( يَوْم في الزِّنزانة )


سُكب الماء البارد عليها دفعة واحِدة لتنتفض من غيابها للوعِي، شهقت بقوّة !
حاولت رفع جسدِها المثقل أثر ضربِها بالسّياطِ، لم تساعدها قدماهَا المتخدّرة.. أو يديها المعلّقة بأصفادِ الزنزانة، وقعُ خطواتِ حذاء ضبّاطِ المخفر والذي تُقسم بأنهُ كسمفونية محفُوظة تتراقص في مسامِعها يقتربُ منها.
لم تنتبه للضّابِط الآخر والذي كان يتفنّن بتعذيبها منذُ دقائق، إنَّما كانت تُحدِّق بالذي قد وصلَ توًّا، فهي تعرف وبِكامل الخِبرة أنَّ هذا الجحيم الذي تتعايش فيهِ ما هُو إلَّا بقرارٍ أمرَ بِه هذا الرَّقِيب الذي أمامها.
انحنى ليكُون وجهَهُ على بُعدِ سنتمترات من وجهِها، وبسُخريةٍ غلَّفت صوتهُ تلفَّظ :
- هل كُنْتِ بخير.. أيَّتُها الهارِبة ؟
بصقَت على وجهِه كُلَّ حِقْدٍ توغَّل قلبها، بصقَت كُلَّ شعُورٍ اجتاحها وبعثر كُل كيَانٍ التحفت بِه، بصقَت كُل دمعةِ ذرفَتْها لأجلِ ضابِطٍ تلذَّذ بمُمارَسَةِ الظُّلم عليها، بصقَت ذاتهَا الَّتي انصاعَت في يَومٍ لحكُومَةٍ سيَّرت شعبها وصاغَت جرائِمَها دُون حياءٍ.
أخرَجَ منديلَهُ ومسح وجَهَهُ راسِمًا ملامِح البلادة، وبِحركة سريعَة صفعها بظهرِ يدِه ليخدُش خاتمَهُ الفِضِّي وِجنَتَها المُتورِّمة، نطقَ بنبرَةٍ حادَّة آمِرًا الضَّابِط الآخر :
- اعزِلْها في سِجْنٍ انفرادِيّ، المُجرِمُون أمثالُها يستحِقُّون التَّعفُّن دُونما شفقة !
نعم.. كانَت هِي " المُجرِمة " المظلُومة الَّتي عصَت وتمرَّدت على حكُومَةٍ زاوَلَت العُنْف على شعبِها بإِسم تطهِير الدَّولة مِن كُلِّ فاسِقٍ !

- تمَّت