منتديات مسك الغلا
 


موضوع مُغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-08-10, 08:12 PM   #1
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

ذاكـــــــــــرة الجــ س ــــد ....لأحلام مستغانمي



بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين




( رواية ذاكرة الجسد )


رواية رائعه


للكاتبة : أحلام مستغانمي


مقــــــــدمه..




صدرت رواية ذاكرة الجسد سنة 1993 في بيروت. بلغت طبعاتها حتى فبراير 2004, 19 طبعة. بيع منها حتى الآن 130000 نسخة (عدا النسخ المقرصنة في عدة دول عربية مثل الاردن – فلسطين- سوريا- مصر – لبنان). اعتبرها النقّاد أهم عمل روائي صدر في العالم العربي خلال العشر سنوات الأخيرة وبسبب نجاحاتها أثيرت حولها الزوابع مما جعلها الرواية الأشهر والأكثر إثارة للجدل. ظلّت لعدة سنوات الرواية الاكثر مبيعاً حسب إحصائيات معارض الكتاب العربية (معرض بيروت – عمّان- سوريا- تونس- الشارقة). حصلت على جائزة "نجيب محفوظ" للرواية سنة 1997. وهي جائزة تمنحها الجامعة الأميركية بالقاهرة لأهم عمل روائي بالّلغة العربية. جائزة "نور" عن مؤسسة نور للإبداع النسائي القاهرة 1996. جائزة "جورج طربيه للثقافة والابداع " سنة 1999 لأهم إنتاج إبداعي (بيروت). صدرت عن الرواية ما لا يحصى من الدراسات والأطروحات الجامعيّة عبر العالم العربي في جامعات الأردن, سوريا, الجزائر, تونس, المغرب مرسيليا, البحرين. اعتمدت للتدريس في عدة جامعات في العالم العربي وأوروبا منها: جامعة السوبورن.. جامعة ليون و(إيكس ان بروفنس) و(مون بوليه) الجامعة الأمريكية في بيروت.. جامعة اليسوعية.. كلّيّة الترجمة.. الجامعة العربية بيروت.. كما اعتدمت في البرنامج الدراسي لعدة ثانويات ومعاهد لبنانية. كانت نصوصها ضمن مواد إمتحانات الباكلوريا في لبنان لسنة ‏2003‏‏. إشترت شركة أفلام مصر العالمية سنة 1998 حقوق الرواية لإنتاجها سينمائياً.. لكن بطلب من المؤلفة ألغي العقد سنة 2001. أبدى الممثل العربي القدير نور الشريف أكثر من مرّة أمنيته في نقل هذا العمل الى السينما في فيلم ضخم, وعد بإيصاله الى مهرجان "كان" العالمي. كما تداولت الصحافة العربية لعدة سنوات أسماء ممثلات رشحّن لأداء الدور النسائي في هذا الفيلم. ترجمت الى عدّة لغات عالمية منها: - الانكليزية. صدرت الطبعة الثانية سنة 2003. الفرنسية سنة 2003 عن دار Albin Michel تصدر الطبعة الثانية هذا العام في سلسلة كتاب الجيب. الايطالية.. الصينية.. الكرديّة.



أنتظروني عن قريــــــــــــب أبدأ الروايه..
قراءه ممتعه..


 


قديم 05-08-10, 08:14 PM   #2
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



الفصل الأول




ما زلت أذكر قولك ذات يوم :


"الحب هو ما حدث بيننا. والأدب هو كل ما لم يحدث".


يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء أن أقول :


هنيئا للأدب على فجيعتنا إذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث . إنها تصلح اليوم لأكثر من كتاب .


وهنيئا للحب أيضا ...


فما أجمل الذي حدث بيننا ... ما أجمل الذي لم يحدث... ما أجمل الذي لن يحدث .


قبل اليوم, كنت اعتقد أننا لا يمكن أن نكتب عن حياتنا إلا عندما نشفى منها .


عندما يمكن أن نلمس جراحنا القديمة بقلم , دون أن نتألم مرة أخرى .


عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون حقد أيضا .


أيمكن هذا حقاً ؟


نحن لا نشفى من ذاكرتنا .


ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا أيضا .


- أتريد قهوه ؟


يأتي صوت عتيقة غائبا, وكأنه يطرح السؤال على شخص غيري .


معتذرا دون اعتذار, على وجه للحزن لم أخلعه منذ أيام .


يخذلني صوتي فجأة ...


أجيب بإشارة من رأسي فقط .


فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصينية قهوة نحاسيه كبيرة عليها إبريق، وفناجين, وسكريه, ومرشّ لماء الزهر, وصحن للحلويات .


في مدن أخرى تقدم القهوة جاهزة في فنجان, وضعت جواره مسبقاً معلقه وقطعة سكر .


ولكن قسنطينة مدينه تكره الإيجاز في كل شيء .


إنها تفرد ما عندها دائما .تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرف .


ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينة .


أجمع الأوراق المبعثرة أمامي , لأترك مكاناً لفنجان القهوة وكأنني أفسح مكانا لك ..


بعضها مسودات قديمة, وأخرى أوراق بيضاء تنتظر منذ أيام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها الحياة, وتتحول من ورق إلى أيام .


كلمات فقط, أجتاز بها الصمت إلى الكلام, والذاكرة إلى النسيان, ولكن ..


تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك .


فكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوة المرّة . ولحظتها فقط, شعرت أنني قادر على الكتابة عنك فأشعلت سيجارة عصبيّة, ورحت أطارد دخان الكلمات التي أحرقتني منذ سنوات, دون أن أطفئ حرائقها مرة فوق صفحه .


هل الورق مطفأة للذاكرة؟


نترك فوقه كل مرة رماد سيجارة الحنين الأخيرة , وبقايا الخيبة الأخيرة. .


من منّا يطفئ أو يشعل الآخر ؟


لا ادري ... فقبلك لم اكتب شيئا يستحق الذكر... معك فقط سأبدأ الكتابة.


ولا بد أن أعثر أخيراً على الكلمات التي سأنكتب بها, فمن حقي أن أختار اليوم كيف أنكتب. أنا الذي أخترت تلك القصة .


قصه كان يمكن أن لا تكون قصتي, لو لم يضعك القدر كل مره مصادفه, عند منعطفات فصولها .


من أين جاء هذا الارتباك؟


وكيف تطابقت مساحة الأوراق البيضاء المستطيلة, بتلك المساحة الشاسعة البياض للوحات لم ترسم بعد.. وما زالت مسنده جدار مرسم كان مرسمي ؟


وكيف غادرتني الحروف كما غادرتني قبلها الألوان. وتحول العالم إلى جهاز تلفزيون عتيق, يبث الصور بالأسود والأبيض فقط ؟


ويعرض شريطا قديما للذاكرة, كما تعرض أفلام السينما الصامتة .


كنت أحسدهم دائماً, أولئك الرسامين الذين كانوا ينتقلون بين الرسم والكتابة دون جهد, وكأنهم ينتقلون من غرفه إلى أخرى داخلهم. كأنهم ينتقلون بين امرأتين دون كلفة ..


كان لا بد ألا أكون رجلا لامرأة واحدة !


ها هوذا القلم إذن.. الأكثر بوحا والأكثر جرحا ً.


ها هو ذا الذي لا يتقن المراوغة , ولا يعرف كيف توضع الظلال على الأشياء . ولا كيف ترش الألوان على الجرح المعروض للفرحة .


وها هي الكلمات التي حرمت منها , عارية كما أردتها , موجعه كما أردتها , فَلِمَ رعشة الخوف تشلّ يدي , وتمنعني من الكتابة؟


تراني أعي في هذه اللحظة فقط ، أنني استبدلت بفرشاتي سكيناً. وأن الكتابة إليك قاتله.. كحبك .


ارتشفت قهوتك المرة, بمتعه مشبوهة هذه المرّة. شعرت أنني على وشك أن اعثر على جمله أولى, ابدأ بها هذا الكتاب .


جمله قد تكون في تلقائية كلمات رسالة .


كأن أقول مثلا :


"أكتب إليك من مدينه ما زالت تشبهك, وأصبحت أشبهها. ما زالت الطيور تعبر هذه الجسور على عجل, وأنا أصبحت جسرا آخر معلقاً هنا.


لا تحبي الجسور بعد اليوم..".


أو شيئا آخر مثل :


" أمام فنجان قهوة ذكرتك ..


كان لا بد أن تضعي ولو مرة قطعة سكر في قهوتي . لماذا كل هذه الصينية.. من أجل قهوة مرّة..؟".


كان يمكن أن أقول أي شيء ...


ففي النهاية, ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات, نكتبها خارج المناسبات المعلنة.. لنعلن نشرتنا النفسية, لمن يهمهم أمرنا .


ولذا أجملها, تلك التي تبدأ بجمله لم يتوقعها من عايش طقسنا وطقوسنا. وربما كان يوما سببا في كل تقلباتنا الجوية .


تتزاحم الجمل في ذهني . كل تلك التي لم تتوقعيها .


وتمطر الذاكرة فجأة ..


فأبتلع قهوتي على عجل. وأشرع نافذتي لأهرب منك إلى السماء الخريفية.. إلى الشجر والجسور والمارة.


