شتّان بين طفولةٍ وأُخرى اشتقت لرؤية الطبيعة كثيراً ، أصابني الحنين لصوتها ، لرائحتها ، وللونها الخلاب ، فخرجت من منزلي أبحثُ عنها ، حيثُ لا طبيعة خلّابه كانت تقطن الشوارع ، مبانٍ مُتهالكة عن يميني وشمالي تحجُبُ عني أشعة الشمس ، كومةٌ من أكياس متناثرة هنا وهناك ، وطفلٌ في الحادية عشرَ من عمره يترجّل من سيارة والده بهدوء بعد أن رَكَنها بجانب المنزل ، ليَفتح الباب بهدوء أيضاً ويَهِم بالدخول . لم يكن هناك طبيعة ! ! ، حتى تلك البيئة الخصبة التي تعج بأرواح الأطفال لم أَرَها ، لَم أَرَ تلك الروح وهي تنتفِض معلنةً عن وجودها ، عن حضورها ، فتلعب وتلهوا كما عهدناها دوماً ، كل ما رأيته فتاةٌ في الثانية عشرَ من عمرها ترتدي فستاناً أنيقاً قصيراً ، ترفع شعرها بطريقةِ شابة بالعشرين من عمرها ، كانت قد وَضَعَت على وجهها كل ما يمكن وضعه من مساحيق تجميلٍ اتسع لها وجهها الصغير ، تجلس بعتبة منزلها وبيدها طلاء أظافِر فتُسَخِّر جُلَّ تركيزها عليه حتى لا يحيد الطلاء عن منطقة الظفر الذي بدا لي أنه يفوق أظافر القطط طولاً . وأُخرى هُناك تجلِسُ مُسلِّطَةً جُل تركيزها على شيءٍ ما كانت تحمله بيدها ، تضحك تارة ، وتعبُس تارةً أخرى ، وتتحدّث معه كثيراً ! ! ، علمتُ بأنه كانَ هاتفاً لا محالة عندما رفعته بيدها اليمنى ثم أخَذَت تميل برأسها تارةً ، وتبتسِم تارَةً ، وتَمُد شفتيها مع رفع الحاجب الأيسر تارةً أُخرى لتلتقط المزيد والمزيد من الصور لنفسها . مضيتُ في ذات الطريق وذاكرتي تُعيدني لطفولتي تلك التي كنت أُحاول استثمارَها باللعبِ واللهو لساعاتٍ وساعات ، فتارةً بالكرة التي كان من المفترض أنها مخصصة لفئة الذكور ، وتارةً بالدراجة ، وتارةً بخلقِ رفيقة جديدة أُحادِثها عن طريق هاتف "فلة" الذي كنتُ أوهم نفسي بكونه هاتف حقيقي أتحدّث به لرفيقةٍ وهميّة قد اختلقها خيالي . تذكّرت كم كنتُ أَسعَد بتلك الكاميرا التي ما أن أضغط على زر التصوير بها حتى تظهر لي صور من مكة المكرمة أراها واضحة أمامي ، تذكّرت مطبخي الذي كان أخي قد ساعدني بإنشاؤه بسطح منزلنا آن ذاك ، وخضرتي وبهاراتي المكونة من كومة الحجار والتراب وقشور البصل التي كانت هوايتي آن ذاك تجميعها لإفتتاح مطبخي الجديد الفريد من نوعه ! سيارتي الخشبية المكوّنة عجلاتها من عُلب الحليب ! ! ، ألعابي البسيطة التي كنتُ أرى نفسي أَسعَد من على وجه الأرض بها . بعيداً عن انغماسي بهواتف تسلبني عقلي ، توقفهُ عن القدرة على التفكير ، وبعيداً عن تمرُّغي بعلبةِ مكياجٍ تسلبني طفولتي قبل أوان رحيلها ، بعيداً أيضاً عن مواراة براءتي خلف قناع فتاة عشرينيّةَ الهيئة تُجيد تصرُّفات الكِبار ببراعةِ مُحتَرِف وتعجَز عن ممارَسَة حياتها التي تُناسبها وعمرها الذي لم يتجاوز العاشرة بعد . [عبق] |
إنّ الدنيا مسرعة في كل شيء في أيامها و لياليها في تغييرها في تطورها ليسَ عجيباً ما رأيته كل خمسِ سنواتٍ يظهرُ جيلٌ جديدٌ آخر التطور قد سببَ الإنفتاح و الإنفتاح قد سلبَ البراءةَ من فمِِ الطفولة عبق سلمتِ |
اقتباس:
أهلاً بوهجك مرجانة 🌹❤ |
كل شي تغير لم يعد كالماضي .. حتى براءة الاطفال تغيرت .. والحريات .. الاقارب ..والجيران .. الاصدقاء .... سلمتي عبق ..:MonTaseR_95: |
كل شي يُسلب منا الا روح الطفولة في داخلنا لن يسلبه شئ منا ، متمسكين به مهما كبرنا لانه هو المتنفس لنا في ضيق هذة الحياة . مبدعة عبق :MonTaseR_98: |
اقتباس:
أهلاً بنورك |
الساعة الآن 05:18 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.6.1 al2la.com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوظه لـ منتديات مسك الغلا