الحقيقة هذا العنوان الذي وضعته للمقال هو : مقتبس وبتصرف بسيط من عنوان كتاب ابن القيّم الجوّزيّة رحمه الله تعالى والذي ألّفه في تأصيل الفتوى والمفتي وما يكون من علم لا بد وأن يتصف به من يتصدى للفتوى ، لأن المفتي أو المتكلم بعلم الحلال والحرام ، وكذلك علم العقائد ما هو الا أحد من يوقّع الفتوى يعني ((الخبر)) عن رب العالمين ، ويعتبر ذلك الكتاب من علم الأصول الفقهية . وسمّاه ((أعلام الموقعين عن رب العالمين)) ،.
منهم هؤلاء الموقعين عن رب العالمين كما وصفهم ابن القيّم ؟
قد وصفهم لنا ابن القيم وقال عنهم :
(أول من وقع عن الله عزّ وجلّ هو الرسول)
وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيّد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، عبدُ الله ورسوله ، وأمينه على وحيه ، وسفيره بينه وبين عباده ، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين ، وكان كما قال له أحكم الحاكمين : ((قل ما أسألكم عليه من أجر ، وما أنا من المتكلفين)) ـ ص ـ 86 ) .
فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامع الأحكام ، ومشتملهة على فصل الخطاب ، وهي في وجوب اتّباعها وتحكيمها والتحاكم اليها ثانية الكتاب ، وليس لأحد من المسلمين العدُوُلُ عنها ما وجد إلى ذلك سبيلاً ، وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول : (فإن تنازعتم في شيء قرُدُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلاً) النساء 9 .

بعد قال : فصل ـ
(الأصحاب رضي الله عنهم)
ثم قام بالفتوى بعده بركُ الاسلام وعصابة الايمان ، وعسكر القرآن ، وجند الرحمن ، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم ، ألين الأمة قلوباً ، وأعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، واحسنها بياناً ، وأصدقها ايماناً ، وأعمها نصيحة ، وأقربها الى الله وسيلة ، وكانوا بين مكثر منها ومُقل ومتوسط .
قال : والصحابة هم (سادة اهل الفتوى)
ثم أخذهم بالتدرج والدرجة بالعلم وأيهم أفقه وأعلم بالفتوى ، فبدأ بالفاروق رضي الله عنه
(عمر)
نقل عن ابن مسعود قوله : إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم .
وقول الشعبي : إذا اختلف الناسُ في شيء فخوذوا بما قال عمر .
ثم عثمان ـ ثم على رضي الله عنهما ـ ثم انتشر الدين والفقه .
ثم نقل رحمه الله الشرط الذي وضعه عالم الأصول الفقهية على الاطلاق ، وهو صاحب كتاب الرسالة وهي أول كتاب وضع في علم الأصول فيما أعلم ، والله أعلم وأحكم ـ وهو الإمام ابن إدريس الشافعي رحمه الله ، حيث قال الشافعيُّ فيما رواه عنه الخطيبُ في كتاب الفقيه والمتفقّه له : (لا يحلُّ لأحد أن يفتي في دين الله إلّا رجلاً عارفاً بكتاب الله بناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابههُ ، وتأويله وتنزيله ، ومكيّه ومدنيّه ، وما أُريد به ، ويكونُ بعد ذلك بصيراً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبالناسخ والمنسوخ ، ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن ، ويستعمل هذا مع الإنصاف ، ويكون بعد هذا مُشرفاً على اختلاف أهل الأمصار ، وتكون له قريحة بعد هذا ، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتي في الحلال والحرام ، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي)) . انتهى رحمه الله تعالى .

أرجو ان أكون قد بينت ما يلزم لهثل هذا الموضوع ، فإن أصبت فمن الله وحده لا شريك له ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ، والله من ذلك براء ورسوله .

جزاك الله خيرا ونفع بك

نبض مغربية ـ شاكر مرورك ، وجزاك الله خيراً ، وأجزل مثوبتك .