إلى مدينة أصبحت مدينتي مرة أخرى . بعدما أخذت لي موعدا معها لسبب آخر هذه المرة .


ها هي ذي قسنطينة.. وها هو كل شيء أنت .


وها أنت تدخلين إليّ, من النافذة نفسها التي سبق أن دخلت منها منذ سنوات. مع صوت المآذن نفسه, وصوت الباعة, وخطى النساء الملتحفات بالسواد, والأغاني القادمة من مذياع لا يتعب ...


"يا التفاحة .. يا التفاحة ... خبريني وعلاش الناس والعة بيك ..".


تستوقفني هذه الأغنية بسذاجتها .


تضعني وجهاً لوجه مع الوطن . تذكرني دون مجال للشك بأنني في مدينه عربيه فتبدو السنوات التي قضيتها في باريس حلماً خرافياً .


هل التغزل بالفواكه ظاهره عربية؟ أم وحده التفاح الذي ما زال يحمل نكهة خطيئتنا الأولى, شهيّ لحدّّ التغنّي به، في أكثر من بلد عربي .


وماذا لو كنت تفاحه؟


لا لم تكوني تفاحه .


كنت المرأة التي أغرتني بأكل التفاح لا أكثر. كنت تمارسين معي فطرياً لعبة حواء . ولم يكن بإمكاني أن أتنكر لأكثر من رجل يسكنني, لأكون معك أنت بالذات في حماقة آدم !


-أهلا سي خالد..واش راك اليوم ..؟


يسلّم عليّ الجار, تسلّقت نظراته طوابق حزني. وفاجأه وقوفي الصباحي, خلف شرفة للذهول .


أتابع في نظرة غائبة, خطواته المتجهة نحو المسجد المجاور . وما يليها من خطوات, لمارة آخرين, بعضها كسلى, وأخرى عجلى, متجهة جميعها نحو المكان نفسه .


الوطن كله ذاهب للصلاة .


والمذياع يمجد أكل التفاحة .


وأكثر من جهاز هوائي على السطوح, يقف مقابلا المآذن يرصد القنوات الأجنبية، التي تقدم لك كل ليله على شاشة تلفزيونك, أكثر من طريقه _عصريه_ لأكل التفاح !


أكتفي بابتلاع ريقي فقط .


في الواقع لم أكن أحب الفواكه. ولا كان أمر التفاح يعنيني بالتحديد .


كنت أحبك أنت. وما ذنبي إن جاءني حبك في شكل خطيئة؟


كيف أنت.. يسألني جار ويمضي للصلاة .


فيجيب لساني بكلمات مقتضبة، ويمضي في السؤال عنك .


كيف أنا؟


أنا ما فعلته بي سيدتي.. فكيف أنتِ ؟


يا امرأة كساها حنيني جنوناً، وإذا بها تأخذ تدريجيا , ملامح مدينه وتضاريس وطن .


وإذا بي اسكنها في غفلة من الزمن, وكأنني اسكن غرف ذاكرتي المغلقة من سنين .


كيف حالك؟


يا شجرة توت تلبس الحداد وراثيا كل موسم .


يا قسنطينية الأثواب ....


يا قسنطينية الحب ... والأفراح والأحزان والأحباب .. أجيبي أين تكونين الآن؟ .


ها هي ذي قسنطينه ...


باردة الأطراف والأقدام. محمومة الشفاه, مجنونة الأطوار .


ها هي ذي .. كم تشبهينها اليوم أيضا ... لو تدرين !


دعيني أغلق النافذة!.


كان مارسيل بانيول يقول:


"تعوّد على اعتبار الأشياء العادية .. أشياء يمكن أن تحدث أيضاً " .


أليس الموت في النهاية شيئا عاديا. تماما كالميلاد, والحب, والزاج, والمرض, والشيخوخة, والغربة والجنون, وأشياء أخرى ؟


فما أطول قائمة الأشياء العادية التي نتوقعها فوق العادة, حتى تحدث. والتي نعتقد أنها لا تحدث سوى للآخرين, وأن الحياة لسبب أو لآخر ستوفر علينا كثيرا منها, حتى نجد أنفسنا يوما أمامها .


عندما ابحث في حياتي اليوم, أجد أن لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق للعادة حقاً. الشيء الوحيد الذي لم أكن لأتنبأ به، أو أتوقع عواقبه عليّ. لأنَّني كنت اجهل وقتها أن الأشياء غير العادية, قد تجر معها أيضا كثيرا من الأشياء العادية .


ورغم ذلك ....


ما زلت أتساءل بعد كل هذه السنوات, أين أضع حبك اليوم ؟


أفي خانة الأشياء العادية التي قد تحدث لنا يوما كأية وعكه صحية أو زلة قدم.. أو نوبة جنون؟


أم .. أضعه حيث بدأ يوماً؟


كشيء خارق للعادة, كهدية من كوكب, لم يتوقع وجوده الفلكيون. أو زلزال لم تتنبأ به أية أجهزة للهزات الأرضية .


أكنتِ زلة قدم .. أم زلة قدر ؟.


أقلّب جريدة الصباح بحثا عن أجوبة مقنعه لحدث "عادي" غيّر مسار حياتي وجاء بي إلى هنا .


أتصفح تعاستنا بعد كل هذه الأعوام , فيعلق الوطن حبراً أسود بيدي .


هناك صحف يجب أن تغسل يديك إن تصفحتها وإن كان ليس للسبب نفسه في كل مرة. فهنالك واحده تترك حبرها عليك .. وأخرى أكثر تألقا تنقل عفونتها إليك .


ألأنّ الجرائد تشبه دائما أصحابها, تبدو لي جرائدنا وكأنها تستيقظ كل يوم مثلنا, بملامح متعبه وبوجه غير صباحي غسلته على عجل، ونزلت به إلى الشارع. هكذا دون أن تكلف نفسها مشقة تصفيف شعرها, أو وضع ربطة عنق مناسبة.. أو إغرائنا بابتسامة .


25 أكتوبر 1988 .


عناوين كبرى.. كثير من الحبر الأسود. كثير من الدم. وقليل من الحياء .


هناك جرائد تبيعك نفس صور الصفحة الأولى.. ببدلة جديدة كل مره .


هنالك جرائد.. تبيعك نفس الأكاذيب بطريقة أقل ذكاء كل مرّة ....


وهنالك أخرى، تبيعك تذكرة للهروب من الوطن.. لا غير .


وما دام ذلك لم يعد ممكنا, فلأغلق الجريدة إذن.. ولأذهب لغسل يدي .


آخر مره استوقفتني فيها صحيفة جزائرية, كان ذلك منذ شهرين تقريبا. عندما كنت أتصفح عن طريق المصادفة, وإذا بصورتك تفاجئني على نصف صفحه بأكملها, مرفقه بحوار صحافي بمناسبة صدور كتاب جديد لك .


يومها تسمَََََّر نظري أمام ذلك الإطار الذي كان يحتويك. وعبثا رحت أفكّ رموز كلامك . كنت أقرأك مرتبكاً، متلعثماً, على عجل. وكأنني أنا الذي كنت أتحدث إليك عني, ولست أنت التي كنت تتحدثين للآخرين, عن قصة ربما لم تكن قصتنا .


أي موعد عجيب كان موعدنا ذلك اليوم! كيف لم أتوقع بعد تلك السنوات أن تحجزي لي موعدا على ورق بين صفحتين, في مجلة لا اقرأها عادة .


إنّه قانون الحماقات، أليس كذلك؟ أن أشتري مصادفة مجلة لم أتعوّد شراءها، فقط لأقلب حياتي رأساً على عقبّ


وأين العجب؟


ألم تكوني امرأة من ورق. تحب وتكره على ورق. وتهجر وتعود على ورق. وتقتل وتحيي بجرّة قلم.


فكيف لا أرتبك وأنا أقرأك. وكيف لا تعود تلك الرعشة المكهربة لتسري في جسدي، وتزيد من خفقان قلبي، وكأنني كنت أمامك، ولست أمام صورة لك.


تساءلت كثيراً بعدها، وأنا أعود بين الحين والآخر لتلك الصورة، كيف عدتِ هكذا لتتربصي بي، أنا الذي تحاشيت كل الطرق المؤدية إليك؟


كيف عدت.. بعدما كاد الجرح أن يلتئم. وكاد القلب المؤثث بذكراك أن يفرغ منك شيئاً فشيئاً وأنت تجمعين حقائب الحبّ، وتمضين فجأة لتسكني قلباً آخر.


غادرت قلبي إذن..


كما يغادر سائح مدينة جاءها في زيارة سياحية منظمة. كلّ شيء موقوت فيها مسبقاً، حتى ساعة الرحيل، ومحجوز فيها مسبقاً، حتى المعالم السياحية التي سيزورها، واسم المسرحية التي سيشاهدها، وعنوان المحلات التي سيشتري منها هدايا للذكرى.


فهل كانت رحلتك مضجرة إلى هذا الحد؟


ها أنا أمام نسخة منك، مدهوش مرتبك، وكأنني أمامك.


