01-18-15, 02:46 AM | #1 | |||||||||||||||
|
حفيفُ شجرة .
. سَأبدأ من أسوار قريتي ، من هناك حيثُ الجدرانُ الهرمة . من هناك ، حيثُ الشقوق والصدوع التي توسّعت رغمًا عن القصائد المحشوّةِ بها . الجذوع الميّتة ، التي أصبحتْ مقعدًا لأطفال قريتنا . من جداري اليتيم سَأبدأ . هناك في قريتنا التي أصبحت محطّ أنظار كبير المنطقة . ذاك الرجل الأبيض الممتلئ وجهه بالشيب وعيناه بالطمع والقسوة . قرّر أن يهدمها بسرعة دون أن ينتبه للطير المنحوتِ على الجذع الميت الذي أخبرتكم عنه في السطور الأولى . دونَ أن ينتبه للأسماء والقصائد والزهور التي أكل عليها الدهر وشرب فما عاد وجودها فيزيائيًا يُشاهدُ ويُحسّ . نسيَ ان يسألني ماذا سيحدث إن أصبحتْ هذه القرية خراب ؟ جاء إلينا بِثوبٍ مرتب ، في يدِه اليمنى عصًا يتكئُ عليها . ينظر بعينه الصغيرة لتفاصيل القرية , ويرسمُ بعصاه دائرةً صغيرة على الأرض وكبيرةً في عينيه . يقول بصوتِه الرديءِ جدًا : كلها كلها اهدموها . ويضجُّ في صدري الصراخ : لا أيها السيّد لا . ولأنني بلا صوتٍ أصرخ فهم لا يسمعون . ماذا عن جدّي الذي مات هنا ؟ ماذا عن عبقهِ الذي يملأ غرفةَ جدتي ويؤنس وحشتها ؟ ماذا عن ثيابه التي لازالت معلّقةً في خزانتها ؟ وفراشه الذي تنام جدتي في صدره منتظرةً لحظةَ الموتِ بشغف واشتياق ؟ وأنا ، ماذا عني ؟ وعن جداري الذي كتبتُ على صدرهِ القصص مع أصدقائي الميتين أيضًا ! ولأنني فتاة ، عليَّ أن أبقى صمّاء وأن لا أتفوّه بشيء . كنتُ مُزحمة بالوجع ، وتفاصيل الغربةِ تنهش من جسدي النحيل لتقوّس منكبيه . والشتاءُ البارد لا يكفّ عن تبليل يدي بماء الحنين الباردِ جدًا . الحنين إلى عائلتي ، التي كنت مُضطرّة للابتعاد عنهم ، فالدراسة جرّتني للطريق المعوج الطويل . الدراسة القاسية . وبينما أنا كذلك , أكابدُ الغربةَ بين جدرانِ القرية الآيلة للسقوط لم أفكّر في طريقةٍ جيّدة لمنعهم من هدم شيء . لأنني عاجزة . وصوتي إن امتدّ فهو لن يغيّر في الواقع شيئًا . بل سَيُغضبُ أمّي التي تحب أن أبقى مُهذبَة دائمًا ورغمًا عن كلّ ظرف . وحين أسقطتني كلّ هذه الظروف القاسية انفجرتُ بالنصوص . كتبتُ كل الأشياء التي اختلجتني وغرست في صدري الشوك لتصنع الكثير من الثقوب . وبينما أنا كذلك : أسدُّ الثقوب بالنصوص محاولةً النهوض ، نهضتُ صلبةً جدًا . متصلبةً على أحد الأرصفة كشجرة . أتساقط كلّ خريف ، دون أن ينتبه المارّة لتساقطي . يتكؤون ويأخذون معاطفهم في كلّ ليالي الشتاء التي عقبت فصلُ التساقطِ المرّ . لم يتركوا لي واحدًا أرتديه كلّما اشتدّت عليّ الريح . وبينما أنا كذلك : " أكتب لأبقى واقفة " التقيتُ صدفةً بجذع صلب على أحد السطور المرّة . التقينا نصوصًا ، لم نلتقِ بشرًا ولم يخبر أحدنا الآخر عن ماهيته : أقصد الجذع والشجرة . تحدّثنا بلغةِ القصائد عن كل القصص : المرّة والحلوة أيضًا . لم يعبر هذا الجذع كبقيةِ العابرين ، ولم يترك لي معطفًا أيضًا كما كنتُ أريد . لقد كان معطفي الدافئ جدًا , كان فوقَ ما أريد . أزاح عن وجهي لون الأرق , وعن صدري الشوك , وسدّ الثقوب بالياسمين الأبيض . صنع لي من الموسيقى فُستانًا وارتديته . وأصبحتُ الشجرة المائلة التي تُجيدُ تحويلَ الحفيفِ إلى أغنيةٍ قديمة . الشجرة التي إذا اشتدّت عليها الريح تمايلت راقصةً غيرَ مبالية لما يحدث فهناك جذعٌ صلب يحيط بها من كلّ جانب . أبعد عن عيني البلل ، وعن لساني مرارةَ الغربة وعن الطريق المسافة . كنّا نحلم حلمًا سماويًا : " لا ينتمي للأرض " كما يقول بصوته الخشبي . كنّا نريدُ أن نتعانق كغيمتين لنهطل غيثًا شفافًا يسقي صدورنا التي أجدبتها المسافة . والتقينا في اصبع وتجعيدةَ ابتسامة ، وعدنا أشجارًا مُتصلبة . نغني دون أن نحلمَ بِلقاء . نغني ونبتسم رغمَ كلّ رجفةِ خوف ارتدتها أصواتنا ، ونبضت بها قلوبنا . إننا الجذع والشجرة , الواقِفَيْنِ بجانبِ بعضيهما دون عناق . دون أن نلمس بعضنا ، لقد قدّستنا الظروف وأصبحنا كمعبد يرتادهُ الحب دون أن يقرّب جسدينا لبعضيهما . إنه يبكينا في كلّ اختناق . ويعيدنا نحيلَيْن ، منحنييَن . راقت لي .. | |||||||||||||||
|
01-18-15, 02:53 AM | #2 | |||||||||||
|
طرح جميل سلمت يدااااك | |||||||||||
|
01-18-15, 07:36 AM | #3 | |||||||||||||
| فيضَ مَنَ الجَمــالْ الَذي سكبتهْ تِلَكَ الَـأنــاملْ الَاَلمَــاَسيَةَ ..! طًرّحٌ مٌخملَي .., كُلْ شَئَ مختلفْ هُنــا يعطَيكـًم العآفية ..ولـآحرَمنآ منَكـًم بإنتظَآرَجَديِدكًـم بشغفَ | |||||||||||||
|
01-18-15, 09:08 AM | #4 | ||||||||||
| أختي بيلسان جزاك الله من الخير اكثرهـ دقه وجله ومن العطـاء منبعـه وأفضله وأجزله لاحرمنـا البآري وإيـاك ـأوسـع جنانـه دمت بسعادة من الرحمن مدى الحياة والأزمان بانتظار نثر زهورك المفعمة بالعطور والبخور جعلها الله شاهدة لك لا عليك يوم القيامة تقبلي تحياتي ومروري المتواضع على متصفحك باقة ورد جوري أزفها إليك من فؤادي | ||||||||||
|
موضوع مُغلق |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه للموضوع : حفيفُ شجرة . | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
شجرة قوس قزح | مطر الفجر | قسم عالم الكائنات الحيه البريه والبحريه | 17 | 12-10-15 06:59 AM |
((حـيـص بـيـص))؟؟ | الخيال التغلبي | مواضيع إسلاميه - فقه - أقوال ( نفحات ايمانيه ) •• | 8 | 10-17-15 10:02 PM |
يا صخرة في الوادي | شكيبيان | ابداعات أقلام الاعضاء الحصريه للمنتدى ( أقلامُنا ) | 4 | 10-02-15 09:29 PM |
تصميمً خفيفَ لعيونَ المنتدىَ | أحـسـاس طـفـلـة | أنامل تتراقص لتبدع بفن التصميم ( تصاميمُنا ) | 12 | 10-31-14 11:33 AM |
[ شجرة اعضاء المنتدى ] .: شجرة المحبة :. | كوكو الخنشلي | قسم العام للمواضيع العامه •• | 12 | 10-17-12 11:46 PM |
| أصدقاء منتدى مسك الغلا | | |||||