مزخرفة بألوان داكنة متعددة كانتْ دائماً ما تكونُ حولَ عنقه نظرَ إليها فمرت على مخيلته صورتها وهي تبتسمُ له أغمضَ عينيه وابتسم ثمّ تساءل في قرارة نفسه عمّا تفعله الآن ! , وهل أمورها على ما يرام فهو لم يزورها منذُ مدة , أدخلها لتبقى محفوظة فهي أثمنُ شيء عندها فهي من أمرته أن يحتفظَ بها وستحطمه لو أضاعها .
تذكر شخصاً آخر فطأطأ رأسه بابتسامة حزينة وخاطبه وكأنما يريدُ أن يسمعه .
ـ .... ايفان أينَ أنتَ الآن ؟! .... هل أنتَ بخير ! ... لم أشاهدك منذُ آخر مرة افترقنا .
رفعَ رأسه للسماء وابتسمَ بطيبة ليجعل التفاؤل يدخل إلى نفسه .
ـ لا بد من أنّك كبرتَ الآن وأصبحت شخصاً رائعاً ..
مرت بعض الرياح الخفيفة وكأنها تقولُ له أنها ستحملُ هذه الحروف إلى من يقصده وربما هبت لأنّها لم تتحمل رؤية شخصِ كسير يتذكر رفاقه و يتساءل عنهم .
شعرَ بأحدهم فالتفت ليرى من يقفُ بجانبه فوجدَ شخصاً ينظرُ له ببلاهة رفعَ نفسه ووقف بتهذيب ووجه الخطاب له.
ـ أعتذر .. يبدوا أنني لم أسمعك ؟! هل كنتَ تناديني ! .
ابتسمَ من أمامه فقد أُعجب بشخصية من أمامه وطريقته المهذبة , ارتبك قليلاً وقال له وهو يطأطأ رأسه باحترام .
ـ أدعى شيمون كبيرُ خدم قصر مالينا , وقد كلفت بأن أُحضر من يعمل عند السيد الراحل ليبريت .
ابتسمَ رولند ووضعَ يده على كتفه فهو لا يريدُ لأحد أن ينزل من شأنه أو أن يخاطبه بهذه الرسمية خاصة من شخصِ أكبر منه .
رفعَ العجوز رأسه ليرى ابتسامه الشاب الصافية التي تدخل الراحة على قلبِ كل من يراها .
ـ لا داعي لهذه الرسمية فأنا أيضاَ خادمٌ مثلك , لا بأس سأقوم بإحضارهم .
أومأ شيمون موافقاً وأخذَ ينظرُ إليه وهو يبتعد فمن خاطبه الآن شخصية مبهمة فرغمَ لطفه وابتسامته الصافية إلا أنّه كمن يحمل شيئاً ثقيلاً فوق عاتقه كما أنه لا يزال شاباً صغيراً مثلَ سيده لكنه يبدو ضعيفاً بجسده ذاك كما أنّ لون عينيه أسرت ناظره .
أسرعَ رولند ليصل إلى الطفلان اللذان لا يزالان يمرحان معاً وقفَ أمام الحديقة ونادهما بصوتِ عال .
ـ ليــر , ليــن .. لقد حانَ موعد الرحيل .
ما إن سمعا صوته حتى تسابقا إليه بحماسه وكلُ منهما يتحدّىَ الآخر في من يصلُ أولاً وسطَ ضحكتاهما .
أسرعا باتجاهه وكلٌ منهما ينظرُ للآخر وكأنما التحدي لا زالَ قائماً .
شعرَ رولند بالقلق وهو يراهما يتجهان بسرعة شديدة نحوه مما يجعله يقول بابتسامة وكأنما يتوقع النهاية التي ستحصل له .
ـ لا تركضا سوفَ تقعان إذا استمريتما على ذلك .
لم يستمعا له بل فردا ذراعيهما باتجاه ودفعاه بحماسة طفولية ليسقطَ رولند على الارض بطريقةِ قوية ويحلّ الصمت لبعض الوقت .
.. نهضَ بثقل منهما وأخذَ يتحسس ظهره وهو يشعرُ بالألم فيه بينما الصغيران لم يكفا من الضحك مما جرى مما جعله يضربُ جبهتهما بأصبعه في وقت واحد .
ـ استمعا لكلامي في المرة القادمة .
نفضَ ملابسه وتحدثَ لهما .
ـ لقد جاء الشخص الذي سيأخذنا من هنا , هل قمتم بتوديع المكان ؟! .
أومأ برأسيهما بحزن ونهضا من حجر الشاب الذي لم يشعرا بألمِ سقطته تلك .
نظرت لين إلى السماء فوجدتها قد بدأت تتدرج نحو اللون البرتقالي فركت عيناها بتعب وأمسكت ببنطال رولند الأسود وبصوتِ متعب قالت له .
ـ أخي ,, احملني .. لا أستطيع المشي أكثر فقدمايّ متعبة .
ابتسمَ لجملتها فهو كانَ يعلم أنّ هذا ما سيحصل حملها بخفه ووضعها على إحدى ذراعيه لتَسعد بذلك وتشعر بفرحة غامرة مما جعلها تتشبث برقبته , نظرَ الشاب نحو توأمها ورأى ملامح التعب من كثرة اللعب قد ظهرت عليه هو الآخر فيكفي أنهما توأمان ليعلم بحالة كليهما .
ضحكَ بخفة وهو يراه يحاول تجنب النظرِ إليه فلا بد أنّه يريد هو الآخر ولكنه خجل من ذلك .
نزلّ للأرض ببطء وحمله هو الآخر بذراعه الأخرى دون أن يعلم مما جعله يخاف ويتشبث بملابسه .
همسَ الشاب بلطف في أذنه وقال له .
ـ إذا أردتَ ذلك فلا تتردد في أن تخبرني فقد تعاهدنا ألا نخفي شيئاً أليسَ كذلك ؟! .
ظهرت علامات الخجل على لير ولكنه في نفس الوقت سعيد فها هوَ يحمله مع أخته .
هدأ الطفلان ما إن بدأ من يحملهما بالمشي .... لاحَ لـ رولند شيمون الذي ينتظره من بعيد فنظرَ إلى الطفلان فوجدهما قد أغمضهما أعينهما ليأخذا غفوة على كتفه , ظهرت تقاسيم الألم على وجهه وتوقفَ قليلاً ليأخذَ بعضَ أنفاسه ففي بعضِ اللحظات يشعرُ بألم ينتشر في جسده بطريقةِ مفاجئة .
فتحتْ لين عيناها لتتفاجأ من نظره الألم على وجه من تعتبره أخاها , وضعت يدها الصغيرة على خدّه وهمست بصوتها الطفولي :
ـ هل أنتَ بخير أخي !؟
أبعد تقاسيم الألم من وجهه بسرعة ونظرَ لها بلطف مع ابتسامة رسمها على شفتيه .
ـ أجل أنا بخير , أعتذر إن كنتُ أيقظتك .
اقتربت لين منه وطبعت قبلة صغيرة على خدّه توردت وجنتيها عندما ابتعدت عنه وقالت بصوتِ أشبه بالباكي .
ـ لا تنسى وعدك أنت لن تتركنا .
أومأ رولند لها مما أدخل الطمأنينة لقلبها وعادت لتغمض عينيها , علم أنها خائفة من المصير الذي ينتظرهم في المكان الذي سينتقلون له فهو لن يخفي ذلك ولكنّه قد أقسم على حمايتهما ولن يكسر هذا الوعد أبداً فلا قلقَ عليه هوَ فما يهمه هو حياة هذان الطفلان , فهو من قرر بإرادته أخذهما معه .
اعتذر الشاب من العجوز الذي جعله ينتظر , بينما أخذَ شيمون ينظرُ بتعجب للطفلين النائمين على ذراعيه فدفعه ذلك ليقول.
ـ هل ستحضرهما معك !؟ .
ـ أجل , فنحن فقط هم من يعملٌ هنا .
لم يصدق شيمون ذلك فكيف بقصرِ بهذا الحجم لا يوجد فيه إلا شابٌ وطفلان فقط ؟! .
علم رولند بما يفكر فيه فأخبره بالحقيقة .
ـ لقد علم سيدي الراحل أنه سيغادر هذه الحياة فطلب من الجميع التخلي عن خدمته في الفترة الأخيرة فهو لن يستطيع أن يدفع لهم بسبب الديون الضخمة التي تحيط به خاصة من آل ماليان لذا جعل القرار لهم فاختاروا الرحيل .
استمعَ له بإمعان ثمّ اتجه نحو باب العربة وأدخل حقيبة الشاب المهترئة وهو يفكر في نفسه عن السبب الذي جعلهم يبقونَ معم ولم يختاروا الرحيل بل فضلوا البقاء , لم يرد الخوضَ أكثر فليس من الأدب إكثار الأسئلة على شخصِ لا يعلم عنه الكثير .
صعد رولند العربة المتصلة بخيولِ أصيلةِ بنية اللون وجلسَ على الأريكة التي فيها ثمّ وضع الطفلان في حجره ليدعهما ينامان تأمل تصاميم الحجرة الفخمة نقوشٌ ذهبية على السقف وستائر من الحرير الاحمر على نوافذها فقد كانت بحق مثلَ تلكَ التي توجد في الأساطير القديمة كما أنّ هذا الأمر غير مستغرب فصاحب قصر أل مليان يمتلكُ اسطبلاً من الخيول الاصيلة بالإضافة إلى مجموعات فارهة من السيارات الفخمة .
ثواني هي حتى انطلقت العربة مسرعة وحل صمتٌ مطبق على الجميع .
بدأت الشمس تدنو من الأرض وكأنما أرادت أن تودعَ من فيها بألوانها الخلابة التي رسمتها في السماء مرور بعض من الوقت جعلَ العجوز يختلسَ النظر للشاب التي بدأت تقاسيم الإرهاق بدايةً على وجهه وهو مغمضٌ عينيه وكأنما لم ينعم ببعض الراحة أبعدَ نظره عنه ليتأملَ الطفلان النائمان بطمأنينة واللذان يتنفسان ببطء وعلى وجهيها الراحة فعلى ما يبدو أن يديّ الشاب التي تربت على رأسيهما دافئة وكأنما دفعَ إليهما راحته بدلَ نفسه كما أنّهما يتمتعانِ بجمالِ آخذ فتلك الخصلات الذهبية والبشرة البيضاء الناصعة يشبهانِ بحدِ كبير جمال النبلاء .
ابتسمَ عندما تذكر أنّه لا يعرف اسمَ الشاب و نسي أن يسأله فأمسكَ زمام الخيل ليبطئ من سيرها فلا زالً هناكَ وقتٌ على غروب الشمس كما أنّه قلق فهو بالتأكيد لن يسلم من سيده فكيفَ لشابِ صغير بعمر الثامنةَ عشر ان يعملَ خادماً عند شخصِ يُقارِب عمره .
ـــــــ


وفي قصر ماليان ,



تملل ميلان من حديثِ الرجل الثرثار الذي أمامه كما أنّ شكله يجلبُ التقزز لنفسه وكأنّ شيئاً يخنقُ الهواء عنده , نهضَ الثرثار كما أطلق عليه في نفسه ووضعَ كأس الشراب على الطاولة أمامَ الشاب وقال بنبرة خشنة فيها بعضُ من الخبث .
ـ سأغادر الآن ولا تنسى أن ترسل لي بعضاً من كلابِ ليبريت وسأكونُ محظوظاً لو كانت فتاة جميلة أو فتاتين .
أطلقَ ضحكاتِ شيطانية تناثرت فيها بعضُ من لعابه المقزز بينما نظراتِ الاشمئزاز تصدر من ميلان فهذا الرجل البدين الذي أمامه سيصيبه بالغثيان في أيّ لحظة تمالكَ نفسه وبنبلِ الأغنياء نهض وتحدثَ بطريقة لبقة فيها نوعٌ من السخرية .
ـ لا تقلق سأجلبُ لك ما تريد مقابل صفقةِ محترمة .
صمت الرجل على إثر كلامه ونظرَ بعدمِ رضا إلى الشاب الذي أمامه فلا بد من أنّه يريد أن يسخر منه فهو يعلم أنّ تجارته بدأت بالهبوط والتدني .
تقدمَ ميلان بابتسامه باتجاه نافذة القصر الزجاجية التي تعكس ضوء الشمس البرتقالي وكأنما ختمَ الحديث بجملته تلك وانتصر.
ظهرَ الانزعاج على الآخر فحركَ قدميه مغادراً المكان وقبل أن يخرج من الباب لوح بيده وبابتسامه ساخرة ليؤكد طلبه .
ـ سأقتلك لو كانت غير جميلة .
تنفسَ ميلان الصعداء عندما سمعَ صوتَ خطواته المغادرة أرخى ربطة عنقه وبنبرة ساخرة .
ـ رجل فاسد , لو أنه لم يترك اهتمامه بتجارته لما خسر فيها .
تهادى لسمعه صوت صهيل خيل فعلم أنّ شيمون قد عاد من مهمته التي أوكله بها وضعَ يديه على وجه بضيق فلا بدّ أنّ ذلك التاجر الفاسد لم يغادر قصره بعد .
ـــ
استيقظ الطفلان عندما شعرا بدفعِ بسيط بسببِ توقف العربة فتحا أعينهما الخضراء اللامعة فوجدا رولند ينزلُ من العربة
رفعت الطفلة نفسها وجلست كما فعلَ لير تماماً وبدأت تفركُ عيناها فلا بد من أنّهما وصلا شعرت بهزِ خفيف لتلتف نحو أخيها الذي بدا مدهوشاً بطريقة ما وهو يشير بإصبعه لشيء ما ويقول لها .
ـ أختي أنظري إليه ... إنّه ضخم .! .
نظرتْ إلى حيثُ يشير لتدهشَ كثيراً مما تراه ظهرت تعابير الفرحة على وجهها وأمسكت بيد أخيها وبنبرة حماسية أخذت تقول له .
ـ إنه أضخم من القصر الذي كنّا فيه لننزل ..
أخذت بيدِ لير وهي بأشدّ فرحتها فهذه أول مرة ترى قصراً بهذه الضخامة والجمال نزلا من العربة ومن شدّة حماستها اصطدمت بأحدهم لتسقط هيّ مع لير الذي كانَ معها .
ـ ماذا تفعلان ! .
رفعت لين رأسها بسعادة عندما سمعت صوت رولند فصرخت بفرحة وهي ترفعُ رأسها لتخبره .
ـ لم أرى مثله أبداً .... إنه جميل.
ضحكَ الشاب من فرحتها المفرطة فهكذا هم الاطفال نزلَ بمستواها ووضعَ يده على شعرها وقالَ بنبرة لطيفة .
ـ أنصتي .. نحنُ لا نزال جدد هنا ولا نعلم ماذا يحدث .. .
نظرً لكليهما وخاطبها بنبرةِ جادة .
ـ لا تقوما بعملِ ضجة هنا فنحنُ لم نقابل سيد القصر بعد .
هدأت فرحه الصغيرة وشعرت ببعض الحزن فهو صادق في قوله , ابتسمَ عندما أوصلَ ما يريد قوله لهما , نظرَ إلى لير وأمسك يده ووضعها على يد أخته وقال له .
ـ كونا حذرين وانتبه لأختك .. تجولا قريباً من هنا على مدّ بصري .. اتفقنا !.
أومأ لير بابتسامه وشعر بفرحة غامرة فها هو رولند يعتمد عليه في حمايته أخته التوأم .
نهضا من الأرض وأمسكا بأيدهما ثمّ تقدما لينظرا للقصر من بعيد وللأشياء من حوله .
تنهد الشاب عندما ابتعدا عنه قليلاً فلا بدّ من أي يكونَ الأمر صعباً عليه ,شعرَ بأحدهم يربت على كتفه فالتفت بذعر .
ـ يبدو أنّكَ متعب ما رأيك لو تجلس هنا إلا أن يأتي سيد القصر .
ابتسمَ رولند ومسحَ العرقَ الخفيف عن جبينه فهذا لم يكن سوى شيمون .
ـ لا داعي لذلك .. لستُ متعباً .
تنهد شيمون فهذا الشاب الذي أمامه لن يعترف أبداً بأنه منهك بينما وجهه يفضحُ ذلك .
ـ انتظر هنا .. سأرجع العربة لمكانها وبعدها سأعود .. وسيأتي صاحب القصر بعد قليل .
طأطأ الشاب رأسه باحترام لمن أمامه وقالَ له بطريقة مهذبة .
ـ شكراً لكَ على الاعتناء بنا طولَ هذه المدة .. كما أنني أتطلع للعمل معك .
شعرَ العجوز ببعضِ الإحراج فكيف بشابِ مثله أن يبدي له هذا الاحترام والتهذيب المفرط , ضاعت الكلمات من فمه فقال له وهو يجر الخيول ليذهب لها .
ـ أخبرتك ..لا داعي لذلك ...
ـــــــ
مرت نسمة هواء باردة ابتعد فيها العجوز شيمون وبقي رولند وحده في ساحه القصر , التفت لعله يرى أين ذهب الطفلان فوجدهما يركضان بفزعِ نحوه وهما يصرخان باسمه .
فزعَ واقترب بسرعه منهما وعندما وصلا عنده اختبآ خلفَ ظهره وتشبثا بملابسه لم يعلم ما حصل لها فقال بنبرة خائفة بعضِ الشيء .
ـ ما الذي حصلَ لكما ؟! هل حدثَ شيء ؟! .
كانت لين تدفن وجهها في ملابسه ويدها ترتجف تحدثت بصوتِ مخنوق وخائف .
ـ إنه رجل شرير ... إنه يطاردنا .
تعجب لكلامه المبهم فسأل من جديد لعله يلقى جواباً واضحاً .
ـ لير أخبرني ما الذي حصل !؟ .
رفعَ الأخير رأسه وهو لا يزال يلتقط أنفاسه .
ـ إنه .. إنه ... لقد أخذَ بسؤالنا هل أنتم خدم السيد ليبريت ؟! وبعدما أجبناه ..
لم يكمل لير كلامه بل توقفَ وهو ينظرُ لشيء ما خلفَ رولند بخوفِ وصدمه .
تعجب رولند لذلك فكل ما عرفه هو شخص قامَ بسؤالهم ثمّ أخذَ يطاردهم .
تكلمَ ذلك الشخص بصوته الخشن وبسرعة البرق أمسك بيد لين وسحبها مما دعاها لتصرخ باسم رولند .
التفت الشاب بصدمه ليرى رجلاً أمامه بدين بعضُ الشيء وتظهر على وجهه ملامح الخبث كما أنّه يمسكُ بيد لين بل ومن أمامِ عينيه أخذها ! .
تغيرت ملامح وجهه للجدّية وتقدمَ نحو الرجل الذي لا زالَ يمسك بـ لين بقسوة , أخذها من عنده عنوةً واحتضنها بإحدى ذراعيه فقد كانت لين خائفة وجسدها يرتجف و قالَ لمن أمامه .
ـ من أنت ؟! وما الذي تريده من إفزاع طفلةِ صغيرة ؟! .
لا زال الرجل مصدوماً بل لا زالَ ينظرُ ليديه التي كانَ يمسك بها يد الطفلة والتي اختفت في غمضه عينِ وأصبحت محميّة من شابِ لم يرى وجهه إلى الآن .
أطلقَ ضحكاتِ خبيثة ورفعَ رأسه لينظرُ لمن يتحدث معه بطريقة غير مهذبة .
ـ أدعى جايد .. تاجر الأواني الفضية المزخرفة في هذه البلد .
قطب رولند حاجبيه فهو يشعرُ بأن هذا الجايد شخصُ سيء الطباع , فتحَ فمّه وقالَ له بنبرةِ فيها بعضُ الصرامة .
ـ إذاً أنتَ لستَ صاحب القصر ..
ابتسمَ جايد لجرأة هذا الشاب تقدمَ نحوه ثمّ أمسكَ بمقدمة ملابسه وجذّبه نحوه بقوة , بينما ظهرَ الخوفُ جلياً على لير الذي سارع باحتضان اخته ليحميها من الخطر .
تألمَ رولند وشعرَ بالاختناق فـ يدُ ذلك الشخص قوية بعضَ الشيء حاولَ التحرر منه ولكنّ جايد وضعَ أصابعه على ذقنه ورفعها بشدّة ليرتفعَ وجهه رولند ويصيرُ مقابلاً لوجهه... نظرَ جايد إلى ملامحه وأخذَ يتأملّها, سُحر بعينيه التي تحملُ لوناً أزرقاُ مائلاً للونِ الرصاص معَ لمعةِ جميلة تظهرُ فيها فقال له بخبث .
ـ أنتَ وسيم ! هل أنتَ حقاً فتى !؟ .
لم يعد باستطاعة الشاب رولند أن يقفَ وهو يرى الخوفَ في عيني التوأمان خلصَ نفسه من قبضته وتراجع للخلف حتى سقط على الأرض , أخذَ يلتقطُ أنفاسه بينما جلسَ التوأمان خلفَه يحتميان به رفعَ رأسه و نظرَ إلى جايد الذي أخذَ يوجه الكلام له بخبث .
ـ ربما أغيرُ رأيّ وأطلبُ من ميلان أن أخذكَ أنت .
صفقَ بيديه ثلاثَ مرات لينتبه الجميعُ لذلك الصوت ويلتفتونَ نحو مصدره .
ابتسمَ جايد عندما رأى القادم وقالَ له بحماسه .
ـ ميلان .. لقد غيرتُ رأيي .
توقفَ الشاب ميلان عن المشي عندما وصلَ إلى جايد و أخذَ يبعثرُ نظراته وينظرُ لثلاثة الذينَ يجلسونُ على الأرض , ابتسمَ عندما رأى شاباً بنفسِ عمره بملامح قلقةِ وهو ينظرُ بريبة , أخذَ نفساً عميقاً ثمّ التفت نحوَ جايد ليقولَ له بصرامة .
ـ ألا زلتَ هنا ! .
ابتسمَ جايد بارتباك واضح وأخذُ يُفركُ يديه مع ابتسامة بشعة ظهرت على شفتيه .
ـ لقد أردت المغادرة ولكنّي شاهدتُ بالصدفة خدمَ السيد ليبريت .
نظرَ إليه ميلان بعينِ حادة جعلته يتجمدُ في مكانه ويخفي ملامحه البشعة التي يظهرها كتفَ بذراعيه وقالَ له بنبرةِ غرور .
ـ لقد رأيتَ بعينك لا توجدُ فتاة بينهم لذا غادر قصري حالاً .
قالَ ذلك ثمَ نظرَ لـ لرولند بابتسامة واسعة تحملُ بعضَ السخرية وأتبعَ قائلاً .
ـ يبدو أنّ السيد ليبريت ذكيّ بعضَ الشيء فقد أخلى سبيلهم ولكن لا زال لدينا ثلاثةُ ضائعين هنا .
ظهرَ على وجهه جايد الامتعاض ولم يعجبه طريقة ميلان في الحديث معه مما يجعله يلتفُ بجسده مغادراً بغيرِ رضا منه وعينه على ذلك الشاب الذي رآه .
أخذّ ميلان يتابعُ جايد بعينيه حتى خرجَ من قصره , أخذّ نفساً عميقاً ثمّ رفعَ خصلاتِ شعره إلى الخلفِ بغرور وبقيّ يحدقُ بالطفلين الذي ينظرانِ له وهما يتشبثانِ بملابسِ الشاب الوسيم الذي أخذَ ينظرُ للأرض ولم يُكلف نفسه عناء النظرِ إليه .
جاءَ شيمون وهو يحملُ كرسي جلبه من حديقة القصر وضعه بجانبِ ميلان الذي جلسَ عليه سريعاً ووضعَاً ساقاً على ساق وأخذَ ينظرُ لهم بينما غادر شيمون ليؤديّ عمله ويترك سيد القصر يتحدثُ مع الثلاثة الجدد .
ابتسمَ ميلان بسخريه وهو لا زالَ يحدقُ بالطفلة لين , وجه كلامه للشاب الذي لم يرى ملامحه بعد وقال له .
ـ يبدوا أنّهما متعلقيّن فيكَ كثيراً أيها الشاب .
رفعَ رولند رأسه وظهرت على ملامحه الجديّة فقد تلمسّ في جملة ميلان بعض الشرّ .
تفاجأ ميلان بملامح الشاب الذي أخذُ ينظرُ له بنظراتِ حادة , أطلقَ صفيراً وقال بسخرية .
ـ يبدو أنّك تمتلكُ بعضَ النظراتِ السيئة ! ... أخبرني ما اسمك ؟! .
لم يطمئن رولند له فوقفَ ونفضَ بنطاله الأسود من التراب الذي علقَ به... وضعَ يديه على شعرِ الطفلان الذي لا زالا يتشبثانِ به وقال .
ـ أدعى رولند .. وهذا الطفل لير وهذه لين .
أُعجب ميلان بطريقته الهادئة التي يُعرفُ بها نفسه .. ابتسمَ بخبثِ وقالَ وهو يضعٌ يده على ذقنه مفكراً .
ـ أظنني لا أحتاجُ لثلاثتكم ... سأكتفي بكَ أنت .
قالَ جملته الأخيرة وهو يشيرُ إلى رولند باحتقار .
اتسعت عينُ الشاب بقلق وقالَ له بارتباك وهو يشعرُ بيديّ الطفلان اللتانِ تشّدان على ملابسه .
ـ ماذا تقصد ؟! .
وضعَ راحة يده على خده وبابتسامة كبيرة وهوُ يحدقُ بهم .
ـ كما قلت ... سوفَ أرسلُ هذه الطفلة مع ذلك الشخص جايد ... والآخر ...
توقفَ قليلاً ليُفكر أو ربما لأنّه يريدُ رؤية المزيد من القلق الذي يزدادُ في وجهه رولند والذي بدأ يتضحُ تدرجياً .
ـ ربما سأرسله لأحدَ أصدقائيّ ليعملَ تحت خدمته .
شدّ رولند قبضةَ يده وشعرَ بغصةِ في حلقه فهذا الشاب الذي أمامه .. يبدوا أنّه شخصٌ بلا ضمير فكيفَ يريدُ تفريقهم وهو يرى بعينيه أنّ هذان الطفلان توأمان عضَ على شفتيه فلا بدّ من أن يجدَ حلاً سريعاً لذلك , فيبدوا أنّ ميلان جادٌ فيما قاله ترددت في ذهنه محادثته مع الصغيران وكيفَ وعدهما بأنّه لن يتركهما أبداً أغمَضَ عينيه بشدّة وأخذَ يُفكر في طريقة ما لُيخرجَهما من هذه العقدة بينما أخذَ ميلان يستمتعُ برؤية ملامحِِ رولند المضطربة بابتسامة كبيرة .






انتهى الفصل الثاني :27: ..

أعيشك
12-26-17, 08:05 AM
بدأت الشمسُ تصارع على البقاء فبدت تظهرُ حمرتها في السماء البرتقالية .. كانَ الثلاثة لا يزالون في حديقة القصر رولند لا يزالُ متسمراُ في مكانه وقد طغت على ملامح وجهه ملامح قلقِ كبيرة , بينما بدى الحزنُ على الطفلين فها هي لين قد بدأت الدموعُ تتجمع في عينيها بينما لير يحاولُ أن يبقى شجاعاً أمامَ أخته التوأم بينما بداخله عكسً ذلك , ملّ ميلان من رؤيتهم فقد تحقق مراده في أن يرى ردة فعلهم ويستمتع بها , وقفَ والتفتَ ليغادر بعدَ أن أصدر حكمه .
لاحظه رولند فأسرعَ نحوه دونَ تفكير وأمسكَ بأحد ذراعيه وبرجاء قال له .
ـ أرجوك تريث قليلاً .
ما إن أحسّ ميلان بيده التي يضعها على ذراعه حتى اشتغلَ غضباً ضربَ يده التي تمسكه بحركة سريعة وقالَ بصراخ .
ـ لا تلمسني بيدك القذرة ! .
تعثرت قدمه وسقط أرضاً وقد بدت على ملامحه الصدمة فقد كانت ضربته حقاً مؤلمة , التفت ميلان إليه باحتقار وغضب , بينما لم يستسلم رولند حتى وهو يرى ملامح وجهه الغاضبة.. وقفَ و تقدّم باتجاهه ثمّ طأطأ رأسه باحترام وقالَ له برجاء أكبر .
ـ أرجوك أخرجهما من ذلك .
كتف ميلان بذراعيه وهو يراه يُصر على ذلك مما جعله يقولُ بعدمِ رضا ممزوجةِ بالسخرية .
ـ هل أنتَ من تقرر ذلك ؟! .
اتسعت عينا رولند لسخريته التي وجهها له ولكنْ لم يجعل ذلك يؤثر على عزيمته هو الآخر مما جعله يقولُ له بتوسل .
ـ أرجوك.. اطلب مني أيّ شيء أو افعل بي ما تشاء على أن تدعهما .
ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجهه ميلان عندما رأى إصراره وكلماته تلك .. تقدم نحوه ووقفَ أمامه بينما لم يرفع رولند رأسه بل بقيّ على حالته وهو يتمنى أن يتراجع عن قراره .


في تلكَ اللحظة جاء شيمون واتخذَ له مكان بالقربِ من إحدى الشجيرات المنتشرة في ساحة القصر حيثُ لا يراه فيه سيده فهوَ قلق ويريدُ أن يعرفَ ما حصل , شعرَ بالخوف عندما رأى ذلك الموقف ...
لير ولين اللذان ينظران لـ رولند بأعينهما البريئة وميلان الذيّ يقفُ أمام ذلك الشاب بغرور مع ابتسامته التي لا تبشرُ بالخير مطلقاً .. و رولند الذيّ يحني رأسه في صمت وهو يشدُ قبضة يديه بينما عينيه كانت تظهرُ عليها لمعة الإصرار .
وضعَ ميلان يده على شعرِ رولند الكثيف وأدنى رأسه ليهمسُ في أذنه ويصلَ إلى مستواه .
ـ هل تقولُ لي أن أطلبَ أيّ شيء منك أو أفعلُ ما أشاء بك ؟؟ .
قالها بسخرية شديدة ولم يكتفيّ بذلك بل قالَ له وقد تغيرت ملامحه للجدّية .
ـ أنتَ بالفعلِ كذلك منذُ أن وضعت قدميك على قصري هذا .
أغمضَ عينيه وهو يتلقى تلكَ الإهانة التي عكسها عليه .. تساقطت بعضُ قطرات عرقه عن جبينه لتسقط على وريقاتِ العشبِ الصغيرة وكأنما فقدَ معها رولند الأمل .





ـ حسناً ولكن بشرط ... !!




اتسعت أساريره وملئت نفسه فرحة كبيرة عندما سمعَ جملة ميلان التي نطقَ بها , رفعَ رأسه واعتدل بوقفته وقالَ له برسمية مشبعةّ بالحماسة .
ـ وما هوَ ؟! .
نظرَ ميلان إلى عينيه وبخبثِ قالَ له .
ـ تعملُ عنديّ بدونِ أجر ! .
اتسعت عينا شيمون عندما سمعَ كلامَ سيده فكيفَ يطلبُ من ذلك الشاب أن يعملَ عنده بدونِ أجر وهو يُقارب سنه .. شعرَ بضيق في صدره وجملة سيده التي قالها لـ رولند تترد عليه .. فلو كانَ هوَ في ذلكَ المكان لتردد كثيراً فالعملُ دونَ أجر يعتبر إهانةً كبيرة للشخصِ الخادم وكأنما اشتراه وأصبحَ عبداً ملكاً له .
صكّ رولند على أسنانه عندما سمعَ ما قاله فإن رضيّ بذلك فسوفَ يعرضُ نفسه للاستصغار .
عضَ لير على شفتيه فقد فهم المحادثة التي دارات بينهم كما أنّه قد كره ذلك الشخص من كلِ قلبه نظرَ إلى ميلان بنظرات حادة فوجده يبتسمُ بنصر وكأنما ينتظرُ الإجابة أبعدَ نظره عنه وأسرعَ بخطواته نحو رولند أمسكَ يديه وقالَ له بإصرار ظهرَ في عينيه .
ـ أخي سوفَ نتهمُ بأمرنا , أرفض ما قاله لك إنه شخصِ شرير .
هدأ رولند قليلاً وانقطعت افكاره عندما سمعَ صوتَ لير ثمّ مالبث أن ابتسمَ ابتسامة ظهرت فيها أسنانه المصطفة كالألئ وضعَ يده على شعرِ لير وقالَ له بنبرة محبة .
ـ لقد كبرت حقاً لير .
توردت وجنتيه عندما سمعَ ما قاله فأبعد نظره عنه فقد شعرَ بالخجل من كلامه .
وقفَ رولند وتغيرت ملامحه اللطيفة في ثواني قليلة إلى ملامح جدّية وقالَ لـ ميلان الذي ينتظرُ جوابه .
ـ حسناً أوافقُ على ذلك .
ضحكَ ميلان بخفة وتكلم وهو يشعرُ بالإثارة فلم يتوقع أبداَ أن يقبل ذلك .
ـ أنا أعلمُ السبب الذي جعلك تعملُ عند ليبريت , لذلك لا تحمل في نفسك شيء لأنّي طلبتُ ذلك .
ضاقت عينا رولند عندما سمعَ ما قاله ولكنّه تمالك نفسه ليكملَ ميلان كلامه بثقة ساخرة .
ـ لذلك سوفَ يكون ذلك تعويضاً لما سببته من خسارة له بسببِ خطأك , فقد كانَ ما ضاعَ هو ماليّ أنا الذي يجبُ عليه تسديده .
ابتسمَ رولند ليجاريه في كلامه ويقولُ بحنكةِ وذكاء مع ذات النبرة التي يُخاطبُه فيها ميلان .
ـ لكن , لا أظنُّ أن تلك الخسارة البسيطة قد تؤثرُ على أموالك , أليسَ كذلك ؟! .
أطلقَ ميلان ضحكاتِ عالية عندما تلمسَ ما يريده في جملته مما جعله يزداد فرحاً لأنّه اختار هذا الضعيف لخدمته فسيكونُ ممتعاً كما أنّه يتطلعُ لرؤيته يقومُ بخدمته .
جلسَ على الكرسي مرةَ أخرى ثمّ أخرجَ من جيبِ سترته الفاخرة بطاقةً صغيرة بيضاء اللون تحملُ بعضَ الكتابات والخطوط السوداء العريضة , مدّها إلى رولند وقال له وهو ينظرُ للصغيرين .
ـ لأكونَ عادلاً , فقد كانَ ما قلته صحيحاً ... لكن .
أتبعَ بنبرة خبيثة وهو يراقبُ ملامح وجه رولند ليرى المزيد من تعابيره التي تطرأ عليه .
ـ سوفَ تنتهي تلكَ الخسارة البسيطة في أيامِ قليلة وبما أنّك قبلت بالشرط فسأقومُ بإعطاء الصغيران المال الذي هوَ بمثابة عملكَ هنا ..
أخذَ رولند تلكَ البطاقة من يديه وأخذَ ينظرُ إليها فقد كانَ ما قاله جيدٌ بعضَ الشيء .
نهضَ ميلان من مكانه والتفتَ مغادراً وهو يقول بتحذير .
ـ إن اكتشفت أنك تقومُ بأخذِ شيء منه ولو القليل , فلن أرحمك أبداً .
قالَ تلكَ الكلمات بصوتِ غاضبِ شديد وكأنّه سيكونُ جاداً فيما قاله ولن يرحمه .
ابتعدَ وهو يُضعَ يديه على رأسه وكأنما قد أنهى المحادثة معه وأصدر حكمه , ولكنه توقفَ في نصفَ طريقه ليقولَ لـ رولند بغيض .
ـ فـ ليغربا من هنا الآن .

قالها ثمّ انطلقَ نحو قصره .
بينما أمسكَ رولند بأيدهما الصغيرة وانطلقَ يمشي نحو بوابة القصر لير بجانبه الأيسر بينما لين يسمكُ بها بيده اليمنى .

ـــــــ

ـ انتظر .
التفت رولند عندما سمعَ ذلك الصوت ليرى شيمون يقفُ وراءه وهو يلتقطُ أنفاسه و بادر يقولَ للشابِ بنبرةِ حزينة .
ـ أنا أعتذرُ من تصرفاتِ سيدي ..
ابتسمَ رولند ووضعَ يده على كتفيه .
ـ أنتَ لم تفعل شيء , لا بأس عليك .
تلمس شيمون لطف هذا الشاب وحَزن على القرار الذي اتخذه فهو من الغد سيبدأ العمل في القصر , نظرَ للصغيرين الذي بدت على ملامحها الحزن وعدم الرضى ليقولَ لـ رولند .
ـ أينَ ستذهب ؟ الشمسُ بدأت بالغروب وسيحلُ الليل !.
أمسكَ رولند بأيدهما بقوة وقالَ له بابتسامة جميلة .
ـ سوفَ أذهبُ بهما إلى مكان ما وأعودُ سريعاً .
أومأ شيمون برأسه موافقاً ولوحَ بيده مودعاً الشاب الذي أخذَ يبتعدُ عن القصر ممسكاً بأيديّ الطفليين الصغيرين بعدَ أن آثرهما على نفسه
عادَ شيمون أدراجه وهو يُفكر بالحياة التي سوفَ يعيشها من الغد فصاعداً فلن تكونَ سهلة وسيده هو ميلان .

ـــــــ

بدأ الليل يهبطُ تدريجاً ونسيمه البارد يلفحُ على المكان و رولند لا زالَ يمشي في شوارع المدينة في صمتِ طويل لم ينطق فيها بشيء بينما لين في كلِّ مرة تنظرُ إليه ولير لم يجرأ على أن ينظر بل بقي يحدقُ بالأرض وهو يشعرُ بالذنب فيبدوا أنّه الوحيد الذي علمَ بما حصل بينما بدا أنّ أخته لم تعلم ما جرى .
أغمَضَ عينيه بشدّة وتوقفَ في مكانه ولم يتابع السير تعجب رولند فالتفت نحوه وقالَ له بتعجب .
ـ لير , هل حصلَ شيء ؟! .
ـ أنا آسف .
ابتسمَ رولند وتقدمَ نحوه وقالَ له محاولاُ تصنع عدم فهم ما يقول .
ـ لم تفعل شيئاً حتى تعتذر ! .
شعرَ لير بغضبِ طفيف من طريقة رولند التي لا يريد أن يسبب فيها القلقَ لهما مما جعله يرفعُ يده ويضعها على صدره ,
أخذَ نفساً عميقاً وصرخَ بأعلى صوته وقد بدأت الدموعُ تنسكبُ من عينيه .
ـ كانَ عليك ان تتركنا في ذلك المكان ولا تأخذنا معك .
ضاقت عينا رولند عندما سمعَ ما قاله وظهرت عليه ملامح غضبِ طفيفة , أمسكَ بكلتا يدي لير ورفعها باتجاه ثمّ قالَ له.
ـ أتعني بذلك أنكَ لا تريدنيّ أن أبقى بجانبك ؟! .
هدأ لير من بكائه قليلاً عندما سمعَ ما قاله فهو لم يقصد ذلك , أخذَ يكفكفُ دموعه وهو يقولُ بصوتِ باكِ .
ـ لكن ...لكن ... أنتَ الآن ستعملُ عندَ ذلك الشخص إنه ليسَ لطيف كالسيد ليبريت .
أخذَ نفساً عميقاً ورفعَ خنصر يده اليمنى وأشار بها أمام عينيه ثمّ قالَ بلطف .
ـ ألم نتعاهد أن نبقى سويةً ! لا يعني أن أكونَ مع ذلك الشخص أنّي قد تركتكما .
اتسعت ابتسامة لين عندما سمعت ما قالت فقد خشيت أن يتركَ رولند البقاء معهما , بينما الأمر ذاته عندَ لير الذي لم يدفعه قولَ ما قاله إلا لأنه خشي ذلك.
اطمأن قلبيهما فعادت الابتسامة إلى وجهيهما وأكملا سيرهما مع رولند .


ـــــــ

ـ ها قد وصلنا .
هذا ما قاله رولند وهو يقفُ أمامَ مبنى متوسط مكوّن من خمسةِ أدوار مطليّ باللون البني الباهت الذي تغير مع الزمن , تقدمَ نحوه ودخله ثمّ قامَ بالصعودِ على دراجته ليصلَ إلى الدور الثالث برفقة الطفلين .
وقفَ أمامِ بابِ غرفة على شرفةِ تطلُ على شجرةِ خضراء جميلة ذات أوراقِ صغيرة من على الجانب وإذا نظرَ أحدهم إلى الأسفل فسيرى شارعِ المدينة بمحلاته المشهورة , ابتسمَ وهو يتذكرُ هذا المكان فقد مرّ وقتٌ من أن جاء إلى هنا .
تكلمت لين وهي تنظرُ للمكان حولها بتعجب .
ـ أخي أينَ نحنُ الآن ؟! .
أجابَ رولند بابتسامةِ واسعة وهو ينظرُ إليها .
ـ إننا الآن أمامَ منزل أختكما الكبيرة .
لم يصدق لير ما قاله فاملأت وجهه الدهشة ولمعت عينيه وأخذَ يقولُ لـ رولند بحماسة كبيرة .
ـ أتعني أنّ لكَ أختاً ؟! .
ضحكَ بخفة وهو يرى تعجبه الطفولي واندفاعه عندما سأله لـ يومأ برأسه وهو يقولُ له .
ـ شيء كهذا .
ضمت لين يديها نحوها وقد برقت عينها بسعادة , أخذت تتساءل في قرارة نفسها هل هي تشبه رولند ! وهل تمتلكُ عيناً مثلَ التي يحملها ! .
طرقَ رولند البابَ بخفة ليجيء صوتٌ أنثوي من خلفَ الباب تخبرهم بأنها قادمة , أدارت مقبضَ الباب وفتحته لتعرفَ من الطارق فظهرَ أمامَ الطفلان فتاةٌ جميلة بجسدِ متناسق وشعرِ بنيِ قصير يصلُ إلى أسفلِ رقبتها تلبسُ ثوباً عادياً زهريّ اللون.

تسمرت في مكانها عندما رأت حدقةُ عينيها السوداء ذلك الشاب الذيّ يقفُ أمام بابَ شقتها فظهرت السعادة جلياً على ملامحها تجمعت الدموع في عينيها فلم تعكس عينها سوى ذلك الوجه الوسيم الذيّ دائماً ما تتشوقُ للقائه , اندفعت نحوه وضمّته بذراعيها بسعادة كبيرة ِ .
ـ رولند لماذا لم تعد تأتي لزيارتي ! .
هذا ما قالته بصوتِ باكِ ممزوجِ بالفرحة الغامرة بينما لم تنتبه للطفلين اللذين أخذا يُحدقان بها بدهشة .
توردت وجنتيّ لين وهي تتأملُ ملامح تلك الفتاة الجميلة بينما طغت على وجه رولند ملامح خجلِ طفيفة مما دعاه ليهمسَ لها بخفوت .
ـ ميدوري لقد جلبتُ طفلان هنا .
ابتعدت ميدوري ثمّ التفت نحو المكان الذي ينظرُ له رولند , رأت عيناها تلكَ الأعين الخضرُ التي تحدقُ بها , اقتربت منهما وجلست على ركبتيها لتصلَ إلى مستواهم وأخذت تدققُ في وجهيهما لتتذكرَ أين آخر مرةِ رأتهما , ثواني هي حتى أطلقت صرخةً مفاجئة .
ـ أنتما ..! لقد تذكرتْ .
التفتَ سريعاً نحو رولند وأخذت تنظرُ له غيرَ مصدقة وقفتَ على قدميها وأسرعت باتجاهه ثمّ همست في أذنيه بطفولية .
ـ هل قمتَ حقاً بأخذهما ؟! .
أبعدها الشاب بيده بلطف ثمّ قالَ لها بهمسِ صغير خالطه نبرةُ غريبة .
ـ جئتُ أطلبُ منكِ معروفاً .
تلمست ميدوري نبرته تلك فعلمت انّ في الأمر شيئاً , تراجعت للخلفِ قليلاً ثمّ فتحت بابَ شقتها لتقولَ للطفلين بحماسة .
ـ ادخلا وانظرا إلى شقتي ولا تعبثا بشيء ، موافقان ! .
سعدَ الطفلان لذلك فأسرعت لين تخلعُ حذائها وتسارعُ في الدخول كما الحال عند لير .
ـــــــ
هدأ المكانٌ قليلاً في الخارج وبدأت الأضواء الملونة للمحلاتِ القريبة من ذلك المبنى تفتحُ لتنير الطريق وتخلقُ جواً من الهدوء مع نزولِ وقت الليل , هبت نسمةُ هواء باردة حركت خصلاتِ شعرها البنية لم تعرف بماذا تجيبه عن سؤاله وشعرت بقليلِ من الاحراج فهي حقاً لا تريدُ أن ترفضُ له طلباً فقالت بصوتِ مرتبك .
ـ لكن .... كيفَ تقولُ لي أن أعتني بهما .. وأنا لا أملكُ المال ! .
لم ترد حقاً أن تقولَ له ذلك فحركت قدمها اليسرى على الارض بارتباك وأتبعت كلامها .
ـ لستُ أرفض ..بل أنا أريدُ أن أفعلَ ذلك لأنكَ طلبته ..
احمّرت وجنتيها وقالت له بصوتِ منخفض وهي تغمضُ عينيها .
ـ لكن كما ترى بالكاد أستطيع أن أدفعَ إيجار الشقة .. كما أنّني لا زلتُ أجمع المال لأدخل إلى الجامعة .
ابتسمَ رولند عندما رأى ملامحها التي تبدو وأنها منزعجةُ من نفسها وضعَ يده على يديها الناعمتين وقالَ له بلطف .
ـ لا تقلقيّ ... لقد أحضرتُ المالَ بالفعل .
تعجبت من ذلك فرفعت نظرها لتنظرُ إليه ففوجئت به يمدُ يده وفيها بطاقةُ بيضاء ويقولَ لها .
ـ هذا المالُ تحت تصرفك , قومي بصرفه على الطفلين وادفعي به إيجار السكن كما أنّني لا أمانع في أن تستخدميه في دخولك للجامعة وشراء ما تحتاجينه .
أمسكت بها وأخذت تُقلبها بينَ أصابعها أصابتها الدهشة الكبيرة وهي تنظرُ لها بعدمِ تصديق فقالت بفرحة .
ـ يبدوا انها تحتوي على مبلغِ ضخم .. هل وجدتَ عملاُ ممتعاً تقومُ به ؟ .
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظرُ له بعينها التي تلمعان من فرطِ السعادة , طأطأ رولند رأسه فأخفى ملامح عينيه وقالَ لها معَ ابتسامة صغيرة ظهرت شفتيه .
ـ هل أنتِ موافقة ؟! .. سأجلبُ مثلها من الآن فصاعداً , لا أظنَ أنهما من النوعِ الذيّ سيزعجانك , سأتكفلُ بمهمة تسجيلهم في أحدِ رياضِ الأطفال لكيلا يضيعانِ من وقتك .
أومأت برأسها موافقة فسعدُ قلبُ رولند لذلك مما دعاه ليقولَ .
ـ لن أنسى معروفكِ هذا .. وسأرده لكِ يوماً ما .
طرأَ في بالها ذلك السؤال فسارعت بقوله لـ رولند الذي كان متوقعاً أنّها سوفَ تقوله .
ـ وأنتَ ... إلى أينَ ستذهب ؟! أليسَ غريباً أن تتركهما وأنتَ من أخذهما ! هل ستسافر ! .
أخفت خصلاتِ شعره عينيه وزالت ابتسامته من وجهه فلا يملكُ الآن سوى أن يخبرها ويقولَ لها بنبرةِ جامدة .
ـ سوفَ أعملُ خادماً منذُ الغد عند آل ماليان .
اضطربَ قلبها واتسعت عيناها عندما سمعت ما قاله , ضمت يدها إلى صدرها وقالت له بعدمِ تصديق .
ـ مستحيل .. لا يعقلُ ذلك .. !! هل حقاً ستعملُ في ذلك القصر ؟! .
طغت على ملامح رولند الحزن الشديد فأسند ظهره على الشرفة ونزلَ حتى وصلَ إلى الأرض ليجلسَ عليها ثمّ قال لها بصوتِ متعب مع ابتسامةِ أظهرها على شفتيه .
ـ أجل ..
لم ترضى ميدوري لذلك فاجتمعت الدموع في عينيها وجلست بقربِ الشاب الذي لم يستطع إخفاء ملامح الإرهاق من وجهه أمامها وسألته بعدمِ تصديق وهي تهزّ جسده بيديها .
ـ ألستَ تكرهُ الأغنياء ؟! أخبرني ! .. ألستَ تكرههم ؟!! .
تنهدَ رولند بعمقِ كبير وهو يسمعُ سؤالها وضعَ يده على جبينه ليرفعَ خصلاتِ شعره وقالَ لها بنبرةِ غريبة .
ـ بلى ..
ـ إذا لماذا ؟! .
هكذا صرخت ميدوري وقد تحدرت دمعةُ على وجنتيها فهي لا تريدُ أن ترى الشاب الذيّ تحبّه من أعماقِ قلبها يعاني كما كانَ في الماضي .
سمعَ الاثنان صوتَ الباب فالتفت رولند ليجد الطفلين يقفانِ أمامه بينما سارعت ميدوري لتمسحَ دمعتها .