تفاجئني تسريحتك الجديدة. شعرك القصير الذي كان شالاً يلف وحشة ليلي.. ماذا تراك فعلت به؟


أتوقف طويلاً عند عينيك. أبحث فيهما عن ذكرى هزيمتي الأولى أمامك.


ذات يوم.. لم يكن أجمل من عينيك سوى عينيك. فما أشقاني وما أسعدني بهما!


هل تغيرت عيناك أيضاً.. أم أن نظرتي هي التي تغيرت؟ أواصل البحث في وجهك عن بصمات جنوني السابق. أكاد لا أعرف شفاهك ولا ابتسامتك وحمرتك الجديدة.


كيف حدث يوماً.. أن وجدت فيك شبهاً بأمي. كيف تصورتك تلبسين ثوبها العنابي، وتعجنين بهذه الأيدي ذات الأظافر المطلية الطويلة، تلك الكسرة التي افتقدت مذاقها منذ سنين؟


أيّ جنون كان لك.. وأية حماقة!


هل غيّر الزواج حقاً ملامحك وضحكتك الطفولية، هل غيّر ذاكرتك أيضاً، ومذاق شفاهك وسمرتك الغجرية؟


وهل أنساك ذلك "النبي المفلس" الذي سرقوا منه الوصايا العشر وهو في طريقه إليك.. فجاءك بالوصية الحادية عشرة فقط.


ها أنت ذي أمامي، تلبسين ثوب الردّة. لقد اخترت طريقاً آخر. ولبست وجهاً آخر لم أعد أعرفه. وجهاً كذلك الذي نصادفه في المجلات والإعلانات، لتلك النساء الواجهة، المعدات مسبقاً لبيع شيء ما، قد يكون معجون أسنان، أو مرهماً ضد التجاعيد.


أم تراك لبست هذا القناع، فقط لتروّجي لبضاعة في شكل كتاب، أسميتها "منعطف النسيان" بضاعة قد تكون قصتي معك.. وذاكرة جرحي؟


وقد تكون آخر طريقه وجدتها لقتلي اليوم من جديد, دون أن تتركي بصماتك على عنقي .


يومها تذكرت حديثاً قديماً لنا . عندما سألتك مرة لماذا اخترتِ الرواية بالذات. وإذا بجوابك يدهشني .


قلت يومها بابتسامة لم أدرك نسبة الصدق فيها من نسبة التحايل:


" كان لا بد أن أضع شيئا من الترتيب داخلي.. وأتخلص من بعض الأثاث القديم . إنَّ أعماقنا أيضا في حاجة إلى نفض كأيّ بيت نسكنه ولا يمكن أن أبقي نوافذي مغلقه هكذا على أكثر من جثة ..


إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير, وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئاً على حياتنا. فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم... وامتلأنا بهواء نظيف ..." .


وأضفت بعد شيء من الصمت:


" في الحقيقة كل رواية ناجحة, هي جريمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما. وربما تجاه شخص ما, على مرأى من الجميع بكاتم صوت. ووحده يدري أنَّ تلك الكلمة الرصاصة كانت موجّهة إليه


والروايات الفاشلة, ليست سوى جرائم فاشلة, لا بد أن تسحب من أصحابها رخصة حمل القلم, بحجة أنهم لا يحسنون استعمال الكلمات, وقد يقتلون خطأ بها أيّ احد .. بمن في ذلك أنفسهم , بعدما يكونون قد قتلوا القراء ... ضجراً !".


كيف لم تثر نزعتك الساديّة شكوكي يومها .. وكيف لم أتوقع كل جرائمك التي تلت ذلك اليوم, والتي جربت فيها أسلحتك الأخرى؟


لم أكن أتوقع يومها انك قد توجهين يوما رصاصك نحوي .


ولذا ضحكت لكلامك, وربما بدأ يومها انبهاري الآخر بك. فنحن لا نقاوم, في هذه الحالات , جنون الإعجاب بقاتلنا !


ورغم ذلك أبديت لك دهشتي . قلت :


_ كنت اعتقد أن الرواية طريقه الكاتب في أن يعيش مرة ثانيه قصه أحبها.. وطريقته في منح الخلود لمن أحب .


وكأنّ كلامي فاجأك فقلت وكأنك تكتشفين شيئا لم تحسبي له حسابا:


- وربما كان صحيحا أيضا, فنحن في النهاية لا نقتل سوى من أحببنا. ونمنحهم تعويضا عن ذلك خلودا أدبيا . إنها صفقه عادلة . أليس كذلك؟!


يتبـــــــــع....


 


قديم 05-08-10, 08:22 PM   #3
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



ثمَّ أعود وأخجل من وقار صوته، ومن مسحة الضعف النادرة التي غلّفت جملته تلك، هو الذي كان يريد أن يبدو أمامنا دائماً، رجلاً مهيباً لا هموم له سوى هموم الوطن، ولا أهل له غير رجاله..

لقد اعترف لي أنَّه رجل ضعيف؛ يحنّ ويشتاق وقد يبكي ولكن، في حدود الحياء، وسراً دائماً. فليس من حقّ الرموز أن تبكي شوقاً.


إنه لم يذكر أمكِ مثلاً.. تراه لم يحنّ إليها، هي العروس التي لم يتمتع بها غير أشهر مسروقة من العمر وتركها حاملاً.


ولماذا هذا الاستعجال المفاجئ؟ لماذا لا ينتظر بعض الوقت ليرتِّب قضية غيابه لأيام، ويقوم هو نفسه بتسجيلكِ؟


لقد انتظر ستة أشهر، فلماذا لا ينتظر أسابيع أخرى.. ولماذا أنا بالذات..


أيّ قدر جعلني أحضر إلى هناك بتوقيتك؟


كلما طرحت على نفسي هذا السؤال، دهشت له وآمنت بالمكتوب.


فقد كان بإمكان (سي طاهر) برغم مسؤولياته أن يهرب ليوم أو ليومين إلى تونس. ولم تكن قضية عبور الحدود بحراستها المشددة ودورياتها وكمائنها لتخيفه، ولا حتى اجتياز (خط موريس) المكهرب والمفروش بالألغام، والممتد بين الحدود التونسية الجزائرية من البحر إلى الصحراء، والذي اجتازه فيما بعد ثلاث مرات، وهو رقم قياسي بالنسبة لعشرات المجاهدين الذين تركوا جثثهم على امتداده.


أكان حبّ (سي طاهر) للانضباط، واحترامه للقوانين هو الذي خلق عنده ذلك الشعور بالقلق بعد ميلادك، وهو يكتشف عاجزاً أنه أب منذ شهور لطفلة لم يمنحها اسماً، ولم يتمكن حتى من تسجيلها؟


أم كان يخاف، هو الذي انتظرك طويلاً، أن تضيعي منه إن هو لم يرسخ وجودك وانتسابك له على ورقة رسمية عليها ختم رسمي؟


أكان يتشاءم من وضعك القانوني هذا، ويريد أن يسجل أحلامه في دار البلدية، ليتأكد من أنها تحولت إلى حقيقة.. وأنَّ القدر لن يعود ليأخذها منه، هو الذي كان حلمه في النهاية أن يصبح أباً كالآخرين بعد محاولة زواج فاشلة لم يرزق منها ذرّية؟


ولا أدري إذا كان (سي الطاهر) في أعماقه يفضّل لو كان مولوده صبيّاً.. أدري فقط، كما علمت فيما بعد، أنه حاول أن يتحايل على القدر وأن يترك قبل سفره اسماً احتياطياً لصبي،متجاهلاً احتمال مجيء أنثى. وربما فعل ذلك أيضاً بعقلية عسكرية، وبهاجس وطني دون أن يدري.. فقد كانت أحاديثه وخططه العسكرية تبدأ غالباً بتلك الجملة التي كثيراً ما سمعته يردِّدها "لازمنا رجال يا جماعة.."


إذن، لهذا كان (سي طاهر) يبدو سعيداً ومتفائلاً في كلّ شيء في تلك الفترة..


فجأة تغيّر الرجل الصلب. أصبح أكثر مرونة وأكثر دعابة في أوقات فراغه.


شيء ما كان يتغير تدريجياً داخله، ويجعله أقرب إلى الآخرين، وأكثر تفهماً لأوضاعهم الخاصة.


فقد أصبح يمنح البعض بسهولة أكثر تسريحات لزيارة خاطفة يقومون بها إلى أهلهم، هو الذي كان يبخل بها على نفسه. لقد غيّرته الأبوّة المتأخرة، التي جاءت رمزاً جاهزاً لمستقبل أجمل..


معجزة صغيرة للأمل.. كانت أنتِ.


طلع صباح آخر..


وها هو ذا النهار يفاجئني بضجيجه الاعتيادي، وبضوئه المباغت الذي يدخل النور إلى أعماقي غصباً عني، فأشعر أنه يختلس شيئاً مني.


في هذه اللحظة.. أكره هذا الجانب الفضولي والمحرج للشمس.


أريد أن أكتب عنك في العتمة. قصتي معك شريط مصور أخاف أن يحرقه الضوء ويلغيه، لأنك امرأة نبتت في دهاليزي السرية..


لأنك امرأة امتلكتها بشرعية السرية..


لا بد أن أكتب عنك بعد أن أسدل كلّ الستائر، وأغلق نوافذ غرفتي.


ورغم ذلك.. يسعدني في هذه اللحظة منظر الأوراق المكدسة أمامي، والتي ملأتها البارحة، في ليلة نذرتها للجنون. فقد أهديتها لك مغلّفة بصورة مهذبة في كتاب..


وأدري..


أدري أنَّك تكرهين الأشياء المهذّبة جداً.. وأنَّك أنانية جداً.. وأن لا شيء يعنيك في النهاية، خارج حدودك أنت.. وجسدك أنت.


ولكن قليلاً من الصبر سيّدتي.


صفحات أخرى فقط.. ثم أعرِّي أمامك ذاكرتي الأخرى. صفحات أخرى لا بد منها، قبل أن أملأك غروراً.. وشهوة.. وندماً وجنوناً. فالكتب كوجبات الحبّ.. لا بدّ لها من مقدّمات أيضاً.. وإن كنت أعترف أنّ "المقدمات" ليست مشكلتي الآن بقدر ما يربكني البحث عن منطلق لهذه القصة.


من أين أبدأ قصتي معك؟


ولقصتك معي عدّة بدايات، تبدأ مع النهايات غير المتوقعة ومع مقالب القدر.


وعندما أتحدث عنك.. عمّن تراني أتحدَّث؟ أعن طفلة كانت تحبو يوماً عند قدمي.. أم عن صبية قلبت بعد خمس وعشرين سنة حياتي.. أم عن امرأة تكاد تشبهك، أتأملها على غلاف كتاب أنيق عنوانه "منعطف النسيان" .. وأتساءل: أتراها حقاً.. أنتِ؟ وعندما أسميك فبأي اسم؟


تُرى أدعوك بذلك الاسم الذي أراده والدك، وذهبت بنفسي لأسجله نيابة عنه في سجلات البلدية، أم باسمك الأول، ذلك الذي حملته خلال ستة أشهر في انتظار اسم شرعي آخر؟ "حياة"..


سأدعوك هكذا.. ليس هذا اسمك على كل حال. إنه أحد أسمائك فقط.. فلأسمينَّك به إذن مادام هذا الاسم الذي عرفتك به، والاسم الذي أنفرد بمعرفته. اسمك غير المتداول على الألسنة، وغير المسجّل على صفحات الكتب والمجلات، ولا في أيّ سجلات رسمية.


الاسم الذي مُنحته لتعيشي وليمنحك الله الحياة والذي قتلته أنا ذات يوم، وأنا أمنحك اسماً رسمياً آخر، ومن حقي أن أحييه اليوم، لأنه لي ولم يُنادِكِ رجل قبلي يه.


اسمك الطفولي الذي يحبو على لساني، وكأنك أنت منذ خمس وعشرين سنة. وكلما لفظته، عدت طفلة تجلس على ركبتي وتعبث بأشيائي وتقول لي كلاماً لا أفهمه..


فأغفر لك لحظتها كلّ خطاياك.


كلما لفظته تدحرجت إلى الماضي، وعدت صغيرة في حجم دمية.. وإذا بك ابنتي.


هل أقرأ كتابك لأعرف كيف تحولت تلك الطفلة الصغيرة إلى امرأة؟ ولكنَّني أعرف مسبقاً أنك لن تكتبي عن طفولتك.. ولا عن سنواتك الأولى.


أنت تملئين ثقوب الذاكرة الفارغة بالكلمات فقط، وتتجاوزين الجراح بالكذب، وربما كان هذا سر تعلقك بي؛ أنا الذي أعرف الحلقة المفقودة من عمرك، وأعرف ذلك الأب الذي لم تريه سوى مرَّات قليلة في حياتك، وتلك المدينة التي كنت تسكنينها ولا تسكنك، وتعاملين أزقَََّتها دون عشق، وتمشين وتجيئين على ذاكرتها دون انتباه.


أنت التي تعلقتِ بي لتكتشفي ما تجهلينه.. وأنا الذي تعلّقت بك لأنسى ما كنت أعرفه.. أكان ممكناً لحبنا أن يدوم؟


كان (سي طاهر) طرفاً ثالثاً في قصتنا من البدء حتى عندما لا نتحدث عنه، كان بيننا حاضراً بغيابه، فهل أقتله مرة ثانية لأتفرَّد بك؟


آه لو تدرين.. لو تدرين ما أثقل حمل الوصايا، حتَّى بعد ربع قرن، وما أوجع الشهوة التي يواجهها أكثر من مستحيل وأكثر من مبدأ فلا يزيدها في النهاية إلا ... اشتهاء!


كان السؤال منذ البداية..


كيف لي أن ألغي (سي طاهر) م ذاكرتي، وألغي عمره من عمري، لأمنح حبّنا فرصة ولادة طبيعية؟


ولكن.. ما الذي سيبقى وقتها، لو أخرجتك من ذاكرتنا المشتركة وحولتك إلى فتاة عادية؟


كان والدك رفيقاً فوق العادة .. وقائداً فوق العادة.


كان استثنائياً في حياته وفي موته. فهل أنسى ذلك؟


لم يكن من المجاهدين الذين ركبوا الموجة الأخيرة، لضمنوا مستقبلهم، مجاهدي (62) وأبطال المعارك الأخيرة. ولا كان من شهداء المصادفة، الذين فاجأهم الموت في قصف عشوائي، أو في رصاصة خاطئة.


كان من طينة ديدوش مراد، ومن عجينة العربي بن مهيدي، ومصطفى بن بولعيد، الذين كانوا يذهبون إلى الموت ولا ينتظرون أن يأتيهم.


فهل أنسى أنّه والدك.. وسؤالك الدائم يعيد لاسمه هيبته حياً وشهيداً؟


فيرتبك القلب الذي أحبّك حدّ الجنون. ويبقى صدى سؤالك مائلاً... "حدثني عنه.."


سأحدثك عنه حبيبتي.. فلا أسهل من الحديث عن الشهداء. تاريخهم جاهز ومعروف مسبقاً كخاتمتهم. ونهايتهم تغفر لهم ما يمكن أن يكونوا قد ارتكبوا من أخطاء.


سأحدِّثك عن (سي طاهر)..


فوحده تاريخ الشهداء قابل للكتابة، وما تلاه تاريخ آخر يصادر الأحياء. وسيكتبه جيل لم يعرف الحقيقة ولكنه سيستنتجها تلقائياً.. فهناك علامات لا تخطئ.


مات (سي طاهر) طاهراً على عتبات الاستقلال. لا شيء في يده غير سلاحه. لا شيء في جيوبه غير أوراق لا قيمة لها.. لا شيء على أكتافه سوى وسام الشهادة.


الرموز تحمل قيمتها في موتها..


ووحدهم الذين ينوبون عنهم، يحملون قيمتهم في رتبهم وأوسمتهم الشرفيّة، وما ملأوا به جيوبهم على عجل من حسابات سرّية.


ست ساعات من الحصار والتطويق، ومنن القصف المركّز لدشرة بأكملها ليتمكن قتلته من نشر صورته على صفحات جرائد الغد كدليل على انتصاراتهم الساحقة على أحد المخرّبين و "الفلَّاقة" الذين أقسمت فرنسا أن تأتي عليهم..


أكان حقاً موت ذلك الرجل البسيط انتصاراً لقوة عظمى، كانت ستخسر بعد بضعة أشهر الجزائر بأكملها؟!


استشهد هكذا في صيف 1960، دون أن يتمتع بالنصر ولا بقطف ثماره.


ها هو رجل أعطى الجزائر كلّ شيء، ولم تعطه حتى فرصة أن يرى ابنه يمشي إلى جواره..


أو يراك أنت ربما طبيبة أو أستاذة كما كان يحلم.


كم أحبّك ذلك الرجل!


بجنون أبوّة الأربعين.. بحنان الذي كان يخفي خلف صرامته الكثير من الحنان، بأحلام الذي صودرت منه الأحلام، بزهو المجاهد الذي أدرك وهو يرى مولده الأول، أنه لن يموت تماماً بعد اليوم.


مازلت أذكر المرّات القليلة التي كان يحضر فيها إلى تونس لزيارتكم خلسة ليوم واحد أو ليومين.


وكنت وقتها أسرع إليه متلهِّفاً لسماع آخر الأخبار، وتطورات الأحداث على الجبهة. وأنا أجهد نفسي في الوقت نفسه حتى لا أسرق منه تلك الساعات القليلة النادرة، التي كان يغامر بحياته ليقضيها برفقة عائلته الصغيرة.


كنت أندهش وقتها، وأنا أكتشف فيه رجلاً آخر لا أعرفه.


رجل بثياب أخرى، بابتسامة وكلمات أخرى، وبجلسة يسهل له فيها إجلاسك على ركبته طوال الوقت لملاعبتك.


كان يعيش كل لحظة بأكملها، وكأنه يعتر من الزمن الشحيح كل قطرات السعادة؛ وكأنه يسرق من العمر مسبقاً، ساعات يعرفها معدودة؛ ويمنحك مسبقاً من الحنان زادك لعمر كامل.


كانت آخر مرة رأيته فيها، في يناير سنة 1960. وكان حضر ليشهد أهم حدث في حياته؛ ليتعرف على مولوده الثاني "ناصر"، فقد كانت أمنيته السرية أن يُرزق يوماً بكر. يومها لسبب غامض تأملته كثيراً.. وحدَّثته قليلاً.. وفضّلت أن أتركه لفرحته تلك، ولسعادته المسروقة. وعندما عدت في الغد، قيل لي إنّه عاد إلى الجبهة على عجل مؤكداً أنه سيعود قريباً لمدة أطول. ولم يعد..


انتهى بعد ذلك كرم القدر البخيل. فقد استشهد (سي طاهر) بعد بضعة أشهر دون أن يتمكن من رؤية ابنه مرّة ثانية.


كان ناصر آنذاك ينهي شهره الثامن، وأنت تدخلين عامك الخامس.


وكان الوطن في صيف 1960 بركاناً يموت ويولد كلّ يوم. وتتقاطع مع موته وميلاده، أكثر من قصة، بعضها مؤلم وبعضها مدهش..


وبعضها يأتي متأخراً كما جاءت قصتي التي تقاطعت يومها معك.


قصة فرعية، كتبت مسبقاً وحولت مسار حياتي بعد عمر بأكمله، بحكم شيء قد يكون اسمه القدر، وقد يكون العشق الجنوني..


ذاك الذي يفاجئنا من حيث لا نتوقع، متجاهلاً كلّ مبادئنا وقيمنا السابقة.


والذي يأتي متأخراً.. في تلك اللحظة التي لا نعود ننتظر فيها شيئاً؛ وإذا به يقلب فينا كلّ شيء.


فهل يمكن لي اليوم، بعدما قطعت بيننا الأيام جسور الكلام، أن أقاوم هذه الرغبة الجنونية لكتابة هاتين القصتين معاً، كما عشتهما معك ودونك، بعد ذلك بسنوات..

يتبع ......


 


قديم 05-08-10, 08:23 PM   #4
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



رغبةً.. وعشقاً.. وحلماً.. وحقداً.. وغيرةً.. وخيبةً.. وفجائع حدّ الموت. أنت التي كنت تحبّين الاستماع إليّ.. وتقلبينني كدفتر قديم للدهشة.

كان لا بد أن أكتب من أجلك هذا الكتاب، لأقول لك ما لم أجد متَّسعاً من العمر لأقوله.

سأحدثك عن الذين أحبّوك لأسباب مختلفة، وخنتهم لأسباب مختلفة أخرى.

سأحدثك حتى عن زياد، أما كنت تحبِّين الحديث عنه وتراوغين؟ لم يعد من ضرورة الآن للمراوغة.. لقد اختار كلّ منا قدره.

سأحدثك عن تلك المدينة التي كانت طرفاً في حبّنا، والتي أصبحت بعد ذلك سبباً في فراقنا، وانتهي فيها مشهد خرابنا الجميل.

فعمّ تراك ستتحدثين؟ عن أيّ رجل منَّا تراك كتبت؟ مَنْ منَّا أحببت؟ ومن.. منّا ستقتلين؟

ولمن تراك أخلصت، أنت التي تستبدلين حبّاً بحبّ، وذاكرة بأخرى، ومستحيلاً بمستحيل؟

وأين أنا في قائمة عشقك وضحاياك؟

تراني أشغل المكانة الأولى، لأنني أقرب إلى النسخة الأولى؟

تراني النسخة المزورة ل (سي طاهر) تلك التي لم يحوّلها الاستشهاد إلى نسخة طبق الأصل؟

تراني الأبوة المزورة.. أم الحب المزوّر؟

أنت التي _كهذا الوطن_ تحترفين تزوير الأوراق وقلبها.. دون جهد.

كان "مونتيرلان" يقول:

"إذا كنت عاجزاً عن قتل من تدّعي كراهيته، فلا تقل إنَّك تكرهه: أنت تعهّر هذه الكلمة!".

دعيني أعترف لك أنني في هذه اللحظة أكرهك، وأنّه كان لا بدّ أن أكتب هذا الكتاب لأقتلك به أيضاً. دعيني أجرّب أسلحتك..

فربما كنت على حق.. ماذا لو كانت الروايات مسدّسات محشوّة بالكلمات القاتلة لا غير؟.

ولو كانت الكلمات رصاصاً أيضاً؟

ولكنَّني لن أستعمل معك مسدساً بكاتم صوت، على طريقتك.

لا يمكن لرجل يحمل السلاح بعد هذا العمر، أن يأخذ كلّ هذه الاحتياطات.

أريد لموتك وقعاً مدوياً قدر الإمكان..

فأنا أقتل معك أكثر من شخص، كان لا بد أن يجرؤ أحد على إطلاق النار عليهم يوماً.

فاقرأي هذا الكتاب حتى النهاية، بعدها قد تكفّين عن كتابة الروايات الوهمية.

وطالعي قصتنا من جديد..

دهشة بعد أخرى، وجرحاً بعد آخر، فلم يحدث لأدبنا التعيس هذا، أن عرف قصة أروع منها..

ولا شهد خراباً أجمل.

إنتهى الفصل الأول...


 


قديم 05-08-10, 08:25 PM   #5
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



الفصل الثاني



كان يوم لقائنا يوماً للدهشة..

لم يكن القدر فيه هو الطرف الثاني، كان منذ البدء الطرف الأول. أليس هو الذي أتى بنا من مدن أخرى، من زمن آخر وذاكرة أخرى، ليجمعنا في قاعة بباريس، في حفل افتتاح معرض للرسم؟

يومها كنت أنا الرسام، وكنت أنت زائرة فضولية على أكثر من صعيد.

لم تكوني فتاة تعشق الرسم على وجه التحديد. ولا كنت أنا رجلاً يشعر بضعف تجاه الفتيات اللائي يصغرنه عمراً. فما الذي قاد خطاك هناك ذلك اليوم؟.. وما الذي أوقف نظري طويلاً أمام وجهك؟

كنت رجلاً تستوقفه الوجوه، لأن وجوهنا وحدها تشبهنا، وحدها تفضحنا، ولذا كنت قادراً على أن أحبّ أو أكره بسبب وجه.

وبرغم ذلك، لست من الحماقة لأقول إنني أحبتك من النظرة الأولى. يمكنني أن أقول إنني أحبتك، ما قبل النظرة الأولى.

كان فيك شيء ما أعرفه، شيء ما يشدني إلى ملامحك المحببة إليّ مسبقاً، وكأنني أحببت يوماً امرأة تشبهك. أو كأنني كنت مستعداًَ منذ الأزل لأحبّ امرأة تشبهك تماماً.

كان وجهك يطاردني بين كلّ الوجوه، وثوبك الأبيض المتنقّل من لوحة إلى أخرى، يصبح لون دهشتي وفضولي..

واللون الذي يؤثّث وحده تلك القاعة الملأى.. بأكثر من زائر وأكثر من لون.

- هل يولد الحبّ أيضاً من لونٍ لم نكن نحبّه بالضرورة!_

وفجأة اقترب اللون الأبيض منّي، وراح يتحدث بالفرنسية مع فتاة أخرى لم ألاحظها من قبل..

ربَّما لأن الأبيض عندما يلبس شعراً طويلاً حالكاً، يكون قد غطَّى على كل الألوان..

قال الأبيض وهو يتأمل لوحة:

- Je prefere l'abstrait..!

وأجاب اللون الذي لا لون له:

- moi je prefere comprendre ce que je vois.

ولم تدهشني حماقة اللون الذي لا لون له، عندما يفضّل أن يفهم كلّ ما يرى..

أدهشني اللون الأبيض فقط.. فليس من طبعه أن يفضّل الغموض!

قبل ذلك اليوم، لم يحدث أن انحزت للون الأبيض.

لم يكن يوماً لوني المفضل.. فأنا أكره الألوان الحاسمة.

ولكنني آنذاك انحزت إليك دون تفكير.

ووجدتني أقول لتلك الفتاة، وكأنني أواصل جملة بدأتها أنتِ:

- الفن هو كل ما يهزنا.. وليس بالضرورة كلّ ما نفهمه!

نظرتما إليّ معاً بشيء من الدهشة، وقبل أن تقولي شيئاً، كانت عيناك تكتشفان في نظرة خاطفة، ذراع جاكيتي الفارغة والمختبئ كمّه بحياء في جيب سترتي.

كانت تلك بطاقة تعريفي وأوراقي الثبوتية.

مددت نحوي يدك مصافحة وقلت بحرارة فاجأتني:

- كنت أريد أن أهنّئك على هذا المعرض..

وقبل أن تصلني كلماتك.. كان نظري قد توقَّف عند ذلك السوار الذي يزين معصمك العاري الممدود نحوي.

كان إحدى الحليّ القسنطينية التي تُعرف من ذهبها الأصفر المضفور، ومن نقشتها المميزة. تلك "الخلاخل" التي لم يكن يخلو منها في الماضي، جهاز عروس ولا معصم امرأة من الشرق الجزائري.

مددت يدي إليك دون أن أرفع عيني تماماً عنه. وفي عمر لحظة، عادت ذاكرتي عمراً إلى الوراء. إلى معصم (أمّا) الذي لم يفارقه هذا السوار قط.

وداهمني شعور غامض، منذ متى لم يستوقف نظري سوار كهذا؟

لم أعد أذكر.. ربَّما منذ أكثر من ثلاثين سنة!

بكثير من اللباقة سحبت يدك التي كنت أشدّ عليها ربَّما دون أن أدري، وكأنني أمسك بشيء ما، استعدتِه فجأة.

وابتسمت لي..

رفعت عيني نحوك لأول مرة.

تقاطعت نظراتنا في نصف نظرة.

كنت تتأملين ذراعي الناقصة، وأتأمل سواراً بيدك.

كان كلانا يحمل ذاكرته فوقه..

وكان يمكن لنا أن نتعرف على بعضنا بهذه الطريقة فقط. ولكن كنت لغزاً لا تزيده التفاصيل إلا غموضاً. فرحت أراهن على اكتشافك. أتفحصك مأخوذاً مرتبكاً.. كأنني أعرفك وأتعرف عليك في آن واحد.

لم تكوني جميلة ذلك الجمال الذي يبهر، ذلك الجمال الذي يخيف ويربك.

كنت فتاة عاديّة، ولكن بتفاصيل غير عادية، بسرٍّ ما يكمن في مكان ما من وجهك.. ربَّما في جبهتك العالية وحاجبيك السميكين والمتروكين على استدارتهما الطبيعية. وربّما في ابتسامتك الغامضة وشفتيك المرسومتين بأحمر شفاه فاتح كدعوة سريّة لقبلة.

أو ربما في عينيك الواسعتين ولونهما العسليّ المتقلِّب.

وكنت أعرف هذه التفاصيل..

أعرفها.. ولكن كيف؟ وجاء صوتك بالفرنسية يخرجني من تفكيري قلت:

- يسعدني أن يصل فنان جزائري إلى هذه القمة من الإبداع..

ثم أضفت بمسحة خجل:

- في الحقيقة.. أنا لا أفهم كثيراً في الرسم، ولم أزر إلا نادراً معارض فنية، ولكن يمكنني أن أحكم على الأشياء الجميلة، ولوحاتك شي مميز.. كنّا في حاجة إلى شيء جديد بنكهة جزائرية معاصرة كهذه... لقد كنت أقول هذا لابنة عمي عندما فاجأتنا.

وعندما تقدمت تلك الفتاة مني لتصافحني، وتقدِّم لي نفسها، وكأنها بذلك ستصبح طرفاً في وقفتنا، وذلك الحوار الذي وجدت نفسها خارجه بعدما تجاهلتها منذ البدء دون أن أدري..

قالت وهي تعرّفني بنفسها:

- الآنسة عبد المولى. إني سعيدة بلقائك..

انتفضت لسماع ذلك الاسم.

ونظرت مدهوشاً إلى تلك الفتاة التي صافحتني بحرارة لا تخلو من شيء من الغرور..

تفحصتها وكأنني أكتشف وجودها، ثم عدت لأتأملك عساني أجد في ملامحك جواباً لدهشتي.

عبد المولى.... عبد المولى..

وراحت الذاكرة تبحث عن جواب لتلك المصادفة..







كنت أعرف عائلة عبد المولى جيداً.

إنهما أخوان لا أكثر. أحدهما (سي طاهر) استشهد منذ اكثر من عشرين سنة، وترك صبياً وبنتاً فقط.

والآخر (سي الشريف) تزوج قبل الاستقلال، و قد يكون له اليوم عدة أولاد وبنات..

فمن منكما ابنة (سي الطاهر)... تلك التي حملتُ اسمها وصية من الجبهة حتى تونس.. ونبت عن أبيها في دار البلدية، لتسجيلها رسمياً في سجلِّ الولادات؟

من منكما تلك الصغيرة التي قبّلتها نيابة عن أبيها، ولا عبتها ودلّلتها نيابة عنه؟

من منكما... أنتِ؟

وبرغم بعض الخطوط المشتركة لملامحكما، كنت أشعر أنَّك أنتِ.. لا تلك.

أو هكذا كنت أتمنى، وأنا أحلم قبل الأوان بقرابة ما تكون جمعتني بك.

وأندهش لهذه المصادفة، وأجد فجأة تبريراً لوجهك المحبّب إليّ مسبقاً. لقد كنت نسخة عن (سي طاهر)، نسخة أكثر جاذبية.

كنت أنثى.

ولكن.. أيعقل أن تكوني أنت الطفلة التي رأيتها لآخر مرة في تونس سنة (1962) غداة الاستقلال، عندما رحت أطمئن عليكم كالعادة، وأتابع بنفسي تفاصيل عودتكم إلى الجزائر؟ بعدما اتصل بي (سي الشريف) من قسنطينة، ليطلب مني بيع ذلك البيت الذي لم يعد هناك ضرورة لوجوده، والذي اشتراه (سي الطاهر) منذ عدّة سنوات ليهرّب إليه أسرته الصغيرة، عندما أبعدته فرنسا عن الجزائر في الخمسينيات، بعد عدة أشهر من السجن قضاها بتهمة التحريض السياسي.

كم كان عمرك وقتها؟

أيعقل أن تكوني تغيرت إلى هذا الحدّ.. وكبرت إلى هذا الحد.. خلال عشرين سنة؟!

رحت أتأملك مرة أخرى، وكأنني أرفض أن أعترف بعمرك، وربما أرفض أن أعترف بعمري وبالرجل الذي أصبحته منذ ذلك الزمن الذي يبدو لي اليوم غابراً.

ما الذي أوصلك إلى هذه المدينة.. وإلى هذه القاعة في هذا الزمن وهذا اليوم بالذات؟

يوم انتظرته طويلاً لسبب لا علاقة له بك..

وحسبت له ألف حساب لم تكوني ضمنه..

وتوقَّعت فيه كل المفاجآت إلا أن تكوني أنت مفاجأتي.

فجأة أذهلني اكتشافي، وخفت من مواجهة عينيك اللتين كانتا تتابعان بشيء من الدهشة ارتباكي. فقررت أن أطرح سؤالي بالمقلوب، وأنا أواصل حديثي مع الفتاة الأخرى التي قدّمت لي نفسها. كنت أعرف أنني إذا عرفتها سينحل اللغز، وأعرف تلقائياً من منكما.. أنتِ.

فقد كان لإحداكما اسم أعرفه منذ خمس وعشرين سنة، وعليّ فقط أن أتعرف على صاحبته.

سألتها:

- هل لديك قرابة بسي الشريف عبد المولى؟

أجابت بسعادة وكأنها تكتشف أن أمرها يعنيني:

- إنه أبي.. لقد تعذر عليه الحضور اليوم بسبب وصول وفد من الجزائر البارحة.. لقد حدّثنا عنك كثيراً. وقد أثار فضولنا لمعرفتك لدرجة قرّرنا أن نأتي مكانه اليوم لحضور الافتتاح!

كان كلام تلك الفتاة على تلقائيته يحمل لي جوابين. الأول أنها لم تكن أنت، والثاني سبب تخلف (سي الشريف).

كنت لاحظت غيابه وتساءلت عن سببه، هل كان المانع شخصياً، أم سياسياً.. أم تراه كان لسببٍ ما يتحاشى الظهور معي؟

كنت أدري أنّ طرقنا تقاطعت منذ سنين عندما دخل دهاليز اللعبة السياسية، وأصبح هدفه الوحيد الوصول إلى الصفوف الأمامية. ورغم ذلك لم يكن بإمكاني أن أتجاهل وجوده معي في المدينة نفسها. فقد كان جزءاً من شبابي وطفولتي.. وكان بعض ذاكرتي.

ولذا، ولأسباب عاطفية محض، كان الشخصية الجزائرية الوحيدة التي دعوتها.

لم ألتق به منذ عدة سنوات، ولكن أخباره كانت تصلني دائماً منذ عُيِّن، قبل سنتين، ملحقاً في السفارة الجزائرية، وهو منصب ككل المناصب "الخارجية"، يتطلب كثيراً من الوساطة والأكتاف العريضة.

وكان بإمكان (سي الشريف) أن يشق طريقه إلى هذا المنصب ولأهم منه بماضيه فقط، وباسمه الذي خلّده سي الطاهر باستشهاده. ولكن يبدو أن الماضي لم يكن كافياً بمفرده لضمان الحاضر، وكان عليه أن يتأقلم مع كلّ الرياح للوصول..

خطر ببالي كلّ ذلك، وأنا أحاول بدوري أن أتأقلم مع كل المفاجآت والانفعالات التي هزتني في بضع لحظات، والتي كانت بدايتها أنني وددت أن أسلم على فتاة جميلة تزور معرضي لا غير.. فإذا بي أسلّم على ذاكرتي!

وعدت إلى دهشتي الأولى معك..

إلى كل التفاصيل الأولى التي لفتت نظري إليك منذ البدء. إلى تلك اللوحة بالذات التي توقفت طويلاً أمامها. لقد كان هناك أكثر من قدر، أكثر من مكتوب.. أكثر من مصادفة.

أنتِ..

أكنت أنت.. في قاعة تتفرجين فيها على لوحاتي. تتأملين بعضها، تتوقفين عند بعضها الآخر، وتعودين إلى الدليل الذي تمسكيه بيدك لتتعرفي على أسماء اللوحات التي تلفت نظرك الأكثر؟

أنتِ..

تراك أنت.. نور آخر يضيء كل لوحة تمرين بها، فتبدو الأضواء الموجهة نحو اللوحات، وكأنها موجّهة نحوك.. وكأنك كنت اللوحة الأصلية.

أنت إذن..

تتوقفين أمام لوحة صغيرة لم تستوقف أحداً. تتأملينها بإمعان أكبر، تقتربين منها أكثر، وتبحثين عن اسمها في قائمة اللوحات.

ولحظتها سرت في جسدي قشعريرة مبهمة. واستيقظ فضول الرسّام المجنون داخلي..

من تكونين، أنت الواقفة أمام أحبّ لوحاتي ليّ..؟

رحت أتأملك مرتبكاً وأنت تتأملينها.. وتقولين لرفيقتك كلاماً لا يصلني شيء منه.

ما الذي أوقفك أمامها؟

لم تكن أجمل ما في القاعة من لوحات، كانت لوحتي الأولى وتمريني الأول في الرسم فقط..

ولكنني أصررت هذه المرة، على أن تكون حاضرة في معرضي الأهم هذا، لأنني اعتبرتها برغم بساطتها، معجزتي الصغيرة.

رسمتها منذ خمس وعشرين سنة، وكان مرَّ على بتر ذراعي اليسرى أقلّ من شهر.

لم تكن محاولة للإبداع ولا لدخول التاريخ. كانت محاولة للحياة فقط، والخروج من اليأس. رسمتها كما يرسم تلميذ في امتحان للرسم منظراً ليجيب على ورقة الأستاذ:

"ارسم أقرب منظر إلى نفسك".

إنها الجملة التي قالها لي ذلك الطبيب اليوغسلافي الذي قدم مع بعض الأطباء من الدول الاشتراكية إلى تونس، لمعالجة الجرحى الجزائريين، والذي أشرف على عملية بتر ذراعي وظل يتابع تطوراتي الصحية والنفسية فيما بعد.

كان يسألني كل مرة أزوره فيها عن اهتماماتي الجديدة، وهو يلاحظ إحباطي النفسي المستمر.

لم أكن مريضاً ليحتفظ بي الطبيب في مستشفى، ولا كنت معافى بمعنى الكلمة لأبدأ حياتي الجديدة.

كنت أعيش في تونس، ابناً لذلك الوطن وغريباً في الوقت نفسه؛ حراً ومقيداً في الوقت نفسه؛ سعيداً وتعيساً في الوقت نفسه.

كنت الرجل الذي رفضه الموت ورفضته الحياة. كنت كرة صوف متداخلة.. فمن أين يمكن لذلك الطبيب أن يجد رأس الخيط الذي يحلّ به كلّ عقدي؟

وعندما سألني ذات مرّة، وهو يكتشف ثقافتي، هل كنت أحبّ الكتابة أو الرسم، تمسكت بسؤاله وكأنني أتمسّك بقشه قد تنقذني من الغرق، وأدركت فوراً الوصفة الطبية التي كان يعدها لي


 


قديم 05-08-10, 08:27 PM   #6
M.ahmad

الصورة الرمزية M.ahmad

آخر زيارة »  اليوم (01:08 PM)
المكان »  في مكانٍ ما قريبٌ من السماء
الهوايه »  لا تقيدني هوايه
حمامة السلام
مقصوصة الجناح
شفها السقام
تبكي من الجراح

 الأوسمة و جوائز

افتراضي



قال:

- إن العملية التي أجريتها عليك، أجريت مثلها عشرات المرّات على جرحى كثيرين فقدوا في الحرب ساقاً أو ذراعاً، وإذا كانت العملية لا تختلف، فإنّ تأثيرها النفسي يختلف من شخص إلى آخر، حسب عمر المريض ووظيفته وحياته الاجتماعية.. وخاصة حسب مستواه الثقافي، فوحده المثقَّف يعيد النظر في نفسه كلّ يوم، ويعيد النظر في علاقته مع العالم ومع الأشياء كلما تغيّر شيء في حياته..

لقد أدركت هذا من تجربتي في هذا الميدان. لقد مرّت بي أكثر من حالة من هذا النوع، ولذا أعتقد أن فقدانك ذراعك قد أخلّ بعلاقتك بما هو حولك. وعليكم أن تعيد بناء علاقة جديدة مع العالم من خلال الكتابة أو الرسم..

عليك أن تختار ما هو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون قيود كلّ ما يدور في ذهنك. ولا تهمّ نوعية تلك الكتابات ولا مستواها الأدبي.. المهم الكتابة في حد ذاتها كوسيلة تفريغ، وأداة ترميم داخلي..

وإذا كنت تفضّل الرسم فارسم.. الرسم أيضاً قادر على أن يصالحك مع الأشياء ومع العالم الذي تغيّر في نظرك، لأنك أنت تغيّرت وأصبحت تشاهده وتلمسه بيدٍ واحدة فقط..

وكان يمكن أن أجيبه ذلك اليوم بتلقائية.. إنني أحبّ الكتابة، وأنها الأقرب إلى نفسي، مادمت لم أفعل شيئاً طوال حياتي، سوى القراءة التي تؤدي تلقائياً إلى الكتابة.

كان يمكن أن أجيبه كذلك، فقد تنبأ لي أساتذتي دائماً بمستقبل ناجح.. في الأدب الفرنسي!

ولهذا أجبته دون تفكير، أو ربما بموقف اكتشفت فيما بعد أنه كان جاهزاً في أعماقي:

- أفضل الرسم..

لم تقنعه جملتي المقتضبة فسألني إن كنت رسمت قبل اليوم..

قلت: "لا..".

قال: "إذن ابدأ برسم أقرب شيء إلى نفسك.. ارسم أحبّ شي إليك..".

وعندما ودّعني قال بسخرية الأطباء عندما يعترفون بعجزهم بلباقة: " ارسم.. فقد لا تكون في حاجة إليّ بعد اليوم!".

عدت يومها إلى غرفتي مسرعاً أريد أن أخلو لنفسي بين تلك الجداران البيضاء، التي كانت استمراراً لجدران مستشفى "الحبيب ثامر" الذي كان حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه الأكثر في تونس.

رحت يومها أتأمل تلك الجدران على غير عادتي، وأنا أفكر في كل ما يمكن أن أعلق عليها من لوحات بعد اليوم. كل وجوه من أحبّ.. كلّ الأزقة التي أحب.. كلّ ما تركته خلفي هناك.

نمت في تلك الليلة قلقاً، وربما لم أنم. كان صوت ذلك الطبيب يحضرني بفرنسيته المكسرة ليوقظني "ارسم". كنت أستعيده داخل بدلته البيضاء، يودعني وهو يشدّ على يدي "ارسم". فتعبر قشعريرة غامضة جسدي وأنا أتذكر في غفوتي أول سورة للقرآن. يوم نزل جبرائيل عليه السلام على محمد لأول مرة فقال له "اقرأ" فسأله النبي مرتعداً من الرهبة.. "ماذا أقرأ؟" فقال جبريل "اقرأ باسم ربّك الذي خلق" وراح يقرأ عليه أول سورة للقرآن. وعندما انتهى عاد النبي إلى زوجته وجسده يرتعد من هول ما سمع. وما كاد يراها حتى صاح "دثريني.. دثريني...".

كنت ذلك المساء أشعر برجفة الحمّى الباردة. وبرعشة ربما كان سببها توتري النفسي يومها، وقلقي بعد ذلك اللقاء الذي كنت أعرف أنه آخر لقاء لي مع الطبيب. وربما أيضاً بسبب ذلك الغطاء الخفيف الذي كان غطائي الوحيد في أوج الشتاء القارس، والذي لم يمنحني مستأجري البخيل غيره.

وكدت أصرخ وأنا أتذكر فراش طفولتي. وتلك "البطانية" الصوفية التي كانت غطائي في مواسم البرد القسنطيني، كدت أصرخ في ليل غربتي.. "دثريني قسنطينة.. دثريني.." ولكن لم أقل شيئاً ليلتها، لا لقسنطينة ولا لصاحب الغرفة البائس. احتفظت بحمَّاي وبرودتي لنفسي. صعب على رجل عائد لتوه من الجبهة، أن يعترف حتى لنفسه بالبرد..

انتظرت فقط طلوع الصباح لأشتري بما تبقى في جيبي من أوراق نقدية ما أحتاج إليه لرسم لوحتين أو ثلاث. ووقفت كمجنون على عجل أرسم "قنطرة الحبال" في قسنطينة..

أكان ذلك الجسر أحبّ شيء إليّ حقاً، لأقف بتلقائية لأرسمه وكأنني وقفت لأجتازه كالعادة؟ أم تراه كان أسهل شيء للرسم فقط؟

لا أدري..

أدري أنني رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وكأنني أرسمه كل مرة لأول مرة. وكأنه أحب شيء لدي كل مرة.

خمس وعشرون سنة، عمر اللوحة التي أسميتها دون كثير من التفكير "حنين". لوحة لشاب في السابعة والعشرين من عمره، كان أنا بغربته وبحزنه وبقهره.

وها أنا ذا اليوم، في غربة أخرى وبحزن وبقهر آخر.. ولكن بربع قرن إضافي، كان لي فيه كثير من الخيبات والهزائم الذاتية.. وقليل من الانتصارات الاستثنائية.

ها أنا اليوم أحد كبار الرسامين الجزائريين، وربما كنت أكبرهم على الإطلاق؛ كما تشهد بذلك أقوال النقاد الغربيين الذين نقلت شهادتهم بحروف بارزة على بطاقات دعوة الافتتاح.

ها أنا اليوم... نبيّ صغير نزل عليه الوحي ذات خريف في غرفة صغيرة بائسة، في شارع "باب سويقة" بتونس.

ها أنا نبي خارج وطنه كالعادة.. وكيف لا ولا كرامة لنبي في وطنه؟

ها أنا "ظاهرة فنية؟، كيف لا وقدر ذي العاهة أن يكون "ظاهرة" وأن يكون جباراً ولو بفنه؟






قال:

- إن العملية التي أجريتها عليك، أجريت مثلها عشرات المرّات على جرحى كثيرين فقدوا في الحرب ساقاً أو ذراعاً، وإذا كانت العملية لا تختلف، فإنّ تأثيرها النفسي يختلف من شخص إلى آخر، حسب عمر المريض ووظيفته وحياته الاجتماعية.. وخاصة حسب مستواه الثقافي، فوحده المثقَّف يعيد النظر في نفسه كلّ يوم، ويعيد النظر في علاقته مع العالم ومع الأشياء كلما تغيّر شيء في حياته..

لقد أدركت هذا من تجربتي في هذا الميدان. لقد مرّت بي أكثر من حالة من هذا النوع، ولذا أعتقد أن فقدانك ذراعك قد أخلّ بعلاقتك بما هو حولك. وعليكم أن تعيد بناء علاقة جديدة مع العالم من خلال الكتابة أو الرسم..

عليك أن تختار ما هو اقرب إلى نفسك، وتجلس لتكتب دون قيود كلّ ما يدور في ذهنك. ولا تهمّ نوعية تلك الكتابات ولا مستواها الأدبي.. المهم الكتابة في حد ذاتها كوسيلة تفريغ، وأداة ترميم داخلي..

وإذا كنت تفضّل الرسم فارسم.. الرسم أيضاً قادر على أن يصالحك مع الأشياء ومع العالم الذي تغيّر في نظرك، لأنك أنت تغيّرت وأصبحت تشاهده وتلمسه بيدٍ واحدة فقط..

وكان يمكن أن أجيبه ذلك اليوم بتلقائية.. إنني أحبّ الكتابة، وأنها الأقرب إلى نفسي، مادمت لم أفعل شيئاً طوال حياتي، سوى القراءة التي تؤدي تلقائياً إلى الكتابة.

كان يمكن أن أجيبه كذلك، فقد تنبأ لي أساتذتي دائماً بمستقبل ناجح.. في الأدب الفرنسي!

ولهذا أجبته دون تفكير، أو ربما بموقف اكتشفت فيما بعد أنه كان جاهزاً في أعماقي:

- أفضل الرسم..

لم تقنعه جملتي المقتضبة فسألني إن كنت رسمت قبل اليوم..

قلت: "لا..".

قال: "إذن ابدأ برسم أقرب شيء إلى نفسك.. ارسم أحبّ شي إليك..".

وعندما ودّعني قال بسخرية الأطباء عندما يعترفون بعجزهم بلباقة: " ارسم.. فقد لا تكون في حاجة إليّ بعد اليوم!".

عدت يومها إلى غرفتي مسرعاً أريد أن أخلو لنفسي بين تلك الجداران البيضاء، التي كانت استمراراً لجدران مستشفى "الحبيب ثامر" الذي كان حتى ذلك الوقت، المكان الذي أعرفه الأكثر في تونس.

رحت يومها أتأمل تلك الجدران على غير عادتي، وأنا أفكر في كل ما يمكن أن أعلق عليها من لوحات بعد اليوم. كل وجوه من أحبّ.. كلّ الأزقة التي أحب.. كلّ ما تركته خلفي هناك.

نمت في تلك الليلة قلقاً، وربما لم أنم. كان صوت ذلك الطبيب يحضرني بفرنسيته المكسرة ليوقظني "ارسم". كنت أستعيده داخل بدلته البيضاء، يودعني وهو يشدّ على يدي "ارسم". فتعبر قشعريرة غامضة جسدي وأنا أتذكر في غفوتي أول سورة للقرآن. يوم نزل جبرائيل عليه السلام على محمد لأول مرة فقال له "اقرأ" فسأله النبي مرتعداً من الرهبة.. "ماذا أقرأ؟" فقال جبريل "اقرأ باسم ربّك الذي خلق" وراح يقرأ عليه أول سورة للقرآن. وعندما انتهى عاد النبي إلى زوجته وجسده يرتعد من هول ما سمع. وما كاد يراها حتى صاح "دثريني.. دثريني...".

كنت ذلك المساء أشعر برجفة الحمّى الباردة. وبرعشة ربما كان سببها توتري النفسي يومها، وقلقي بعد ذلك اللقاء الذي كنت أعرف أنه آخر لقاء لي مع الطبيب. وربما أيضاً بسبب ذلك الغطاء الخفيف الذي كان غطائي الوحيد في أوج الشتاء القارس، والذي لم يمنحني مستأجري البخيل غيره.

وكدت أصرخ وأنا أتذكر فراش طفولتي. وتلك "البطانية" الصوفية التي كانت غطائي في مواسم البرد القسنطيني، كدت أصرخ في ليل غربتي.. "دثريني قسنطينة.. دثريني.." ولكن لم أقل شيئاً ليلتها، لا لقسنطينة ولا لصاحب الغرفة البائس. احتفظت بحمَّاي وبرودتي لنفسي. صعب على رجل عائد لتوه من الجبهة، أن يعترف حتى لنفسه بالبرد..

انتظرت فقط طلوع الصباح لأشتري بما تبقى في جيبي من أوراق نقدية ما أحتاج إليه لرسم لوحتين أو ثلاث. ووقفت كمجنون على عجل أرسم "قنطرة الحبال" في قسنطينة..

أكان ذلك الجسر أحبّ شيء إليّ حقاً، لأقف بتلقائية لأرسمه وكأنني وقفت لأجتازه كالعادة؟ أم تراه كان أسهل شيء للرسم فقط؟

لا أدري..

أدري أنني رسمته مرات ومرات بعد ذلك، وكأنني أرسمه كل مرة لأول مرة. وكأنه أحب شيء لدي كل مرة.

خمس وعشرون سنة، عمر اللوحة التي أسميتها دون كثير من التفكير "حنين". لوحة لشاب في السابعة والعشرين من عمره، كان أنا بغربته وبحزنه وبقهره.

وها أنا ذا اليوم، في غربة أخرى وبحزن وبقهر آخر.. ولكن بربع قرن إضافي، كان لي فيه كثير من الخيبات والهزائم الذاتية.. وقليل من الانتصارات الاستثنائية.

ها أنا اليوم أحد كبار الرسامين الجزائريين، وربما كنت أكبرهم على الإطلاق؛ كما تشهد بذلك أقوال النقاد الغربيين الذين نقلت شهادتهم بحروف بارزة على بطاقات دعوة الافتتاح.

ها أنا اليوم... نبيّ صغير نزل عليه الوحي ذات خريف في غرفة صغيرة بائسة، في شارع "باب سويقة" بتونس.

ها أنا نبي خارج وطنه كالعادة.. وكيف لا ولا كرامة لنبي في وطنه؟

ها أنا "ظاهرة فنية؟، كيف لا وقدر ذي العاهة أن يكون "ظاهرة" وأن يكون جباراً ولو بفنه؟



يتبــــــــــــع...



 


موضوع مُغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are معطلة
Pingbacks are معطلة
Refbacks are معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع : ذاكـــــــــــرة الجــ س ــــد ....لأحلام مستغانمي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مقال بقلم : احلام مستغانمي ضوء القمر قسم العام للمواضيع العامه •• 6 12-13-15 07:49 PM
مختارات .. لأحلام مستغانمي إمبراطورة البحر قصص - روايات - Novels stories - روايات طويله •• 3 10-30-15 03:51 PM
خآرج طرقآت الحــ}ب ..! أمير المشاعر قسم العام للمواضيع العامه •• 8 01-04-14 10:24 PM
صور ماسنجر - لو كان للجمال صوت ل غنى بك توفآنـيَ قسم برامج التواصل الإجتماعي ( السوشل ميديا ) 6 05-25-13 09:31 AM
ديكورات للحمام .. ولافي الخيال ..]~ هدوء الكون قسم الديكور والآثاث المنزلي والمكتبي •• 11 07-24-11 08:42 AM


| أصدقاء منتدى مسك الغلا |


الساعة الآن 01:11 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
بدعم من : المرحبي . كوم | Developed by : Marhabi SeoV2
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا