بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه أول تدوينة اخطها بقلمي ذو الفصاحة الهشة والفائدة العقيمة !

قبل أي شيء اود أن أقص عليكم نبأ ذلك الكهل ( الأمي ) ذو اللحية البيضاء الطويلة الذي عاش عمره كله على فطرته البريئة ، والحياة تفترسه وتسلبه كل شي بلا رحمة حتى انها نهشت لونه ووسمته بالسمرة الداكنة رمز " للمشقة والعناء " ، بل حتى عدسة عينه اليسرا تتأرجح مابين ( الاخضر والابيض ) رغم انها كانت عسلية بريئة تسحر الناظرين !

ذلك الشيخ الكبير عاش حياته متمسك بالفطرة التي ولد عليها وأنتقل بها من القرية إلى المدينة ، ومعه ايضا قسوة البادية رغم أن التمدن عماده اللين و"السعة" والتعاطي مع الحياة ببساطة بعكس البادية تماما !

عاند التطور من حوله وكلما اشتدت الحياة زاد صلابة ، وأظن ذلك سبب إصابته بأكثر من خمسة امراض مميته في اواخر حياته " رحمه الله وغفرله " وكانت سبب في وفاته بعد الله!

تزوج واستقر في شبابه بالمدينة وهو يصارع اسلوبها وافكارها النقيضة لمبادئه، رزق بإبن بفضل الله ومنته وكرمه وسماه ( موسى ) تيمنا بسيدنا ونبينا عليه السلام ، ورزق بالاخر فسماه ( يوسف ) أيضا على نبينا الصديق عليه السلام !

كانت فطرته تقوده حتى في تسمية ابنائه رغم "أميته" فهو بالكاد يجيد الفاتحة آنذاك وأشك انه يعرف عن النبيين عليهما السلام اكثر من اسمائهما وان ديننا حثنا على حبهما والاقتداء بهما .
ورغم ان " باديته " ايضا تحكم بأن يسمي على ابائه او اجداده ..الخ الا انه اتبع فطرته ودينه !

مايثير الدهشة هو انه لم يطلق عنان مخيلته ويحلم كباقي الاباء ويفرط في التمني وتخيل ابناءه ( اطباء او ضباط او معلمين ) او حتى ( امراء وملوك ) !

بل سخر كل رغباته وامنياته ودعواته ووحدها بأن يكون كل منهما مثل " سميه " هاجسه الذي ياكل من عقله ومن عمره ان يكون ابنه " موسى " كنبينا وسيدنا ( موسى ) عليه الصلاة والسلام ، وإبنه " يوسف " يكون كالصديق ( يوسف ) عليه الصلاة و السلام !

وكل هذا من اجل دينه الذي يتبعه وفطرته التي ولد عليها ، رغم ان صمام الحياة المال والمنصب والشهادة ، الا انه لايريد لابنائه كل ذلك ، فقط يريد ان يحبهم الله ويرضى عنهم ويقربهم له كما اكرم سبحانه وتعالى الانبياء والمرسلين ، يريدهم ان يكونوا متشبثين بالدين اكثر من الدنيا ، يريدهم ان يدعون لله ويجمعون الناس تحت راية التوحيد ويقودونهم الى طريق الهداية ويتفرغون لذلك حتى يختارهم ربهم كما اختار الانبياء والصالحين من بعدهم !

العجيب ان البادية في الماضي كانوا يعتبرون العلم مضيعة للوقت وانه من الامور التافهة ، وللاسف هو تأسس على ذلك !

ولكن الاعجب انه في كبره ادرك انه لابد ان يحفظ شي من القران ليقابل به ربه والدين الرقم واحد في قائمة مبادئه ولكن لايكون ذلك الا اذا تعلم ، والتعليم مضيعة للوقت كما تقول قائمة قناعته في الرقم اثنين فأصبح هناك تعارض كبير ولديه مشكله ، وهو رجل ملتزم بقائمته لا اراديا منذ ولد ومستحيل ان ينتهك حرمة احدها !


رحمه ربه مماهو فيه وألهمه بحل يتوافق مع كل مفاهيمه ، ان يسمع من الراديو ويحفظ ويقرأ على امام المسجد ماتيسر مما حفظ وايضا الامام يقرأ عليه ويحفظ منه حتى انه حفظ معظم القران ان لم يكن وفق بختمه عن ظهر قلب ، دون ان يهدم اي عامود يقوم عليه سقف حياته !

ختمة :

صحيح انه مات متشبثا بافكاره وقيمه ومبادئه ولم تتمكن الحياة بكل ما أوتيت من قوة وقدرة وامكانية ان تجعله يتزحزح ولو شبرا واحدا !

الا انها ايضا قتلته في النهاية !

فلذلك لامنتصر في معركة دامت 63 عاما