المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَنا قَطْرَةُ المَاءِ فَهَلْ تسْمَعُنِي؟


الناجحة
06-29-19, 01:32 AM
أَنا قَطْرَةُ المَاءِ فَهَلْ تسْمَعُنِي؟.. قَدْ لا تَراني بَيْنَ آلاَفِ الْقَطَرَاتِ الأُخْرَى. مِنَّا يَتَأَلَّفُ المَاءُ الَّذِيْ جَعَلَ اللهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ.. وُلِدْنَا جَمِيعًا فِي النَّبْعِ الرَّابِضِ في أَعْلَى الجَبَلِ.. وَغَنَّيْنَا جَمِيعًا أُغْنِياتِ المَاءِ. وَمَا زِلْتُ أَذْكُرُ الحَيَواناتِ التي اسْتَوْقَفَتْنَا لِتَشْرَب: السَّنَاجِيبَ وَالذِّئَابَ.. وَالدُّبَّ الَّذِي أُفْلِتَتِ السَّمَكَةُ مِنْ بَيْنِ مَخَالِبهِ.. وَالْقُنْدُسَ الَّذِي يَبْنِي وَكْرَهُ في جُذُوعِ الشَّجَر..

ثُمَّ صَارَتِ الأَرْضُ أَقَلَّ انْحِدَارًا وَرَأَيْتُنِي فَجْأَةً جُزْءًا مِنَ النَّهْرِ الْكَبيرِ الَّذي يَجْري في السَّهْلِ وَيَكْبُرُ بِاسْتِمْرَارٍ. وَالنَّاسُ يَأَخُذُونَ الْمَاءَ مِنَ النَّهْرِ فَيَسْقُوْنَ النَّبَاتَاتِ لِتَنْمُوَ وَتَتَرَعْرَعَ، وَتُزْهِرَ وَتُثْمِرَ..

وَهُمْ يَجُرُّونَ الْمَاءَ في الأَنَابِيبِ إِلى بُيُوتِهِمْ لِيَشْرَبُوا مِنْهُ وَيَسْتَحِمُّوا وَيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ وَأَدَوَاتِهِم..

وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْلِسُ عَلى شَطِّ النَّهْرِ لِيَصْطَادَ السَّمَكَ، أَوْ يَرْكَبُ في قَارِبٍ لِيَتَنَزَّهَ في النَّهْرِ الجَمِيلِ.

وَفَجْأَةً غَضِبَ النَّهْرُ غَضَبًا شَدِيدًا.. فَقَدْ تَلَبَّدَتِ السَّمَاءُ بِالْغُيُومِ السَّوْدَاءِ.. وَأَخَذَتِ الرِّيحُ تَعْصِفُ بِقُوَّةٍ.. ثُمَّ هَطَلَ الْمَطَرُ مِدْرَارًا.. وَفَاضَ مَاءُ النَّهْرِ فَيَضَانًا.. فَدَمَّرَ شَاطِئَيْهِ.. وَغَمَرَ بِطُوفَانِهِ الْحُقُولَ وَالْمَزَارِعَ!

وَإِذَا بِنَا نُؤَلِّفُ سَيْلاً يُخَرِّبُ الْبُيُوتَ وَالْمَنَازِلَ، وَيُهَدِّدُ حَيَاةَ البَشَرِ، وَيَجْرِفُ حَصَادَ الحُقُول..

وَانْقَلَبَ النَّهْرُ المُسَالِمُ مَارِدًا مُخِيفًا، بَشِعًا، قَذِرًا، مُفْعَمًا بِالْوَحْلِ وَالْحُطَامِ.

وَلكِنَّ هذا الْكابُوسَ انْتَهَى: فَسَطَعَتِ الشَّمْسُ، وَغِيْضَ الْمَاءُ.. وَعَادَ النَّهْرُ يَنْسَابُ في السُّهُولِ.. وَيَمْنَحُ مَاءَهُ لِيَرْوِيَ بِهِ غَلِيلَ النَّبَاتَاتِ، ولِيَصِلَ إِلى بَيْتِكَ وَإِلى كُلِّ بَيْتٍ.. نقيًّا عَذْبًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ..

غَيْرَ أَنَّ سَعَادَتَنَا لَمْ تَطُلْ.. إِذْ سَرْعَانَ مَا وَجَدْتُ نَفْسِي في مَكانٍ آخَرَ.. وَالسَّمَاءُ مُظْلِمَةٌ مِنْ جَدِيدٍ.. بِالدُّخَانِ الَّذي يَتَصَاعَدُ مِنَ الْمَدَاخِنِ وَالأَقْذَارِ الَّتي تَنْصَبُّ في النَّهْرِ مِنَ الْمَصَانِع!

وَأَبْصَرْتُ رَغْوَةً بَيْضَاءَ لَهَا سُحُبٌ شِرِّيرَةٌ وَطَعْمٌ حامِضٌ تَجْثُمُ فَوْقِي وَتَكْتُمُ أَنْفَاسِي.. وَنَظَرْتُ هُنا وهُنَاكَ فَإِذَا الأَسْمَاكُ تَمُوتُ مِنْ حَوْلِي.. وَالْمَاءُ كُلُّهُ يَفْسُدُ ويَتَغَيَّرُ!.. لَوَّثَهُ الإِنْسانُ.. إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولاً!

لَسْتُ أَدْرِيْ كَيْفَ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَنْجُوَ مِنْ هذا الْخَطَرِ المُخِيفِ.. وَوَقَفْتُ أَلْتَقِطُ أَنْفَاسي وَأَنِا لا أَكَادُ أُصَدِّقُ أَنَّني قَدْ نَجَوْتُ.. وَيَحْكُونَ لي أَنَّ النَّهْرَ ما زَالَ في بَعْضِ أَجْزَائِهِ قاتِلاً مُميتًا لأَنَّ الإِنْسَانَ الظَّلُومَ الْجَهُولَ ما زَالَ يُصِرُّ عَلى تَلْوِيثِهِ وَإِفْسَادِهِ..

وَصَلْتُ إِلى الْوَادي الَّذي يَشُقُّ طَرِيقَهُ بَيْنَ الْجِبَالِ.. ثُمَّ صَبَّ الْوَادي في بُحَيْرَةٍ لَطِيفَةٍ.. صَنَعَها الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ هذِهِ الْمَرَّةَ! فَقَدْ بَنى سَدًّا عالِيًا! وَإِذَا بِقُوَّةٍ عَجِيبَةٍ تَسْحَبُنِي فَأَدْخُلُ في أَنْبُوبٍ كَبيرٍ في آخِرِهِ آلَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ ذَاتُ أَجْنِحَةٍ كَثِيرَةٍ.. قالُوا إِنَّ اسْمَها ((الْعَنَفَة)).. وَوَجَدْتُ نَفْسي أَدْفَعُ أَحَدَ أَجْنِحَتِهَا وَأَخَوَاتي يَدْفَعْنَ غَيْرَهُ.. وَأَخَذَتِ الْعَنَفَةُ تَدُورُ.. فَتُوَلِّدُ التَيَّارَ الْكَهْرَبائيَّ بِفَضْلِ قُوَّةِ الْمَاءِ!

أَضْحى النَّهْرُ الآْنَ أَكْبَرَ، وأَكْثَرَ وَدَاعَةً.. وَأَخَذَ يُغْنِّي أُغْنِيَّةَ الْبَحْرِ الْجَمِيلِ..

وَكَانَ عَلى حَقٍّ، فَسَرْعانَ ما شَعَرْتُ بِطَعْمٍ مالِحٍ.. وَرَأَيْتُ أَسْمَاكًا لَمْ أَرَهَا مِنْ قَبْلُ!

وَأَحْسَسْتُ كَمْ هِيَ عَظَمَةُ اللهِ الْقَادِرِ عَلى مَزْجِ النَّهْرِ بِالْبَحْرِ.. هذا عَذْبٌ فُراتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ.. وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ.. وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا.. وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا...

وَأَخَذْتُ أَتَأَمَّلُ الشَّمْسَ في جَوِّ السَّماءِ.. لَقَدْ أَسَرَتْني بِجَمَالِهَا.. وَجَذَبَتْنِي إِلَيْهَا بِجاذِبِيَّتِها.. وَأَحْسَسْتُ أَنَّ وَزْني يَخِفُّ.. ثُمَّ أَدرَكْتُ أَنَّني أَطِيرُ.. وَمَعِي مِئَاتُ القَطَراتِ مِنْ أَمْثَالي.. نُؤلِّفُ بُخَارًا بِفَضْلِ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ.. ثُمَّ حَمَلَتْني الرِِّيحُ مَعَهُنَّ إِلى غَيْمَةٍ بَيْضَاءَ..

وَدَعَوْتُ رَبِّيْ أَنْ أَعُودَ إِلى الأَرْضِ فَاسْتَجَاب دُعَائي، وَإذَا بِهِ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا.. ثُمَّ يَسُوقُهُ وَيُزْجِيهِ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ مِنَ الْعَطَشِ.. ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ فَتَرى البُخَارَ يَنْعَقِدُ ماءً مِنْ جَدِيدٍ.. وَتَرَى الْوَدْقَ – وَهُوَ قَطَرَاتُ المَطَرِ – يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ.. فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها..

وَانْشَقَّتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْني، وَأَخَذْتُ أَسْرِي في أَعْمَاقِها.. وَبَقِيتُ في أَحْضَانِها مَا شَاءَ اللهُ.. ثُمَّ إِذَا بِبَعْضِ الأَحْجَارِ تَفْتَحُ لي بَابًا أَخْرُجُ مِنْهُ!

وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ.. وَإِنَّ مِنْها لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ!

وَعُدْتُ إِلى النَّبْعِ الَّذي وُلِدْتُ فيهِ مِنْ قَبْلُ.. وَرَأَيْتُ الأَرَانِبَ وَالدُّبَّ في انْتِظَارِي.. فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِنَّ السَّلامَ.. وَأَيْقَنْتُ أَنَّ رِحْلَتي سَتَتَكَرَّرُ إلى مَا شَاءَ الله!
:3sr35::3sr35::3sr35:

مساحة قلم
06-29-19, 01:41 AM
سلمتي
ينقل للقسم المناسب

هاجسي
06-29-19, 07:58 PM
السلام عليكم


جميله هي عبارات وخيالك ...... احسنت



دمت في حفظ الكريم .

حنآيآ الروح
07-04-19, 10:05 AM
كل الشكر والامتنان على روعهـ بوحـكـ ..
وروعهـ مانــثرت .. وجماليهـ طرحكـ ..:ورده:


SEO by vBSEO 3.6.1