‏

فِي البَدءِ كانَ الحِلمُ أشبَهَ مَا يَكُونَ، بِخَيطِ نُوْرٍ تَعتَلِي هَمَسَاتُه البَكمَاءُ ثَغرَ المُسْتَحِيل، فِي البَدءِ كانَ الحِلمُ تَنهَشَهُ الجِرَاحُ وَلا حَيِّزًا يُعَكِر كَدرَهُ، حَتمًا سَأُزجَرُ لَو أُفكِر دونَ فِعلٍ بالقليلِ، كَأَن أطُوْفَ بِحَضرَتِكَ، وَيَا سَيدِي الجَليل، أراكَ قَد خُلِقتَ منَ إنسِكَابِ صَرِيمٍ فِي عَينِ السَماءِ البعيدةَ، وَفِي البَدءِ كَان رَفِيقُ دَربي الفَجر يَلعَننِي لأنِي لا أكسِرُ دَمعتِي، كُلُّ إنبِلاجٍ كَان يَمسَحُهَا وَيَرمِي في قَرارَة مُهجَتِي قَطَراتِ ضَوءٍ لا تَعيل، هَا هيَ الأيَام تَتثَاقلُ يا سَيدِي، أُغنِي قَصيدَةً لِلصَبرِ كانَ أبِي إشتَراهَا ذاتَ عُسرٍ، ثمَ لَقَّنَه لِقلبِي ذَاتَ فَقدْ، وبَدأتُ ألتَهِم الطَريق إلَيكَ حِينَ نَثَرتُ قلبِي خُطوَةً وَرأيتُها، رُوحِي أمَامي - ليست رُوحِي - بَل أنَا، وَبِنَظرَةٍ من عَينِكَ النَجلاءِ، أكوَامُ الضَجِيجِ تَناثَرتْ، صَمَتَ المَكان وَكلُّ شيءٍ خَارِجَ المَعنى سِواكَ، خَدانِ يَختَصرَان طَعم طُفُولتِي، عَينَان أعمَقُ من جَميعِ قَصائِدِي، وَبِضحكَةٍ كَطفُولةٍ شِعريَةٍ تَجري على الصَدرِ العَقِيمِ، غسلتَ مِلحَ الحُزنِ في قسَماتِ وجهِي المُنهكَة، وَنَسِيتُ كُلَّ هَزائمِي يَا سَيدِي، مِن قَبلِ ألفِ الآهِ حَتى آخرِ اليَاء المُتَوجِ بالأَنِينِ، يا فَرحتِي! كَفَاكَ في كَفي كَعُصْفُورٍ شَريدْ، تَعدُو خيولُ الوَقتِ مُسرِعَةً لِتلجُمهَا حُرُوفٌ أربَع ( أ ح ب ك ) فإنصَهَر الكَلامُ بِبَسمَةٍ، لَم تَأتِ لَكن تَرجَمتهَا نَظرَةُ الإعصَار، فَوق شِفاهِكَ التِي عَهدتُهَا عابِسَة، انهَضْ مَعِي، انهَضْ وَلُمَّ مَا تناثرَ مِن حُطامِ الوَردِ، في قلبِي المُسافِر في ثَنَايَا الرِيح، وَالماشِي على دربٍ يُهلِكه السَرابْ، أنا منذُ أوَلُ صَرخةٍ لِي صِحتُ يَا أنتَ ( وَحيدي ) وَالحروفُ تَخونُ أحيَانًا فَيَنهمِر الصرَاخ.

‏

هَا أنتَ بَرزَخٌ بينَ الجفُونِ، وَسَادنُ الأرقِ إعتَلى شُرفَاتِكَ الهَوجَاء، وَالقَلبُ عَارٍ مثلَ كَفٍّ لِلتَسَولِ، وَالولُوج إلى رَغيفِ الحَرفِ أتعبَها فَتَعتَنقُ السكُون، يا سَيدِي، يَا سَاقِي النِيرَانِ، عَذِّبْ كنهَ صَحرائِي بِمائِكَ، فإختِمارُ التَيه في ذَاتِي سؤَالٌ، كيفَ تَنضِج لوحَةٌ بِالنَارِ تَرسُمهَا؟ تُعلِّقهَا بِهدبِ الشَمْسِ، أنتَ قلتَ وَملءَ نظرتِكَ فَراغٌ صَاخبٌ، إنِي أرَى مالَا تَرى عَزيزي، لا لنْ أُطَرِزَ بالمَواعظِ جُملتِي، تلكَ أنا التي أشعَلتها، أنا إمرأةٌ تُتَرجمَها الخُرافَة، أنا طِينُ الغوَاياتِ الجَليلة، إحتِراقُ الغَيْمِ، نَهدٌ يَشرَئِبُ تَكبُرًا، أنا هُنَا سماوَات مُثقبَة، وَأرضٌ أقحَمَتْ خُبزًا يُؤطرُهُ الصَدأ العظِيم، أنا التَناقض في جَسَدْ، أنا مَساء النَار، يا سَيدِي حينَ رَاقصتُكَ، رَاقَصتُ اللَهبْ، فإزرَعْ بِكَبدِ السطرِ سهمًا لِلرؤى، حتَام يبقَى وجهُكَ المَوصودُ عِيدًا جَاهلًا طعمَ الفَرَح، هذا سُعَال الصُبحِ يطرقُ مَسمعِي، لابدَّ أن أمضِي لِمَملكةِ الذنُوبْ، يَا سَيدِي، هَل ذنبِي أني مثلُ النَخلِ بِوجهٍ وَاحدٍ حينَ أعِيش؟ ذنبِي أني أترُك عَينِي يَجلدُها النُور؟ أَم أني أترُكهَا في شوقٍ تَتَخبَطُ، شوقٌ يُشبِهُ شوقَ الكَهفِ لطَعم الضَوءِ، أن تعشقَ يَعنِي أن تُفنَى، أن تَمحو كُلَّكَ في بعضِك، وَبكُل قواكَ المَجنُونَة تُوَدعُ هذا البَعض النَابِضَ، النائمَ بسَكينَة طِفلٍ في شهقةِ بحرٍ تَتَدلى من أقصَى الغيبِ.

‏

سَأترُك القَلم الآن، وأُحاوِل اللحاقَ بقلبِي.

‏

مُمتنة لحضورك.
أنرت.

إلى أين تأخذينا بحرفك !

وأي المتاهات تسيرين بخيالنا عبرها !

يا امرأة تاهت بالعشق وذابت

رفقاً بمن سلبت روايتك أهدابه


رائعه ..
قلمك مسنون وذو حده

رغم ذالك سنبقى ننتظر مداده