منتديات مسك الغلا | al2la.com

منتديات مسك الغلا | al2la.com (/vb/)
-   صور من حياة الأنبياء والصحابه والتابعين (https://www.al2la.com/vb/f89.html)
-   -   سلسلة كن صحابياً ... (https://www.al2la.com/vb/t124990.html)

عطاء دائم 12-14-22 09:02 AM

سلسلة كن صحابياً ...
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

https://www2.0zz0.com/2022/12/14/06/541473674.jpg


جيل فريد. 1️⃣

اختار الله لنبيه محمد ﷺ أصحاباً كراماً بررة، فأخذوا عنه الدين وبلغوه لمن بعدهم من الأجيال، وزكاهم الله في كثير من آي القرآن الكريم، واستحقوا بذلك أن يكونوا أفضل جيل على الإطلاق، وقد أمرنا باتباعهم والسير على نهجهم، فهم أبر قلوباً، وأعمق علماً، وأقل تكلفاً، والطعن فيهم طعن في الدين، وتكريمهم وتعظيمهم تعظيم للدين.

منزلة الصحابة في الإسلام

يقول المؤلف راغب السرجاني حفظه الله هذه المجموعة هي مجموعة من المحاضرات، وقد أطلقت عليها اسم: (كن صحابياً)،

وهي محاولة للاقتراب جداً من جيل الصحابة، هذا الجيل الراقي رفيع المستوى، الذي ما تكرر مثله في التاريخ، سواء في السابق لجيل الصحابة أو بعده، وقد أخبر رسول الله ﷺ أنه لن يأتي جيل مثله إلى يوم القيامة، فعظمة هذا الجيل وقيمته تأتي من كون هذا الجيل بأكمله يتصف بصفات معينة، من سلامة العقيدة، وكمال الأخلاق، وأمانة النقل، وصفاء القلب، وقوة العزيمة، وحب الجهاد، فكان بأكمله جيلاً على هذه الدرجة الراقية من الأخلاق والصفات.

وقد يظهر إنسان نابغة في زمان من الأزمان، أو تظهر مجموعة من الأمناء الصادقين الأبرار في جيل من الأجيال، أما أن يكون جيل الصحابة بكامله على صورة معينة من النقاء والبهاء فهذا هو الغريب حقاً، وهذا هو الأمر الملفت للنظر، فلو أنه في زمن من الأزمان ظهر رجل كـ عمر بن الخطاب مثلاً، فهذا من سعادة هذا الجيل، ومن سعادة هذا الزمن، وكذلك لو ظهر شخص مثل أبي بكر الصديق، أو مثل طلحة بن عبيد الله، أو مثل خالد بن الوليد، أو مثل أبي هريرة وهكذا، لكن أن يظهر كل هؤلاء في زمن واحد فهذا هو الأمر العجيب حقاً، والأمر الفريد حقاً، ولذلك فليس الغرض من هذه المجموعة من المحاضرات أن نسرد الأقوال والأفعال التي قام بها الصحابة،

يعني:
ليس مجرد سيرة ذاتية للصحابة،
وكذلك ليس الغرض أن نتعرض إلى كل الأحداث التي مر بها الصحابة،
ولكن الغرض أن نتعلم كيف نقلد جيل الصحابة؟
كيف نكون كجيل الصحابة؟
كيف نسير في طريق الصحابة؟
كيف نصل إلى ما وصل إليه الصحابة،
سواء في الدنيا أو في الآخرة؟

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 12-14-22 09:04 AM

سلسلة_كن_صحابياً
2️⃣

قبل أن نتعلم كيفية وصول الصحابة إلى هذا المستوى الراقي، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه؟

وقبل أن نتعلم كيف يمكن أن نسير في طريقهم؟

أريد في هذه المحاضرة أن أتحدث عن قيمة هذا الجيل في ميزان الإسلام، وقيمة هذا الجيل في ميزان التاريخ، بل وقيمة هذا الجيل في ميزان الله عز وجل، فهو الجيل الوحيد في الإسلام الذي تستطيع أن تعرف قيمته في ميزان الله عز وجل؛ لأن هذا لا يتأتى ولا يمكن معرفته أبداً على وجه اليقين إلا بإخبار من الله عز وجل في كتابه أو عن طريق رسوله الكريم ﷺ أما عموم البشر بعد هذا الجيل فلا يمكن الجزم أبداً بأن هذا الجيل جيل ثقيل في ميزان الله عز وجل، أو يمكن أن نرجح أن هذا الإنسان إنسان فاضل أو إنسان يسير على طريق الهدى، لكن لا يمكن الجزم بأنه فعلاً على طريق الله عز وجل؛

لأن التقييم الإلهي للفرد لا يعتمد فقط على ظاهر الأعمال التي نراها نحن بأعيننا، وإنما يعتمد أيضاً على القلب وعلى النوايا، وهذا ما لا يمكن للبشر أن يتيقنوا منه أبداً، نعم قد يكون هناك شواهد تشير إلى فضائل الرجال والنساء، لكن هذا كما ذكرنا لا يمكن أن يكون على وجه اليقين، فنحن يمكن أن نرى رجلاً حسناً من ظاهره، لكن من داخله مختلف تماماً، ولا يعلم ذلك إلا الله عز وجل.


لكن تعالوا نرى جيل الصحابة، وماذا قال الله عنهم، يقول الله عز وجل عن أصحاب بيعة الرضوان: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح:18] أي: أن الله قد رضي عنهم، وقضي الأمر وانتهى، ثم قال: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}
[الفتح:18]،

فهذه الآية لم تذكر في حق صحابي أو مجموعة صحابة، لا، بل ذكرت في حق ألف وأربعمائة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، واسمع إلى قوله سبحانه

وتعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:117]،

وهذه الآية قيلت في حق ثلاثين ألفاً من الصحابة الذين اشتركوا في غزوة تبوك، ولذا فمن المستحيل بالنسبة للأجيال التي تلت جيل الصحابة أن نصل إلى اليقين، وأن الله عز وجل قد تاب على إنسان بعينه، مهما بلغ ذلك الإنسان من العمل في الدنيا، فلا نستطيع أبداً أن نجزم بخيريته عند الله،

أو بمكانته عند الله، أو بدرجته في الجنة، أو بنجاته الحتمية من النار، من أجل هذا نستطيع أن نفهم المعنى اللطيف الذي زرعه الرسول ﷺ في صحابته.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 12-15-22 08:25 AM

سلسلة_كن_صحابياً

3️⃣

من أسباب رقي الصحابة:

السبب الأول: اختيار الله عز وجل لهم

أن هذا الجيل جيل مختار من الله عز وجل، أي: أن هؤلاء الصحابة بأعيانهم خلقوا ليكونوا أصحاب النبي ﷺ ، فكان لازماً أن يكون أبا بكر موجود رضي الله عنه، لأن له دوراً لا بد أن يقوم به، ولن يستطيع أن يقوم به غيره، وكذلك عمر يكون موجوداً، وعثمان وعلي وطلحة والزبير وبلال وخالد والسيدة خديجة والسيدة عائشة، فكل الصحابة لا بد أن يكونوا موجودين بأعيانهم، وكما يصطفي الله عز وجل رسله من الملائكة ومن البشر فكذلك يصطفي أصحاب رسله عليهم الصلاة والسلام:

{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج:75].
وتأمل إلى الله سبحانه وتعالى وهو يتكلم على أصحاب عيسى عليه السلام إذ يقول:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا} [المائدة:111]،

يعني: أن أصحاب عيسى عليه السلام قد خاطبهم الله عز وجل عن طريق الإلهام أو الوحي غير المباشر، واختيار الله عز وجل لأصحاب رسله لا بد أن يكون ذلك بطريقة معينة،

وهذه الطريقة قد تكون عسيرة وصعبة، كأصحاب موسى الذين اشتهروا بالشر والأذى وسوء الأدب، ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم في كتابه: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ} [الدخان:32 - 33].

أما عن أصحاب رسول الله ﷺ فقد روى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه قال: (فقد النبي ﷺ ليلة أصحابه -يعني: أن الصحابة فقدوا النبي ﷺ وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم) يعني: إذا كانوا في سفر وأرادوا النوم في ليلتهم تلك جعلوا رسول الله ﷺ في وسطهم؛ حماية له ﷺ ،

(فلما استيقظوا من نومهم في جوف الليل لم يجدوا رسول الله ﷺ ، يقول عبادة بن الصامت: ففزعوا وظنوا -وانتبه لهذه الكلمات- أن الله تبارك وتعالى قد اختار له أصحاباً غيرهم، فإذا هم بخيال رسول الله ﷺ ، فكبروا حين رأوه، قالوا: يا رسول الله أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحاباً غيرنا، فقال رسول الله ﷺ : لا، بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة).

فالصحابة مختارون؛ لأن على أكتافهم تبعة حمل هذا الدين كاملاً من فم رسول الله ﷺ إلى أهل الأرض أجمعين، وليس هناك بعد رسول الله ﷺ رسول، فماذا لو كان أصحابه يتصفون بكذب أو خيانة أو كسل أو فتور أو حب لدنيا وانغماس فيها؟!
وماذا سيكون حال الأرض إلى يوم القيامة لو نقل إلينا الدين مشوهاً أو مغيراً أو مبدلاً؟!

ولذلك تحتم أن يختار الله عز وجل من البشر من يستمعون إلى رسول الله ﷺ بإنصات، ويستمعون إليه بإمعان وتقدير، ثم ينقلون هذا الذي استمعوه إلينا جميعاً، فيقيمون بذلك الحجة على أهل الأرض أجمعين، وإلا فكيف سيحاسب الله عز وجل أهل الأرض؟!

وكيف سيحاسب من يأتي من البشر بعد رسول الله ﷺ وقد قال الله عز وجل في كتابه: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].

إذاً: لا بد أن يوجد جيل يحمل الأمانة، ويحمِّل الأجيال التي تأتي من بعد رسول الله ﷺ هذه الأمانة، وكأن النبي ﷺ حيٌّ بينهم، وهذا هو السبب الأول الذي من أجله استحق أن يكون هذا الجيل جيلاً فريداً، وهذا الجيل جيل غير متكرر، وهو جيل قد اختاره الله عز وجل بعناية لصحبة رسوله الكريم ﷺ .

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 12-15-22 08:26 AM

سلسلة_كن_صحابياً

4️⃣

من أسباب رقي الصحابة:

السبب الثاني:

مرورهم بتجربة فريدة من نوعها

أن هذا الجيل قد مر بتجربة فريدة تماماً، فوجدت عنده خبرات لم يرها أحد من المسلمين وتعالوا لنرى تجربة هذا الجيل الفريد فيما يأتي:

رؤية الصحابة للنبي ﷺ وتعاملهم معه

أولاً: أنهم قد رأوا رسول الله ﷺ بأعينهم، واجتمعوا به وتعاملوا معه وصلوا خلفه، واستمعوا لحديثه، وهذا أمر عظيم في حد ذاته، فالمؤمن منا بعد جيل رسول الله ﷺ وإلى جيلنا الآن، بل وإلى يوم القيامة إذا رأى رسول الله ﷺ في المنام اعتبر ذلك حدثاً عظيماً، وهو بالفعل كذلك، والرسول ﷺ يهتم جداً بهذا الحدث،

ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)،

وأعظم من ذلك ما رواه البخاري أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ : (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي)، وفي رواية: (فكأنما رآني في اليقظة)، وهذا أمر جميل جداً، فما بالكم بمن كان يره بعينه وفي كل يوم وفي كل لحظة؟ وليس فقط في المنام بل في الحقيقة، وليس فقط ساعة أو ساعتين بل العمر كله.

وتخيل معي هذا الأمر: فلو أن إنساناً وصف لك شخصاً آخر بأنه قد فعل فعلاً حميداً في فلان، فإنك تحبه بمجرد ذلك الإخبار والوصف عنه، ويزرع في قلبك حب هذا الشخص، فماذا لو كان الفعل معك أنت شخصياً؟!