ـ نحنُ آسفان كلّ شيء حصلَ بسببنا .
هذا ما قاله لير وهو يشدُ قبضه يديه ليخبرَ تلكَ الفتاة القصة بأكملها .


ـــــــ


وبعدَ أن علمت ميدوري بما جرى تألمَ قلبها عندما علمت السبب الرئيسي لتلفتَ لـ رولند بابتسامة مشفقة وتقولُ له وهي تحاولُ كبت بكائها .
ـ سوفَ أعتني بهما لأجلك .
وقفَ الشاب على قدميه وارتسمت ابتسامة مريحة على شفتيه , تقدمَ نحو الصغيران وقالَ لهما وهو يضعُ يده على شعرهما .
ـ هذهِ أختيّ ميدوري أتمنى أن تحسنا التصرفَ معها ! سوفَ آتي لزيارتكم من حينِ لآخر .
أومأ برأسيهما بفرحة غامرة وسارعت لين تمسكُ بيد ميدوري وتقولُ لها بصوتِ طفولي مع ابتسامة جميلة .
ـ لن نزعجك فأنتِ أختِ رولند .
حزنت الفتاة عندما سمعت كلمة أخت مقترنةِ مع رولند فهي في الحقيقة ليست أخته ولا حتى تربطها صلة قرابة به .. بل هي صديقته منذُ أن كانا صغيرين أعادت نظرها له فوجدته يحادثُ لير بابتسامة , طأطأ رأسها وهمست لنفسها وهي ترفعُ اصبعها اليسرى وتتذكرُ ذلك اليوم التي أمسكها رولند وقامَ بوعدِ معها استحضرت ذلك الموقف ثمّ همست بحزنِ .
ـ لا زلتُ أحبك رولند .
صفقت بيدها بعدَ أن أبعدت ملامح الحزن من وجهها التفت للطفلين وقالت لهما بسعادة .
ـ ادخلا الآن وأنا سأذهبُ لشراء بعضِ الطعام للترحيبِ بكما .
سعدا لذلك وسارعا للدخولِ من جديد ... حركَ رولند قدميه مغادراً وتبعته ميدوري لترافقه ..


سارا معاً حتى مفترقِ إحدى الطرق الذي يجبُ على الشاب أن يُفارقها فيها فقالَ لها بنبرةِ شاكرة .
ـ شكراً لك .
ابتسمت بخجل طفيف ثم تحولت ملامحها لأشبه بالطفولية وهي تغمضُ إحدى عينيها .
ـ هل هو معك ؟! .
تعجبَ رولند لسؤالها فسارعت لترفعَ كم ملابسها فتظهر سلسلة بألوان داكنة كالتي يحتفظُ بها ولكنها جعلتها كـ سواره. .
أدخل رولند يديه في سترته الداخلية ليخرجَ السلسلة التي يعلقها على رقبته والتي هي مطابقة تماماً لما معها .
فرحت أشد الفرح عندما رأتْ أنه لا زالَ يحتفظُ به لتمسكَ بالسوارة بيدها وتقولُ بنبرةِ لطيفة وهي تتذكرُ أحدهم .
ـ أتمنى أن نلتقيّ بإيفان قريباً .
ابتسمَ رولند بطمأنينة وقالَ له بثقةِ كبيرة .
ـ أنا متأكدٌ أن سنتقابلُ مجدداً .
أومأت برأسها بأمل ورفعت يدها مودعة رولند الذي أخذَ يبتعدُ عنها فقالت وقد طغت على ملامح وجهها حمرةٌ خفيفة.
ـ أتطلعُ لذلك اليوم الذي سنجتمع فيه نحنُ الثلاثة سوياً ..
ابتسمت وهي تتذكرُ ذلك الشخص لتهمس بشوقِ له .
ـ عُد باكراً إيفان , فلابد أن رولند قلقٌ عليك .

ـــــــ

وأخيراً ابتعدَ رولند وأصبحَ وحيداً منفرداً بنفسه في إحدى منعطفات الشوارع المظلمة والتي تنيرها إنارةٌ مكسورة وضعَ يديه على الجدار ثمَ وضعَ رأسه عليه ظهرت عليه ملامحِ الألم فأغمضَ عينيه بشدّة .... قالَ بصوتِ متقطع من شدةِ الألم الذي يشعرُ به في جسده وهو يتذكر كلامها .

ـ ألستَ تكرهُ الأغنياء ؟! أخبرني ! .. ألستَ تكرههم ؟!! .
ـ أجل أنا أكره كلّ الأغنياء ميدوري ..
جثى على ركبتيه ومشاهدُ من الماضي الأليم الذي كان يعيشه تردد على ذاكرته
أسندَ ظهره على الجدار المتهالك , وأخذَ ينظرُ للسماء السوداء بعينيه ارتسمت ابتسامة على شفتيه.
ـ ربما لن يكونَ ذلك قاسياً .. لنجرب ذلك .
قالَ ذلك ثمّ وقفَ على قدميه متجهاً إلى قصر ماليان مبتدأً صحفةَ جديدة في حياته بالعملِ عندَ ميلان وهو لا يعلم ما هو الغد الذي ينتظره وأيّ الأحداث التي ستظهر وستغيرُ مجرى حياته والتي ستنقلبُ في لحظات قليلة رأساً على عقبَ ليعودَ تدريجياً للجحيم الذي كان يعيشه في صغره ..

فكيفَ سيحدثُ ذلك ؟!
و ما هوَ الجحيم الذي عاشه في صغره !
وهل سيجتمعُ الثلاثة قريباً ! وما هي حكايةُ كلِّ شخصِ منهم ! بل حكايةُ لقائهم جميعاُ ! .

انتهى الفصل الثالث ..




بانتظارك ردودكم وتعليقاتكم :رحيق: .

الزمرد
01-04-18, 11:01 AM
جمييييييييله الروايه

ومشوقه


في الانتظار..

المتفاهم
02-19-18, 01:57 PM
يعطيك العافيه

أعيشك
03-02-19, 11:32 AM
جمييييييييله الروايه

ومشوقه


في الانتظار..

يعطيك العافيه


الله يعطيكم ألف عافية ع الردود :نبض: ..
قررت أكمل من حيث وقفت،
وان شاء الله تعجب الجميع.

أعيشك
03-02-19, 01:14 PM
رائحة الفجر الجميلة تتنشرُ في السماء السوداء أصوات العصافير التي خرجت من أعشاشها بدأ صوتها يعلو المكان تدريجياً لتعلن عن اقتراب موعد استيقاظ الشمس .
غسلَ وجهه بقطرات الماء الباردة ليستعدَ لصبحِ جديد رغمَ أنّه لم يذق طعمَ النومِ منذُ ذلك اليوم الذي قُرر فيه أخذُ ممتلكاتِ الراحل ليبريت فقد كانَ باله مشغولاً ولم يطمئن بعد ,
نظرَ للمكان الذيّ هو فيه فقد كان في غرفةِ صغيرة مطلية باللون الأسود الباهت كانت الغرفة ضيقة فموقعها في الدورِ الأرضي ويوجد فيها سرير صغير بالإضافة إلى طاولة دائرية خشبية صغيرة جداً بجانبه ، تنهدَ رولند وقالَ بصوتِ هادئ .
ـ ألم يجد سوى هذه الغرفة لتكونَ ليّ ؟! .
لم يكن بداخل ذلك الشاب أنّه يريدُ غرفة واسعة أو حتى فخمة ولكن موقعها التي هيّ تحت القصر في الدور الأرضي كانت أشبه بسجن مظلم فالإضاءة فيها غيرُ جيده كما أنّه لا يوجد في ذلك الدور سوى المستودعات ولا يوجد فيه غيره وهذا ما أزعجه قليلاً فقد أخبره شيمون بأنّه لا توجد غرفة شاغرة في الدور الثاني لأن أغلبها تخضعُ للتجديد .
رتبّ سريره البسيط ثمّ قامَ بحملِ ملابسِ الخدم التي وضعها له شيمون رفعها بيده ونظرَ إليها , كانت بلونِ بني اللون ويوجدُ فيها من أعلى الكتف خيوطُ سوداء وأخرى بلونِ الكاكاو تمتدُ بشكلِ جانبي حتى نهايتها من جهة اليمين بينما كانَ البنطال أسود اللون تزينه خيوطُ بنفسِ لون البذلة بدت وأنّها ثمينة , قامَ بحملها ثمّ اتجه ليستحم ويبدأ يومه بنشاطِ وحيوية رغمَ عدم علمه بما تخبئه له الساعات القادمة .
ـــــــ
ما إن انتهى رولند من تجهيز نفسه حتى قامَ بصعودِ الدرجات ليصل للدورِ الأول من القصر حيثُ الواجهة الأساسية التي يسكنُ فيها ميلان وأول ما حطت قدميه أعتابه حتى استقبلته أشعة الصباح , سارعَ بوضعِ ذراعه على عينيه ليخفف من ضوئها حيثُ أنّها كانت تنيرُ القصرَ بأكمله فهي تنعكسُ من زجاجات القصر الكبيرة بشكل خيالي لتنشرَ أشعتها الدافئة في المكان كله ,
ابتسمَ رولند وشعرَ بقليلِ من الدفء أبعد ذراعه عن عينيه وأخذَ يتأمل خيوطها الجميلة .
جاء شيمون مسرعاً نحوه عندما رآه يقفُ وهو ينظرُ لحديقة القصر من خلالِ زجاجات النوافذ ولكنّه توقفَ في منتصفِ طريقه عندما رأى هيئة ذلك الشاب الذي بدى له وكأنه أحدُ النبلاء من العصور الوسطى فقد كانَ اللباس الجديد الذي اختاره ميلان ليعمَ جميع الخدم به كانَ مناسباً جداً بالنسبةِ له فقد أظهرَ وسامته بشكلِ مميز
تقدمَ نحوه وناداه .
ــ رولند .
التفت رولند نحوَ من ناداه وعندما رأى أنّه شيمون حتى ابتسمَ بحيوية و قالَ له برسمية .
ـ صباحُ الخير .
ابتسمَ شيمون عندما رآه بذلك النشاط فقد كانَ قلقاً من أن يكونُ غاضباً أو أنّ مزاجه متعكر لأن ميلان اختار غرفته لتكونَ في الدورِ الأرضي بينما بقية الخدم هم في الدور الثاني بجناحِ خاص وواسع .
ـ صباح الخير , أريدُ أن أخبركَ بأمر ما .
اعتدل رولند في وقفته وقالَ له مستعداً لأي عملِ يطلبه كبير الخدم .
ـ تفضل قل ما تريده .
ارتبكَ شيمون ولم يعلم كيفَ يخبره بذلك فقد كان سيده معارضاً لتلكَ الفكرة فمرت عليه ذكرى الأمس سريعاً في ذهنه .
كانَ ميلان مستعداً للنوم فقد جلسَ على سريره وهو بملابسِ نومه وها هو شيمون يحملُ بيده صينيه فيها كأسُ ماء ليعطيّه إياه .
أخذَ الكأس من الصينية الزجاجية وشربه دفعةً واحدة فماءُ بارد قد ذابت فيه حبّة ثلج كانت كافيه بإرواء ظمئه .
تحدثَ شيمون بتردد وقالَ له بابتسامة مرتبكة .
ـ سيدي ما رأيك لو جعلتَ الخادم الجديد خاص بك ؟! .
أمسكَ ميلان الكأس بيده بقوة وقطبّ حاجبيه بغضب فلم يعجبه ما قاله له كبير خدمه مما جعله يقولُ بنبرةِ مرعبة .
ـ أخبرتك أنّنّي أكره جميع الخدم !! جمعهم حثالة !!! ثمّ ماذا أريدُ بخادمِ خاص !!! لكي يعلمَ ما يحيطِ بي ثمّ يخونني ببساطة !؟ .
ارتعدت اوصالَ شيمون عندما تلمسَ تلكَ النبرة الغاضبة وتلكَ الطريقة المرعبة التي قالها له وأجابه عن سؤاله .
رفعَ ميلان عينيه بحدّة وكأنما انهى حديثه وأراد تحذيره من ذلك الأمر,
وضعَ يده على بطانيته القطنية ذات النقوشِ الجميلة ثمَ رمى نفسه على سريره الفخم ذو الملمسَ الدافئ وأغمضَ عينيه لينام .
أبعد تلكَ الذكرى وقالَ له بعزم مخلوط ببعضِ القلق .
ـ أريدك أن تكونَ الخادمَ الخاص لـ سيد ميلان .
تعجبَ رولند من الطريقة التي أخبره فيها شيمون فقد كانَ متردداً ومرتبكاً في كلامه وكأنّ ما سيقوله أمرُ غيرُ جيد .
طأطأ شيمون رأسه وقالَ وهو يحركُ يديه بارتباك .
ـ أنا آسف لأني طلبتُ منكَ ذلك ولكن ......
صمتَ قليلاً ثمّ قالَ له وهو يشدَ قبضة يده بانزعاج .
ـ إن سيدي يكره جميعَ الخدم ومهما يكن لا بد من أحدنا أن يتولى أمره لكنّه في كل مرة يرفضُ ذلك مما يجعلنا نقعُ في كثير من المتاعب ..لذا أرجوك هل يمكنك أن تتحملَ تصرفاته وأفعاله وتكونَ جديراً بذلك !؟ .
لم يجد رولند أيّ مشكلة في ذلك فقالَ له بنبرةِ تدلُ على طيبة قلبه .
ـ لا بأس في ذلك .
شعرَ شيمون بالفرحِ الشديد عندما سمعَ جملته وأنه لا يمانع في ذلك أمسكَ بكلتا يديه وقالَ له بنبرةِ شاكرة عميقة .
ـ أشكرك كثيراً ... سوفَ أخبرك بما يجبُ عليكَ القيام به .
جذبه من يديه وأسرعَ في خطواته وخلفه رولند الذي أخذَ يتبعه بابتسامة بلهاء ....
كانَ جوابه سريعاً لم يفكر في ذلك مطلقاً ...! فلم يكن ذلكَ غريباً فكونه جديد ولا يعلمُ شيئاً عن تصرفاتِ السيد ميلان ولا عن الحياة التي يعيشها فيها فقد وافقَ على ذلك ,,
وبعدَ ثواني قليلة طغت على ملامح شيمون الجمود وهو يمسكُ بيدِ رولند بينما قلبه يعتصرُ تردداً وقلقاً فهوَ يعلمُ أنّ ذلك سيكونُ قاسياً عليه ولكن إذا فكر بالأمر بطريقةِ أخرى .. فربما يستطيعُ ميلان ان يرتاحَ لوجوده أو أن يشاركه ايّ شيء بما أنّه متقاربان في السن وكلاهما شابان صغيران .
ـــــــــ
وفي شقة ميدوري ...
فردت ذراعيها للأعلى لتمدد وتستعيدَ نشاطها ,رفعت شعرها القصير بربطةِ صغيرة ثم نظرتْ إلى الطفلين لتجدهما لا زالا نائمين ابتسمت واقتربت منهما جلست على ركبتيها وأخذت تتأملهما ,
كانَ شكلهم لطيفاً فهما نائمين على بساطِ على الأرض حيثُ أن لين تضعُ يدها قرب فمها بطريقة طفولية ولير بجانبها يلامس يدها وكأنما يخبرها بأنّه سيكونُ معها دائماً
سحرت لمنظرهما وأطلقت ضحكة خفيفة , وقفت على قدميها من جديد وصفقت بيدها بخّفة فعليها تجهيز مائدة الإفطار فهي ليست لوحدها اليوم , انطلقت نحو مطبخها الصغير الذي توجدُ فيه نافذة صغيرة مطلة على الشرفة , فتحت الثلاجة وأخرجت علبة حليب كانت قد اشترتها بالأمس عندما ودعت رولند وضعتها على طاولةِ بيضاء مستديرة وبدأت تصنعُ شرائح خبز محمصة مع حبة بيضِ مقلية لتناولها مع كوبِ من الحليب الدافئ ,
انتهت من تجهيز الفطور فوضعت شرائح الخبز في صينيه ثمّ انطلقت بها نحو غرفتها الصغيرة دخلت الباب فوجدت الصغيرين قد استيقظا من نومهما وهما الآن يقومان بفركِ أعينها بطفولية , تذكرت كلام رولند الأمس .
[ ـ هل يمكنك الإعتناء بهما ؟! . ]
شعرت بالحزن عندما تذكرت ذلك فلا بدّ أنّه كانَ مجبراً على العمل في ذلك القصر بالرغم من أنّه يكره الأغنياء , حركت رأسها يميناً وشمالاً لتنفضَ تلكَ الأفكار من رأسها أعادت النظرَ للطفلين فأدخلت الهواء لرئتيها ورسمت ابتسامة واسعة لتقولَ لهما .
ـ صباح الخير .. لين .. لير .
رفعا رأسيهما عندما سمعا صوتَ ميدوري , نهضت لين
ووقفت على قدميها , أمسكت بملابس نومها القصيرة التي تصلُ إلى منتصفِ ساقيها وقالتْ بصوتِ ناعس طفولي .
ـ صباح الخير .
ابتسمت ميدوري فوضعت الصينية على طاولة قصيرة بمنتصف الغرفة ثمّ جلست على الأرض بقربها فتحت علبة الحليب بابتسامة وقالت لهما وهي تسكبه في الكؤوس الصغيرة .
ـ اذهبا لتمسحا وجهيكما ثمّ اجلسا لتناولُ فطوركما .
أومأ برأسيهما فبدأ لير بطيّ ما نامَ عليه وساعدته لين التي حملت الوسائد ووضعتها في مكانِ ما بجانبِ سرير ميدوري وانطلقا نحو الحمام ليغسلا وجهيهما .

