تؤكد قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب على ضرورة حسن اختيار الزوج وتيسير الزواج للشباب وعدم المبالغة في حفلات الزفاف، كان على ابن المسيب الاختيار بين زوج غني ذي سلطة ونفوذ لكنه مستهتر ماجن، وآخر فقير لكنه على خلق وعلم ودين، وما قام به الأب يكشف أنه فهم تكافؤ النسب بالعلم والدين، وليس بالفقر والغنى، رغم تعرضه للعقاب لرفضه زواج ابنته من ابن أمير المؤمنين الخليفة عبدالملك بن مراون.


من أعلام التابعين
وحسب كتاب "سير أعلام النبلاء"، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، فإن سعيد بن المسيب هو "علم من أعلام التابعين، وأحد فقهاء المدينة السبعة في زمانه، تميزت حياته بالعلم والورع والزهد والتواضع، ولد سنة خمس عشرة للهجرة بعد تولي عمر بن الخطاب الخلافة بسنتين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشأ فيها، فتلقّى عن الصحابة رواية الأحاديث ومسائل العلم، وتزوج سعيد بن المسيب بابنة أبي هريرة رضي الله عنه، فكان صهره، وإذا رآه قال: "أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة" رواه ابن سعد في طبقاته.


زواج ابنة سعيد بن المسيب

وروى الذهبي قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب، فقال: "حدثنا مسلم الزنجي، عن يسار بن عبدالرحمن، عن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنة له على درهمين من ابن أخيه.

وقال أبو بكر بن أبي داود: كانت بنت سعيد قد خطبها عبد الملك لابنه الوليد (أمير المؤمنين الخليفة عبدالملك بن مراون، لابنه وولى عهده الوليد بن عبد الملك) فأبى عليه (رفض سعيد بن المسيب)، فلم يزل يحتال عبدالملك عليه حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد، وصب عليه جرة ماء، وألبسه جبة صوف.


أزوجك ابنتي بدرهمين
وتمضي القصة برواية الرجل الذي تزوج ابنة سعيد بن المسيب وهو كثير بن أبي وداعة والذي يقول: "كنت أجالس سعيد بن المسيب (لمجلس علم اتعلم منه)، ففقدني أياماً، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي (زوجتي) فاشتغلت بها. فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها. ثم قال: هل استحدثت امرأة (تزوجت بأخرى)؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا . فقلت: وتفعل؟ قال: نعم، ثم تحمد، وصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوجني (ابنته) على درهمين -أو قال: ثلاثة- فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح".

أتى بالعروس إلى منزلي
ويمضي كثير بن أبي وداعة قائلاً: "صرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين، فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائماً، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزًا وزيتًا، فإذا بابي يقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد . ففكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد (أي يكون في المسجد في ذلك الوقت)، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له (تراجع عن زواج ابنته لي)، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلاً عزبًا فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك".

لحظات ارتباك
ويكشف كثير بن أبي وداعة عن ارتباكه عقب وصول عروسه فجأة وكيف استدعى الجيران، الذين استدعوا أمه ويقول: "فإذا هي (العروس) قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة (الطعام) في ظل السراج لكي لا تراه (حتى لا ترى أن طعامي هو الزيت)، ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران (استدعيهم)، فجاءوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم . ونزلوا إليها، وبلغوا أمي، فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعرفهم بحق زوج".

ابن المسيب يمنح زوج ابنته 20 ألف درهم
وينهي كثير بن أبي وداعة قصته قائلاً: "فمكثت شهرًا لا آتي سعيد بن المسيب. ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض المجلس، فلما لم يبق غيري قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد على ما يحب الصديق، ويكره العدو . قال: إن رابك شيء، فالعصا، فانصرفت إلى منزلي، فوجه إلي بعشرين ألف درهم".