05-20-23, 12:24 PM | #1 | ||||||||||||
|
الكشكول
حتى أتعايش مع عصري اللاهث السريع كنت أقرأ - هذه الأيام - أكثر من كتاب تراثي في آن واحد ولا تسأل كيف، ولماذا؟! فالجزء الرابع من شرح "نهج البلاغة " لابن أبي الحديد أمامي .. وبجانبه الجزء الأول "من حياة الحيوان الكبرى " للدميري .. في حين توقفت عند الصفحة 122 من كتاب " تاريخ الخلفاء " لجلال الدين السيوطي.. وانتهيت توًا من الجزء الثاني من " البيان والتبيين" للجاحظ وتركته مفتوحًا.. ورغم قراءاتي للكتب المذكورة وغيرها ، في وقت مبكر حينما كنت تلميذة في المرحلة الإعدادية إلا أن العودة إليها بعد حين لها نكهتها الخاصة.. على كل حال وأن كنت أشك في إمكانية قراءة مثل هذه الكتب من إخواننا وأبنائنا الذين يدرسون في المرحلة الإعدادية هذه الأيام كما كنا نفعل وفي غمرة انسجامي مع هذه الأسفار الخالدة كان التاريخ يتموج أمامي بأحقابه الملونة وسلاطينه ، وخلفائه و طغاته وقضاته وملوكه وقومه وأدبائه حسب اللهجة التي تسيطر على الكاتب والكتاب وبما تقدمه من مدلولات.. لكن ذلك ليس ما أردت ، أن الذي خطر على بالي وأنا أوزع تركيزي الذهني على الكتب المذكورة أنه كيف يمكن للإنسان المعاصر أن يقوم بقراءة هذا الكم الهائل جدا من الكتب التاريخية والأدبية والعلمية وغيرها قديمها وحديثها ؟! فقديما كان وقت الفراغ و منتشرًا، وكانت سعة الصدر وطولة البال والصبر لدى المؤرخين والكتاب والقراء والأدباء متوفرة حتى نجد أن المؤلف يخرج من صلب موضوع كتابه الأصلي إلى موضوعات هامشية وجانبية .. أخرى ،قد تكون لها صلة بالأصل ، أو، لا تكون .. ثم يعود للموضوع فيخرج عنه مرة أخرى ، ويعود ، وهكذا .. فهناك عوامل وظروف زمانية ماثلة له ومتواجدة تجعل هذا النمط من الكتابة مقبولا ،.. فقل.. أن تجد كتابا قديما لا يحمل صفة " الكشكول " بالطبع لم يكن ذلك مما يعيب أولئك الكتّاب و المؤرخين والباحثين على أن هناك جانبا آخر في هذا الشأن، وهو أن كل كاتب أو مؤرخ يحاول - مع طول أناته - أن يقدم إحدى صفات الكمال الواجب وجودها في واحد مثله - حسب رؤية عصرة - وهي " الموسوعية " والمعرفة الشاملة حتى لا يعاب ويعاب معه كتابه، وإن خرج عن صلب موضوعه.. كما أن الناس قديما -كما يعلم الجميع- لم يكونوا مشغولين في تفاصيل الحياة الصغيرة منها والكبيرة الدقيقة والعظيمة كما هم الآن، وإن كان تأليف الكتب أيضا في العصور الماضية على قدر لا يستهان به نسبة لعدد السكان العام. وعليه فمن الصعب على الإنسان المعاصر- كما قلت -أن يحوي كل المطبوعات التي تقع تحت يديه وعينيه خاصة بعد أن تغير مسار تأليف الكتاب من الشمولية إلى التخصص بل من التخصص العام إلى التخصص الفرعي في الموضوع الواحد ذاته، فقد تقرأ كتابًا يحتوي على بضعة أجزاء عن فصل فرعي فقط ، لأحد الموضوعات ، وهكذا.. هذا عدا الصحف والمجلات التي وصفها الشاعر أحمد شوقي بأنها آية هذا الزمان..: لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان : الصحف - ترى والحالة تلك.. - هل يكفي بأن يكون اليوم أربعا وعشرين ساعة فقط؟ والعمر بمعدل سبعين عاما فقط، حتى يمكننا ملاحقة ما تلفظه المطابع كل ثانية وتغطيتها قراءة واستيعابا؟! - هل نحن كإنسان الأمس؟ - أم أن التغير والتساؤل يجب أن يشمل الزمن أيضا؟! | ||||||||||||
|
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
| أصدقاء منتدى مسك الغلا | | |||||