يقول علوش : حينما كنت في المدرسة الابتدائية
كان مدرس اللغة العربية شديد القسوة في معاملتنا نحن التلاميذ،
ويضربنا لأتفه الأسباب وأيضا يستعين بزميل لنا اسمه رمضان، ‏
رمضان هذا اكبر منا بخمس سنوات كان قوي البنية له قبضة فولاذية إذا امسك بأرجل التلاميذ ..
‏ و كان دائم الرسوب وأكبر منا سنا وجسما ، هو في الصف السادس وشاربه على وجهه، يتميز بأنه مفتول العضلات بينما نحن أطفال ، كان رمضان يجلس بجانبي وكنت أتوسل إليه ألا يمسكني ،ويحاول أن يتظاهر بأنه يمسك بي عندما يُطلب منه ذلك، ذات يوم جاء مدرس اللغة العربية وطلب مني تسميع النصوص جميعها ولم أخطئ إلا في حرف واحد ، وهنالك نادي الأستاذ بصوته الجهوري يا رمضان امسك أرجل الذين لم يحفظوا النصوص ، وجاء عليّ الدور وطلبت من رمضان ألا يمسك بي ، فأنا سمّعت كل النصوص ولم أخطئ ، وظللتُ أجادل الأستاذ رافضًا الضرب، وكل ما حاول رمضان أن يمسك بي تخلصت منه ، وهنا صاح المدرس في وجه رمضان وطلب منه أن يمسك بي بشدة ، فإذا برمضان يمسك بي بقبضة حديدية ، وظل المدرس يضربني على قدمي وأنا أتوسل إلى رمضان أن يتركني ، وكل ما توسلتُ إلى رمضان ازداد المدرس في ضربي ، وكانت هذه المعركة آخر معارك الفتى رمضان ، إذ قرر أن يترك المدرسة ولم يعد يأتي ولم نعد نراه، وعقمت المدرسة أن تنجب رمضان جديدا، ولم نعد نسمع صوت صياح التلاميذ يتعالى من الفصول و سمعنا كلام المدرسين في أنّ رمضان قد ذهب ليتعلم صنعة أو حرفه قبل فوات الأوان .
‏لم أنس زميلي وجلادي رمضان ولم أنس تفاصيل لقائنا الأخير والمعركة الأخيرة ، وملامحه لا تزال تراودني وكلما جلست مع أصدقاء الطفولة ، كنا نتحدث ونتذكر هذه الأيام الغابرة ، وعندما نتذكر الفتى رمضان هذا يعج الجميع بالضحك ، ونتمنى أن نراه ماذا يعمل الآن؟ وكيف اصبح ؟ حتى أنني عرفت لماذا كان المدرس يزيد في ضربي كلما استغثت برمضان ، لأنني كنت أطلب العفو من رمضان وليس منه وكأن لسان حاله يقول دع رمضان ينفعك ، في أحد الأيام أثناء عملي الصحفي في جريدة معارضة عارضت وانتقدت إحدى الشخصيات الهامة وتعرضت له ولأسرته وطلبوا من رئيس التحرير أن أكف عن نقدهم وتتبعهم ، وعدم إظهار فسادهم ، استدعاني رئيس التحرير إلى مكتبه وطلب مني الكف أفضل لي من أن يستضيفوني عندهم ويعملوا اللازم ، و ضحكت وقلت أنا معتاد على اللازم هذا على يد الفتى رمضان ، فرمضان علمني ودربني كيف أكون زبونا لرجال المباحث ومستعدا لتلقي ضرباتهم وكافة أفعالهم ، ودائما كنت أتمنى أن أرى رمضان، ولم يفهم رئيس التحرير ما أقصد ، وفي نفس الليلة التي حذرني فيها رئيس التحرير جاءني زوار الفجر في منتصف الليل استضافوني عندهم، ما أن دخلت مكتب رئيس المباحث حتى سمعته ينادي : يا رمضان ..

بقلم الْياسَمين