بينما وضعت الفتاة يدها على ذقنها وأخذت تفكر وهي تنظرُ للوسائد التي وضعوها .
ـ يجب عليّ أن أذهب للسوق اليوم , من الجيد أنّه كان معي غطاء للنوم .
عادَ الطفلان بابتسامةِ سعيدة وسارعا بالجلوسِ بالقربِ من ميدوري حولَ الطاولة , ابتسمت ميدوري وبدأت تقربُ لكلِ واحد منهم شريحة خبز وكوبِ من الحليبِ الطازج .
ــــــــ
وفي قصر ميلان ...
كان يقفَ أمام بابِ غرفته ذو النقوشِ الهندسية الاحترافية .. تنهد بعمق فقد أخبره شيمون بما يجبُ عليه وها قد حانَ دوره ليعملَ بما قالَ له ..
لكنه لا زالَ يطرقَ البابَ طرقه مرةً ثمّ ثالثة ورابعة فلم يسمع الجرس الذي يتيحُ له الدخول ..
لم يجد مشكلة في نفسه بأن يدخل فأدارَ مقبضَ الباب وفتحَه .
أول ما رأته عيناه هو تلكَ الغرفة الواسعة الكبيرة والتي يوجد في منتصفها سجادة بلونِ أحمر داكن مزخرفة بخيوطِ ذهبية اللون .. بينما جدارها ملونُ بألوانِ زاهية وعلى الجانب سريرِ واسع ينامُ عليه شاب بأريحية ,
نظرَ رولند لسيده بعينيه الجميلتين فظهرَ له وجه الشاب النائم التي تناثرت على جبينه خصلات شعره التي تحملُ لونَ الكراميل اللذيذ يتنفسُ بهدوء ويبدوا أنّه غارقُ بالنوم ولا يشعرُ بشي ء...
تركه ثمّ اتجه للنافذة الزجاجية التي تغطيها ستارة بلونِ بنيّ قاتم أزاحها بيده فبدأت أشعة الشمسُ القوية تنتشرُ في الغرفة بسرعة كبيرة حتى وصلت إلى عيني الشاب النائم .
بدأ رولند يعدّ كلِ شيء دخلَ الحمامِ الخاص بسيده والذي هو متصلٌ بغرفته وكأنما هيّ شقةٌ منفصلة لكبرها, قامَ بإعدادِ حوض الاستحمام ليكون جاهزاً ثمّ ذهبَ سريعاً ليخرجَ لسيده ملابسَ مناسبةً له .
قطبَ ميلان حاجبيه وهو يشعرُ بأصواتِ مزعجة تتسللُ إلى أذنيه وأخرها هو ذلك الضوء الذي يؤذي عينيه وضعَ يده عليها وبدأ بفتحها تدريجياً ثمّ ما لبثَ أن استقامَ جالساً بسرعةِ كبيرة ليعلمِ سببَ هذا الإزعاج ,
فركَ عينيه بيده اليسرى ونظرَ حوله فوجدَ ظهرَ شاب يقومُ بعملِ شيء وكأنما يرتبُ غرفته .. لم يعجبه الوضع فقالَ بصوته الناعس الذي يخالطه الغضب .
ـ كيفَ تجرأت على الدخول وأنا لم آذن لكَ !؟ .
التفت رولند سريعاً عندما سمعَ صوته ورآه يجلسُ على السرير تركَ ما بيده وتقدمَ نحوه احنى رأسه ثمّ بدأ بتحيةِ الصباح بصوتِ هادئ.
ـ صباح الخير .
وسريعاً جثى على إحدى ركبتيه وبدأ يفتحُ أزارير سترته الخاصة بنومه والتي هي مكونه من سترة فضافة بيضاء اللون وبنطال قطني أزرق وذلك ليستعدَ لأخذِ حمامه الصباحي لم يعجبُ ميلان تصرفَ الشاب الذي أمامه فأمسكه من مقدمة ملابسه وجذبه نحوه وقالَ بنبرةِ غاضبة وهو ينظرُ إليه .
ـ اسمع ... أنت !!! لا تظنّ أنّي قمتَ بجعلكَ خادمِ لي لكِ تفعلَ ما تشاء وقت ما تريد .
لم يهتم رولند لكلامه بل انتهى من فتح آخر زرار وبعدها وضعَ يده على يديه التي يمسكُ بها وقالَ له بنبرةِ جامدة .
ـ انتهيت ... استحم ثمّ قم بالخروجِ إلى حديقة القصر لتناولِ إفطارك فالوقتِ قد تأخر .
نظرَ ميلان إلى ساعته سريعاُ عندما سمعَ آخر جملة فقد كانت بمثابةِ الماء الذي صب عليه فقد كانَ يريدُ أن ينفجرَ غضباً على تصرفِ رولند ولكنّه فضل تأجيل ذلك بما أنّ الوقت تأخر ..
وضعَ قدميه الحافيتين على الأرض وأسرعَ بخلعِ سترةِ نومه رمى بها على الأرض ثمّ انطلقَ مسرعاً نحو الحمام فأمامه عملٌ مهم لا يجبُ عليه التأخر .
تنهدَ رولند بعمقِ كبير وهو يراه بتلكَ الحالة .. اقتربِ من سترته وحملها بيده ثمَ وضعها في مكانها المناسب ورجعَ إلى سريره وبدأَ يرتبه ويكمل ما توقفَ العمل فيه .
ـــــــــــ
وبعدِ مرور وقت قصير .
انتهى ميلان من تجهيز نفسه فخرجَ وهو يقومُ بتعديل ربطة عنقه الفضية التي تتناسب مع ملابسه الرسمية السوداء نظرَ لنفسه من خلال المرآه وقامَ بتمشيطِ شعره ليصبحَ شكله مرتباً نظرَ للغرفة من حوله فعبسَ بشفتيه عندما رأى أنّ ذلك الخادم الجديد قد خرجَ من الغرفة بعدَ أن أنهى تنظيف غرفته فلا بدّ أن يقومَ بتعلميه فنون التعامل مع السادة والأغنياء .
خرجَ إلى حديقة القصر ليتناولَ إفطاره بينَ رائحة قطرات الندى وشذى الورود الملونة المزروعة في أماكن مختلفة من نواحي الحديقة ,
جلسَ على إحدى الكراسي التي يحيطُ بها طاولة دائرية الشكل مثبتة في منتصفها مظلةُ صيفية جميلة , بدأ يتناولُ إفطاره وشيمون يقفُ بجانبه يصبُ له النسكافية بالحليب .
وضعَ الإبريق على الطاولة وبدأ شيمون يذكره بجدول أعماله .
ـ سوفَ تذهب الآن إلى الشركة لترى كيفَ يبليّ فيها عمك وتتعلم منه وبعدَ عودتك ستبدأ بالتحضير لدروسك وواجبتك المفروضة في الجامعة و....
ـ اصمت .
هذا ما قاله ميلان بانزعاج وهو يقضمُ شريحة خبز مطلية بمربى البرتقال اللذيذ ، احتسى شرابه ليبتلعَ تلكَ اللقمة ثمّ وضعَ يده على الطاولة وقالَ لـ شيمون بغضب .
ـ لا داعي لتكرار ما تقوله دائماً , لقد سئمتُ من ذلك .
وقفَ على قدميه بعدَ جملته وأزاح الطاولة بيديه أدخلَ يده في جيبِ سترته وأخرجَ نظارةً شمسية فاخرة قامَ بوضعها على شعره وانطلقَ إلى بوابة القصر الخارجية ليركب سيارته الفارهة ولكن ما إن وصل إليها حتى رأى رولند أمامه يمشيّ حاملاً معه صندوق وهو في طريقة للدخولِ للقصر عبر البوابة ،
اغتاظ لرؤية ملامح وجهه الهادئة وحوّل سيره ليكونَ طريقه محاذياً له فهو لن يغفرَ له طريقته التي دخلَ بها غرفته
وما إن تقابلاً حتى وقفَ ميلان ورمقه بنظراتِ حادة بينما كانَ رولند غارقاً في أفكاره تزين ملامح وجهه الوسيم الهدوء وكأنّ عينيه تلك لا يرى بها ما حوله حتى أنّه لم يشعر بذلك الشخص الذي مرّ بجانبه فقد كانَ يُفكر بالطفلين الصغيرين وكيفَ بدأ يومهما الأول مع ميدوري .
اغتاظَ ميلان وظنّه قد تجاهله فرجع للوراء بحركةِ سريعة بقدمه وأمسكَ بملابسه من ناحية رقبته ثمّ سحبه نحوه بقوة , تفاجأ رولند واستيقظ من تفكيره التفت نحو الخلف ليرى من ذلك الشخص فلم يعطه ميلان الفرصة بل قامَ بوضعَ يده على فمِ الآخر عندما رآه يريدُ أن يلتفت ,
دفعه بسرعة للخلف ليصطدم جسد رولند الضعيف في لحظاتِ قليلة بالبوابة الكبيرة ويسقطُ منه الصندوق الذي كان يحمله ويتناثر ما فيه .
اتسعت عيناه بشدّة وهو يرى ميلان بملامحه الغاضبة يقابله وجهاً لوجه , تسارعت دقاتُ قلبه وارتجفَ جسده فقد هلعَ تماماً لحركته المفاجئة .
ضغطَ بأصابعه التي يطبقُ بها على فمه وقالَ له بنبرةِ يتضحُ فيها الغضب الشديد .
ـ أيها الخادم الحقير !!! كيفَ تتجاهلني بهذه الطريقة !!! .
كان في كلّ مرةِ يزيدُ من قوة أطرافَ أصابعه التي تطبقُ على فمِّ رولند بقسوة حتى شعرَ بأنّ فكه سيخلعُ بسببه أغمضَ إحدى عينيه من الألم الذي يشعرُ به .. بينما اقتربَ ميلان منه حتى لامست خصلاته وجه رولند وهمسَ في أذنيه برعب .
ـ اسمع يا هذا إياك وأن تتصرفَ من تلقاء نفسك !!! وإلا في المرة القادمة لن ترى منّي ما يسرك .
أبعدَ يده وغادرَ بمزاجِ غاضب ليستقل سيارته ويذهب بنفسه .

سقطَ رولند على الأرضَ ما إن اختفى سيده من أمامه , أخذَ يستعيدُ أنفاسه فقد أصابه الفزع الشديد وضعَ كم ملابسه على فمه حتى هدأت نبضات قلبه قليلا .
نهضَ بتثاقل بينما بدت أثار أصابع ميلان قد طبعت على وجهه , بدأَ بجمعِ الأدوات المتناثرة ووضعها في الصندوق وأكمل سيره ببطء وقد طغت على ملامح وجهه الجمود حجبَ بخصلات شعره عيناه وأخذَ يتذكرُ موقفاً مشابهاً وما إن بدأت تتسللُ إلى ذاكرته تلكَ الذكرى الفظيعة حتى شعرَ فجأة بالغثيان أسقطَ الصندوق الذي يحمله وسارع بوضعَ يده على فمه اتسعت عيناه بشدّة وانطلقَ راكضاً على الرغم من أنّه لم يتناول سوى قطعة خبز صغيرة محمصة بالجبن كان قد اختارها بنفسه من بينِ جميعَ أصناف مائدة الطعام للخدم .

ما إن فرغَ ما في بطنه حتى احنى ظهره , أخذَ يلتقطُ أنفاسه المتسارعة وفي كل مرة يجمعَ الماء في كفه ويبدأ يغسلٌ وجهه مرارً وتكرارً حتى ابتلت خصلات شعره .. شعرَ بالغثيان مرةً أخرى فوضعَ يده على فمه مرةً أخرى فكل ذلك حدث بسببِ تذكره فقط للماضي همسَ لنفسه بضيق وهو يحاول أن يتخلص من ذلك الشعور المزعج .
ـ تباَ .. لماذا اليوم أشعرُ بالمرض !! .

ـــــــــــــ

وفي السوق ..
أخذت ميدوري تتجولُ برفقة الطفلين وقد ارتسمت ابتسامة جميلة على شفتيها الوردية فلقد جاءت إلى هنا لشراء ما تحتاجه بالإضافة لتختار للطفلين ملابسَ مناسبة للدخول إلى رياض الأطفال بينما هما يمسكان بأيدهما وقد التمعت أعينهما وكأنهما لأول مرة يشاهدان ذلك المنظر حيثُ الأناس الكثيرين والبضائع في المحلات من كل نوع والأجواء الصاخبة التي لا تهدأ .
ـــــــــــــــ
أوقفَ ميلان سيارته الفارهة أمام مبنى كبير مغطى بالزجاجِ الأزرق الذي أخذَ يعكسُ جميع المباني من حوله وكأنما هو مرآه مربعة الشكل .. نزعَ نظارته ثمّ خطى بخطواته نحوَ البوابة التي فتحت ألياً ما إن تقدمَ باتجاهها .
ما إن أغلقت تلكَ البوابة حتى التفتَ جميع العاملين ليروا ذلك الشاب الوسيم بهيته يدخل الشركة فوقفوا جميعهم وبدأ بألقاء التحية برسمية لرئيسِ الشركة المستقبلي ... بينما ميلان كانَ كلّ ما مرّ من أمامهم يرفعُ يده في دلالةِ منه لكِ يتابعوا عملهم فقد علمه عمّه ذلك ليكونَ جديراً لأن يكونَ الرئيسَ القادم ,
اتجه نحو المصعد الذي خصص للشخصيات المهمة دخله وضغط على الطابق الثالث حيثُ مكتبَ عمه الرسمي وهو يفكرُ بصباحه الذيّ تعكر مزاجه بسببِ ذلك الخادم .
خرجَ من المصعد وأخذَ يسير كان الطابقُ فخماً جداً تنيره إضاءات صفراء وتملأ جنابته مزهريات كبيرة مملوءة بالوردِ الطبيعي الأحمر بينما جدار قد زيّن بلوحات تعبيرية ذات ألوان هادئة توقف أمام آخر باب من الطابق وبدأ بطرقِه بخفة , سمعَ ذلك الصوت الذي يأذنُ له فأدارَ مقبضَ الباب ودخل .
ـ ميلان ..! كيفَ حالك اليوم !؟ .
هذا أول ما وصلَ إلى مسامع الشاب حينما دخل , التفت إلى مصدر الصوت فوجدَ رجلاً في العقد الرابع تزين وجهه ابتسامة حنونة بينما قد بدأ يظهر على شعره آثار الكبر , كانَ رزيناً ولا يزالَ محتفظاً بوقاره تركَ ما بيده وقالَ بتعجب نحو الشاب الذي سارع بالجلوس على كرسي أمامَ مكتبِ بقربه .
ـ لقد تأخرتَ اليوم !! ما لذي حدثَ لك ؟! .
رفعَ ميلان خصلات شعره والتفت نحو عمه وقالَ له بنبرةِ بتضحُ فيها الغضب .
ـ إنه أحدَ الخدم أفسدَ عليّ صباحي .
ضحكَ ذلك الرجل وأغمضَ عينيه ثمّ قالَ بذات النبرة الحنونة .
ـ يا بُني ارفق بهم ... ! .
قطب حاجبيه والتفت نحو عمه وقال بإنفعال وهو يحاولُ المحافظة على أعصابه .
ـ عمي !! أنسيت ما لذي فعلوه بي ؟! أتراني قد أنسى تلكَ الأيام التي مررتُ بها بسببِ أحدهم !!!! .
صمتَ قليلاً ثمّ قالَ بحزنِ ظهرَ في عينيه وألم .
ـ جميعهم متشابهون .
اختفت الابتسامة من وجهه عمه ورقّ قلبه وهو يرى بعينيه شكلَ ذلك الشاب الذي يبدوا من ملامح وجهه أنه مرتعب وخائف فيبدوا أنّه لن ينسى ما حصلَ له عندما كانَ صغيراً .
تنهدَ في نفسه دونَ أن يلاحظه ميلان قامَ بحملِ قلمه من جديد ثمّ رسم ابتسامة أخرى ليغير الموضوع .
ـ شكراً لك ميلان فقد فرحَ ابني ألفريدو عندما سلمتُ له ذلك القصر وقد أعجبه كثيراً .
تبدلت ملامح ميلان وجذبه ما قاله له عمه بينما تابع الآخر كلامه .
ـ أنا مدينٌ لك , فقد أعطيتنا أحقيّة شراءه فوقَ الجميع .
شعرَ ميلان ببعض الإحراج فهربَ من نظراتِ عمه وأمسكَ بأحد الملفات ليراجعها فهذا جزء من واجبه الذي يتعلمه لكِ يصبحَ رئيسَ هذه الشركة , ضحكَ هايدن على منظرِه وهمسَ لنفسه .
ـ لقد بدأت تتعلمُ حقاً ابن شقيقي العزيز .
ففي الحقيقة تلكَ الشركة التي يترأسها هايدن عمُ ميلان هي شركةُ ذلك الشاب وهي وتحمل اسم ماليان ولكن بما أنّه لم يبلغ السنَ القانونية لتنصيبه رئيساً كما تنصً قانونين عائلته حيثُ السن المناسبة لتوليّ القيادة يبدأ من حين تخرجه من الجامعة فقد قررَ السيد هايدن عمّ ميلان أن يقومُ بإدارتها له حتى يتمكن من ان يصبحَ رئيساً فشقيقه والدُ ميلان قد مات منذُ أن كانَ ذلك الشاب صغيراً .
وأقربُ الناس إلى قلبِِ ذلك الشخص هو شقيقه الذي دائماً ما كانَ يساعده في كلّ شيء لذا هو يريدُ أن يردّ الدين له عن طريقِ مساعدة ابنه .
بدأ بالعملِ المتواصل ففي كلِ مرةِ يقومُ ميلان بالاطلاع على ما بيدِ عمه من الملفات وتارةً يذهبُ إلى العاملين في الشركة ويسألهم عن اوضاعها وإذا انتصفَ الوقت يشاركهم شربُ القهوة ويتبادل أراءهم وهكذا كانت حياته في شركته والتي يقومُ بالذهابَ إليها كل ما سنحت له الفرصة فلم يتبقى له سوى القليل ليتخرج .
ــــــــــــــــــــــــــــ
غربت شمسُ ذلك اليوم وحل المساء ...
أسقطت ميدوري نفسها على السرير بتعب فقد اليومُ مرهقاً ... رفعت البطاقة التي أعطاها رولند لها .. وحدّقت بها ثمّ همست .
ـ إنها تحتوي على مبلغ لا بأس فيه ... ربما تكفينا لشهرِ كامل .
أمالت برأسها لترى لين تفركُ عينيها الخضراء بنعاس , ضحكت في نفسها وقالت .
ـ ربما هي تعبة الآن .

رفعت جسدها بحركة سريعة وأخذت تمددَ ساقيها ثمّ قفزت من الكرسي لتقول لهما .
ـ يجبُ أن نستعدّ للنوم ... فبعدَ يومين ستتمكنانِ من دخولِ رياضِ الأطفال .. وأنا سأحاولُ أخذَ أوراقي للدخول للجامعة مع بداية الفصل الجديد .
التفت لير الذي كان يفرشُ بساطه الصغير الجديد ذو اللون الأزرق المرسوم فيه نجومُ صفراء منسقة وأومأ برأسه بحماسة بينما أسرعت لين لتركض هيّ الأخرى نحو فراشها الجديد ذو اللون الأرجواني المطبوع عليه زهور وردية اللون وتضعه بجانبِ توأمها .
ارتسمت السعادة وجه ميدوري فقد كانا حقاً غير مزعجين كما قالَ رولند , وقفت على قدميها وبدأت تستعد للنوم كما يفعلُ لير ولين .. رغم أن الوقت لا زال مبكراً إلا أنها تريدُ أن تريح جسدها ... حملت منشفة الاستحمام وأخذت ملابسَ نومها وقبلَ أن تخرجَ من الغرفة همست لنفسها .
ـ رولند ترى كيف كانَ أول يومِ لك ؟! .
ــــــــ
وفي قصرِ ماليان ..
توقفت تلكَ السيارة السوداء أمام بوابة القصر لتعلنَ عن قدومِ سيدِه , خرجَ من مقعد السائق وتقدم للدخول , وأول ما رأته عيناه هوَ شيمون الذي كانَ يقفُ منتظراً إياه تجاوزه وقالَ له .
ـ لقد دعاني عميّ لتناولِ العشاء لذا تأخرت إلى هذا الوقت .
علمَ كبير الخدم سببَ تأخر سيده فاطمأن قلبه وصارَ يمشيّ خلفه توقفَ ذلك الشاب فجأة وهو ينظرُ بحدقةِ عينه إلى ذلك الشخص اتسعت عينُ شيمون وهو ينظرُ لنفسِ الشيء الذي كانَ ينظرُ له ميلان فارتبكَ كثيراً .
ظهرت على محيا ميلان الغضب وهو يرى رولند نائماً على وضعية الجلوس فوقَ إحدى الدرجات .
سارعَ شيمون بالوقفَ أمامَ سيده وقالَ له باعتذار كبير .
ـ أرجوك سامحه على ذلك ...! فهو لم ينم منذُ يومين وربما أكثر .
حدجه ميلان بنظراتِ ساخطة وقالَ له وهو يحتفظُ بهدوء .
ـ حتى وإن يكن فكيفَ بأحدِ خدمي أن يكونُ بهذا الشكل المثير للشفقة وفي أول يوم له !! .
تحدث شيمون بهدوء وهو ينظرُ لوجه ذلك الشاب النائم بتعب والذي بدا ساكناً ولم يعلم بما يجريّ نحوه .
ـ لقد قلتُ له بأن يذهب ليستريح لكنّه رفض ذلك وقالَ أنّه يجبُ عليه أن ينتظر بما أنّه أصبحَ خادمك الخاص .
قطبَ ميلان حاجبيه عندما سمعَ آخر كملة التفت بكاملِ جسده نحو شيمون وقالَ له بسخرية ممزوجة ببعضِ الغضب .
ـ إذاً لقد قررت هذا مع أنّي رفضتُ ذلك .
انتبه شيمون لجملته فوضعَ يده على فمه بعدَ أن تداركَ ما قاله .
تبدلت ملامح ميلان للهدوء فجأة مما أثارَ استغراب شيمون فقد ظنّ بأنّه سيغضبُ ويثورُ من ذلك ولكن بدلاً من ذلك اتجه نحو ذلك النائم .. جلسَ على ركبتيه بالقربَ منه وأخذً ينظرُ لوجه النائم بسكينة فقد كان يستندَ بأحد شقه نحو الجدار الذي يحيطُ بدرجات القصر الصغيرة وكأنما كانَ ينتظرُ أحدهم
وضعَ يده على شعرِ رولند الأسود وهمسَ لنفسه مع ابتسامة خبيثة ظهرت على شفتيه وهو يتأمل عينيه المغمضتين.
ـ لما لا ! ربما سيكونُ ذلك ممتعاً , سأجعله يندم لأنّه قبل ذلك ! .

انتهى الفصل الرابع ..

~
ـ هل سيكونُ ميلان جاداً في أنّه سيجعل رولند يندم لانه قبل ببساطة أن يكونَ خادمه الخاص ؟!
ـ في نظركم كيفَ كان اليوم الأول بالنسبة لرولند.
ـ وكيف ستمضيّ الأيام القادمة بينَ ميلان ورلند ؟!.

مساحة قلم
03-02-19, 02:20 PM
لحقت اقرا الفصل الاول
جميل
استمري

أعيشك
03-02-19, 02:57 PM
لحقت اقرا الفصل الاول
جميل
استمري


يشرفني تواجدك هنا..
نورت.

أعيشك
03-02-19, 05:44 PM
ارتشف من كوب القهوة التي أمامه وأخذَ ينظرُ إليهم وهم يتبادون الأحاديث ويتناولون إفطارهم كانَ هو الأصغرُ من بينهم فها هو شيمون كبيرهم يجلسُ أمام طاولةِ الإفطار وحوله مجموعة من الخدم الذين يمكنُ عدهم بالأيدي أغلبهم يتكلمون بثرثرة عن حياتهم اليومية العادية والبعض يتكلمُ بسخط عن سيدهم وآخر يتحدثُ مع زميله ويخبره بأنّه يُفكر في الاستقالة .
انهى قهوته الصباحية فوضعها على الطاولة معلناً بذلك انتهاء إفطاره بالرغم من أنّه آخر شخصِ جلس إلا أنّه أول من قامَ منهم .. حمل سترته الرسمية وأخذَ يلبسها فوقَ سترته البيضاء الخفيفة .
لاحظه شيمون فأسرعَ نحوه وبادرَ بسؤاله.
ـ هل نمتَ جيداً ؟! .
التفت رولند عندما سمعَ صوتَ كبير الخدم , شعرَ بالخجل عندما تذكرَ ليلة الأمس وكيفَ أنّه نامَ ولم يشعر إلا وهو يحمله إلى غرفته فقالَ له وقد توردت وجنتيه بخفه .
ـ أجل . أعتذر إن كنتُ أزعجتك في الأمس ... وشكراً لك .
ـ لا بأس ... استعد فقد بدأ العمل الحقيقي اليوم .
هذا ما قاله شيمون بجديّة كبيرة .. فهو لا يعلم ما لذي سيجري له خاصة بعد أن قبل ميلان بأن يكونَ خادمه الخاص .
أومأ رولند بهدوء مبيناً له أنّه قد فهم ما قاله بالرغم من جهله سببَ نظراته تلك .. انتهى من لبسِ بذلته وأسرعَ بالخروج ذاهباً إلى غرفة سيده .
وقفَ أمامَ باب غرفة نوم ميلان فتذكرَ ما حصل بالأمس وضعَ كمه على فمه وأخذَ يستحضرُ ذلك الموقف الذي سبب له الشعور بالمرض وبينما هو على تلكَ الحالة تحركَ مقبضَ الباب الذي أمامه من الداخل وفُتح .
تقابلت نظراتهما وأخذَ كلٌ من الثاني يحدقُ بالآخر ... كان ميلان قد استيقظَ من نومه منذُ برهة فها هوَ قد لبسَ أفضلَ ما عنده وتهيأ من تلقاء نفسه ...
أبعدَ رولند ذراعه عن فمه وأخذَ ينظرُ لميلان ببرود تام بينما الآخر ينظرُ إليه بابتسامة ساخرة تقدمَ نحوه ووضعَ يده على شعرِ خادمه فقد كانَ أطول مقارنة بـ رولند الذي كان أقصر منه بقليل .
ـ لقد استيقظتُ باكراً .. هذا يعني أنه يجب أن تحضرَ لغرفتي قبلَ استيقاظيّ .
لم يعلق رولند على كلامه بل أخذَ ينظرُ إليه فهو يعلم أنه يريدُ فعلَ ذلك ليزعجه فقط , أبعدَ يده الثقيلة من على رأسه وقالَ له مع نظرةِ تحديّ جعلها في عينيه .
ـ إذاً سيكونُ صباحي جيداً بما أنّي لم أضع قدمي في غرفتك .
اغتاظَ من جملته وشعرَ بنيرانِ الغضب تتسربُ إلى شرايين دمه ببطء بالرغم من أنّه هو من كان يريدُ اغاضته إلا أنّه حصل العكس ,
أمسكَ بيدِ خادمه عنوةً وجره نحو غرفته ثمّ رماه فيها وأغلقَ الباب خلفه كادَ رولند أن يسقط من قوة دفعِ سيده إلا أنّه استطاع موازنة نفسه في اللحظة الأخيرة .
أخذَ ميلان يقومُ بدفعِ كتلة من الهواء إلى داخله ليطفأ نارَ غضبه وبعدَ أن هدأ قالَ بخبث لمن أمامه والذي بدى هادئاً أكثر مما كانَ عليه بالأمس .
ـ ها أنتَ في غرفتي الآن قم بتنظيفها ولا تنسى أن تنظفَ أثار قدميك أيضاً .
قالَ جملته الأخيرة بسخرية شديدة وأحذَ ينظرُ إليه ليعرفَ ردة فعله , التفت رولند وأخذَ يبعثرُ نظراته في جميعِ أنحاء غرفته فوجدتها مرتبة كما كانت آخر مرة قامَ بتنظيفها فقط كانَ السرير هو ما كانَ
مُعطفاً* ..
لم تؤثر عليه جملة ميلان والطريقة التي أمرها به فتقدمَ نحوِ السرير وقامَ بتمديده وفي ثواني قليلة انتهى واستدارً مغادراً...
كلُّ ذلك كانَ أمام ناظريّ ميلان الذي أخذَ ينظرُ له بغضب شديد فهو لم تعجبه تعابير وجهه التي تدل على بساطة ما فعله ابتسمَ من زاوية فمه وتقدمَ ليبعثر كل شيء تصله يديه حتى قلبَ الغرفة رأساً على عقب لم يترك شيئاً واقفاً إلا أسقطه ولا شيئاً مرتباً إلا عبث به ورماه .
وبعدَ ان انتهى من بعثرةِ كلِ شيء التفت نحو رولند الذي بقيّ واقفاً في منتصفِ الغرفة ساكناً .. تقدمَ باتجاهه بابتسامة نصر وقفَ أمامه وأمسكَ بخصلات شعره وسحبها للأعلى حتى ارتفعَ وجهه رولند ثمّ قالَ له بكلِ حقد .
ـ اعلم أنّي اكره جميعَ الخدم خاصةً أمثالك ...
ابتسمَ رولند رغمَ الألم البسيط الذي يشعرُ به ونظرَ إلى عيني سيده وقالَ له بثقةِ كبيرة .
ـ أشاركك نفسَ الشعور في كرهي للأغنياء .
وبتلكَ الجملتين انتهى الصراعَ بينهم أفلته ميلان ورمقه باحتقار وقبلَ أن يخرج من الغرفة التفت نحوه وقالَ له بخبث .
ـ أسرع بترتيبها ثمّ اخرج إلى الحديقة ... فأنتَ تحت تصرفي الشخصي منذُ هذه اللحظة .
صفقَ الباب خلفه بقوة وتركَ ذلك الشاب وسطَ الفوضى عادت ملامح الهدوء لوجهه وهدأت نفسه قليلاً أغمضَ عينيه وبدأ يدخلُ الهواء لرئتيه ليشعرَ ببعضِ الراحة .. ثواني هيّ حتى بدأ برفعِ الفوضى وإعادة ترتيبها بهدوء شديد .
ـــــــ
وضعَ قدميه على الطاولة وأخذَ ينظرٌ بملل فقد انهى إفطاره قبلَ قليل ويريدُ أن يشعرَ ببعضِ المرح قبل أن تأتي الجامعة وتتراكم عليه انشغالات الشركة .. رأى شيمون يتقدمُ نحوه فأغمضَ عينيه في تكبر ليستمعَ لما سيقوله له .
ـ سيدي ما ذا ستفعلُ اليوم ؟! .
كتف ميلان بذراعيه وأخذَ يُفكر بالأمر فهو لم يخطط بعد كما هو المعتاد .. حركَ قدميه في دلالة منه على تفكيره وقال .
ـ الدراسة في الجامعة لم تبدأ بعد واليوم إجازة للشركة .. وأنا لم أخطط بالأمس لشيء .
تنهدَ شيمون بداخله فهذا الشابُ الذي أمامه محير .. فعندما يخطط له يومه يرفضُ ذلك وعندما لا يخطط يبقى متحيراً.
طرأت في داخله فكرة فقالَ لسيده الشاب آملاً في أن يستجيبَ .
ـ ما رأيك لو تذهبُ لتزور ألفريدو في قصره الجديد ؟! .
فتحَ ميلان عينيه ولوى شفتيه قائلاً وهو يتذكر ذلك الشاب الذي ذكره كبير خدمه.
ـ لا أريد فهو مزعج ولا أريدُ أن يتعكر مزاجي بسببه .
وضعَ شيمون يده على ذقنه ليأتي بفكرة جديدة مفيدة ... بينما ميلان اخذَ يميلُ بالكرسي بواسطه قدمه وكأنما يفكرُ بأمر ما وما هي إلا ثواني حتى.. لمحَ من بعيد خادمه الخاص يتقدمُ باتجاه فتذكرَ أنّه أمره بذلك رفعَ قدميه بسرعة ووضعها على الأرض واعتدل في جلسته ابتسمَ بخبث وهو لا زالَ ينظرُ لـ رولند وأخذَ يُفكر بشيء ما يجعله يستمتع وما لبثَ أن طرأت في باله .
ـ لقد وجدتها .
استغرب شيمون من قراره السريع وخشيّ أن يكونَ كما المعتاد من لعبِ في الخارج وذهابِ للأسواق .. فأرادَ أن يعارضه ولكن قبلَ أن يفعل لاحظ في عيني ميلان الحماسة وهو يحدقُ في شيء ما .
التفت لينظر إلى الجهة التي ينظرُ إليها فيها ففوجئ بـ رولند يتوقفَ أمامه .. أرادً الحديث معه ولكنّه بادرً قائلا لـ ميلان بنبرةِ جامدة لم يعهدها شيمون أبداً .
ـ لقد فعلت ما طلبته منّي .. وها أنا أقف أمامك .
استغربَ شيمون من ذلك وتمنى أن يعرفَ سببَ تغيره ولكنْ ميلان الذي وضعَ كلتا ذراعيه على الطاولة ليتكأ عليها جعله يصمت .
ـ هل لديكَ رخصة قيادة ؟! .
استغربَ رولند من سؤال ميلان المفاجئ فأجابه برسمية.
ـ أجل .
وقفَ من على الطاولة بابتسامة خبيثة وقالَ له .
ـ إذاً خذني في جولة حولَ المدينة .
تلمسَّ شيمون شيئاً في نبرة ميلان فهذا غريب فـ هو رغمَ غناه إلا أنّه يُفضلُ قيادة السيارة بنفسه ولا يكلفُ أحداً بقيادتها .
رمى مفاتيح سيارته لـ رولند الذي التقطها بمهارة وقالَ له بدهاء ظهر في حروفه .
ـ اسبقني الآن .
تقدمَ رولند طوعاً ملبياً أمره ولم يعترض فتلكَ النظرة التي يحملها ميلان وابتسامته تنبئُ أنّه يريدُ الانتقام منه بأيّ طريقة .
نظرَ ميلان لـ شيمون بنصر وقالَ له .
ـ اجلب لي معطفي .. فسيكونُ اليومُ حافلاً .
سارعَ شيمون في إحضارَ ما يريده وقد ارتسمت الفرحة بداخله ما إن شعرَ بحماسة ميلان فربما تكونُ هذه بداية جيده لكلِ منهما وخاصة لسيده الشاب فهو لم يركبُ مع أحد الخدم منذُ أن وقعت تلكَ الحادثة .
ـــــــ
لبسَ معطفه الفخم ذو اللون البني .. وقامَ بالجلوسِ في المقاعد الخلفية بينما كانَ رولند يقف أمامَ مقعد السائق وقد غيرَ ملابسه بعدما أمره ميلان فكانت كالتي جاء بها أول مرةِ للقصر بنطالُ اسود وسترة سكرية بسيطة ..
ركبَ هو الآخر وأدارَ المفتاحَ لتنطلقَ السيارة وتبتعد عن القصر .
بدى رولند هادئاً وهو يقودُ بينما ميلان أخذَ ينظرُ إليه بخبث و في رأسه تدورُ الكثير من الأشياء التي يودُ أن يفعلها .
ـــــــ
وفي شقة ميدوري .
كانتَ مشغولة في جمعِ أوراقها للتتهيأ للدخول إلى الجامعة رغمَ تأخرها إلا لم تجد مشكلة في أن تدرس في الفصل الثاني بينما لير ولين يلعبان معاً بصمت ..
فها هي لين تقومُ بالتلوين في كتيبِ للأطفال ولير يساعدها في اختيار الألوان المناسبة انتهيا من التلوين فأخذا ينظران لإنجازهما بفرحة غامرة ... ولكنها ما لبثت أن انطفأت سعادتها عندما وضعت لين رأسها على الوسادة التي كانت تتكأ عليها لتقول للـير بحزن وهي تتذكر رولند الذي كانَ يلعبُ معهما .
ـ لير إنني أفتقد أخي رولند .

شعرَ هو الآخر بالحزن فقد كانً ذلك الشاب هو مصدرَ دفأهما ولكن ما من شيء ليقوله بعدما حصل .
سمعت ميدوري همسهما فنهضت من سريرها واتجهت نحوهما فردت ذراعيها واحتضنتها معاً من الخلف وهمست في أذنيهما بمرح .
ـ لا تقلقا لقد أخبرني أنّه سيأتي لزيارتكما في يوم إجازته .
سعدا لذلك وشعرا بالفرحة الغامرة وكلاهما في شوق لذلك اليوم الذي سيأتي فيه رفعت لين رأسها لتقولَ لـ ميدوري وقد توردت وجنتيها بطفولية .
ـ أختي أخبريني كيفَ تعرفتي على أخي رولند وكيفَ هوَ أول لقاء بينكما !؟ .
شعرَ لير بالحماسة لسؤال أخته فرفعَ رأسه هو الآخر وقالَ لها .
ـ أودُ أن أعرف أنا أيضاً.
شعرت ميدوري بالفرحة الغامرة عندما رأت في عينيهما الحماسة وكيفَ أنهما يريدان أن يعرفا ذلك رفعت إصبعها بابتسامة كبيرة وفتحت فاها لتبدأ بإخبارهما ....
ـ لقد كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في العاشرةِ من عمري ... وقد كان ........
بدأت جملتها بحماسه كبيرة ولكن ما لبثَ أن انخفضَ صوتها واختفت الابتسامة من شفتيها لتتوقفَ لم تعرف ما تقولُ لهما وأخذت تتذكرُ يومَ لقائها به بل يوم لقائهما به...
حاولت التكلم من جديد ولكنها لم تستطع أن تنطق بعدَ فهي لا تعرف كيفَ ستخبرهما فقد شعرت بالحماسة في البداية ولكن لم تكن حماستها لأجل أن تخبرهم بسؤالهما ولكن لأنها قد التقت بالفعلِ برولند وقد كانت محظوظة بذلك .
لا حظت لين معالم وجهها المتغيرة فاختفت الابتسامة من شفتيها وقالَت بقلقِ .
ـ أختي ميدوري ... !! .
أخذت تهزّها بقلق بينما كانَ لير متفاجأ هو الآخر من ردة فعلها , شعرت ميدوري بهزّ لين وكلماتها التي تقولها ولكن .. بدى أنّ تلكَ الفتاة قد عادت للوراء كثيراً وها هي الآن تقفُ أمامَ رولند الصغير في إطارِ رماديّ ملأه الصمت .
عضت على شفتيها وهي تستحضرُ ذلك اليوم وندمت لأنها لم تفكر قبلَ أن تقبلَ بطلبهما طأطأت رأسها بحزن وتجمعت الدموع في عينيها توقفت لين بصدمة وهي ترى غيمة الحزن التي خيمت على ميدوري ... بينما اكتفى لير بالصمت فيبدوا أنّه قد حصلَ شيء جعلها تبدو بهذا الشكل .
رفعت رأسها بسرعة عندما شعرت بكمية القلق التي تحيطً لها مسحت دموعها التي كانت على طرفِ عينيها بإصبعها واستطاعت رسم الابتسامة على شفتيها من جديد نظرت إليهما وقالت وقد احمرت وجنتيها بحبِ لذلك الشاب .

ـ أنا آسفه لم أتمالك نفسي وأنا أتذكرُ ذلك اليوم ....
اطمأن قلبُ الصغيرين عندما قالت تلكَ الجملة فقد ظنّا أنها حزينة لأنه حصل شيء في ذلك اليوم ولكن ما لبثَ أن تبدد ظنهما عندما أخذا ينظرانِ لميدوري التي ما لبثَ أن قالت لهما بنبرةِ حالمة لتبدأ سردِ الحكاية .
ـ كانَ أول لقاء بيننا عندما كنت في رحلة مدرسية إلى حديقة جميلة وقد وجدته ينامُ تحت شجرةِ عملاقة قد تناثرت وريقاتها الصفراء عليه اقتربت منه لأرى وجهه فشعرَ بي وبدأ بفتحِ عينيه .....
وهكذا بدأت ميدوري تسردُ لهم تلكَ الحكاية الكاذبة التي ليسَ لها أصلٌ من الصحة والتي تزينها باللحظات السعيدة المزيفة وتحيكها بمعلومتها من خلالِ مشاهدتها للأفلام وقراءتها للقصص ..
كلُّ ذلك لتبعدَ القلق من وجهيّ التوأمان وهذا ما كانَ بالفعل فها هي لين قد بدت متحمسة ومنصةً لها باهتمام وقد اختفت ملامح الخوف بينما لير توردت وجنتيه وهو يستمعُ للحظة لقائها الجميلة برولند .
ـــــــ

مضى نصفُ الوقت وميلان يتنقلُ بينَ كلِ مكان في الأسواق وبينَ المطاعم ..لم يكن هدفه أن يستمتعَ بوقته بل في الحقيقة يريدُ إغاظة من معه ويبيّنَ له منزلته مقارنةً به .. فقد تعمد الأكل من أشهى الاطعمة في أفخر المطاعم أمام رولند كما أنّه اشترى من المحلات الشهيرة ملابسَ راقية غالية الثمن وفي كلِ مرة يرمقُ فيها ذلك الشاب بنظرات ساخرة على حاله ..
ولكن ما لبث أن ظهرَ على وجهه عدمِ الرضى فهو لم يحقق مراده في اغاظة رولند الذي بدى غيرَ مبالياً بما يفعله .

اشترى بعضَ البوظة وقد كانت آخر محطةِ قررها ... جلسَ على إحدى الكراسي في إحدى الحدائق الجميلة وبدأ يلعقُها بلسانه ببطء ليستشعرَ حلاوتها التي تذوبُ في فمه .
نظرَ بطرفِ عينه لخادمه الذي وقفَ بجانبه ينظرُ للجهة المقابلة التي تطلُ على الشارع ويبدوا غيرَ مهتم لما يفعله كما أنّه لم يتذمر لكثرة الأماكن التي زارها بل ولم ينطق بحرفِ واحد منذُ أن خرجا من القصر شعرَ بالغضب في داخله فأبعد قالب البوظة بالبسكويت وقال بصوتِ عالِ ليسمعه رولند .
ـ مُمل ...
نظرَ رولند له بطرفِ عينيه فقد خشيّ أن يثورَ سيده فيبدوا أنّ محاولاته كلها بائت بالفشل وها هو وصلَ إلى حده .
ابتسمَ ميلان عندما أثارَ انتباه فلوحَ بقالب البوظة باتجاهه وقالَ له بسخرية وهو يرفع إحدى حاجبيه.
ـ أتريدُ بعضاً منه ؟! .
التفت رولند له بكاملِ جسده وقد عرفَ مقصده من سؤاله فلم يرفض كما كانَ يظنُ ميلان بل قالَ له بطرفِ ابتسامة .
ـ للأسف لا أحبُ النوع الذي اخترته .
سخطَ ميلان لإجابته وأخذَ يحدقُ بالذي اشتراه فقد كان بطعمِ الفانيلا المزين بخطوط من الكراميل المجمّدة نهضَ بعصبية ورماه في سلةِ المهملات التي بجانبه .. تقدمَ باتجاه خادمه وجذبه من ملابسه ليقولَ له وهو يصكُ على أسنانه.
- أتريدُ إغاظتي يا هذا ... !! .
ـ لقد أجبتُ عن سؤالك فقط ! .
هذا ما قاله رولند بثقة وهو ينظرُ لوجهه ميلان الغاضب حل الصمتُ لبعضِ الوقت فلم يجد ميلان أيّ ردِ يجبُ قوله حتى يُغضب من أمامه فقطع أفكاره صوتُ رولند الذي قالَ له .
ـ أيمكننا العودةُ الآن .. فقد مضى الكثير من الوقت وها هي الشمسُ بدأت تدنو .
لاحظ ميلان التغير الذي طرأ على خادمه فقد بدى مرهقاً وقد اختفت ملامح التحدي في عينيه .. ابتسمَ بعناد وقالَ له.
ـ كلا ....
ابتعدَ عنه وسبقه بخطواتِ متسارعة وهو يندبُ حظه فهو لم يرد الخروج اليوم إلا ليثيرَ شيئاً ما في نفسِ خادمه ولكنّه بدى قوياً غير مبالياً وكأنما قد خاضَ تجربة في ذلك .. شدّ قبضة يده وقالَ بعصبية .
ـ لن أرجع أبداً حتى أحقق مراديّ .
ظلّ يمشي في طرقات المدينة يجوبُ شارعاُ وراء شارع .. لم يلتفت خلفه بل كانَ يسيرُ بدونِ هدف حتى غربت الشمس وحلّ الظلام ... شعرَ بالتعبِ في قدميه فالتفت ليرى إن كانَ خادمه يتبعه .. فوجده كظلهِ تماماً كانَ يأمل بأن يكونَ قد تأخر قليلاً في زحمه الناس ليعاتبه ولكنه لم ينجح أبداً .... التفت للوراء وتقدمَ باتجاهه أمسكه من كتفيه بقوة ثمّ أغمضَ عينيه ليصرخَ بصوتِ عالِ في وجهه .
ـ أنت بالفــــــعل مُمل ..مُمل .... مُمـــــــــــــــل !! .
هدأ الناس وصاروا يبتعدونَ عن ذلك الذي بدأ يصرخُ في منتصفِ الطريق ليتهامسوا فيما بينهم بتعجب .
ـ يبدوا أنهما تشاجرا ...
ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا .
هذا ما كان الناس يتكلمٌون به ليسمعَ همسهم ويصلَ إلى ميلان الذيّ لم يعجبه الوضع تماماً تقدمَ عجوزُ باتجاههما وقال لهما بصوته الضعيف الذي يظهر فيه الحكمة .
ـ سوفَ تندمانِ على ذلك أيها الشابان الصغيران وستتمنيان بأنكما لم تتشاجرا .
كانَ ميلان يحترقُ في داخله وكأنما ما يسمعه لا يزيدُه إلا غضباً على غضب ليقولَ بهمسِ لنفسه وهو يصكُ على أسنانه .
ـ تباً .. تباً .. تباً ... هو ليسَ صديقي إنّما هو خادمي !! لماذا وصلتُ إلى هذا المكان المليء بالعجائز !!.
تراجعَ رولند للخلف فتعجبَ ميلان من ذلك وانقطعَ صراعه الداخلي , أخذَ ينظرُ إلى خادمه بإستغراب ..
انحنى له أمامَ الناس في منتصفِ الطريق وقالَ له بنبرةِ هادئة .
ـ أرجوك سامحني أنا المُخطئ .....
اتسعت عيناه أثر ما قاله فقد قلبْ الموازين لصالحه وها هو الآن يعتذرُ له أمام الجميعِ معرضاً نفسه للإهانة أمامه فلم يكن له سوى أن يرسم ابتسامة ساخرة منتصرة فها هو أخيراً قد حقق مراده بطريقة غير مباشرة ,
بينما بقيّ رولند على حالته ينظرُ إلى الأرض بعينيه فقد كانَ يعلمُ تماماً بما كان يجولُ في خاطر سيده ولم يرد أن يخيّب ظنه ورأى أنّه من الأفضل أن يفعل ذلك .
ـــــــ
ركبا السيارة وحلّ الهدوء التام بينهما فلم ينطقَ كلاهما بعدما حدث في ذلك الشارع ... كانَ ميلان يشعرُ بالانتصار فقد حقق مراده الذي جاءَ لأجله وها هو يرى وجه خادمه الذي بدى عليه الإرهاق من خلالِ المرآه العاكسة فنصفُ يومِ قضاه معه في الخارج من المتوقع فيه أن يشعر بكمية من التعب , فجأة ترددت على مسامعه جملةِ أحدهم.
ـ لا تقلقا سوفَ يعودا صديقين كما كانا .
شعرَ بالغرابة وأخذت ترنُ تلكَ الجملة في أذنيه مكونةً صدى ذاتِ رنّة غريبة... اسندَ رأسه على مقعد السيارة الخلفيّ وطغت على ملامحه معالم الهدوء ... تبدلت نظرته الحادة لأخرى حزينة وأخذَ يتذكرُ موقفاً قديماً حصل معه في ذلك الحادث .. عضِ على شفتيه وقالَ بألم .
ـ ترى أينَ أنتَ الآن ! .. هل نجوت أم أنكَ لا تزال في قبضتهم ؟! .
ـــــــ
وفي شقة ميدوري
تأكدت من نومهما فإبتسمت بداخلها وهي ترى الفرحة على وجوههم النائمة فيبدوا أنّ القصة التي حكتها لهم قد صدقوها وهذا ما أرادته...
ارتدت خفها الملون وخرجت إلى الشرفة ... أسندت ذراعيها عليها وتبدلت ملامحها للحزن وما لبث أن هبت نسمه هواء باردة حركت وريقات الشجرة الضخمة التي تطلُ على شقتها لتسقطَ وريقاتها على الشارع الذي تحته وتحركُ شعرها البني القصير أرجعت بعضاً من خصلاتِ شعرها خلفَ أذنيها وبدأت تحركُ شفتيها وقد انسابت دمعة على وجنتيها .
ـ رولند .. تُرى ما هو مقدار العذاب الذي كنتَ تعيشه قبل أن نلتقي بك ! هل ازداد بعدَ مجيئنا أم لا ؟! .
دفنت وجهها بيدها وقد بدأت الدموع تنسابُ من عينيها لتقولَ بعتاب لنفسها .
ـ ما هذا السؤال الغبي . ! بالتأكيد ازداد بعدَ مجيئنا ... دائماً ما كان يحمينا ونحن نقفُ ننظرُ إليه دونَ أن نفعلَ شيئاً .
بدأت تمسحُ الدموع بكمِ قميصِ نومها لتتمالك نفسها فلو رأى ما هيّ عليه لغضبَ منها بالتأكيد .. ابتسمت من جديد فقد تعلمت فعلَ ذلك بسرعة فقد جاهدت نفسها على ذلك لأجل ذلك الشاب لكيلا يغضبَ ويحزنَ من تصرفها .
استنشقت بعمق من نسيم الليل البارد فبدأت الراحة تدخلُ تدريجاً إلى نفسها ابتعدت عن الشرفة وأغلقت بابَ شقتها لتنام وتبدأ يومها القادم بحيوية .
ـــــــ
كانت الغرفة مظلمة لا ينيرها سوى إنارة صفراء خفيفة ولا يسمعُ فيها إلا صوتُ الهواء البارد الذي يكيفها ... قامَ بشربِ كأس الماء الذيّ امتدّ له ثمّ وضعه بعد أن صارً فارغاً احتضن وسادته ثمّ أسقط نفسه على السرير لينام ...
خرجَ رولند من غرفةِ سيده وهو يحملُ كأس الماء الفارغ وأكثر ما أثارَ استغرابه هو هدوء ميلان وكأنما هناكَ ما يشغلُ فكره تنهدَ بعمق فقد كانَ ذلك جيداً فلم يصرخ عليه أو يقومُ بإلقاء كتلِ من السخرية باتجاهه .
نظرَ للقصر من حوله فوجده هادئاً فيبدوا أنّ جميعَ الخدم قد خلدوا للنوم .. وصلَ إلى الدرجِ الذي يوصلِ إلى غرفته في الدور الأرضي بدأ ينزله وهو يضعَ ذراعه على الجدار فعقله مشغول بالتفكير في الغد ...
وصلَ إلى غرفته الضيقة فأسقطَ نفسه على السرير ... فتحَ أزرار سترته ليشعرَ ببعضِ الهواء وما لبثَ أن ظهرت ملامح الألم على وجهه ليتكور على نفسه ويشدّ بيده على الوسادة بقوة وكأنما أرادَ أن يُفرغَ ألمه فيها ..
ثواني هي حتى عادت ملامحه إلى طبيعتها واختفى ذلك الألم ... أغمضَ عينيه ومدد جسده ثمّ قامَ بوضعَ ذراعه على جبينه واستسلم للنوم سريعاً .


انتهى الفصل الخامس ..

أعيشك
03-03-19, 10:24 AM
-

صممت للرواية صورتين من عندي،
مجهود شخصي وحبيت أنزله هنا :نبض: ..

http://www.up-00.net/uploads/155159768056641.jpeg

...

http://www.up-00.net/uploads/155159768059192.jpeg

أعيشك
03-05-19, 12:41 PM
عربةٌ مزينة بألوانِ جميلة وأشكالِ هندسية براقة تسرُ أنظار كل من يراها , تجرها اثنين من الخيولِ البيضاء الأصيلة وحولها تسير مجموعة من السيارات المختلفة في أحجامها والتي قد طبعت عليها شعارٌ موحدّ بألوانِ لامعة ...
كان هناكَ مجموعة من الأشخاص في العربة الرئيسية والتي توجدُ بداخلها كلَ أنواعِ المرح ومختلفِ الأقنعة التي تحبها مختلفُ الأعمار ..
جميعهم تبدوا عليهم الحماسة والسعادة فها هم يأكلون بعضاً من الحلوى الفرنسية المغطاة بالشكولاتة وبعضُ منها مغطى بطبقة من الفانيلا والمكسرات المتنوعة , لباسهم موحد فقد كانَ يطغى عليها اللون الأبيض المزين بخيوطِ ملونة من على أطرافها .
تقدمَ أحدهم نحو شخصِ قد جلسَ في زاوية بعيدةِ عنهم ... ويختلفُ عنهم بعضَ الشيء فهو يلبسَ عباءةً زيتية مقطعة من الأطراف ويغطيّ رأسه بقبعةِ متصلةِ بتلكَ العباءة وبيده يأكلُ بعضاً من الحلوى المثلجة ....
ـ ألا تريدُ البقاء معانا ! بالرغمِ من أننا لا نعرفك جيداً إلا أنك كنتَ مذهلا .
رفعَ ذلك الشاب رأسه عندما سمعَ ذلك السؤال.. ابتلعَ قطعة الكعك المحلاة المجمدة وظهرت على عينيه معالمِ التصميم ليقولَ للشخصِ الذي سأله .
ـ لا أستطيع البقاء .. فهناكَ شخص يجب أن التقيه .
أخذَ ينهي ما بيده بسرعة وما لبثَ أن رفعَ ذراعه وقالَ لمن أمامه بمرح .
ـ أريدُ المزيد .... فهذهِ الحلوى لذيذة وهي أشبه بالمثلجات ..
تقدمَ بعضُ ممن في العربة باتجاهه وقد ارتسمت بداخلهم ابتسامة جميلة أعطى أحدهم لذلك الفتى بعضاً مما طلب والذي أسرعَ بأخذه منه وقد طغت على وجهه معالمُ السعادة .
سقطَ الغطاء الذي على رأسه فظهر شعره الأشقر المائل للونِ غروبِ الشمس وقالَ لهم وهو يأكل الحلوى .
ـ يسرني البقاء معكم ... ولكن هناكَ ما يجبُ عليّ عمله في المدينة التي ستذهبونَ إليها .
ابتسمَ أحدهم وهو ينظرُ لذلك الشاب الذيّ ألحّ عليهم بأن يأخذوه معه فيبدوا أنّه علم أنهم متوجهون لمدينة أخرى وقد تسلل إلى عربتهم وعندما اكتشفوا رفضَ النزول وعرضَ عليهم بعضاً من مواهبه فقبلَ جميعهم بأن يحملوه معهم فقد بدى بارعاً وهو يحركُ الكرات الملونة بيده بخفة وانسيابيه .
جلسَ بقربه وأخذً يدقق النظر إليه .. كانَ شاباً صغيراً بدى في السادسة عشر ويبدوا أنّه فقير فهيئته تدلُ على ذلك ..
مدّ يده نحوَ إحدى أذنيه .. ولمسَ الحلقة الطويلة التي أشبه بخيطِ ملون وقالَ له بابتسامة .
ـ ولماذا ترفضُ الانضمام معانا بالرغمِ من أنّه عرضٌ مغري ! .. سوفَ تحصلُ على الكثير من المعجبين وسوفَ تزورُ أغلبَ المدن لترى جمالها كما أنّك ستحصلُ على مرتبِ جيد يكفي لتعيشَ حياةً كريمة .
توقفَ المعني به بالسؤال عن الاكل ورفعَ يده ليبعدَ من أمسك بحلقةِ أذنه عنها بلطف ثواني هي حتى ابتسمَ ابتسامة حزينة .
ـ أخبرتك .. هناك شخصٌ يجبُ عليَّ أن أبقى معه .
استغربَ الجميعَ من ذلك وأخذو ينظرون لذلك الشاب بغرابة ولكنّه ما لبثَ أن أبعدَ الحزن عن شفتيه ليقولَ لهم بابتسامة مرحة .
ـ بالمناسبة متى سوفَ نصلُ لتلكَ المدينة ! .
ضحكَ الجميعَ على شخصيته فتقدمَ أحدهم نحوه ووضعَ يده على شعره ليقولَ له بمرح ...
ـ ما رأيك لو نعلمك بعضاً من الحركات الجديدة لتضيفها إليك .
شعرَ الشاب بفرحة غامرة وأمأ برأسه موافقاً .
فجأة مُلأ المكان ضياءً بأشعة الشمس الهادئة والتي أخذت تنسابُ من العربة التي هم فيها ... ارتسمت الفرحة بداخلِ الشاب وأسرعَ نحو الشخص الذي قامَ بإزالة الستار عن نافذة العربة ..
أطلَ برأسه منها فحرّك الهواء عباءته وشعيرات رأسه ...
اتسعت عيناه بسعادة عندما بدت تظهرُ له معالم المدينة بمبانيها الشاهقة .... فهمسَ لنفسه وقد بدأ قلبه يخفق .
ـ وأخيراً .... وصلتُ إليها ..
ابتسمَ جميعَ من في العربة فقد بدى لهم أنّ ذلك الشاب يحملُ في قلبه وعداً ثقيلاً كلفَ نفسه به جلسَ الجميعَ في أماكنهم منتظرين موعد النزول ... بينما لم يجلس ذلك الفتى من فرطِ حماسته بل أخذَ ينظرُ من النافذة متلهفاً للوصول .
ـــــــ
بدأ صباحٌ آخر في قصر ماليان وكما هو المعتاد فقد غادرَ ميلان إلى شركته ليساعد عمه حتى رولند لم يكن فيه فبعد أنّ أصبحَ خادمه الخاص فقد قرر ميلان بأن يكونَ هو سائقه ليذهب به إلى أيّ مكان يريده ..
بينما عاد شيمون للعمل وملامح الغرابة باتت بادية على وجهه فلم يحصل أيُّ إزعاج من سيده هذا اليوم فقد كانت تطغى عليه أثار النوم وبدى أنّه لم ينم جيداً شعرَ بالقلق في داخله فيبدوا أنّه كانَ يُفكر في تلك الحادثة ولم يستطع النوم .
وعند بوابة الشركة ...
صفقَ ميلان باب السيارة بعصبية فيبدوا أنّه قد استعاد طبيعته بسرعة .. أسرعَ بخطواتِ غاضبه وقالَ بحرقة .
ـ أودُ أن أبرحك ضرباً .
وصلَ إلى بوابة الشركة فأدخلَ كمية كبيرة من الهواء إلى رئتيه ليبعد شعوره بالغضب كرر تلكَ الخطوة مراتِ عديدة حتى شعرَ بالراحة .. عدلّ من ملابسه وتسريحة شعره ثمّ دخل برزانة .
بينما كانَ رولند واضعا رأسه على مقودِ السيارة وقد بانت على وجهه ملامح الإرهاق الطفيفة ليقولَ بهمس .
ـ إنه أشبه بطفلِ مدلل ... لماذا يضعُ كل غضبه عليّ عندما يكونُ هو المخطئ !.
رفعَ رأسه وحركَ مقود السيارة عائداً إلى القصر فقد حدثت مشاجرة من طرف واحد فقد نسي ميلان أن يلبسَ ربطة عنقه الجديدة
وقد عاتبه على ذلك .. رغمَ أنّ رولند بريءٌ من ذلك فميلان هو من يختارَ لنفسه ملابسه وهو فقط يخرجها له في الصباح .
ـــــــ
في شقة ميدوري ...
لم يعد باستطاعتهم كتم ضحكاتهم فوضعَ كلٌ منهما يده على فمِ الآخر فقد كانت السعادة ظاهراً على وجوهم مع بداية طلوعِ شمسِ اليوم .. لم يعد باستطاعة لين أن تكتم ضحكتها أكثر فأبعدت يد لير عن فمها وانفجرت بالضحك ... ثواني هيَ حتى تبعها لير ليشاركها الضحك ...
فقد كانَ منظرُ ميدوريّ مضحكاً خاصة وأنّها قد تأخرت في تجهيزِ نفسها وصارت مرتبكة وهي تبحثُ عن أشيائها وتركضُ في أنحاء الغرفة فجأة سمعا صوتَ الباب ليضعها أيدهما على فمهم .
دخلت ميدوري وهي تربطُ شعرها القصير لترفعه . وقد بدت أنّها مستعجلة .. انتهت من ربطِ شعرها ونظرت لطفلين لتقولَ لهما بعتاب .
ـ أتنما تضحكانِ عليّ أليسَ كذلك ؟! .
أومأ برأسيهما نفياً بطريقة مضحكة ... لترتسم الابتسامة على وجه ميدوري وهي تراهما بسعادة ونشاط فقالت لهما وهي تأخذُ حقيبتها الصغيرة .
ـ ها قد انتهيت ....
نهضا من الأرض وأمسكا بأيدهما ليذهبا فها هو اليوم الأول الذي سيذهبا فيه إلى رياض الأطفال .. توقفا عندَ ميدوري التي ما لبثت أن وضعت إصبعها على جبينِ كل واحدِ منهما لتقولَ لهما بمرح .
ـ في المرة القادمة سوفَ أستيقظُ باكراً لكيلا تضحكا عليّ .
أوما برأسيهما بمرح وانطلقا خلفها .. كانت لين سعيدة فها هيّ تلبسُ ملابسَ جديدة قد اشترها لها ميدوري لتذهبَ بها إلى رياضِ الأطفال والتي كانت مطابقة تماماً لتوأمها إلا أنّه يختلف في أنّه مكوّن من بنطال وبذلة وهي أشبه بثوبِ قصير يصلُ لمنتصفِ ساقيها ...
رفعت نظرها لتنظرَ لميدوري فقد كانت هي الاخرى متحمسة للذهابِ بأوراقها إلى الجامعة بحيثِ يمكنها الدراسة ... أمسكتْ جيداً بيد أخيها وهي تأمل بأن يكونَ هذا اليومُ جيداً لهم جميعاً .
ـــــــ
وصلَ رولند إلى القصر فوضعَ السيارة في مكانها المناسب .. أخذَ يسير حتى وصل إلى الحديقة .. توقفَ عند إحدى شجيراتها القصيرة فجلسَ تحتها ليرتاحَ قليلاً .. فليسَ لديه ما يفعله بما أنّ سيده ليسَ هنا ..
رفعَ رأسه فرأى شيمون يتقدمَ نحوه أرادَ النهوض لكنّه أشارَ إليه بيده بأنّه لا بأس في ذلك فقد كانَ يحملُ بيده صينية فيها بعضٌ من الكعك بالإضافة إلى كوبين يتصاعدُ منها البخار ... جلسَ شيمون بالقرب منه ووضع الصينية على الأرض ثمّ ما لبثَ أن مددّ ذراعيه للأعلى ليقولَ بابتسامة وهو ينظرُ للمكان من حوله .
ـ لقد أحسنت باختيار هذا المكان ...
ابتسمَ رولند وهو يرى عليه ملامح الراحة فبدأ شيمون بوضعَ الذيّ أعده أمامَ رولند ليقولَ له.
ـ اشربه إنّ طعمه لذيذ فقد قمتُ بإعداده ... إنه حليب ساخن بطعمِ العسل كانت أمي تعده لي عندما كنتُ صغيراً .
سارعَ بأخذه وارتشفَ منه انسابت إلى فمه طعمه فقالَ لـ شيمون في دلالة منه على إعجابه .
ـ إنه لذيذ ... شكراً لك .

ظهرت ملامح الخجل على شيمون فضحك بخفة وقالَ رولند .
ـ يسعدني أنّ أعدّه لك كل يوم .. فجسدك يبدوا ضعيفاً .
ما إن سمعَ رولند جملته الاخيرة حتى تغيرت ملامح وجهه وأخذَ يحدق بالبخار الذي يتصاعد من كأسه .
التفت شيمون نحوه وسأله .
ـ لقد سمعتُ محادثة ميلان معك وأنكَ قد اقترفتَ خطأ جعلك تعملُ عند السيد الراحل ليبريت .
ارتشفَ القليل ثمَ وضعه وقالَ لـ شيمون مع ابتسامة جميلة ظهرت على شفتيه .
ـ أجل .. بينما كنتُ أسير في الشارع أتلفتُ عن طريقِ الخطأ بضاعةً له .
قامَ شيمون بقضمِ بعضِ الكعك وفهمَ ما كانَ يقصده ... حل الصمتُ بينهما لبعضِ الوقت فها هو شيمون ينظرُ للحديقة وهو يأكل بعضَ الكعك بينما رولند يفكر في ذلك اليوم وهو يرتشفِ من كوبه وقد بدأت تلك الذكرى تعودُ إليه .
•••
بدأ يشعرُ بألم يتمزقُ في داخله ولم يعد باستطاعته السير فمنذُ أن استيقظ وذلك الألم يلازمه تحاملَ على نفسه حتى وجدَ منعطفاً ضيقاً أسرعَ بخطواتِ ثقيلة باتجاهه وما إن وصل إليه حتى سقطَ على الأرض ..
أخذت أنفاسه تتصاعد وحرارة جسده ترتفع اتكأ على الجدار ورفعَ نظره للسماء الزرقاء ليقولَ بهمسِ .
ـ تباً .. ألن يتوقفَ هذا الألم .
بدأت له الرؤية مشوشة فوضعَ يده على جبينه وما هي إلا ثواني حتى بدأ يفقدُ وعيه تدريجياً .
دارات عقاربُ الساعة ومرّ الكثير من الوقت .
فتحَ عينيه بصعوبة فرأى أن الظلام قد حلّ شعرَ بالقلق يسيطر عليه فوقفَ على قدميه وأخذَ يسير ليعودَ إلى حيثُ لير ولين ..
قابل شاحنة تقفٌ بالقرب من المنعطف الذي هو فيه ويبدوا أنّ أصحابها يفرغونَ الشحنة التي فيها سارَ ليخرجَ ولكنّ ما إن وصلَ إلى الشارع حتى اختلّ توازنه ليسقطَ على الجهة المقابلة لتلكَ الشاحنة , اصطدم جسده بها فاهتزت الأشياء الخفيفة التي فيها لتسقطَ جميعاً تتبعها واحدةً تلو الاخرى , أغمضَ رولند عينيه وهو يسمعُ صوتَ تكسرِ عنيف .
سارعَ رجلان بفزع ما إن سمعا ذلك الصوت أسرعَ أحدهم نحو باب الشاحنة المفتوح بفزع بينما الآخر أمسكَ الفاعل من ذراعيه وأخذَ يصرخُ في وجهه المتعب .
ـ أنت !!!! ألم ترى أننا كنّا ننزلُ تلكَ الشحنة هل تعمدت فعلَ ذلك .
لم يعد باستطاعته أن يبقي عينيه مفتوحة وهو يشاهد ذلك الرجل الذي يصرخ عليه فقد اشتدّ الألم عليه وآخر ما سمعه قبلَ أن يفقد وعيه .
ـ لنذهب به إلى السيد ليبريت حتى يرى العقاب المناسب له .
•••
عادَ رولند إلى واقعه وهمسَ لنفسه ولا زالت تلكَ الذكرى تعودُ إليه . .
ـ وبذلك سمحَ لي ليبريت بالعمل عنده تعويضاً لما فعلت .
أنهى شيمون الكعك بمشاركة رولند .. فنهضَ وقالَ لـ الشاب الذي أمامه .
ـ هل تساعدني قليلاً ؟! .
أومأ رولند برأسه موافقاً ونهضَ ملبياً طلبَ كبيرِ خدمِ القصر فقد شعرَ بالراحة لقربه وهو في شوقَ ليعلم سبب بقاءه مع سيده الشاب أرادَ سؤاله ولكنه علمَ أنّه ليسَ الوقت المناسب ليقومَ بسؤاله .
ـــــــ
وفي مكان آخر .
نزلَ الجميعُ من تلكَ العربة التي انطفأت أنوارها بسبب طلوعِ النهار طأطأ الشاب الصغير رأسه وقالَ بابتسامةً مرحة .
ـ شكراً لكم لسماحكم لي للبقاء حتى أن أصلُ إلى هنا .
حزنَ أحدهم والذي بدى كقائد للفرقة من مغادرة ذلك الفتى الناشئ الذي صممّ على الرحيل ورفضَ عرضهم فقالَ له بفضول .
ـ أذلك الشخص الذي تودَ مقابلته عزيزٌ عليك إلى هذه الدرجة ؟! .
توقفَ الشاب للحظات عندما سمعَ ذلك السؤال ليقولَ بصوتِ حزين .
ـ أجل .. إنني أعيشُ إلى هذه اللحظة بفضله .. لو لم يكن موجوداً لما كنتُ على هذه الحال ..
ابتسمَ بعدَ مقولته ليلوّح بيده مودعاً بابتسامة مرحة .... رفعَ الغطاءَ المتصلَ بعباءته إلى رأسه وانطلقَ راكضاَ مبتعداً عنهم ...
تداركً قائد الفرقة أمراً مهماً فصرخَ وهو يستدركُ ذلك الشيء الذيّ نسيه .
ـ انتظر أيها الشاب ما اسمك ؟!؟ .
لم يصلِ صوته فقد ابتعدَ ذلك الشاب بسرعةِ عالية وهو يركض بخفة ... تنهدَ بخيبة أمل وضربَ على جبينه ليقول .
ـ تباً لم نقم بسؤاله لأننا انشغلنا بالمرحِ معه .
أعادَ الابتسامة إلى شفتيه ما إن سمعَ صوتَ مديره يطلبُ منه الحضور ليصعدَ للعربة مرة أخرى وهو يهمس لنفسه .
ـ أنا متأكد بأنها لن تكون المرة الأخيرة التي أراك فيها .
انطلقَ راكضاً وكلّه أمل أن يلتقي بمن يذكره في داخله فقد سمعَ بعضَ الأخبار عنه ..
لا حظَ طفلين يقفانِ أمام محلِ ما ففكرَ بأن يسألهما فلن يعرفَ ذلك المكان ما لم يعرف الحيّ ... ابطأ في سيره واتجه نحوهما .
عندَ لير ولين كانا هم من يقفانِ عندَ ذلك المحل منتظرين ميدوري التي نسيت أن تأخذَ معها قلماً .
ـ أنتما ...
التفتا ما إن سمعا ذلك الصوت فشاهدا شاباً يرتديّ عبائه زيتية .. ابتسمَ ذلك الشاب بمرح ليقولَ لهما .
ـ هل تعلمانِ أينَ هو الحيّ الذي يقطنُ فيه أغنياء هذه المدينة ...
حدّقت لين في وجهه وأثارَ انتباهها شيء ما ... بينما تكفّل لير بالإجابة فأشارَ بيده إلى الخلفِ نحوَ شارعِ فرعي ليقولَ له .
ـ إنه هناك سوفَ تجده بعدَ أن تعبره... لكنّه بعيدِ عن هنا .
شعرَ الشابَ بالفرحة الغامرة فابتسمَ بحماسة ليقولَ للير وهوَ يمسكُ كلتا يديه .
ـ شكراً لك .
انطلقَ مسرعاً للخلفِ وهو يلوح لهما .... بينما كانَ لير راضياً فها هو قد ساعدَ أحدهم التفتَ نحو لين فرأى عليهما ملامح غريبة فقد كانت تنظرُ إلى المكان الذي ذهبَ فيه ذلك الشاب .
ـ أختي هل هناكَ شيء ؟! .
ـ هل لاحظتَ ذلك ؟! .
استغربَ لير من سؤال أخته المفاجئ .. أمسكت لين بيدِ أخيها لتقولَ له وقد لمعت عيناها الخضراء .
ـ إنه يشبه السوار الذي تلبسه أختنا ميدوري ...
أومأ لير نافياً وقالَ لها وقد استغربَ اندفاعها الغريب ليقولَ لها .
ـ لم ألاحظه .
خرجت ميدوري من المحل وهي تضعُ قلمها في الحقيبة ... نظرَت للطفلين فاستغربت عندما رأت لين تتجه نحوها .
توقفت لين أمامَ ميدوري , أمسكت يدها ورفعت كمّ ملابسها قليلاً حتى ظهرَ سوراها فقالت للير لتنفيّ ما قاله .
ـ بلى أنّه يشبه ما تحمله أختي ... لقد كانَ يضعها كحلقة في أذنه اليسرى كذلك .
أصابتها الصدمة ما إن سمعت جملة لين و اتسعت عيناها لتهمسَ لنفسها بعدمِ تصديق وقد بدأت ضرباتُ قلبها بالخفقان
ـ مستحيل ! .......... أيعقل أن يكونَ هوَ !! .
تقدمَ لير باتجاههما وقالَ ببراءة لأخته .
ـ قلت لكِ أنا لم ألاحظه .
عبست بضيق فهي قد رأته بعينها ... كتفت بذراعيها وقالتَ بعدمِ رضا .
ـ إذا التقيته مرةً أخرى فسوفَ أجلبه لتراه .
هدأت دقات قلبها ما إن سمعت ردَ لير فقد ظنّت أنّه هوَ .. ابتسمت وأمسكت بأيدهما لتقولَ لهما بصوتِ هادئ .
ـ لا تتشاجرا فأنتما توأمان ...
أومأ برأسيها وتناسيا الأمر .. تابعا المسيرَ مع ميدوري التي طغت على ملامح وجهها الحزن ... فقد تذكرت ذلك الشخص ... وأخذت تفكرُ في قرارة نفسها .. ما ذا إن كانَ هو حقاً !! ماذا إن جاء إليهم مرةً أخرى ... .!
استقلت سيارة أجرة وأعلمت السائق بمبنى رياض الأطفال الذيّ سيذهبُ إليه لين و لير ... نظرت إليهما فوجدتهما متحمسين للذهاب فها هي لين تحدثُ أخاها بأنها ستكونُ لطيفة ليصبحَ لديها الكثير من الأصدقاء بينما توأمها يبتسم لها وينصت لما تقوله ... .
ـــــــ
... أخذَ ينظرُ للمكانِ حوله فقد بدأت الأحياء تتغير عما مرّ عليها .. فها هي البيوتِ الفخمة تحتلُ جانباً بينما الجانب الآخر لقصورِ واسعة رخامية ...
بينما أعمدة إنارة الشارع مطلية بلونِ ذهبي والرصيف بدا لا معاً نظيفاً ... كلُّ شيء في ذلك المكانِ الذي دخله يدلُ على غنى أصحابه ..
بدأ يبطئ من سيره .. وهو يرى بعينه تلكَ المناظر التي أسرته ... أخرجَ من جيبِ سترته ورقةَ صغيرة فنظرَ إلى ما هوَ مكتوبٌ فيها فانعطفَ يميناً وقال .
ـ إنّه هنا ...
توقفَ للحظات وأخذَ ينظرُ بحدقةِ عينيه ليرى ذلك القصر الذي توقفَ عنده ...
جدارٌ رخامي وبوابة كبيرة على شكلِ سياجِ حديدي يُرى من خلاله.. ساحةٌ القصر الممتلئة بالورود والأشجار المتسلقة ... نافورة مياه تنسابِ بهدوء وجمالية متوسطةً العشبِ المخضر وأخيراً جلسةٌ صغيرة بكراسي ملونة فوقها مظلاتِ على شكلِ ورودِ حمراء .. .
ارتسمت السعادة في داخله فها هو أخيراً سيجدُ من يبحثُ عنه تلفت حوله بسرعة لتقعَ أنظاره على شجرة عملاقة يصلُ طولها لأمتارِ حتى أنّ أغصانها قد أخذت حيزاً من جدارِ القصر الذي يقفُ أمامه ..
انطلقَ بخفة نحوها وأخذَ يتحسسُ جذعها .. وما هي إلا ثواني حتى بدأ بتسلقها ببراعة وخفة .. وصلَ إلى أعلى الجدار وتخفى بوريقات الشجرة ... أخذَ ينظرُ بريبة للمكان .. لم يجدَ أيّ حراس فبدأ بالنزول بحذرِ شديد ليدخلَ إلى ساحة القصر ... .

وفي غرفةِ جميلةِ هادئة يجلسُ شابٌ على كرسيِ بقربِ النافذة ... يقرأ كتاباً يحمله في يده اليمنى بينما في يده الأخرى قالبٌ من الشكولاتة يقضمها كل ما قلبَ صفحة من ذلك الكتاب ...
شعرَ بالملل فأغلقَ الكتاب ووضعه على الطاولة التي بقربه ....
أخذَ كوبَ القهوة الذي بجانبه وأخذَ يرتشفُ منه وهو ينظرُ للنافذة .... فجأة احترقَ لسانه بالقهوة ما إن رأى شيئاً فاجأه , أسرعَ بوضعِ يده على فمه وأغمضَ عينيه بألم ..
ثوانيّ هيّ حتى وضعَ كوبَ القهوة على الطاولة وعادَ بسرعة إلى النافذة ...
وضع يديه عليها وأخذَ ينظرٌ بإمعانِ لذلك الشخص الغريب الذي دخلَ قصره قافزاً بينَ الشجيرات الصغيرة بكلِّ رشاقة وفي كلِ مرة يتأكدُ من غطاءِ رأسه الذي عليه .. .
شعرَ بالحماسة لذلك فأخيراً هناكَ شيء ما يثيرُ انتباه .... وضعَ قالب الشكولاتة في فمه وأسرعَ بخطواته ليرى ما لذي يريده ذلك المتسلل البارع فبدت ملامح وجهه كطفلِ يشاهد التلفاز في حماسة .
أخذَ المتسلل كما أطلقَ عليه ذلك الشاب .. ينظرُ من حوله وهو يأملُ بأن يرى أحد خدمِ هذا القصر ... لا حظَ أحدهم فسارعَ بالاختباء خلفَ إحدى الشجيرات الصغيرة ... أخذَ يدققُ النظر إلى ملامح وجهه فأصابه اليأس فقد مرّ من أمامه عشرونَ خادماً ولم يرى الشخصَ الذي يريده .. .
جلسَ على الأرض بتعب فقد أرهق من التنقل بتلكَ الخفة بينَ ساحة القصر الكبيرة ... فقد مضى وقتٌ طويل وهو يجوبُ المكان ... نظرَ إلى القصر فكتفَ بذراعيه وأومأ برأسه نافياً عندما طرأت له فكرة الدخول له .وأخذَ يحادث نفسه . .
ـ مستحيل سوفَ يقومونَ باكتشافي إن أنا دخلت ...
وضعَ يده على ذقنه وأخذَ يُفكر بعمق وهو يغمضُ عينيه ... بينما في الجهة الأخرى ..
ملّ ذلك الشاب واختفت ملامح الحماسة من وجهه فله أكثر من ربعِ ساعة وهو ينتظرُ ذلك المتسلل أن يقومَ بحركةِ ما ولكنّه بدى كمن هوَ غارقُ في التفكير .. طرأت في داخله فكرة فتلفت بحذرِ ليرى إن كانَ أحدُ خدمه بالقربِ منه .. لم يجد أحداً فأسرعَ بخطواته نحو ذلك المتسلل ليرى ما لذي جرى له , وصلَ إليه فوضعَ يده على كفته وقالَ له هامساً .
ـ ما الذي جرى لك .. ! لماذا توقفت ؟! .
ارتعدَ قلبه عندما شعرَ بهمسَ أحدهم ... التفت بحذر وسارَع بوضعَ يده على فمِ الشخصِ الذي خلفه ... .لكيلا يحدثَ ضجة .
لم يتفاجأ ذلك الشاب بل بقيّ ساكناً حتى وهو أمامَ ذلك المتسلل الذي اقتحم قصره بل أخذَ ينظرُ إلى ملامحه ببراءة...
خافَ المتسلل قليلاً ولكن ما إن رأى هيئة من أمامه وأنّه ليسَ سوى شاب .. حتى اقتربَ منه وهمسَ إليه بحذر .
ـ أنت لا تقم بعملِ ضجة ... أعدك لن أفعلَ شيئاً سيئاً فقط ألتزم الهدوء .
أومأ الشاب الذي بدى أكبر منه موافقاً فاطمأن قلبُ المتسلل وأبعدَ يده عنه ...
جلسَ بالقربِ من المتسلل الذي بدى مرتبكاً بعضَ الشيء فهو لم يصرخ أو حتى يرتعب ... فكرَ قليلاً وأخذَ ينظرُ بريبة فذلك الشاب يبتسم له وكأن الحماسة تتفجرُ بداخله .. شعرَ باليأس .. فيفترضُ في موقفه ذاك أنّ يخاف أو حتى يرتجف ... .لم يأبه لذلك بل طرأ في داخله فكرة ليهمسَ لنفسه .
ـ لا بد أنّه ما ساكنّي القصر ... لو طلبتُ منه أن يدخلني حتى أبحث عنه ...
شعرَ بالارتباك لتلكَ الفكرة ولكنه في كل مرة يشعرُ بالإحباط لرؤية ذلك الشاب الذي نفذَ ما يطلبه ولم ينطق بحرفِ واحد ابتلعَ رمقه وأمسكَ كلتا يديه ليقولَ له هامساً .
ـ هل يمكنك أن تقومَ بإدخالي للقصر أنا أبحثُ عن أحدهم .. .! .
أومأ الشاب برأسه موافقاً مما زادَ عندَ المتسلل شعورٌ بالإحباط فهو حقاً لن يعرفَ فيما يفكرُ فيه هذا الشاب الذي أمامه .
دخلا للقصر بحذر وحركاتِ خفيفة خفيّة ... شعرَ الشاب بالمرح وهو يتنقلُ بكلِ انسيابه بينَ المكان بكلِ هدوء مع ذلك المتسلل حتى أنَه لم يلاحظه أحدٌ من خدمه وهذا ما زادَ الإثارة عنده ...
توقفَ عندَ زاوية الدرجِ فجلسَ فيها وأخذَ يُفكر بعمق فهو لم يجدَ من يريده ... بعثر شعره بعصيبة وقالَ بضيق .
ـ أينَ هو ... ؟! .
سمعَ ذلك الشاب ما يهمسُ به لنفسه فقالَ للمتسلل بمرح .
ـ تبحثُ عمن ؟! .
اتسعت عينُ المتسلل ووضعَ يده على فمِ الشابِ بحذر ليسكته فقد مرّ أحدُ الخدم ... لم يطمأن فهمسَ لذلك المتسلل بضيق.
ـ أنت .. لا ترفع صوتكَ .. سيكشفنا أحدُ الخدم ثمّ يذهبُ بنا إلى سيد القصر العجوز ! .

ـ مـــــــــــــاذاااا ؟! .

هكذا صرخَ الشاب ما إن سمعَ جملة المتسلل ليقفَ غاضباً وهو يشيرُ إليه بانفعال .
ـ ماذا قلت ..!! عجوز !!!! سيد القصر العجوز ؟!.
انتبه الجميعُ لذلك الصوت الغاضب فأسرعَ الخدم باتجاه سيدهم ما إن سمعوا صوته ..... ارتبكَ المتسلل وهو يرى خروجَ ذلك الشاب عن هدوءه فابتلعَ رمقه ووضعَ يده على رأسه علّه يخفي نفسه بينما أخذَ يحدث نفسه .
ـ يالي من أحمق ... لقد كشفتْ ...! .
تقدمَ أحدُ الخدم نحو سيده الذي بدى منفعلاً فاقتربَ منه وأمسكَ بكتفه ليقولَ له .
ـ سيدي ألفريدو ما الذي حصلَ لك ؟! .
التفت ذلك الشاب والذي يدعى ألفريدو نحوَ كبيرِ خدمه ليقولَ له وقد بدت الدموع تتجمعُ في عينيه الزرقاوان .
ـ بِيْن .. أخبرني هل أصبحتُ عجوزاً ؟! .

تعجبَ كبيرِ خدمه من سؤالِ سيده الغريب فابتسمَ له ووضعَ يده على شعرِ سيده الأسود وكأنما هو طفلٌ صغير .
ـ من الذي قالَ لك هذا! ... لا زلتَ في عزّ شبابك سيدي .
التمعت عينا ألفريدو في سعادة فأبعدَ الحزن عن وجهه ورفعَ رأسه بشموخ ليقولَ بطريقة مضحكة طفولية .
ـ أتسمعُ ذلك .. لا زلتُ في عزّ شبابي ؟! .
ـ تباً تباً تباً ....
هذا ما كانَ يقوله الشاب الصغير الآخر وهو يرى ذلك المدعو ألفريدو يفضحه ..
ولكن استغرب عندما سمعَ محادثتهم فالمعلومات التي وصلته أنّه يعملُ هنا تحت سيدِ هذا القصر وهو شخصِ كبيرِ في السنّ ..
لم يكن هناكَ داعي لاختبائه بعدَ أن فُضحَ فوقفَ بابتسامة بلهاء ... .
تفاجأ بِيْن من كلامِ سيده فالتفت عندما لمحَ أحدهم ... قطبّ حاجبيه عندما رأى دخيلاً في القصر فشعرَ بالغضبِ وأسرعَ نحو ذلك الشاب ليمسكَ به بعنفِ ساحباً إياه من يده .
ـ أنت ما الذي تفعله في قصرِ سيدي .. ومن الذي سمحَ لكَ بالدخول ... ! .
ابتلعَ الشاب رمقه وهو يرى ذلك الشخص ببنيةِ الكبيرة وجسده الضخم يجرّه بعصبيه .. فيبدوا أنّه غاضب لأنه دخلَ القصر .. .
تجمعَ جميعَ الخدم إثر الفوضى التي حصلت ... فأثارَ ذلك انتباه المتسلل فأخذَ يُفكر بحلِ ما .. بينما ذلك الشاب ألفريدو بدى أنّه نسي ما حوله .. فقد بدأ يسأل خدمه بصورةِ مزعجة ما إن بدأت أثارُ الكبر تظهرُ على وجهه .. .

ـ تـــــــــــوقفوا .... !

هذا ما صرخَ به ليوقفَ تلكَ الضجة التي هوَ فيها فالذي يمسكه يعاتبه على دخوله ويتوعده بالذهاب لمركز الشرطة بينما ذلك الشاب الطفولي يسأل الخدم بخوفِ إن كانَ قد أصبح عجوزاً والبقيّة يتهامسون فيما بينهم .
توقفَ الجميعَ إثرَ ذلك الصوت ... وأخذو ينظرون لصاحبه بريبة .... تنبه ألفريدو لذلك ونسي ذلك الشاب الذي قامَ بأخذِ بجوله مرحة حولَ قصره متخفياً فالتفتَ هو الآخر ليسمعَ ما لذي يريده .
أنصت الجميعَ له ووقفوا بدهشة ليستمعوا لما سيقوله ... هدأ ذلك الشاب فابتلعَ كتلة كبيرة من الهواء وقالَ بصوتِ عالِ .
ـ أليسَ هذا قصر السيد ليبريت ؟! .

ـــــــ
عندَ ميدوري ..
.
هبّ نسيمُ قويّ من الهواء حركَ خصلاتِ شعرها فوضعت يدها عليه وبيدها الأخرى أمسكت بأوراقها جيداً .. تعجبت من ذلك والتفت نحو بوابة مبنى رياضِ الأطفال لتقولَ لنفسها بتعجب .
ـ من أينَ أتت هذهِ الرياح ؟! .
ابتسمت ما إن خفّ تيار الهواء لتقولَ بمرح .
ـ فجأة شعرتُ بأن هناكَ شيئاً حدث .
واصلت طريقها لتذهبَ نحو الجامعة ... وكلّها أمل بأن يكونَ أول يومِ لتوأمان جيد .

ــــــــــــ
في قصرِ ألفريدو ..
خيّم عليه الحزن فطأطأ رأسه وهو يشدُّ على ملابسه .
ـ إذاً أينَ ذهب الآن ؟! أيجبُ عليّ البحثُ مرةً أخرى !!! .
هذا ما قاله المتسلل بعدَ أن جلسَ على كرسيّ وقد استمع للقصة بأكملها وهي أنّ السيد ليبريت الذي يبحثُ عنه قد مات .. وأنّ جميعَ خدمه قد تفرقوا ... .
تغيرت ملامح وجه ألفريدو المرحة خاصة بعدَ أن رأى حزنَ ذلك الشاب المفاجئ مما جعله يجلسُ بقربه ويقولُ له باهتمام .
ـ من تبحثُ عنه شابٌ كان يعملُ عند السيد ليبريت ؟! .
أومأ برأسه وقد بدى محبطاً للغاية فقد جاء من مكانِ بعيد باحثاً عنه وقفَ للحظات وتبدلت ملامحه للجدية ليقولَ .
ـ سوفَ أبحثُ عنه مجدداً ....
لم يرق لـ بِيْن ذلك الشاب الذي قامَ سيده باستضافته ... مما جعله يتقدمُ عند سيده ويهمسُ في أذنيه .
ـ سيدي .. أأنتَ متأكد بأنك ستجعل الامر يمرّ بشكل عادي !.. تذكر أنّ هذا الشاب قام بالتسلل لقصرك !! كيفَ سيكون لو دخلَ لص أو شخصٌ يريدُ قتلك ! .

ـ وجدتـــــها ... ! .
هكذا صرخَ ألفريدوا بحماسة بعدَ أن تذكر شيئاً فيبدوا أنه لم يكن يستمع لكبير خدمه مما جعلَ بِيْن يتفاجأ ما هي إلا لحظات حتى عادت الابتسامة لشفتيه فسيده شخصٌ لطيف رغمَ أن طفولي ولم ينضج بعد إلا أنّه يهتمُ بالآخرين , تراجع بضعَ خطوات احتراماً له وآملاً في أن يكونَ ما وجده سيده مفيداً .
تقدمَ ألفريدو باتجاه الشاب ليمسكَ بكلتا يديه ويقولَ له بحماسة .
ـ ربما يكونُ عندَ ابن عمي !! فهو قد أخذَ بعضَ الخدم من هنا ... ! .
ظهرَ بصيصُ أمل في نفسِ الشاب وقالَ .
ـ أمتأكدٌ من ذلك ؟!؟! .
ـ ربما .
التفت ألفريدو نحو كبيرِ خدمه بِيْن ليقولَ له بلطف .
ـ جهّز السيارة فنحنُ ذاهبون لقصرِ ماليان .
أومأ بِيْن لسيده وانطلقَ لينفذَ ما طلبه ... التفت ألفريدو ونظرَ لعينيّ الشاب التي اتخذت لون جذع الشجر ليقولَ له بابتسامة لطيفة.
ـ ما اسمك ؟! .
توردت وجنتي الشاب ووضعَ يده على شعره المائل للونِ غروبِ الشمس ليقولَ بارتباك .
ـ أدعى إيفان ... ! .
•• انتهى الفصل السادس ••

ـ كيفَ كان الفصل !؟ .
ـ ما رأيكم بالشخصياتِ الجديدة ^^ ؟! .
ـ وعن من يبحثُ إيفان !! وهل سيجدَ الفرصة ليجد الشخصَ الذي يبحثُ عنه ؟! .

أعيشك
03-10-19, 08:57 AM
لونُ الغروب الذي يتكونُ في السماء بصورة خلابة يحكي لنا قصة وداع الشمس وكأنّ تلكَ الألوان الممزوجة هي بمثابة مؤثرات تُحركُ إحساساً في دواخلنا.
هذا ما كانَ يشعرُ به ذلك الفتى بصورةِ قوية في قلبه , إحساس بالوداع لكنّه لن يدوم فكما هي الشمسُ تودعنا بغروبنا فسنلتقي بها في الشروق ،
هذا ما كانَ يدورُ في داخله وهو يشاهدهما على بعدِ مسافة منها موقناً بأنه يتوجب عليه مفارقتهما, انسابت قطرات العرقِ الغزيرة على وجهه الصغير فاطمئن قلبه لرؤية يدِ رولند الصغير التي تمسكُ بيدها بإحكام , شدّ قبضة يده ودفعَ كتله من الهواء إلى رئتيه وعيناه لم تفارق ذلك الفتى الذي يبعدُ عنه بمسافة ثمّ صرخَ بأعلى صوته موجههاً كلماته له .
ـ اعتنِ بـ ميدوري جيداً , إياك أن يصيبها أي أذى لو فعلت ذلك فسوفَ أقتلك ..
أدنى رأسه وشدّ قبضة يده أكثر وتحدثّ بصوتِ كانَ يظهرُ فيها نغمة الحزن .
ـ أنا متأكد أننا سنتقابلُ , نعم سوفَ أجدكما .
أرادَ أن ينظرُ إليهما مرةً أخرى ولكنّه تجنبُ النظر لهما و ألم الرحيل يكادُ يغلف قلبه ويضيقُ عليه ليبتسمَ بخفةِ قائلاً بصوتِ هادئ.
ـ رولند أعدك , عندما أعود سأغير من نفسي وبعدها سأمتلك الشجاعة لأعتذر منك عما بدر مني.
ـــــــ
توقفت السيارة أمامَ قصرِ ماليان فرفعَ ذلك الفتى رأسه وشدَّ من غطاء رأسه ليخفي ملامحه فتلكَ الذكرى لا زالت تلازمه ..
شعرَ بالارتباك ينسابُ إلى داخله فهو لا يزالُ متردداً ..فهل حقا من الجيد ظهوره الآن ! َ
سخرَ من نفسه ورسمَ ابتسامةَ على شفتيه .
ـ يجبُ عليّ أن أريه إلى أي مدى أنا تغيرت .
ـ إيفان , إيفان , أيها الفتى هل تسمعني !؟ .
هذا ما كانَ يردده ألفريدو منذُ عدّةِ ثواني وهو يلوحُ بيده باتجاه الشاب الصغير الذي بدى له أنّه فكره قد طارَ به بعيداً .
رمشَ بعينه مستوعباً فقد كانت حدقةُ عينه تتابع تلكَ اليد التي تلوحُ أمامه, ضحكَ ألفريدو عندما رأى ملامح إيفان المرتبكة.
ـ لقد وصلنا, ألا تريدُ التأكد من وجود الشاب الذي تبحث عنه .
هذا ما قاله ألفريدو بابتسامة جميلة ليمتلا قلبُ إيفان بالحماسة فربما يكونُ رولند هنا بل هو يشعرُ بأنّه قريبٌ منه .
نزلا من السيارة وتوقفا أمام بوابة القصر الضخمة , لمحَ ألفريدو كبيرَ خدمِ القصر يتجولُ في باحة القصر فرفعَ يده ملوحاً له .
ـ العم شيمون .
التفت شيمون عندما سمعَ اسمه فرأى ذلك الشاب يقفُ أمامَ بوابة القصر تبسمَ قلبه قبلَ شفتيه فها هو ألفريدو الشاب الذي يتمنى أن يتعلم سيده منه ولو القليل ,
اقتربَ منهم بسرعة ثمَ انحنى باحترام .
ـ مرحباً بإبن السيد هايدن في قصر ماليان .
رفعَ ألفريدو يده لشعره وقالَ بارتباك مع صوتهِ الضاحك .
ـ أيُها العم ألم أخبرك من قبل لا داعي لهذه الرسميات .
ابتسمَ شيمون بطيبة ورفعَ رأسه ليرى كبيرِ خدمِ قصر ألفريدو فبدأ بالتحية .
ـ أهلاً بكِ بيْن سعدت لرؤيتك .
ابتسمَ بيْن وردَ التحية .
ـ وأنا كذلك .
تلفت ألفريدو يمنةَ ويسرةِ فقد كانَ يحملُ في يديه لوح من الشكولاتة المغلفة أرادَ تقدميها لابن عمه فهو يعلمُ أنه في هذا الوقت يكونُ في باحة قصره .
ـ ألم يعد ميلان بعد !؟ غريب ليسَ من عادته .
ارتبكَ شيمون وظهرَ ذلك جلياً على وجهه فلوحَ بيديه قائلاً بتوتر لـ ألفريدو .
ـ سوفَ يأتي قريباً بإمكانكَ الانتظار و ......
صمتَ عندما لا حظ أخيراً الشاب الذي يقفُ على بعد مسافة قليلة من ألفريدو استغربَ من رؤيتهِ فملابسه الغريبة تدلُّ على أنه ليسَ من طبقة الأغنياء .
لا حظ ألفريدو ذلك فابتسمَ قائلاً وهو يمسكُ بيد إيفان الذي ظلّ صامتا على غيرِ عادته وكأنما هو خجل .
ـ هذا الفتى يدعى إيفان , ولقد جئنا اليوم لنبحث عن شاب يدعى .. رو.. رولي ..
توقفَ ألفريدو ووضعَ يده على ذقنه بطريقة طفولية في محاولةِ منه ليتذكر أغمضَ عينيه وبدأ محاولاً التذكر .
ـ ماذا كان اسمه .. رول ! .
ـ رولند .
هذا ما قاله إيفان بصوتِ ثابت وهو ينظرُ للشخصِ المدعو شيمون .
استغربَ شيمون وقالَ بعفوية .
ـ أتقصد رولند خادم السيد ميلان ؟! .
شعرَ ألفريدو بالفرح الشديد والتفت نحوَ إيفان ليقولَ له بحماسة .
ـ ألم أخبرك إنه هنا .
أما إيفان فقد شعرَ بانقباضِ قلبه عندما سمعَ كلامَ شيمون, بالرغم من أنّه انغمر بالسعادة عندما سمعَ اسم رولند وأنه موجودٌ هنا إلا أنه لا يزالُ يشعرُ بشيءِ
يضيق قلبه من كلمة خادم التي نطق بها المدعو شيمون .
ـ ماذا ؟! ألم يكن هو ! .
عادَ إلى واقعه عندما سمعَ ذلك السؤال من ألفريدو والذي كانت فيه لمحةٌ من القلق .
ـ أخبرني أليسَ اسمه رولند ؟! .
ابتسمَ إيفان وقررَ أن ينسى ذلك فقالَ بصوتِ مملوءِ بالفرحة الغامرة التي تعبر عن مدى اشتياقه.
ـ بلى , أودُ رؤيته .
نطقَ ألفريدو بحماسة وهو يضع يده على رأسِ إيفان بلطف .
ـ أينَ هو أيها العم ؟! .
عادَ التوتر لشيمون ليقولَ بصوتِ قلق .
ـ سوفَ يأتي بعد قليل بصحبة السيد ميلان , تفضلوا بالدخول حتى يعودان .
ابتسمَ ألفريدو وتقدمَ بتجاه القصر وقالَ بطفوليه وهو ينظرُ للوحِ الشكولاتة الذي اشتراه قبل مجيئه.
ـ سوفَ أكلها كلها إذا تأخر ميلان ولن أعطيه أي واحدةِ منها .
نتهدَ شيمون بيأس وهو يسمعُ كلامَ ألفريدو فهو حقاً قلق من تأخر سيده فهو لن ينسى صوته الغاضب عندما اتصل به ويعلمُ يقيناً أن شيئاً سيئاً سوفَ يحدث .
ــــــ
أخذَ ينتظر عند البوابة الزجاجية للشركة وهو في أشدّ الغضب , كانَ بإمكانه أن يبقى في الداخل وينتظره إلى أين يأتي .. لكنّ شرارة الحقد والغضب قد بدأ تتوقد بداخله ..
مما جعله يتكلم بقهر وحقد بالغيين .
ـ الحقير لم ينتظرني حتى أنهي عملي .. بل عاد إلى القصر ليستريح !!! ... تباً له....
قال جملته الأخير وهو يضرب الأرض بقدمه بسخط بينما بدأت الأفكار السوداء تتدفقُ إلى مخيلته ليجد عقاباً مناسباً يكسرِ بها عزةً نفسه ...
وصلَ إلى مسامعه صوتُ توقفَ سيارته فرفعَ رأسه سريعاً ليرى أنّ خادمه الخاص قد جاء أخيراً .
لم ينتظر أن ينزلْ بل حتى أن يرى تعابير وجهه .. بل اندفع نحوَ بابِ مقود السيارة بسرعة مشحونةً بغضبِ بالغ ..فتحَ البابَ بعصبية مما أفزع رولند الذي كانَ جالساً يستعدُ لإغلاقِ تشغيل السيارة ...
التفت لينظرَ إليه فشعرَ بهالاتِ الغضب تنبعثُ من جسدِ سيده ... بقيّ ثابتاً فهو لم يقم بعملِ شيء خاطئ ... كل ما في الأمر أن شيمون أخبره أن يأتي إليه بعد أن قامَ هوَ بالاتصال .
سحبه من ياقة ملابسه وأخرجه من السيارة بعنف ... تألم رولند لذلك وقالَ بنبرةِ متسائلة عن سبب غضبه .


ـ ما الذي دهاك ؟! .
صكَ ميلان على أسنانه بغيض وقالَ له وهو ينظرُ لعينيه بحدّة .
ـ أيُها الحقير هل تجرأت على سؤالي ؟! ...
صمت ميلان لثواني قليلة وصرخَ في وجهه .
ـ لماذا رجعت إلى القصر ولم تنتظرني ؟! من واجبك كخادمِ أن تنتظرَ سيدك لا أن ينتظرَ السيدُ خادمه .
تعجب رولند من حروفه وكلماته التي نطقها فلم يكن هناكَ داعي لكلِ هذا الغضب مما جعله يقولُ له بثبات وهو يتحملُ صراخه .
ـ أولاً لم تقم بإخباري بذلك من قبل ..! ثانياً هل تريدُ مني أن انتظرَ خمسَ ساعات هنا حتى تنهيّ عملك ؟! .
عضَ ميلان على شفتيه بسخط ولكنّه قالَ له بعناد وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة تحديّ .
ـ نعم تنتظرني .. تبقى في السيارة إلى أن أنتهي من عملي سواء كنت في الشركة أو في الجامعة .
أبعدَ يده عن ياقة بذلته وتمالكَ نفسه فخلفه مبنى شركته , ولا يجب على أحد أن يراه بحالته الهائجة تلك .. تحدث وهو يرمق رولند و يصكُ على أسنانه بغيض .
ـ أنتَ الآن خادمي الخاص ... ليس هناكَ ما تفعله سوى خدمتي .
شعرَ رولند بأنّ ميلان يريدُ أن يقلل من كرامته بتلكَ الطريقة التي تحدثَ بها فقرر الصمت , لاحظَ ميلان ذلك فقالَ بغرور وهو يبتعد عنه ليفتحَ باب السيارة في الخلف .
ـ إياكَ أن يحدث هذا مرةً أخرى وضعَ في ذهنك دائماً الخادم من ينتظر سيده لا السيد ينتظر الخادم .
أومأ رولند برأسه وعادَ إلى مكانه في مقعد السائق كانَ بإمكانه أن يجاريه في الحديث ولكن كونه خادم فعليه دوماً أن يطيع سيده كما قال , حركَ مقودَ السيارة وانطلق عائداً للقصر أملاً في أن يمرّ هذا اليوم على خير فمن بداية اليوم والشخصً الذي خلفه لا يكف عن الصراخ عليه والغضب .
ــــــ
أمّا في رياض الأطفال فقد كان الطفلان يستمتعان بوقتهما وهما يشاهدان مجموعة الاطفال الذينَ يمرحون أمامهم , لم تكن لديهم الشجاعة في أن يشاركوهم بما أنهما انضمّا حديثاً فقد كانا يجلسان سويةً يراقبان بأعينهما الجميلة نشاط الجميع وتحركاتهم .بينما العاملين فيها قد انبهروا من جمالِ هذين الطفلين , لتهمسَ إحداهم لصديقتها .
ـ لا أصدق أنهما لا يمتلكان أبوين.
ابتسمت صديقتها بعفوية وهي تنظرُ إليهما بحنية وتراقب أعينهما التي تنتظرُ للجميع لتقول بابتسامة.
ـ أجل .. فقد ترجاني ذلك الشاب بأن ينضما إلى هنا .
تقدمت نحوهما وجلست بالقرب منهما لتقولَ لهما بحماسة .
ـ ألا تريدان اللعب مع بقية الأطفال ؟! .
أومأ برأسيهما بعفوية فضحكت لذلك , نادت أحد الأطفال وطلبت منه بأن يشارك باللعب معهما .
وعندما رأتهما يركضان نحو ذلك الطفل وقفت على قدميها وقالت بابتسامة لطيفة .
ـ أتمنى أن تقضوا يوماً جميلاً .
ــــــ
في قصر ماليان .
وصلت السيارة فأوقفها رولند أمام بوابة القصر كما أمره ميلان وحتى يستطيع أن يذهب بها إلى مربأ السيارات .
دخلَ من أمامِ البوابة ولا زالت ملامحه لم تمحى منها أثارُ الغضب , لمحَ كبير خدمه يتكلمُ مع أحدهم عندَ جلسة القصرالتي تحتوي على كراسي تحيطُ بها الوردُ المزروعة بعناية ومظلة كبيرة من فوقها مربعة ملونة بنقوشِ جميلة , استغرب من ذلك وتقدمَ أكثر ليرى مع من يتحدث فلمح ابن عمه ألفريدو مما جعله يعبسُ بطفوليه مع أنّه سعيد لرؤيته .
تقدمَ باتجاههم وكتف بذراعيه ليقولَ بصوتِ عالِ ليسمعه .
ـ ها قد جاء المزعج .. لماذا جئت ! .
ابتسمَ ألفريدو عندما سمعَ ذلك الصوت وقال بلهجة سعيدة طفولية .
ـ مرحباً بك ميلان , أنتَ مشتاقٌ لي أليسَ كذلك ! .
ضحكَ بسخرية من جملته الأخيرة وقالَ له بكبريائه المعتاد .
ـ ولماذا أشتاقُ لك ! .
أراد الجلوسَ في المقعد الذي بالقربِ من ابن عمه إلا أنّه لاحظ ذلك الغريب الذي يجلسُ بعيداً قليلاً عنهم مما جعلَ حاجبيه ينعقدان .
لاحظ ألفريدو علامات التعجب على وجهه ميلان وهو يحدقُ بـ إيفان الذي فضلّ تغطية رأسه بتلكَ العباءة المهترئة فتذكرَ ما يريده وقف ثمّ بدأ يتلفت من حوله .
ـ أينَ هو ذلك المدعو رولند ؟ .
زاد الاستغراب أكثر في نفسِ ميلان مما جعله يقول بنبرةِ جامدة .
ـ ما الذي تريده بذلك الأحمق ! .
شدّ إيفان قبضة يده عندما سمعَ كلمته الأخيرة وطريقة قوله التي نطقَ بها .
تكلمَ الفريدو بابتسامة محاولاً أن يشرحَ لابن عمه ما يريده .
ـ في الحقيقة هذا الفتى جاء إليّ باحثاً عن الشخص الذي كان يعمل عند السيد ليبريت واتضح أنّه هنا .
تغيرت نظراتِه وحتى هيئته وطريقة كلامه ليقولَ وهو يرمقُ لك الشاب .
ـ إذاً وما الذي يريده منه ؟! .
شعرَ ألفريدو بالتوتر خاصة وأنه يعلم بمعاملته الجافة مع الخدم بصفة عامة بسببِ تلكَ الحادثة ليقولَ بابتسامة ضاحكة محاولاً بها إخفاءِ ارتباكه .
ـ إنه فقط صديقه ويريدُ رؤيته .
صوتُ خطواتِ لشخصِ قادم جعلت إيفان يشعرُ بالتوتر فهو إلى الآن لم يقمْ برفعِ رأسه ليرى صاحبَ هذا القصر, التفت ألفريدو ليرى شاباً وسيماً يرتدي زي الخدم يتقدمُ باتجاههم .
توقفَ رولند خلفَ سيده وانحنى باحترام ليقولَ له .
ـ ها قد انتهيت هل تطلبُ منيّ شيئاً آخر .
خفقَ قلبُ إيفان عندما سمعَ ذلك الصوت ,, !
فهي نفس النبرة التي كان يتحدثُ بها , أرادً أن يرفعَ رأسه لينظرَ إليه لكنّ شيئاً ينقبضُ بداخله جعله غيرَ قادرِ على ذلك , بينما التفت ميلان باحتقار ليقول له .
ـ ألقِ التحية على ابن عمي أم تريدني أن أعلمك الأدب حتى مع الأخرين ! .
تقدمَ رولند خطوتين وانحنى مرةَ أخرى ليلقي التحية على الشاب الذي على من يمينه .
ـ مرحباً بإبن عمِ السيد .
غضب ميلان لجملته فقد كانت رأى أنّ تحيته غيرُ محترمة وكأنما أراد بذلك أن يستفزّه فقال بصوتِ غاضب وهو يشدّ قبضته .
ـ إنه ابن السيد هايدن ألفريدو .
لم تتغيرَ ملامح رولند مما جعله يكرر ما قاله ببرودِ تام .
ـ أعتذر على وقاحتي مرحباً بك أيها السيد ألفريدو .
أما عند إيفان فهو لم يصدق بعد تلكَ المحادثة التي تجري في حاضره , ولم يستطع بعد أن يرفعَ رأسه لينظرُ لرولند فقد كانَ يشعرُ بالألم في قلبه وهو يتذكر الماضي , مما جعله يتحدثُ مع نفسه بقهر وهو يرى تلك المشاهد التي تمرّ في مخيلته والتي كانَ فيها رولند الصغير يعاني مما جعله يدخلُ في صراع مع نفسه .
ـ هذا مستحيل ! لن يعملَ أبداً كخادمِ في قصر , إنه حتى لن يسمح لنفسه بذلك .
شدّ قبضه يديه على بنطاله وهو يصارعُ نفسه ويريدُ أن يتقبلّ بداخله أنَ ما يحدث أمامه هو مجرد كذبة .
شعرَ ألفريدو بأن التوتر بدأ يسودُ الأجواء خاصةَ عندَ قدومِ ذلك الشاب المدعو رولند ومعاملة ميلان له .
ـ إنه خادمي , أهذا من تبحث عنه ! .
هذا ما قاله ميلان باحتقار لذلك الشاب الصغير الذي لم يرى وجهه حتى الآن فعندما سمعَ من إيفان أنّه صديقه أزعجه ذلك .
ابتسمَ ألفريدو ليبعد التوتر قليلاً وتقدمَ نحو رولند بطيبة ليقولَ محاولاً أن يفسر له فهوَ أيضاَ أخذَ ينظرُ لذلك الشاب الغريب .
ـ امممم , رولند أليسَ كذلك ؟! . إنّه يدعى إيفان لقد قالَ أنه يبحث عنك .
اتسعت عينا الشاب عندما سمعَ ذلك الاسم وشعرَ بالفرحة تدفقُ إلى داخله أرادَ رؤية وجهه فقد مرّ زمنٌ على فراقهما به ولم يصدق أنّه في هذه اللحظة قد يلتقي به .
اهتزت يدُ إيفان وعضَ على شفتيه لم يحتمل ذلك فرفعَ رأسه وظهرت ملامح وجهه التي تملكها الغيض والحقد
حلت الصدمة الكبيرة على وجهه رولند عندما رفعَ ذلك الشاب رأسه فقد رأى كمية الغضب المرسومة على وجهه والعينانِ الغاضبتان اللتين تحدقان به .
لم يكن الأمر فقط عند رولند فها هو ألفريدو قد حلت على وجهه علامات الاستغراب وهو يرى ذلك الوجه الذي صنعه إيفان والذي كانَ مختلفاً عن شخصيته المرحة التي قابلها به , بينما ميلان كانَ صامتاً فالأمر برمته لم يرق له .
وقفَ على قدميه وتقدمَ بتجاهه رولند مسرعاً مدّ يده وسحبه من ياقة ملابسه بقوة ليصرخ في وجهه بغضب بالغ .
ـ أنت !! أخبرني أنّ هذا كذب أخبرني .
ابتسمَ ميلان بسخرية وهو يسمعُ جملة ذلك الغريب وطريقة حديثه نحو خادمه .
ـ أخبرني حالاً , تحدث وقل لي أنّ هذا كذب وأنك لا تعمل هنا .
هذا ما كانَ يصرخُ به إيفان بانفعال ,
تألمُ قلبٌ رولند لرؤيته صديقه يتحدثُ معه بتلكَ الطريقة فلم تتغيرَ ملامحه بل بقيّ هادئاً حتى وهو يراه يصرخُ في وجهه بانفعال فهو يعلمُ يقيناً بمشاعره التي يشعر بها .
أمسكَ بيده التي تقبضُ على ملابسه وقالَ له بهدوء .
ـ اهدأ يا إيفان ...
لم يستمعَ لكلامه رغمَ أنّه شعرَ بالفرحة عندما سمعه ينطق اسمه بل صرخَ فيه .
ـ أخبرني أنها كذبة والآن ,, ألم يكن الماضي كافياً لك !! .
سمعَ شيمون وبينَ تلكَ الجلبة فتقدما ليشاهدا ما حدث , تفاجأ شيمون وهو يرى ذلك الغريب يصرخُ في وجهه رولند
بينما بيْن تملكه العجب وهو يرى الطريقة التي تحدث بها إيفان .
لم يعلم ألفريدو ما الذي يفعله فقد كانَ يشعرُ بالتوتر ولا يرى أنّه من الصحيح أن يتدخل بينهما , أما ميلان فقد جلسَ باسترخاء وأخذَ يفتحَ لوحَ الشكولاتة الذي اشتراه ابن عمه ثمّ بدأ يقضمها باستمتاع وكأنما يرى مشهداً أمامه .
ـ إنّ هذه هيّ الحقيقة أنا أعمل الآن خادماً لسيدِ هذا القصر .
صكَ على أسنانه بغيض عندما سمعَ همسه له وأخذَ ينظرُ لعينيه التي لم يرى فيها ملامح التألم لحاله فقالَ وهو يبعدُ يده عنه بعصبية ويذهبُ من أمامه
نحوَ بوابة القصر .
ـ لم يكن هناكَ داعي لقدومي حقاً, يالكَ من مثيرْ للشفقة .
تراجعَ رولند بضعَ خطوات بسببِ دفعِ إيفان العنيف له وقد كانت وقعُ جملته الأخيرة بالغة على قلبه .. فلا زالَ إيفان كما هوَ عندما افترقَ عنه لم يشعرُ بألم بالغ كالذي حدثَ أمامه كانَ يتمنى في الحقيقة أن يضمّه ويعبرَ عن مدى اشتياقه له ,,
يريدُ أن يسأله عن أحواله وكيفَ مضى الوقت لوحده عندما افترقا ..
يريدُ أن يحيه بابتسامة جميلة وكلماتِ عطرة ولكن كلّ هذا قد مرّ سريعاً فها هو إيفان يغادرُ القصر مبتعداً عن ناظريه .
بينما شعرَ ألفريدو بحالةِ من القلق الكبيرة خاصة عندما رأى تقلب حالِ إيفان فقد كانَ متحمساً ومتشوقاً لرؤيته والآن ها قد ذهبَ غاضب منه مما جعله يتبعه ليحاولَ تهدئته وهو ينادي باسمه .
أما ميلان فقد بدأ يضحكَ باستهزاء بداخله لحالِ خادمه فقد كانَ يعلمُ تماماً أنه حزين , أنهى لوحَ الشكولاتة التي في يده ونفضَ يديه ليقولَ له وهو يقف .
ـ انسى أمره واتبعني فأنا لم أسامحك بعد على تأخرك في أخذي من الشركة .
أومأ رولند له طواعية وأخذَ يتبعه بصمت بينما عيناه قد لمعت فيها الحزن الشديد .
أما عند إيفان فقد خرجَ من القصر مسرعاً وجلسَ على الأرض بالقربِ من القصر لم يكن جلوسه هناكَ طواعية منه بل لأن قدميه لم تستطع أن تحمله بعيداً عن هذا المكان فها هي الصدمة قد حلت عليه هو الآخر ليقول لنفسه بقهر .
ـ تباً .. لقد أردت لقائه في غيرِ هذا الموقف ....
شعرَ بالندم لم يرد حقاً أن يقسو عليه أو حتى أن يعاتبه مما جعله يقول وقد انسدلت خصلات شعره على جبينه .
ـ لماذا فعلتُ ذلك .. ! كانَ عليّ أن أقابله بإبتسامة .. لم يكن علي ...
مرتْ في مخيلته مقولته التي قالها قبل أن يتفارقا .
[ أعدك ..عندما أعود سأغير من نفسي . ]
ـ تباً لي .
هذا ما قاله بصراخ وهو يضربُ الأرض بيديه بقوة وكأنما أراد أن يعاقبَ نفسه على فعلته .
ـ لقد وعدته بذلك ,, وأردت أريه كم أنا تغيرت لكنّي أفسدت الأمر .....
لقد تغيرَ شكله كثيراً لم أكن أعلم أنّه هوَ إلا بلونِ عينيه وطريقة حديثه المعتادة معهم ...
قال ذلك بحزن بالغ وهو يتذكرُ المواقف التي كانَ يعاملُ فيها رولند في الماضي لقد كانَ هذا أسوء لقاء , فمنذُ أن غادر من المدينة التي كان فيها وهو يخطط للقائه بحماسة وفرحة بالغة .
وجدَ إيفان أخيراً ورآه على حالته الحزينة فقد كانَ قلقاً عليه , جلسَ بقربه وهمس له بلطف .
ـ أيُها الفتى ما لذي جرى لك ألم تكن متحمساً وفرحاً بمجردَ أنك علمت أين هوَ .
أخذَ إيفان نفساً عميقاً عندما سمعَ صوتَ ألفريدو علّه يهدأ من أفكاره المتضاربة .. ابتسمَ بحزن وقال بصوتِ يتضحُ فيه نبرة الندم .
ـ لقد أفسدت الأمر .. لن يعودَ الزمن للوراء لأصلح الأمر .
أمّا ألفريدو فقد علمَ بشعورِ ذلك الشاب من كلامته ونبره العميقة التي تتجلى فيها كل معاني الإخاء لذلك الشاب مما جعله يقفُ ويركضُ لداخل القصر فلعلّه يصلح الأمر قليلاً ..
رأى ذلك الشاب يمشي خلف ميلان فأسرعَ في خطواته ومدّ ذراعيه ليمسكَ بها ثمّ قال له برجاء حتى قبلَ أن يلتفت إليه .
ـ أرجوك .. قابله مرةً أخرى .
صدُمَ ميلان لقولٍ ابن عمه ولمْ يعجبه ما قاله بينما بقيّ توقفَ رولند في مكانه صامتاً يفكرُ في ما قاله له .
فهل سيذهبُ رولند كما طلبَ منه إيفان أمّ أنه سيفضلُ عدم الذهاب !
وما ذا ستكونُ ردة ميلان !
بل ما لذي دفعَ ألفريدو ليطلب ذلك من رولند ؟؟ .

انتهى الفصل السابع ..
~
ـ ما رأيكم بموقف إيفان ولقائه أخيراً مع رولند !؟
ـ ما سببُ مشاعر إيفان المتضاربة ؟!
ـ ولماذا أرادَ أن يري رولند ويعده بأن يغيرَ من نفسه .
ـ وكيف ستكونُ ردة ميدوري عندما تعلمُ بقدومِ إيفان ! .


SEO by vBSEO 3.6.1