وأنا لا أقول لك: فلان عمل كذا وكذا مع فلان، بل أنت ذاتك مر عليك هذا الأمر، إذاً فكيف يكون حالك معه؟ فمثلاً: عندما تسمع أن النبي ﷺ كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فهذا أمر يزرع المحبة له في قلبك، فما بالك لو أنت ذاتك كنت الذي تأخذ منه، وأنت الذي كان يعطيك ﷺ بنفسه؟!

واسمع إلى قول عبد الله بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه كما عند الترمذي: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله ﷺ .

فهذا الأمر عندما تعرفه تزرع محبته ﷺ في قلبك، فما بالك أيضاً لو أنك أنت الذي يبتسم الرسول ﷺ في وجهه، وأنت الذي ترى وجهه ﷺ وهو يبتسم إليك؟! وعندما أقول لك: إن الرسول ﷺ كان يعود المرضى ويشهد الجنائز، فما بالك لو كنت أنت المريض الذي يعودك ﷺ في بيتك؟!

أو لك قريب مات فجاء ﷺ وشهد جنازة هذا القريب؟! فكيف تكون علاقتك مع رسول الله ﷺ ؟

وكيف تكون درجة إيمانك به؟

وهذا غير النظر في وجه الرسول ﷺ ، أما مجرد النظر إليه فله تأثير خاص جداً،
واسمعوا لكلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه عند الترمذي وقال: صحيح، قال: (فلما استثبت وجه رسول الله ﷺ عرفت أن وجهه هذا ليس بوجه كذاب)، يعني: مجرد رؤية وجه رسول الله ﷺ تترك في القلب أثراً لا ينسى، وغير رؤية خاتم النبوة مثلاً،

فكثير من الصحابة قد رأوا بأعينهم خاتم النبوة بين كتفيه ﷺ ، ومنهم: سلمان الفارسي وعبد الله بن سرجس وعمرو بن أخطب وغيرهم كثير، فالذي رأى خاتم النبوة ترك في قلبه أثراً لم يتركه من سمع فقط عن خاتم النبوة.

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 12-16-22 08:21 AM

سلسلة_كن_صحابياً

5️⃣

من أسباب رقي الصحابة:

مرورهم بتجربة فريدة من نوعها

معايشة الصحابة الكرام للقرآن الكريم

ثانياً: أنهم كانوا يعايشون القرآن، فنحن نقرأ القرآن ونسمع عن أسباب النزول، أما الصحابة فقد عاشوا أسباب النزول، ورأوا القرآن ينزل على رسول الله ﷺ في الحوادث المختلفة، وهذا لا شك أنه يرفع من درجات إيمانهم إلى أكبر درجة يمكن أن تتخيلها،

وتأمل وتخيل معي تلك المرأة التي جاءت تجادل رسول الله ﷺ في أمر زوجها الذي ظاهر منها، وتخيل تفاعل هذه المرأة مع الآيات التي نزلت في حقها شخصياً، وتخيل أنها تصلى بسورة المجادلة، أو تسمع سورة المجادلة، أو تقرأ سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1]، إنه من المؤكد أن تفاعلها مع كل كلمة مختلف تماماً عن تفاعل بقية المسلمين مع نفس الآيات،

وتخيل أيضاً تفاعل زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه مع الآيات، وتخيل وهو يستمع إلى التحذير الإلهي: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2]، وأكيد وهو يستمع إلى هذه الآيات غير أي واحد منا يستمع إليها، فهو عاش جوار هذه الآيات، وعايش الآيات حال حدوثها وحال نزولها،
وتخيل تفاعل الجيران للسيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها وأرضاه وهم يقرؤون صدر سورة المجادلة وهم يعلمون أنها نزلت في جارتهم هذه بعينها، وتخيل تفاعل المجتمع المسلم بكامله مع هذه الآيات،

فقد ورد أن خولة بنت ثعلبة كانت تمشي في الطريق فقابلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه مع أناس كثيرين معه، فاستوقفته السيدة خولة بنت ثعلبة فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه حتى قضت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست رجالات قريش بسبب هذه العجوز -وهو لا يعرفها- فقال: ويحك، أتدري من هذه؟

قال: لا، قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، ووالله لو لم تنصرف حتى يأتي الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها، فانظر تعظيم عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأمر هذه السيدة لمجرد نزول هذه الآيات فيها، وضع هذا المفهوم على كل آيات القرآن الكريم، فكل آيات القرآن قد نزلت في حوادث معينة أو في ظروف معينة أو في وقت معين.

وتخيل نفسك أيضاً وأنت تشارك في غزوة بدر، ثم تسمع سورة الأنفال بعد هذه المشاركة، من المؤكد أن إحساسك بالآيات سيكون مختلفاً تماماً عن إحساس عامة المسلمين الذين يقرءون سورة الأنفال، ويتخيلون مجرد ما حدث للمسلمين في بدر، لكن الصحابة لم يكونوا يتخيلون ذلك؛ لأنهم بالفعل قد عايشوا التجربة بكاملها، فعايشوا غزوة بدر من أولها إلى آخرها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال:1]،

فتذكر الصحابي للذي حصل عند تقسيم الأنفال أو عند المشادة التي حدثت بينهم بأمر الأنفال مختلف تماماً عن النصيحة بإصلاح ذات البين لمن لم يعش هذه التجربة بعينها: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}
[الأنفال:7]، فالصحابي عندما يقرأ هذه الآيات يتذكر ويقول: نحن كنا نريد غير ذات الشوكة، كنا نريد القافلة، ولم نكن نريد الجيش، ومع ذلك أراد الله عز وجل أمراً آخر، فيعيش مع كل كلمة من كلمات الله عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال:11]
والنعاس قد نزل على بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، وتكرر ذلك في غزوة أحد كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران:154]،

قال أبو طلحة الأنصاري: كنت ممن أصابه النعاس يوم أحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحجف، والحجف جمع حجفة، وهي: الترس أو الدرع، لذا فسيدنا أبي طلحة الأنصاري عندما يقرأ هذه الآيات: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا} [آل عمران:154]،

ويكون هو من الناس الذين نزل عليهم النعاس في هذه الغزوة، فإنه يتفاعل مع ذلك تفاعلاً غير الناس الذين حوله، ويقول تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال:44]، فهذه الآيات

... يتبـــــــــ؏.....

عطاء دائم 12-16-22 08:22 AM

سلسلة_كن_صحابياً

6️⃣

من أسباب رقي الصحابة:
مرورهم بتجربة فريدة من نوعها

رؤية الصحابة للنبي ﷺ عند إخباره بالغيب

ثالثاً: أن الصحابة رأوا إخبار رسول الله ﷺ بالغيب، ونحن أيضاً نسمع عن ذلك، ولكن ليس من رأى كمن سمع، فالذين يعيشون في الحدث ويتشوقون لمعرفة ما يحدث على بعد مئات أو آلاف الأميال، غير الذي يسمعه بعد مائة سنة أو مائتين أو ألف.
ولنتأمل الصحابة الكرام وهم واقفون في المدينة المنورة حول رسول الله ﷺ وهو يصف لهم ما يحدث في غزوة مؤتة على بعد مئات الأميال من المدينة المنورة، وهو يقول: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر الراية فأصيب،

ثم أخذ ابن رواحة الراية فأصيب، وعيناه ﷺ تذرفان الدمع، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله عز وجل ففتح الله عليهم)، والمراد بسيف الله هو: خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وبعد ذلك يرجع الجيش المسلم إلى المدينة، ويعرف المسلمون في المدينة المنورة أن كل كلمة قالها النبي ﷺ كانت كلمة صدق وحق، عند ذلك قدر ماذا يكون إيمان الصحابة بهذا الرسول وبهذا الدين؟ لا شك أنه عظيم جداً، ونحن أيضاً نسمع فنصدق ونؤمن بذلك، لكن هم عاشوا إخبار رسول الله ﷺ بالغيب.

وتأملوا أيضاً عندما يأتي رسولا عامل كسرى إلى رسول الله ﷺ فيطلبان منه أن يذهب معهما إلى كسرى فارس، فيقول لهما النبي ﷺ : (إن ربي قد قتل ربكما هذه الليلة)، والكلام هذا كان في ليلة الثلاثاء في العاشر من جمادى الأولى للسنة السابعة للهجرة، ومرت مرت الأيام وعينوا الليلة،

وعُلِم فعلاً أن كسرى فارس كان قد قُتِل في تلك الليلة، فنحن نسمع في هذا الوقت عن ذلك الحدث، لكن الصحابة عاشوا فيه، وانتظروا الأيام تمر حتى عرفوا أن كسرى فارس قد قُتل تلك الليلة المحدودة، وهذا أمر يرفع الإيمان العظيم في قلوب الصحابة.

والصحابة أيضاً شاهدوا المعجزات الحسية التي نسمع عنها في هذا الوقت، نعم القرآن أعظم معجزة بين أيدينا، لكن هم فوق ذلك شاهدوا مثلاً انشقاق القمر، وحُكي ذلك من روايات عدة، ففي البخاري وغيره عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله ﷺ فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل، وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فقالوا: انظروا السفار -يعني: الناس المسافرة التي تأتي من خارج مكة- فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ﷺ ،

وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، فسألوا السفار وكانوا قد قدموا من كل جهة -يعني: أكثر من مكان- فقالوا: رأينا -أي: شاهدوا انشقاق القمر- فأنزل الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1])
وأنا أريدك أن تتخيل نفسك وأنت عايش مع النبي ﷺ في داخل مكة، وترى القمر ينشق إلى فرقتين، نصف على جبل ونصف آخر على جبل آخر، وهذا لا شك أنه يزرع إيماناً عجيباً وقوياً جداً في قلوب الصحابة.

وشاهدوا أيضاً حنين جذع النخلة إلى رسول الله ﷺ ، فعند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي ﷺ كان يخطب إلى جذع، فلما صنع المنبر تحول إليه فحن الجذع -أي: صدر له صوت حنين وألم لفراق رسول الله ﷺ فأتاه الرسول ﷺ فاحتضنه فسكن، وقال صلى الله عليه وسلم: لو لم احتضنه لحن إلى يوم القيامة)،
وفي رواية جابر بن عبد الله يقول: (حتى سمعه) أي: سمع حنين الجذع (أهل المسجد)، فتخيل نفسك وأنت جالس في المسجد وقد سمعت بأذنيك حنين جذع النخلة لرسول الله ﷺ .

وشاهدوا كذلك البركة في الطعام والشراب والسلاح والصحة، وأمثلة كثيرة وعجيبة لا تحصى، ومن ذلك: موقف جابر بن عبد الله في الأحزاب، وذلك عندما رأى جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأرضاه جوعاً شديداً برسول الله ﷺ ، فدعاه سراً ليأكل في بيته من طعام صنعه له، وكان قليلاً جداً، حتى أن جابر بن عبد الله سماه طعيم، قال: (يا رسول الله عندي طعيم، تعال أنت واثنين أو ثلاثة من أصحابك،

قال جابر بن عبد الله: فدعا رسول الله ﷺ أهل الخندق جميعاً -وتخيلوا أتى بكل أهل الخندق- فجاء من سمع النداء وكانوا قد تجاوزوا الألف -ألف شخص جاءوا إلى بيت جابر بن عبد الله - فأكلوا جمعياً من الطعام وشبعوا -وهذه قصة مشهورة- وبقيت بُرمة الطعام ملأى بما فيها، حتى أن رسول الله ﷺ أمر زوجة جابر أن توزع على جيرانها)، فأنت تسمع هذه القصة في هذا الوقت والحمد لله مؤمن بها، لكن تخيل

... يتبـــــــــ؏...


الساعة الآن 02:28 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا