ظل الوطن بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين أعرف أحدهم معرفة شخصية ، يتجاوز السبعين من العمر ، مر بحياته أحداث كثيرة ، من هجرة ويتم ومن ثم دخوله في عالم النضال والسياسة الى حياته في السجون وأخيرا ً أستقر بألمانيا بمخيم للاجئين ، لم أره منذ سنين ، وأنا أحب مجالسة الكبار ، وهو بعد أن بدأ يتقدم به العمر ، صرت أسأله وأتقرب منه ، فصار يحدثني وعندي الكثير من أخباره وأحداث حياته ، سأسرد هنا ما استطعت منها |
كان َ صغيرا ً ، لم يكمل السادسة من العمرحين قضت ْ والدته، حسناء ، قالوا له عنها أنها جميلة ، طويلة ، شخصيتها قوية ، كان يحب أن يسمع أي ُ شئ عنها ، صاحبنا يعي تماما ً ما معنى أن يكون المرء يتيما ً ، يكبره حسين ، بسنتين ، كان يذكرها أحسن منه، يحدثه عنها وهو لا يعرفها كثيرا، كان مثل أخيه، فقط يهذيان بذكرها ، صار عمره سبع سنوات وبدأ كل شئ حوله يتغيير ، هناك شئ ما يحدث ، الناس تجمع ما خف حمله وتمضي ، قال له والده، سنهاجر ، جاؤونا بسلاح وعتاد وأخذوا أرضنا ، يقتلون من وقف أمامهم دونما رحمة ، ويهددون نسائنا بالسجن والخطف، والجيوش العربية تستعد لدحرهم ، سنعود . تلك اللحظات حفرت في صدره وقلبه ، حددت مصيره ، ولم يعي وقتها أن الغد لن يأتي بخير ، يقول : ظننا بأن أحدا ً لن يأت ِ لينقذنا ، وبعض الظن سوء ، وبعضه حقيقة ، ما حصل معنا الجزء الذي يصل بالحقيقة . غادرنا لبلد عربي ، قريب ، لأننا سنعود قريبا ً أيضا ً ، معنا مفتاح دارنا ، و[ قواشين ] الأرض ، عشرات الآلاف من الأمتار تنتظر سواعدنا إن كبرنا ، كبرنا ، والأرض لازالت تنتظرنا ، وما عدنا وصلنا بعد أيام لتلك البلد ، سكنا الخيام ، وهمت منظمات الظلم الدولية [ اليد الأخرى للقاتل ] بمد يد العون لنا ، أعطونا بطائق وكتبوا عليها لاجئين ، وقالوا لنا نحن هنا لنساعدكم ، ونقدم لكم كل ما تحتاجونه سنعوضكم عن أوطانكم بعلب سردين وأكياس طحين وبالسجون والنعيم .ومن هنا بدأت قصة الأرقام معنا ، تعلمنا العد ، وكلما وصلنا لرقم وظننا أننا أنتهينا ، بدأنا بالعد لحالة أخرى ،وبالنهاية أدركنا أننا نحن الأرقام لا أكثر . الأيام مرت ، يوم ٌ يكتبه آخر ، وجدران الخيام تحولت من قماش الى أحجار ، وبقي السقف قماشا ً ، تطورنا ، صار السقف صفائح حديدية ، كان يخرج أبي صباحا ً يبحث عن عمل ، يأتينا آخر النهار ببضع قروش ، مسكين ٌ والدي ، بعد أن كان يمتطي خيله ويجول بأرضه، صار عاملا ً يبحث عن قرش ٍ يشوبه الذل ، وما ضره وما أستكان، ، فقط شعور يدمي القلب لا أكثر وفجأة قررت الدولة المضيفة ترحيلنا لمسافة تبعد عن المكان الذي كنا فيه مسافة خمسمائة من الكيلو مترات ، هجرة داخل هجرة ، بقينا هناك شهورا ً ، ومن ثم أعادونا ، حسابات ٌ لم نعرفها ولن ، لأنها كانت تجري بالسر ، وما أكثر أسرار ولاة أمورنا . رفض الذهاب الى المدرسة ، أخي حسين ، أراد أن يعمل ، أما أنا فوافقت ، أخذني والدي للمدرسة ، قالوا له لا يوجد أماكن شاغرة ، أجابهم : أنا أعطيه كرسي صغير ، فقط أقبلوه كنت ُ أذهب الى المدرسة حافي القدمين ، ومعي كرسي لا يبلغ ارتفاعه ثلاثون سنتيمتر ، أضعه بأخر الصف بين مقعدين ، ولكني كنت مصرا ً على أن أتعلم ، أحببت الدراسة ، وكنت ُ سعيدا ً بأحزاني مع عائلتي ، مرت سنتان على الهجرة ، وتزوج والدي ، لا أنكر أن مأساتي زادت ، وتعبت وأنا طفل صغير ، وكأن الأيام تجبرني على أن أكون رجل ٌ صغير |
فاصلة أثناء الهجرة في العام 1948 أضاعوا ابن عم لهم ، واسمه مصطفى ، استمروا بالسؤال عنه دون طائل ، ولم يثنهم تعاقب السنين ، وبشكل أو بآخر وبنهاية الثمانينيات وصلهم خبر بأن هناك شخص يشبه من يبحثون عنه، هناك تفاصيل لهذه النقطة ولكن لا داع ٍ لذكرها هو رقم آخر ، رقم ضائع |
حدثني عن زوجة ِ أبيه ، قال : عشنا معها أيام من العذاب ، كانت تُخبئ عنا الأكل بصندوق ، وتضرب أخواتي اللاواتي يصغرنني ، كن َ أربع فتيات صغار ، ;كان والدي يغيب ُ طوال النهار ، وقت ُ العذاب والتعب النفسي ، ويعود مساء ً ، فتصبح زوجته مخلوقاً غير الذي عرفناه نهارا ً تتصنع أمامه الإهتمام ، تنادينا للجلوس على سفرة ِالطعام ، بنظرات حقد ٍ مسروقة عن عين والدي التي كانت لا ترانا ، كان يرى تاريخه وأرضه السلوبة ، كان عيناه معلقة بالماضي وفكره هرم قبل جسده القوي الفتي ، كانت بنيته قوية ، وقتلتها الهموم. في احدى المرات شارف النهار على الأنتهاء ولم نتناول شيئا ً على الإطلاق ، فغضبت ُ منها وجادلتها ، علا صوتينا ، همت بضربي تظنني كأخواتي الضعاف بالرغم من صغر سني، هربت منها لجهة أخرى ورأيت سكينا ً ، حملته ورميت السكين عليها ، لم أنجح بإصابتها وإن كنت ُ أتمنى عكس ذلك . هربتْ وهي تصرخ ، وخرجت ُ من المنزل ولم أعد حتى وقت متأخر ، بينما كنت خارج المنزل ، أحسست بأن الروح داخلي تموت ، أحسست بأن كل شئ حولي يجعلني وحشا ً ، قاسي القلب ، أدركت أنني أتغير . ... فاصلة، من الصعب أن تعيش َ يتيما ً ، والأصعب منه أن تكون يتيما ً مظلوما ً ، من حسن حظ اليتيم وجود من يهتم به ويحسن معاملته ، سيبقى في نفسه شئ ، وسيظل يفتقد أغلى المخلوقات على هذه البسيطة ، الأم ، ولن يعوض مكانها شئ وفي الجهة الأخرى نجد ُ يتامى يعيشون تحت حكم زوجة الأب ، وإن كانت ظالمة ، فلكم أن تتخيلوا ما الذي سيعانيه هذا اليتيم ، لن تبكي عيناه فقط ، بل كل جوارحه ستبكي الى أن يتبلد ، يتغير، وقد يصبح وحشا ً لا يؤمن جانبه ، فنقاضيه ونحكم عليه وندعوه بالآفة التي يجب أن نطهر منها المجتمع ، فعليا ً ، المجتمع الذي تركه لمصيره هو الآفة ، والآفة هي الضحية . |
قصة مؤثره جدا احسنت اخي الكريم تحيتي لك |
تسلم اخوي ع الطرح و القصة تحياتي |
الساعة الآن 11:27 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا